خيارات العدوان في اليمن: الحل في الاعتراف بالهزيمة
المسيرة: إبراهيم السراجي
عبرَ شاشة قناة العربية السعودية يتحدث عبدالله القحطاني، الذي يُفترَضُ أنه خبيرٌ عسكري سعودي، أن الولايات المتحدة تستطيعُ خلال ساعات السيطرة على ميناء الحديدة، معتبراً أنه لم يعد هناك من سبب لعدم تحَـرّك واشنطن، خُصُوصاً أنه تم التأكُّدُ من “الدعم الإيراني للحوثيين”، وهو هُنا يشيرُ للمؤتمر الصحفي الذي عقدته سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حول أجزاء من صاروخ بركان اليمني الذي قالت إن تقرير الأمم المتحد قال إنها صنعت في إيران.. ولم يصمد التقريرُ المزعومُ للسفيرة سوى لمدة 15 دقيقة، إذ خرج بعدها المتحدثُ الرسمي باسم الأمم المتحدة “فرحان حق” ليؤكد أن تقرير الأمم المتحدة يؤكد أنه لم توجد أدلة إرسَال إيران صواريخ إلى اليمن.
إذن كان المؤتمر الصحفي للسفيرة الأمريكية “نيكي هايلي” مجرد كذبة مدفوعة الثمن سعودياً لم تعمّر سوى 15 دقيقة، فيما تجد الإشارة إلى أن السفيرة الأمريكية هي التي أعلنت أن وجودها بالأمم المتحدة سيكون لمنع أية إدانة لإسرائيل، كما تم وضع مقارنة لصورتها مع أجزاء من صاروخ بركان في المؤتمر الصحفي بصور وزير الدفاع الأمريكي السابق “كولين بأول”، وهو يستعرض ما يُفترَضُ أنها أدلة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ما لبث العالم أن عرف الكذبة الأمريكية البريطانية التي اتُّخذت ذريعةً لغزو العراق وباعتراف “توني بلير” رئيس الوزراء البريطاني في حقبة الغزو عندما اعترف مؤخراً أنهم كذبوا على العالم.
بالعودة للخبير العسكري السعودي، فإن ما يمكن أن يُفهَمَ من كلامه هو حجم اليأس السعودي الإماراتي في تحقيق نصر مفقود في اليمن على مدى نحو ثلاثة أعوام، في وقت يلفظ العام الجاري أنفاسه، وكذلك حجم رهان قوى العدوان ومن ورائها الولايات المتحدة على ورقة الفتنة في صنعاء الذي مثّل القضاءُ عليها أكبر صفعة تتلقاها منذ بدء عدوانها، فالرهان لم يكن بالهيّن، بل كان رهاناً منح العدوان طموحاً ليس في تحقيق تغيير ميداني فحسب، بل تحقيق انتصَار كامل.
لم يكن القحطاني وحدَه من تحدث عن ذلك، فالشاشات السعودية والإماراتية امتلأت بالمحللين والخبراء العسكريين الذين لا يبدون وجهات نظرهم الخَاصَّة، بل يعبرون عن الأنظمة التي ينتمون إليها، فأحدُهم يتحدث مؤخراً أن سببَ تعثرهم في اليمن يعود لقرار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بتخفيضِ المساعدة اللوجيستية للعدوان وليس إنهائها، ومع ذلك يعتقد السعوديون والإماراتيون أن ذلك الانخفاضَ الذي لم يدُم طويلاً كان سبب هزيمتهم، لكنهم اليوم يقرّون بعجزهم الكامل ويطالبون أمريكا بالقيام بالمهمة بنفسها.
- إعادَة تدوير الأوراق المحترقة
يُجمِعُ الكثيرون من مناهضي أَوْ مؤيدي العدوان أنه في البدء وضع علي صالح ضمن أهداف العدوان؛ لأن السعودية كان لديها شعور بأنها قادرة على حسم معركة اليمن في أسابيع ولم تعد بحاجة إليه وتحتاج لمعاقبته على موقفه من سقوط حزب الإصْلَاح رغم أنه لم يكن عصياناً من صالح للسعودية، بل كَان امتثالاً لرغبة النظام السعودي في عهد الملك عبدالله، لكن بمرور الوقت واستعصاء المعركة بدأ “الفيتو” السعودي يتلاشى وبإقناع من الإمارات تم الاتفاقُ مع صالح على قيادة الخيانة من الداخل، لكنه سقط في وقت قياسي.
