لعبة روسيا في اليمن
آزال الجاوي
الحديثُ عن صفقة دولية كبرى تمت بين أطراف دولية متعددة، على رأسهم روسيا والسعودية لتسوية أوضاع المنطقة عمومًا يتم من خلالها تنازل دول التحاف الخليجي عن أتباعهم في سوريا والعراق مقابل اليمن، وأن تزامن أحداث الأيّام الماضية منذ إعلان انقلاب صنعاء الذي يُعتقد أنه تم بالتنسيق بين تلك الأطراف وصالح، إلى زيارة بوتين وإعلان انتهاء الحرب في سوريا وسحب السفارة الروسية من صنعاء إلى الرياض، وما إلى ذلك من مؤشرات إن صحت في دلالتها فهي لا تعني بالضرورة التزام كُلّ الأطراف بما تم التوصل إليه بالمطلق، طبعًا إن سلمنا جدلًا أن هناك صفقةً من ذلك القبيل، أي أن ثهة احتمالًا بأن يكون طرف خلع صاحبه في حين ثبت الآخر صاحبه، ولكن بحنكة سياسية تظهره كالملتزم بما تم الاتفاق عليه، أهم مؤشرات ذلك اعتراضُ المندوب الروسي في الأمم المتحدة على الحملة التي تشنها مندوبة أمريكا حول الصاروخ اليمني ومحاولة حشد تحالف دولي تحت تلك الذريعة.
الملفتُ للانتباه أن المؤشراتِ التي استدل بها من يقولون إن هناك صفقةً سعودية مباشرة مع روسيا نفس تلك المؤشرات تشي بأن تلك الصفقة ربما حاولت تجاوز الدور الأمريكي أو إهماله، وهذا ما يفسر الدعوة الأمريكية من قبل ترامب ووزير خارجيته بعد أحداث صنعاء مباشرةً والتي دعيا فيها إلى التهدئة ورفع الحصار فورًا، ثم ما لبث أن انقلب ذلك مؤخرًا إلى الدعوة لتشكيل حلف دولي لمواجهة ما يسمى بالتمدد الإيراني، أي تصعيد الحرب وتمديد فترتها، أي إفشال تلك الصفقة، وخَاصَّــة جزءها المتعلق باليمن (صفقة الخروج من حرب اليمن بماء الوجه).
أي أنه إن كانت هناك صفقة فنحن أمام احتمالين ربما مجتمعَين أو منفصلين وهما:
* إما أن الأمريكان هم من أفشل تلك الصفقة، أو هذا ما أراد الروس تصويرَه أو الوصول إليه، بحكم معرفتهم الدقيقة بطبيعة العلاقات الخليجية الأمريكية، والتي تدخل اليمن ضمن نطاق نفوذهم الحصري حتى الأمس القريب.
* أو أن الروس بدهاء سياسي انتزعوا ما يردونه دون تقديم ما أراده التحالف الخليجي مع ظهورهم بمظهر من أوفى بما التزم، وما نقلُ السفارة إلى الرياض الا استمرار لتلك الحنكة ومن داخل قلب الرياض نفسها.
فإن صحت تلك القراءة فهذا يعني أنه يصعُبُ اعتبار الاستراتيجية الروسية في موضوع اليمن تقاربت مع التحالف السعودي كما يصوّر البعض، وإن بدا لنا أن التكتيك الروسي كذلك، كما تصعُبُ قراءةُ موضوع نقل السفارة أنه مؤشر سلبي بل إيجابي، وهو يصب ضمن التكتيك الروسي للعمل من داخل الرياض، وفي أوساط القيادات اليمنية والسعودية التي تدير الشأن اليمني، أما صنعاء فكل ما تحتاجه في هذه المرحلة هو رجلُ اتصال أو خبير عسكري روسي واحد فقط يسكن في بيت عادي في الجراف ليوصل المطلوبَ حسب تكتيكات اللعبة الروسية وقت الحاجة فقط.
خلاصة: وكقاعدة عامة واستراتيجية ليس من مصلحة كُلّ الأطراف الدولية، بما في ذلك روسيا، تسهيل خروج السعودية من وحل اليمن، بل يساهم الكل في المزيد من إغراقها إلى أن تدرك السعودية أن حلَّ تلك المعضلة ليس في صفقات مع موسكو أو واشنطن وإنما في صنعاء مع الشعب اليمني الحر وليس مع غيره أو في مكان آخر.