مواجهة الحرب النفسية في فكر السيد حسين بدر الدين
إنَّ أيَّ مشروعٍ تصحيحي يتبنَّى إصْلَاح الأُمَّـة ويسعى لما فيه عزتها وكرامتها، يواجهه العدوُّ بالعديد من أساليب المحاربة والمواجهة، ليست المواجهة العسكرية في الميدان فحسب، فالحرب النفسية لها أثرها، ويركّز عليها العدو بشكل كبير، ومن ذلك الترغيب والترهيب، التطميع والتخويف والإرجاف، ماذا يفعله العدو في هذا المجال، ومن يخدمهم، ولماذا، وما أثر ذلك، وما الوقاية منه؟، هذا ما نتتبعه لدى السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، حيث يرى السيد حسين رضوان الله عليه أن أي مشروع تصحيحي لهذه الأُمَّـة مهما كانت بحاجة إليه لا بد أن يواجهه العدو بالتثبيط، حيث يقول: “هكذا تسمع في كُلّ زمان أمام كُلّ عمل مهما كانت الأُمَّـة في أمسِّ الحاجة إليه في أية مرحلة من مراحل تأريخها، ومن أية جهة يكون مهما كانت عظيمة لا بد أن يأتي من هنا وهناك من يتكلم، من يثبط، من يشوه، من يحارب، هذا شيء ذكره القُرْآن الكريم” سورة المائدة الدرس الثاني.
ويرى السيد حسين أن استيعاب حركة العدو في التثبيط يعد عاملًا مهمًا في ميدان المواجهة: “لأن معرفة هذا نفسه يمثل جانبًا مهمًا من وعي القضية وفهمها، أن تعرف أنك قد تسمع كلامًا على هذا النحو ومن جهات أخرى، فليكن لديك، ولتكن على مستوى تجعل ذلك الكلام لا أثر له عندك” سورة المائدة الدرس الثاني.
ويقسم السيد رضوان الله عليه كلامَ العدو إلى قسمَين: إما أن يكون نصحًا وتطميعًا، وإما أن يكون تخويفًا وإرجافًا: “الكلام لا يخلو عن: إما أن يكون تخويفًا, أَوْ يُقدم بأسلوب نصح من جانب الذين يواجهون أي عمل مهما كان عظيمًا” سورة المائدة الدرس الثاني.
وفي الوقت الذي يرى السيد حسين رضوان الله عليه أن المنافقين هم من يقومون بدور التخويف والإرجاف، إلا أنه يجعل تحرك المنافقين مؤشرًا لصوابية عملك: “سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوفوكم، يتساءلون: ماذا؟. ما هذا؟.
أتعرفون؟ المنافقون المرجفون هم المرآة التي تعكس لك فاعلية عملك ضد اليهود والنصارى؛ لأن المنافقين هم إخوان اليهود والنصارى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} (الحشر: من الآية11) فحتى تعرفوا أنتم، وتسمعوا أنتم أثر صرختكم ستسمعون المنافقين هنا وهناك عندما تغضبهم هذه الصرخة، يتساءلون لماذا؟ أَوْ ينطلقون ليخوفوكم من أن ترددوها”. الصرخة في وجه المستكبرين.
ويرى السيد حسين، أن المنافقين ينطلقون في تخويف المؤمنين من منطلق الخوف عليهم، وإبعادهم عن الخطورة، والحرص على نجاتهم، ويستعرض في هذه القضية رد إبراهيم على قومه: “لاحظوا نبي الله إبراهيم كيف كان إنْسَانًا واعيًا على درجة عالية من الوعي، انطلق من مقاييس المقارنة، من قواعد ثابتة لديه، يخوفونه بهذا ويخوفونه بهذا، وكل تخويف يبدو تخويفًا بشيء لا يشكل خطورة مع المقارنة بما يجب أن نخافه من قِبَل الله سبحانه وتعالى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أنت تريد أن تخوفني من أجل أن تدفع بي إلى جانب الأمن، أليس كذلك؟. وأنا أخوفك بالله أريد أن أدفعك إلى جانب الأمن {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أي الفريقين يصح أن يقال: هو الآمن؟ من يكون في واقعه آمنًا من عذاب الله وسخطه أَوْ من يحاول أن يأمن من عذاب الناس وسخطهم، ويوقع نفسه في عذاب الله وسخطه، هل هو أَمِنَ؟ لم يأمن، أمن من شيء في الواقع لا يقارن بينه وبين ما يمكن أن يحصل من قبل الله؛ ولهذا جاءت الآية بالسخرية من التخويف بشيء من دون الله {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} (الزمر: من الآية 36) يخوفنك بأنه سيحصل عليك كذا وكذا، تهديد من قبلهم أَوْ سيحصل عليك من الأصنام ما يضرك، لا، أي تخويف بشيء من دون الله لا يشكل خطورة”. سورة المائدة الدرس الثاني.
