القضية الفلسطينية في الإعــلام العربي* (2-2)

إعداد/ هاشم أحمد شرف الدين

في إعْــلَام التطبيع العربي اليوم، لا فلسطين هي فلسطين، ولا الاحتلال هو احتلال، بمعنى أن فلسطين الذي تتحدث عنها وسائل الإعْــلَام العربية المطبعة هي بقايا فتات جغرافي خاضع هو أَيْضاً للاحتلال، ومفهوم الاحتلال هو أَيْضاً مشوه، فهو يعني فقط بعض المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967م، أما ما قبل هذا التأريخ من جغرافيا هو إسرائيل لديها.

وحتى مفهوم حق العودة التابع لما ترتَّب على احتلال عام 1948 أَصْبَح مفهومًا مطاطيًّا غير واقعي، مفهوم العودة لدى هذه الوسائل يعني عودة إلى ديار أُخْرَى وليس إلى الديار الأصلية الذي شرد منها الفلسطينيون عام 1948م، إنه انفصام عربي خطير ينسجم مع المُخَطّطات الإسرائيلية والغربية.

اليوم لا يخجل الإعْــلَام السعودي والإمَارَاتي من الحديث عن توطين ملايين الفلسطينيين في المخيمات الموجودة في بعض الدول العربية، وحول العالم في دول غير دولتهم فلسطين، والفلسطينيون في ذلك الإعْــلَام هم فقط سكان الضفة والقطاع والمقدسيين.

هل سبق لكم أن تابعتم موضوعًا على وسائل الإعْــلَام العربية يتحدث عن الشتات الفلسطيني والمخيمات الفلسطينية؟ هل يحظى الأمر بحيز إعْــلَامي كافٍ أَوْ مميز رغم أن الشتات الفلسطيني يشكل الجزء الأَكْبَر من الشعب الفلسطيني!؟

اليوم يصرف إعْــلَام التطبيع الأنظارَ عن العدو الحقيقي حارفاً لبوصلة العداء باتجاه إيران، ومساعٍ حثيثةٌ لصرف الأنظار عن العدو المركزي للأمَّة وإشغالها في معارك جانبية تحت ظلال إعْــلَام مبرمج حتّى لا تتفرّغ لقضية فلسطين.

لقد بات أغلبُ الأنظمة العربية اليوم مطيةً للصهيونية، ينفذون مُخَطّطاتها حرفيًّا، وأن مما يثير الأسى أن إسرائيل اليوم تمارسُ القتلَ والاعتقال في صفوف الفلسطينيين بحجة أَوْ بدون حجة، ولا يتطرق كثير من الإعْــلَام العربي لهذا الأمر، بل يرمي بعضُه اللومَ على الفلسطينيين لقيام أحدهم بطعن مستوطن هنا أَوْ هناك.

اليوم يتم خلط الأوراق رسمياً، ثم ينعكس ذلك في الخطاب الإعْــلَامي العربي ليساوي بين الضحية والجلاد، فحين كان العدو الصهيوني يقوم بعملية إبادة جماعية لساكني غزة كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث عن “وقف لإطلاق النار”، معتبراً أن الصواريخ التي تطلقها حركات المقاومة الفلسطينية على العدو “صواريخ عبثية”!.

اليوم يتماهى الإعْــلَام العربي المطبع مع توظيف المصطلحات لخدمة التوجهات الإسرائيلية، من المصطلحات: يقول الفلسطينيين (مع إلغاء صفة الشعب بالكلية)، يقول قتيل لا شهيد، يقول “التصعيد الإسرائيلي” و”العنف” و”العمليات العسكرية”، وتكاد تختفي تَمَاماً ألفاظ مثل “المجازر” أَوْ “شهداء” و”مقاومة” و”احتلال” و”صهيونية”.

يقول الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه:

