مدافعون عن حقوق الإنسان أم مستغلون؟!
إبراهيم السراجي
ببساطةٍ شديدةٍ يمكنُ لأي شخص أن يفرِّقَ بين الناشطين الحقيقيين في مجال حقوق الإنْسَان والدفاع عن الحريات، وبين مَن يتخذ من هذا النشاط قاعدةَ انطلاق لتنفيذ أجندة أُخْـرَى خفية، من خلال تقييم رؤية كُلّ ناشط منهم للإنْسَانية ككل لا يتجزأ، وإذا ما حدث خللٌ في هذه الرؤية فإنَّ الأجندةَ التي نتحدث عنها هي التي تخلق ذلك الخلل.
للتوضيح نضعُ سؤالاً بين أيدي الجميع: هل يمكن لأي ناشط في مجال حقوق الإنْسَان أن تُثيرَه قضيةُ اعتقال شخص ما من قِبَلِ السلطات المناهضة للعدوان، ولا تحركه قضية اعتقال الآلاف وتعذيبهم في سجون الاحتلال في عدن وحضرموت؟
ما دفعني لطرح هذه القضية هو أنني ككثير من اليمنيين الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي أتابع عن قُرب وجود أشخاص يدّعون أنهم ينشطون في مجال حقوق الإنْسَان والدفاع عن الحريات ويتبنون قضايا يرَون أنها وقعت؛ بسبب ممارسات خاطئة من قبل الأجهزة الأمنية أَوْ مسؤولين بالحكومة، فيما نجد نشاطَهم في هذا المجال تجاه ممارسات وجرائم العدوان غائباً تماماً.
قد تكونُ القضايا التي يتبّناها أولئك المدعون الدفاعَ عن حقوق الإنْسَان قضايا محقةً، لكنهم يستخدمونها على قاعدة “حقٌّ أريد به باطل”، فهم على سبيل المثال قد تقوم قائمتهم لاعتقال شخص في نقطة أمنية لكنهم لا يلقون بالاً لهذا الشخص إذَا استشهد بغارة لطيران العدوان، فالإنْسَانيةُ لديهم مجزأة ومختلة؛ لأنها تتحرك وفق أجندة لا علاقةَ لها بحقوق الإنْسَان.
على سبيل المثال تابعت أولئك النشطاء وهم يتحدثون عن مظلومية تعرض لها عدة أشخاص من مسؤول حكومي في الحديدة، وتحول الحديثُ إلى حملة منظمة تستهدفُ ذلك المسؤول، لكن مئات الأشخاص الذين استشهدوا وأصيبوا ودُمّرت منازلهم وأسواقهم ومزارعهم خلال الأيام القليلة الماضية في الحديدة لم تحرك مشاعر أولئك المدعين الدفاعَ عن حقوق الإنْسَان، فلو افترضنا جدَلاً أن أسرةً كاملةً أُبيدت بقصف لقوات الجيش واللجان ستجدُهم يصرخون ويملأون الدنيا ضجيجاً!، فهل إنْسَانيتهم مبرمجةٌ على التأثر بممارسات معينة؟
أيضاً وفي السياق الذي نتحدث عنه، نحن نؤمن أن تشكيلَ حكومة الإنقاذ الوطني جاء بغرض العمل على تخفيف الأعباء على المواطن التي تسبب بها العدوان والحصار، على رأس هذه الأعمال ضبط الإيرادات ومنع تسربها وبذل الجهود لتسخيرها في صرف مرتبات موظفي الدولة التي انقطعت منذ نحو عام وأربعة أشهُر، وهذا ما يطالب به جميع النشطاء في مقالاتهم أَوْ منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبينهم أولئك الذين يستغلون القضايا الحسّاسة ليس بهدف مناصَرة المتضررين وإنما لاستغلال قضيتهم.
لقد قامت قوى العدوان، على رأسها الولايات المتحدة، بتنفيذ خطة نقل البنك المركزي إلى عدن؛ بهدف قطع مرتبات الموظفين؛ لاستخدام المعاناة كورقة حرب وورقة ضغط وتوجيه اللوم للقوى الوطنية في الداخل، وعندما وجدت قوى العدوان أن هناك مَن يبرّئها ولا يطالب حكومة المرتزقة بالإيفاء بالتزامها المعلَن بصرف مرتبات الموظفين اعتبرت أن الخطةَ قد نجحت، فما الذي يدفعُها لصرف مرتبات الموظفين إذَا كان انقطاعُها مفيداً لأجندتها وإذا كانت لا تواجه أي ضغط أَوْ مطالبات لها بصرف المرتبات؟
كان التصرف السليم للنشطاء أن يطالبوا حكومة الإنقاذ بالعمل على صرف المرتبات كجهد يُحسَبُ في إطار الصمود ومواجهة العدوان، وأن يكشفوا في الوقت ذاته عن خلفيات ومخطّط نقل البنك المركزي إلى عدن وإلقاء اللوم على الأمم المتحدة والعدوان وحكومة المرتزقة عن انقطاع المرتبات، لكن النشطاء المدعين الذين نتحدَّثُ عنهم لا يهدفون في حقيقة الأمر لرفع معاناة موظّفي الدولة وإعادة المرتبات إليهم، بل يهدفون لاستغلال القضية؛ تنفيذاً للأجندة التي تحدثنا عنها في البداية.