يجب أن يُوَطِّنَ الإنْسَان نفسه على أنه عندما ينفق أمواله.. إنما ينفقها ابتغاءاً لوجه الله
الجزء الثاني
إعداد/ بشرى المحطوري
مثالٌ قرآنيّ.. عن الذي يتبع ما أنفق بالمن والأذى:ــ
تحدث الشَّهِيْدُ القَائِدُ سَلَامُ اللهِ عَلَيْه في محاضرة ــ ملزمة ــ الدرس الحادي عشر من دروس رمضان عن الإنفاق في سبيل الله وهو يشرح الآيات بشكل موسع وعميق وواضح، حيث جاءت الآيات تباعاً عن الإنفاق والتشجيع عليه في سورة البقرة من الآية (261) ومما تحدث عنه هو الأمثلة القرآنية الرائعة التي ضربها الله لعباده يوضح فيها حال من ينفق في سبيل الله ثم يلحق إنفاقه بالمن والأذى، حيث قال: [{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ}(البقرة: من الآية264) صخرة عليها تراب {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً}(البقرة: من الآية264) ذهب التراب من فوقه صخرة ملساء {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}(البقرة: من الآية264) لم يبق له أي أثر نهائياً، لم يبق له أي أثر، عطاؤه الذي هو على هذا النحو {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية264).موضوع المال هنا قضية هامة قدمها أعني: بأنها وسيلة من وسائل تزكية النفس، وسائل إقامة الدين، وسائل حسن العلاقة فيما بين فئات المجتمع، لكن يجب أن يكون على هذا النحو وإلا ستكون النتيجة عكسية بالنسبة لك، وبالنسبة لأثرها في واقع الحياة. لهذا جاءت العبارة مؤكدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}(البقرة: من الآية264) وكأن هذا قد يبطل صدقتك ولو بعد فترة لو أعطيت في حالة أنت أعطيت لله ثم تتمنن بعد سنة، بعد سنتين قد يبطل صدقتك هذه {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ}(البقرة: من الآية264) فيكون حالكم شبيه بمن هو على هذا النحو، بمن ينفق رئاء، فتجد أن هذا الشيء الذي أعطاك لا يمثل شيئاً بالنسبة له {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ}(البقرة: من الآية264) – مطر – {فَتَرَكَهُ صَلْداً}(البقرة: من الآية264)].
مثالٌ قرآنيٌّ.. عن الذي ينفق أمواله ابتغاء مرضاة الله:ــ
وفي ذات السياق تحديث سَلَامُ اللهِ عَلَيْه قائلاً: [{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية265) وأنت تعرف أنه بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا يمكن، هو جهة لا يمكن أنك تتمنن عليه بشيء، ابتغاء مرضاته، هدف رئيسي يتوجه إليه الإنْسَان بذهنيته وهو يعطي. {وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(البقرة: من الآية265)؛ لأن للعطاء على هذا النحو أثر كبير في تثبيت النفس، والاستقامة، والإيْمَان، تزكية النفس تزكيتها وكأن المال كما لو أنه برهن، أشبه شيء ببرهنة على أنك مصدق بالله، مستجيب لله برهنة على صحة إيْمَانك، برهنة على تصديقك بوعد الله سبحانه وتعالى: بأنه يضاعف الأجر، وأنه يخلف على من أنفق بأضعاف مضاعفة، تزكية للنفس يكون له اثر كبير في نفسك عندما تعطي، وأنت تريد بعطائك وجه الله، ابتغاء مرضاته.
لاحظ كيف المثل الجميل هنا: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ}(البقرة: من الآية265) كم الفارق بين المثل هذا، والمثل الأول صخرة صماء عليها قليل تراب جاء مطر نفسه.{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} بمكان مرتفع قليلاً أي: جنة خصبة بما تعنيه الكلمة {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}(البقرة: من الآية265) آتت آكلها ضعفين يعني: مدبول ثمرتها خصبة، يبين هنا أثرها الهام {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}(البقرة: من الآية265) وحتى عندما يصيبها طل تعطي ثمرها].
أيهما أفضل لك؟
وتساءل الشَّهِيْدُ القَائِدُ سَلَامُ اللهِ عَلَيْه بعد أن شرح المثلين اللذين ضربها الله جل شأنه عن الإنفاق في سبيل الله، تساءل قائلا: [إذاً أين أفضل للإنْسَان أن تكون نفقته من النوع الأول، أَوْ أن تكون على هذا النوع؟ أليس هذا نوع أعني: مثلين متضادين تماماً، صخرة عليها قليل تراب جاء مطر نسفها؛ هنا جنة بربوة فجاء المطر جعلها تؤتي ثمرها ضعفين، حتى لو ما جاء مطر قوي لو لم يكن إلا طل [رشيش] كما نسميه يجعلها تثمر. هذا المثل لأثر الصدقة، لأثر العطاء عندما يكون على هذا النحو بالنسبة لنفس الإنْسَان، وبالنسبة لواقع الحياة في الأموال، لهذا عندما نقول: الناس يجب أن يعتمدوا على الله، وعلى أنفسهم في أن يكونوا هم بجهودهم مهما كانت بسيطة ينفقون في سبيل الله، أن الله يجعل لها بركة، ويجعل لها أثراً. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}(البقرة: من الآية266) هذا مثل عندما يأتي شيء ينسف تماماً ما قدمته من مَنِّ وأذىً لينسف تماماً ما قدمته.{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَر}(البقرة: من الآية266) – شيبة ضعيف – {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ}(البقرة: من الآية266).إذاً أليس هذا في أمس الحاجة إلى جنته هذه وثمارها لأنك في أمس الحاجة إلى أن يبقى لك أثر ما تقدمه، عندما تقدمه على الشكل الصحيح فأنت تنسف أثراً لشيء أنت في أمس الحاجة إلى ذلك الأثر. {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}(البقرة: من الآية266) وأنت شيبه، وأولادك ضعفاء، وليس معك إلا هي أليست تعتبر كارثة كبيرة عليك؟ لأنك في أمس الحاجة إليها؟. {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}(البقرة: من الآية266). يوطن الإنْسَان نفسه على أنه عندما ينفق، ينفق ابتغاء وجه الله، ينفق ابتغاء مرضات الله. فهنا توجيه يبين كيف يكون إنفاق الإنْسَان، وتحذير كامل بضرب أمثلة واضحة لما ينسف عطاءك عندما يكون مصحوباً بمَنّ أَوْ أذىً].
لا تنفق إلا مما تحب:ــ
ولفت سَلَامُ اللهِ عَلَيْه بأن الإنفاق يجب أن يكون مما يحبه الإنْسَان حيث قال: [{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}(البقرة: من الآية267). بعد أن قدم المثل الجميل لأثر الإنفاق فتخير لنفسك أنت، تخير لنفسك فلا تنفق الشيء الذي لن تقبله أنت، تنفق الشيء الذي هو مقبول فيما بين الناس. {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} يعني: لن تأخذوه أنتم إلا على جهة الحياء، {تُغْمِضُوا فِيهِ} تأخذه وليس له قيمة عندك فتلقيه في مكان آخر فقط على جهة التغاضي عنه، تقبله على جهة الحياء كذا تقبله لكن أنت تعتبره ليس شيئاً].
المال.. محك رئيسي يبين مدى إيْمَان المرء بالله:ــ