ويستنكر السيد حسين انزلاق الناس نحو جهنمَ؛ نتيجة تخوفهم من سجن أَوْ تعذيب أَوْ فقدان مصلحة: “ما الذي يقعد بالكثير من الناس قعودًا قد يؤدي بهم إلى جهنم إلا خوفهم من ماذا؟ خوفهم من الوعيد العاجل, وأي مقارنة بين الوعيد العاجل الذي تخافه من جانب هذه الدولة، أَوْ من جانب ذلك الشخص، سجن، أَوْ أن تفقد مصلحة معينة تخاف على مصلحتك، تخاف من سجن، تخاف من تعذيب في سجن؛ فتتوقف ولا تحسب حساب جهنم.. أليس هذا هو ما يحصل عند الكثير من الناس؟”. معرفة الله وعده ووعيده الدرس 14.
ويستنكرُ سلامُ الله عليه السياسةَ العربيةَ أمامَ التخويف والإرجاف والشائعات: “السياسة العربية الآن للأسف متى ما قال أحد هناك في الغرب [الإسلام هذا إنما هو دين فرض بالقوة وبالسيف، الإسلام هذا يولد العنف والإرهاب] جاءوا هنا ليقولوا: [اتركوا يا جماعة اتركوا كلمة جهاد ولا تتحدثوا بها سيقولون هنا كذا.. كذا شوهنا ديننا] هذه تعتبر حالة غباء.
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} (البقرة: من الآية97) هل قال الله: [إذًا سنكلف ميكائيل أَوْ إسرافيل بدل جبريل!]؟ قل لهم جبريل هو هو الذي تعادونه، هو الذي نزله على قلبك لا تتأقلم معهم، لا تتأقلم معهم، تتجاوب معهم على أساس ربما، ربما إذا تركنا هذه يمكن ينسجموا هناك معنا، لا. هذه حاصلة عند العرب للأسف، هذه حاصلة!.” الدرس الخامس من دروس رمضان.
ويشير إلى أن من أساليب التثبيط، التخويف بقوة وعدة العدو: “الكل هنا في الدنيا يخضع لأمريكا، ويخضع للدول الكبرى في بلدان أوروبا، والكل هنا في المنطقة العربية خضعوا لإسرائيل؛ خوفًا من أن تلك الدول تمتلك [قنابل ذرية]، وتمتلك [صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية]، كُلّ ما لديهم لا يساوي يومًا واحدًا في جهنم.
لو صب الأمريكيون كُلّ ما لديهم من قوة عليك وحدك أنت لما ساوى ذلك كله يومًا واحدًا في نار جهنم؛ لأنك هنا بأول ضربة, بأول شظية ستموت، ثم لا تحس بأي شيء بعد ذلك، ولو صبوا عليك كُلّ أسلحتهم، ولو افترضنا أَيْضاً أنك ستبقى حيًا وصواريخهم توجه إليك, وقنابلهم توجه إليك أَيْضاً حتى آخر قطعة يمتلكونها لكان ذلك أَيْضاً لا يساوي ساعة واحدة في قعر جهنم.
التخويف بنار جهنمَ في القُرْآن الكريم, التخويف بنار جهنم الذي تكرر كثيرًا في آيات الله في القُرْآن الكريم، هو جدير بأن نتأمله جيدًا كلنا، وأن نتدبر تلك الآيات. حينئذ سيجد كُلّ من تأملها, ومن تدبرها بأن كُلّ شيء في هذه الدنيا من مصائبها, من شدائدها، وكل شيء مما يتوعدك به الآخرون، وكل ما تراه عندما يستعرضون أسلحتهم في الأيام الوطنية.. ستراه كله ليس بشيء، ليس شيئًا بمعنى الكلمة فعلاً أمام هذه النار التي تغلظ الله بها على من عصاه، وتوعد بها من صدف عن رضاه. حينئذٍ تجد نفسك أنه ليس هناك ما يجب أن يخيفك، ليس في هذه الدنيا ما ينبغي أن تخاف منه أبدًا، فلا الموت، ولا [قنابل]، ولا [صواريخ]، مهما كانت فتاكة، مهما كانت عظيمة الدمار”. معرفة الله وعده ووعيده الدرس 15.
ويؤكد على ضعف إمكانيات العدو أمام قوة الله والثقة بنصره بأسلوب استفهامي: “أي جهاز مخابرات يستطيع أن يؤكد لك بأنك إذا دخلت في معركة مع هذا العدو فإنه سيوليك دبره، أنه سيفر من أمامك؟ هل هناك أحد في الدنيا يمتلك مخابرات تؤكد له هذا؟ لا أمريكا نفسها ولا روسيا ولا غيرها، كلها تقارير احتمالات, كلها احتمالات، يحتمل أننا إذا ما اتخذنا ضدهم كذا ربما تكون النتيجة كذا، وهكذا احتمالات، أما الله فهو من أكد بعبارة (لن) {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران: 111) ويقول كذلك عن الكافرين: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} (الفتح: من الآية 22)”. خطر دخول أمريكا اليمن.