“اليهود نسفوا كلمة (جهاد) من قاموس التخاطب الإسْلَامي للبلدان وللدول الإسْلَامية، ألغوا استخدام كلمة (جهاد) واستبدلت بـ[مناضلين وحركة مقاومة وانتفاضة] وأشياء من هذه، لم يعودوا يستخدمون كلمة: [جهاد] التي ركّز القرآن عليها وجعلها مصطلحاً إسْلَامياً قرآنياً له أثره في خلق مشاعر دينية، أنه جهاد في سبيل الله، فاستبدلت بكلمة [مقاومة، حركة المقاومة اللبنانية، المقاومة الفلسطينية، المناضلين العرب، المناضلين، انتفاضة] ليس هناك استخدام كلمة: [جهاد]؛ لنعرف أن اليهود قد وصل الأمر بهم في سيطرتهم علينا إلى أن أَصْبَحت ألسنتنا تحت تصرفهم، أَصْبَحت أجهزتنا الإعْــلَامية تحت تصرفهم، لم نعد نقول العدو الإسرائيلي وبتنا نقول الحكومة الإسرائيلية، مع أن كلمة عدو هي الأصح، وهي مؤثرة جداً، فاستخدامها ضد إسرائيل يرسخ مشاعر العداء تجاه اليهود، ولكن للأسف أنها فُقِدَت في إعْــلَامنا، فُقِدَت في مناهجنا الدراسية، فقدت حتى في تداولنا في الحديث، فقد عمل اليهود على نسف أي مفردة يعرفون بأنها ترسخ مشاعر تكون خطيرة عليهم، ويضيف: لقد طلبوا من الإعْــلَام العربي إزالة كلمة [العدو الإسرائيلي] التي كانت تستخدم، فأَصْبَحت أجهزة الإعْــلَام لا تتحدث – حتى الفلسطينية – لا تتحدث عن العدو الإسرائيلي، لم يعودوا يتحدثون عن إسرائيل كعدو، لم يعودوا يتحدثون عن اليهود كعدو”.

اليوم يتلاعب الإعْــلَام العربي المطبع باتجاه الخبر من حيث السلب أَوْ الإيجاب، على سبيل المثال بثت قناة (العربية) خبرًا قالت فيه: (إن إسرائيل سمحت للرجال فوق الأربعين عامًا بالصلاة في الأقصى)، وكان عليها أن تقول على الأقل (لقد منعت إسرائيل الرجال تحت الأربعين من الصلاة).

اليوم يحاول الإعْــلَام العربي المطبع تصوير قضية فلسطين قضية إنْسَانية فقط، وهي فوق ذلك بكثير، إنها قضية عقائدية بامتياز وسياسية وفكرية وحضارية.

لقد اهتم الإعْــلَام العربي المطبع بالتخريب في سورية على حساب القضية الفلسطينية، وبات التكفيريون الإرْهَابيون الذين كانوا يذبحون العراقيون بالآلاف يوميا يسمون في هذا الإعْــلَام بالمجاهدين، وكما تناسى أولئك المجرمون أن هناك دولة باسم فلسطين مغتصبة منذ عشرات السنين تناسى أغلب الإعْــلَام العربي فلسطين.

وها هو أردوغان تركيا ـ الذي أَصْبَح في فترة ما بطل القضية الفلسطينية ـ يقدم نفسه بالأمس قائداً للعالم الإسْلَامي في اسطنبول خلال قمة المؤتمر الإسْلَامي التي استضافتها بلاده، على الرغم من كونه أقرب حليف عسكري واقتصادي لإسرائيل في الشرق الأوسط لأَكْثَر من نصف قرن، وبلاده تسمح للطائرات الإسرائيلية للقيام بالتدريبات في الأجواء التركية ومراقبة البلاد العربية وإيران.

لقد لجأ الإعْــلَام العربي المطبع إلى كذبة الحياد الإعْــلَامي والموضوعية ليتيح المجال للرأي الإسرائيلي لمخاطبة العرب والمسلمين، وبهذا لم يعد العدو بحاجة إلى إعْــلَام موجه، سواء إذاعات أَوْ غيرها، لقد ساعده الإعْــلَام العربي المطبع، بتمرير الروايات الإسرائيلية عبر المسئولين الإسرائيليين الذين يظهرون على منصات إعْــلَامية عربية.

وحين كان الشعبُ العربي متحمساً بشدة للقضية الفلسطينية ويريد أن يضع الإعْــلَام العربي الرأي جوار الخبر، كان الإعْــلَام المطبِّعُ يرفض ذلك كليةً؛ بذريعة التقيد بالمهنية.

من جهة أُخْرَى فإن إعْــلَامنا العربي المقاوم لا زال عاجزا عن الوصول إلى المتلقي غير العربي، خَاصَّـة الغربي، الذي يتلقى إعْــلَاما مضللا يؤثر عليه وعلى صانعي القرار، وهنا أستدرك لأتساءل: هل هو حقا عاجز عن ذلك أم لا يقرر بعد العمل على ذلك؟ وأجدني مع الخيار الثاني.

ويبدو أن ثمة عقما في استنهاض الهمم والعزائم والنخوة، حتى قناة الميادين اضطرت لتصميم فلاش تلفزيوني يستخدم الانشودة العربية المستهلكة “وين الملايين”!.