بالمقابل ولأسبابٍ مشابهة وضعت الإمارات خطوطاً حمراءَ على حزب الإصْلَاح؛ باعتباره فرعاً لتنظيم الإخوان المصنّف بقائمة الإرهَاب الإماراتية التي اعتمدت على تشكيل مليشيات من المرتزقة في المحافظات الجنوبية، لكن سقوط المؤامرة في صنعاء سبّب صدمة للعدوان، ومعها لم ينتظر النظام الإماراتي سوى أيام معدودة ليقتنع بالاستعانة بالإصْلَاح، فظهر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى جانب ولي عهد السعودي محمد بن سلمان في لقاء مع محمد اليدومي رئيس الإصْلَاح في العاصمة السعودية الرياض.
وحاول وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، تبريرَ اللقاء مع “المصنفين بقائمة الإرهَاب” بقوله إن الإصْلَاح أعلن مؤخراً فكَّ ارتباطه بتنظيم الإخوان وأن هناك فرصةً لاختبار النوايا.
والحقيقة أن الإصْلَاح لم يعلن فك ارتباطه بتنظيم الإخوان بل قال إنه أصلاً ليس فرعاً للتنظيم، وكان ذلك قبل العدوان وجدّد التأكيد عليه بعد فترة قصيرة من العدوان، وهو ما لم تتقبله الإمارات ومضت في سحق الإصْلَاح وطرده من حضرموت وعدن، لكن ما حدث مؤخراً بالفعل هو سقوطُ المؤامرة في صنعاء التي ألجأت النظامَ الإماراتي لإعادَة تدوير الأوراق المحترقة ممثلة في الإصْلَاح الذي كان على خلاف معه، ولكنه لم يتوقف عن قتال الجيش واللجان الشعبية، وبالتالي فلا جديد يقدمه الإصْلَاح سوى أن الخطوة كشفت طبيعة العلاقة بين الغزاة والمرتزقة القائمة على مصلحة الأول بلا شك.
ويبدو واضحاً أنَّ لجوءَ الإمارات للإصْلَاح لم يكن مفاجئاً، فعلى سبيل المثال وقبل حدوث اللقاء بين الإصْلَاح والإمارات، كتب المحلل السياسي اللبناني المقيم في واشنطن “لقمان عبدالله” مقالاً تحليلياً لمصير مرتزقة المجلس الانتقال الجنوبي بعد سقوط مؤامرة صنعاء وتنبأ بأن تلجأ الإمارات للإصْلَاح.
وفي هذا السياق قال لقمان “الخطة البديلة أصبحت من الآن جاهزة على طاولة الناشطين والقادة المموّلين، وهي رفع منسوب التهديد من (أنصار الله)، وإلزام المتناقضات الجنوبية بالتوافق القسري، وإيجاد شريك شمالي، وإن كان منبوذاً لدى الجنوبيين الذين عليهم الموافقة والتنفيذ من دون اعتراض، تمهيداً لسوق شبانهم إلى معركة أخرى تختارها الرياض وأبو ظبي”.
- خسارةٌ جنوبية ولا ربحَ للعدوان
عقبَ اللقاء الإماراتي الإصْلَاحي، بدت الصدمةُ واضحةً على قيادات مرتزقة المجلس الانتقالي الجنوبي، فهم انخرطوا في المشروع الإماراتي بشكل كامل، واندفعوا بقوة لعداء من تعاديهم أبوظبي، لكن الأخيرة تتعامل مع مرتزقة، وبالتالي تستطيع طي أية صفحة وفتح أخرى كما فعلت مع الإصْلَاح، فيما المجلس الانتقالي يجد نفسه خارج اللعبة في الوقت الحالي وعلى وشك التصادم مع المكونات الجنوبية التي هالها سقوطُ المئات من القتلى والجرحى الجنوبيين في معركة عبثية حدثت مؤخراً في الساحل الغربي، وكانت الجائزة هي أن مالت الإمارات نحو الإصْلَاح.