ويتطرَّقُ إلى نقاط ضعف العدو بقوله: “{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ألف سَنَةٍ} (البقرة: من الآية96). إذًا هذه هي تمثل نقطة ضعف بالنسبة لهم، كبيرة جدًا. فمن نعم الله تعالى على الناس أنه عندما يكون أعداؤهم يسميهم: كافرين، وضالين، ولا يفقهون، وطبع على قلوبهم، ولعنهم، وغضب عليهم، وضرب عليهم ذلة، ومسكنة، ويخبر عنهم بأنهم حريصون جدًا جدًا على الحياة. ماذا يعني هذا؟ نقاط ضعف لديهم؛ لأن هذه كلها في الأخير تقوم عليها تصرفاتهم، قريبون جدًا إلى الانهيار في معنوياتهم، خوَّافون جدًا، جبناء جدًا.
نحن لا نقيّمُهم على أساسِ هذا الشيء الذي عرض القُرْآن الكريم! هو كلامٌ من عند الله سبحانه وتعالى، وهو بالشكل الذي فعلًا يبين لك نقاط ضعف، ورغم هذا ما يزال المسلمون يرونهم أقوياء، ويرونهم كبارً، ويرونهم كتلًا من الصلب”. الدرس الخامس من دروس رمضان.
ويؤكد على أن نقاط الضعف هذه تلمسها وتجدها ماثلة في واقع الصراع معهم: “{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ألف سَنَةٍ} (البقرة: من الآية96) كلمة: تجدنهم، تظهر من سلوكياتهم وليس فقط قضية غيبية سترى، وستجد أنت أثناء الصراع معهم وتعاملهم في الحياة هذه ما يبين لك أنهم أحرص الناس، كُلّ الناس حتى من المشركين، أحرص من المشركين على حياة {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ألف سَنَةٍ} (البقرة: من الآية96). معنى هذا: أنها ليست قضية فقط نفسية، بل تظهر في واقعهم، تظهر في صراعهم، ظهر لنا في موضوع العراق عندما ظهر قتل يوميًا كيف انهارت معنوياتهم، كيف بدت أمريكا هناك منزعجة جدًا، يطالبون بإعادة الجنود، والجنود صاروا يتهربون على تركيا، وعلى سوريا”. الدرس الخامس من دروس رمضان.
ويرد على تخويف العدو بالموت فيقول: “والموت نحن نجده هنا في القُرْآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائل التي يأتي التخويفُ بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقًا داخل القُرْآن الكريم، ولهذا لا تجد الحديثَ عن الموت إلا خاطفًا وبسُرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو ما يجب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفًا ورعبًا، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية عادية، قضية عادية، هو بداية الرجوع إلى الله”. معرفة الله وعده ووعيده الدرس 12.
ويشيرُ إلى أن الموتَ أمرٌ لا يُخيفُ: “ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثًا، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القُرْآن مكرر جداً؟ بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل القُرْآن الكريم؟. لم يرد”. معرفة الله وعده ووعيده الدرس 12.
ويؤكد على أن ما ينبغي الخوف منه هو ما بعد الموت: “يقول الله تعالى:{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} (آل عمران: 185) لا يخوف من مسألة الموت نهائيًا يذكر بأنه عبارة عن قضية الإنْسَان سيصل إليها لكن المسألة الخطيرة جدًا هي قضية الآخرة، تجدها في أكثر ما ورد ما أذكر أنه قد جاء بكلمة موت لوحدها على طريقة التخويف أبدًا بنفس الموت وإنما بما بعد الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ} (السجدة: من الآية (11) جاءت بعد الكلام عن الكافرين {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة: الآية (11) هذا الانتقال تجده بسرعة تقريبًا في كُلّ الآيات التي يرد فيها حديث عن الموت.
هنا يبين بالنسبة للناس بشكل عام بعد الحديث عن الجهاد وعن قتلى في سبيل الله وعن جرحى وأشياء من هذه، بأن يفهمَ كُلّ إنْسَان بأنه سيموت، لتعرف بعد بأنه نعمة عظيمة كبيرة عليك أن يفتح لك باب جهاد في سبيل الله فتستغل موتك، تستثمر موتك فتحظى بالشهادة، وإلا كُلّ واحد سيموت وإذا أنت ستموت لا شك، فأين أفضل لك تموت هكذا، أَوْ يكون موتك له فائدة بالنسبة لك، أليس أفضل للإنْسَان أن يكون موته يكون فيه فضل عظيم ودرجة رفيعة له؟ بل يقهر الموت نفسه؛ لأن الشهيد عندما يقول الله: {وَلاَ تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (البقرة: من الآية 154) لا تسموهم أمواتًا، وليسوا بأموات إنما هي نقلة بسرعة، أليس هؤلاء استطاعوا أن يقهروا الموت وأن لا يكونوا أمواتًا؟”. دروس رمضان الدرس 16.
ويستعرضُ في موضوع الجهاد أسلوبًا من أساليب العدو في تشويهه بغرض التثبيط: “عندما تجد كتابة عن أحد اليهود هناك يعمل لتشويه الإسلام رجعوا هم وقالوا لنا: [أتركوا شوهتم لا تتحدث عن الجهاد، سيقولون متشددين، وإرهابيين، وتبرهنوا على أن الإسلام فعلًا على ما يقولون دين فرض نفسه بالسيف وبالقوة]. وينسون، ينسون أن يواجهوهم أن يقولون: لا.