كما أن كَثيراً من الإعْــلَام العربي وقع في فخ ما تريده إسرائيل، عندما حصر المعركة في غزة خلال العدوان عليها، بينما كان يجب أن تعطى بُعداً فلسطينياً، فالمعركة هي على امتداد فلسطين ولا يجب أن تحصر في غزة”، وهذا الأمر مقصود إعْــلَاميا من قبل العدو.

وعلينا الاعتراف بأن الإعْــلَام العربي المقاوم لم يقنع المشاهد الفلسطيني والعربي بعد بأن فلسطين والقدس هي القضية المركزية له كإعْــلَام عربي، لهذا فكثير من الفلسطينيين والعرب عموما سيشاهدون الإعْــلَام العربي المطبع ليعرفوا ماذا يحدث في فلسطين بصورة كاملة، وقد يشاهدون الإعْــلَام العبري والغربي ليعرفوا الموقف الإسرائيلي مما يحدث وليعرفوا مدى الانحياز الغربي، وسيشاهدون الإعْــلَام العربي عموما ليعرفوا ماذا يقول المسئولون العرب حول إيران ومشاكل السعودية مع قطر، وسيسمعون الانحياز إلى طرف، ثم ببساطة سيشاهدون مسلسلا تركيا مدبلجا.

كُلُّ ذلك رغم أنه حتى وقت قريب كان الشعب العربي بأكمله يتعاطف مع إخوته الفلسطينيين، وكان يتوقع من القنوات والصحف العربية أن تسير في المسار ذاته، لكن هذا الذي لم يحدث بالشكل المطلوب.

 

(توصيات)

نحن بحاجة دائمة لعمل إعْــلَامي كبير ومتنوع لترسيخ القضية الفلسطينية في وجدان الأجيال العربية والإسْلَامية؛ لأن ثمة أجيالا في عالمنا العربي والإسْلَامي أَصْبَحت لا تدرك لماذا نحارب ما يسمى بإسرائيل! وأَصْبَحت لدى كثير منهم دولة مشروعة، أَوْ دولة لم تغتصب أرضا للعرب والمسلمين، لذلك فالتركيز وتوعية الأجيال أمر مهم، خَاصَّـة وقد أَصْبَح الإعْــلَام المقاوم يخوض معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية مع الإعْــلَام المعادي الخارجي الصهيوني والغربي، والإعْــلَام المعادي الداخلي السعودي والإمَارَاتي والمطبع بشكل عام.

لا بد من توعية الأجيال لمحاربة العدو الصهيوني، وتكثيف الدعوات إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، والتشهير بالتطبيع والمطبعين مع العدو؛ لأننا أمام مرحلة يجب أن نحافظ فيها على الوعي -وعي الأجيال-؛ ولأننا أمام عملية غسيل لأدمغة هذه الأُمَّـة، لتنسى حاضرَها وماضيها ومستقبلها، حتى تنسى هذه القضية الهامة، وهذا يسهل على العدو أن يمرر مشاريعه التصفوية للقضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني.

كما يجدر بنا إنتاج وسائل إعْــلَامية تستطيع النفاد إلى المجتمعات غير العربية وتحديداً الغربية، وتطبيق نظرية سريان الاتصال على مرحلتين، عبر الكُتّاب والمفكرين في تلك المجتمعات، لسرعة تأثيرهم ووصولهم للمتلقين، علينا أن تكثر منهم والتواصل مع أَكْبَر عدد منهم كما هو الحال مع قناة الميادين والمفكر والسياسي البريطاني “جورج جلوي” فالناس لا تتطلع إلى إعْــلَام ذي صبغة تلقينية.

وحريٌّ بالإعْــلَاميين العرب والمسلمين الانتصَار بأقلامهم للقضية الفلسطينية، وإعادة ربط القضية الفلسطينية بالروحية الثورية العربية؛ باعتبارها قادرة على تعرية النظم العربية بموقفها من القضية الفلسطينية، علينا من اجل ذلك أولاً أن نحصن المتلقي العربي من التضليل الكبير الذي يواجهه ليلَ نهارَ، من إعْــلَام العدو ومن إعْــلَام المطبّعين.