في هذا السياق، كشفت الناشطة الجنوبية “هدى العطاس” عن مصادرَ قالت إنها مطلعة، أن المئاتِ من القتلى والجرحى والأسرى الجنوبيين سقطوا في الساحل الغربي وباتوا محاصرين ليس أمامهم إلا الاستسلام أَوْ الموت، مشيرة إلى أن المصادرَ أكدت أنه تم تدمير 70 آلية كان كُلّ طواقمهَا من الجنوبيين، في هذه الجزئية كانت مشاهد الإعلام الحربي لوقوع أكثر من 18 آليةً في كمينين محكمين ومشاهدَ أخرى لعدة آليات وآليات أخرى تم الإعلان عن تدميرها وينتظر وصول مشاهد الإعلام الحربي للتأكيد عليها.
العطاس طالبت ما يسمى المجلس الجنوبي بوقف الزج بالشباب الجنوبيين في معارك ليست معاركهم، فيما استنتج نشطاءُ جنوبيون أن ما يحدث في الساحل الغربي من قضاء على الشبان الجنوبيين بأنه مؤامرة، وهو ما تشهَدُ عليه قوائمُ طويلةٌ لأسماء عشرات القتلى والجرحى الذين سقطوا في الساحل الغربي خلال ساعات وجيزة في الأَيَّام الماضية.
ويعلق القيادي والناشط الجنوبي “صلاح السقلدي” في مقالة، على الخيبة الجنوبية جراء لقاء الإصْلَاح بالإماراتيين، قائلاً إنه “بالرغم من أن الطرف الجنوبي -أو تحديداً جزءٌ منه- شارك مشاركة جادة بالحرب مع التحالف (شيك على بياض), وبرغم أنه ليس مصنّفاً ضمن أية تنظيمات إرهَابية أَوْ متطرفة أَوْ مدرجاً أيٌّ مِـن قياداته بأية قائمة من قوائم الإرهَاب الخليجية أَوْ الدولية, إلا أنه في الدرك الأسفل من الأهمية بالأجندة الخليجية”، ويضيف “لم نرَ أي إشراك له بأية لقاءات رسمية أَوْ حتى غير رسيمة خليجية, أَوْ دعوة ولو على طاولة عشاء بمآدب الخليجي العامرة , أَوْ إماراتية على الأقل”.
على المقلب الآخر، قد تكون الخطوة الإماراتية باللقاء مع الإصْلَاح بمثابة صدمة للجنوبيين الذين لم يتركوا لأنفسهم خطوطاً أخرى، لكن بالمقابل فإن الدعمَ الإماراتي للإصْلَاح لن يغيّر الواقعَ على الأرض، فالإصْلَاح وإن كان يفتقر للدعم الإماراتي فإنه كان يحظى بما يكفي من دعم سعودي وظل متعثراً لعامين ونصف عام في جبهة نهم وحدَها.
أخيراً ورغمَ محاولات الولايات المتحدة ودول العدوان التظاهُرَ بعدم التأثر بسقوط المؤامرة في صنعاء من خلال التهويل والمؤتمرات التي على غرار مؤتمر السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة، إلا أن الكثيرين ومنهم السفير الأمريكي السابق لدى العراق والأردن يقول في تصريح، أمس الجمعة، إنه بعد أحداث صنعاء ومقتل صالح لم يعد أمام واشنطن ودول تحالف العدوان سوى البحث عن حل سياسي، كما تجدُرُ الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت وضعت مهلةً للعدوان لتحقيق نصر ميداني مع نهاية العام الجاري الذي كان يُفترَضُ تحقيقُه بالمؤامرة التي سقطت في صنعاء خلال 72 ساعة.