إن الإعْــلَام عبر مواقع التواصل الاجتماعي يخدم القضية الفلسطينية؛ لأن مساحة الصدق فيه أَكْبَر، فهو ليس إعْــلَاما حكوميا تابعاً للأنظمة المطبعة أَوْ ليس ممولاً منها، ولكني أدعو إلى إيجاد إعْــلَام موحد للمقاومة ومنظم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما إن “الإعْــلَام التفاعلي” يفتح آفاقا جديدة أَيْضاً أمام الإعْــلَاميين المشتغلين بالقضية الفلسطينية، خَاصَّـة حملات التغريد الإعْــلَامية على موقع تويتر، والتي تصل إلى المجتمعات الأُخْرَى، بالإضَافَة إلى أن “الإنتاج الفني له أثر كبير في صناعة الرأي العام، ولهذا نحن بحاجة إلى فيلم سينمائي بإنتاج عالمي يعرف بالقضية الفلسطينية”.

وإذ أحيي بعض وسائل الإعْــلَام اليمنية والعربية على إيلائها اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية فإنني أهيب بجميع المؤسسات الإعْــلَامية اليمنية والعربية، من قنوات فضائية ومواقع إلكترونية وإذاعات وصحف ومجلات، الاهتمام بشكل أَكْبَر بالتغطية المتميّزة للحدث الفلسطيني وتطوّراته، من خلال النقل المباشر، والبرامج الحوارية والتحليلية وغيرها من الوسائل”، ومن خلال الاهتمام الدائم بالقضية الفلسطينية لا على مستوى الحدث فقط، فالقضية الفلسطينية كما أنها بحاجة إلى الخبر فهي بحاجة للفيلم والمسرحية، وكذلك الرسم والفن التشكيلي والتراث الشعبي وغيرها من الفنون لينتظم كُلّ ذلك في منظومة واحدة تشكل الوعي العربي والإسْلَامي تجاه القضية الفلسطينية وإثارة الرأي العام تجاهها”، مع التركيز على برامج الأطفال وأفلامهم بأن توضع القضية الفلسطينية بمفرداتها البسيطة فيها؛ ليرسخ بأذهانهم حقيقة الصراع بطريقة محببة وسهلة.. ففلسطين قضية الأُمَّـة يجب أن يرضعها الأطفال بأبعادها الحقيقية مع حليب أمهاتهم.

وعلينا كأجهزة إعْــلَام عربية مقاومة التحول من طابع المساندة للمشاركة، إذ يجب أن لا يقف الإعْــلَام العربي متفرجا، عليه أن يساند، بل عليه أن يشارك مشاركة حقيقية مع الإعْــلَام الفلسطيني، بدعم المؤسسات والكوادر الإعْــلَامية الفلسطينية لتطوير قدراتها وتنمية مهاراتها، لزيادة قدرتها على القيام بمسؤولياتها في مواجهة الإعْــلَام الصهيوني والمتصهين، وبالمقابل فعلى الإعْــلَام الفلسطيني أن يضع كُلّ نتاجاته عن فلسطين بتصرف وسائل الإعْــلَام العربية المقاومة، كما ينبغي تركيز العمل الإعْــلَامي العربي والإسْلَامي الخاص بالقضية الفلسطينية، ومن ذلك إنشاء قناة تلفزيونية متخصصة فيها، وتقدم خدمتها بلغات متعددة إلى شعوب العالم كله.

وختاما اعلن أننا في وزارة الإعْــلَام اليمنية وإسهاما منا في تقديم رؤية للعمل الإعْــلَامي العربي الإسْلَامي الخاص بخدمة القضية الفلسطينية سنعمل على تنظيم مؤتمر يضم عددا من الإعْــلَاميين اليمنيين والعرب والمسلمين لدراسة سبل مساعدة الشعب الفلسطيني إعْــلَاميا تناقش عدة محاور مرتبطة بعناصر عملية الاتصال المعروفة “المرسل والرسالة والوسيلة والمتلقي ورجع الصدى”.

إن الدورَ المطلوبَ من الإعْــلَام هو جعل القضية الفلسطينية قضيةً متوهِّجةً على الدوام، والحذر من التعاطي معها على اعتبار أنها قضيةٌ آنيَّة، ففلسطين تعني الكثير، هي القضية المركزية للأمة، وذلك يعني أن الأُمَّـة لن تقوم لها قائمة طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويجب أن يكون هدف تناولاتنا الإعْــلَامية هو تحرير فلسطين، كُلّ فلسطين، فالعدو كما يبدو قد نجح في نقلنا من خانة عدم الاعتراف بوجود إسرائيل إلى خانة الدفاع عن القدس وعن الأقصى.

*ورقة عمل مقدمة لندوة “القدس في قلوبنا” – جامعة إقرأ ـ صنعاء

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com