القصص القرآني يقدم لنا (هدى الله) متكاملاً.. فلا تقصير من قِبَلِ الله نحو العباد
إعداد/ بشرى المحطوري
العبرةُ المستخلصةُ من القصص القرآني:ـ
أولاً:ــ يقدم لنا هدى الله متكاملاً:ــ
أَكَّـدَ الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللِه عَلَيْهِ- في محاضرة (ملزمة) الدرس الخامس من دروس رمضان، أن اللهَ سبحانه قدّم هداه لعباده متكاملاً وواضحاً لا نقصَ فيه، حيث قال: [إنه قصصٌ ليكون عبرةً – كيف كان هدى الله متكاملاً، وكيف كان الناسُ الذين لم يقدروا هذا الهدى حق قدره، ولم يتفاعلوا معه ولم يستجيبوا. كيف كانت النتيجة بالنسبة لهم في واقعهم؟! حتى أنه في الآيات هذه عرض فيما يتعلق بنفسياتهم في الأخير، بنفسياتهم، فأول عبرة: أن تفهم بأنه الإنْسَان هو من جهة نفسه، هو الذي يؤدي بنفسه إلى أن يصل إلى هذه الحالة السيئة. لا يوجد تقصير من جهة الله على الإطلاق ولا من جهة أنبيائه على الإطلاق].
العبرة الثانية:ــ تحذيرُ الناس من مخالَفة الله:ــ
وأشار أيضاً الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه- إلى عبرةٍ أُخْـرَى من القصص القرآني يجبُ أن نتنبه لها كما قال: [العبرة الثانية: أن يحذر الناس، أن يحذروا؛ لأنه أحياناً قد يكون التمادي في التنكر لهدى الله أَوْ عدم الاهتمام به، عدم التقدير له، يؤدي في الأخير إلى وضعية سيئة جداً، وَأعتقد أن المسلمين يعيشون فيها بكل معانيها.. من القيمة الهامة للهدى الذي أنزل إليهم وجاء به موسى كتاب وفرقان وأساس الهدى وتربية للمجتمع يقول لهم أنه كان الكتاب والفرقان مرتبطاً بموسى، موسى يمثل العَلَم لهم يمثل: معلم، وقائد، مربي، موجّه. هم يتفهمون وينطلقون على أساس توجيهاته بدون أخذ ورد. ما حصلت هذه. لاحظ كيف كان موقفهم في قضية واحدة، في قضية [البقرة]؟! هدى الله لا يصنع أناساً على هذه النوعية أبداً أعني: أنه يتضح لك كيف يحصل الخلل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهي نفس المسيرة، ونفس الطريقة الواحدة التي عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد، وعند عيسى، وعند موسى، وعند إبراهيم، أنهم يهدون الناس، ويعلمونهم الحكمة، ويبنونهم مجتمعاً متماسكاً متوحداً كلمته واحدة، موقفه واحد، انطلاقته واحدة. حصل خلل كبير جداً لديهم! هذه الظاهرة السيئة عندما قال لهم موسى في قضية هم بحاجة إلى أن يكتشفوا من هو الذي ارتكبها، قتيل قتل في ظروف غامضة جداً وأصبحوا هم يتدافعون المسألة، [هم قتلوه آل فلان أَوْ ربما آل فلان]: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}(البقرة: من الآية72) كُلّ واحد يدفع عنه ويتهم طرفاً آخر].
(هدى الله) لا يصنع أناساً من نوعية قوم موسى:ــ
أشار الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه- إلى ردود فعل بني إسرائيل المزرية على نبيهم موسى في قصة البقرة، وكيف أن هذه القصة فضحت نفسياتهم الخبيثة على نحو كبير:ــ
أولاً:ــ لم يحترموا نبيهم عندما أمرهم أن يذبحوا بقرة:ــ
قال الشَّهِيْد القَائِد -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه-: [{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) أسلوب الأنبياء تجد كيف الأنبياء أشخاصاً حكماء، هم حكماء يعرف نفسيات أصحابه، وكيف وصلت الحالة بهم! كان يكفي من موسى أن يقول لو أنهم كانوا قد وصلوا إلى مستوى[جيد] دع عنك [ممتاز] جيد، أنه كان يكفيهم من موسى نفسه توجيه معين أن يقول لهم موسى: اذبحوا بقرة فيتحركون، هو يعرف كيف واقعهم وكيف نفسياتهم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} أمر إلهي مباشر {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67). أساس تربية الأُمَـم أنه لا يأتي بنبي بعد نبي على طول تأريخ البشرية، قد يكون مرحلة فيها نبي يمكن أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ} لأمة من الأُمَـم، في مرحلة لا يوجد نبي، والأمة متربية على الحالة هذه تحتاج إلى شخص يقول: إن الله يأمركم في موقف معين، هذا لا يتم، الأمة تتربى بطريقة تصل فيها إلى أن يكفيها توجيهات مباشرة من جهة الأنبياء أنفسهم، ثم من جهة ورثة الأنبياء].
ثانياً:ــ سخروا واستهزأوا من (الأمر) نفسه:ـ
وضّح الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه- ذلك بقوله: [أيضاً يكفيهم بأنه ليست مسألة يكفيهم، أعني: يكونون هم تربوا هم تربية وفهموا القضية على هذا النحو فيكفيهم أوامر من الجهة التي يعرفون بأنها جهة هدى، لا، هنا احتاجوا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة: من الآية 67) كيف كان الجواب؟ {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}(البقرة: من الآية67). ماذا يعني نذبح بقرة؟! ماذا يعني بقرة؟!. إذاً هنا لم تكفهم الفترة الطويلة تلك أن يعرفوا أن موسى رجل حكيم! الشخص الحكيم لا يأمر بأشياء ليست حكيمة, لا يأمر إلا بأشياء حكيمة، ومن ورائها حكمة، ولغاية مهمة، وإن بدت في الصورة وكأنها تصرف غير طبيعي مع أنه هنا لم يكن تصرفاً غير طبيعي، تشبه نفسية الذين قال عنهم في أول السورة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً}(البقرة: من الآية26) {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} ماذا يعني نذبح بقرة! أليسوا يذبحون بقراً، ربما كُلّ يوم يذبحون بقراً لكن لا، استغراب! هذا أول خلل، ماذا يعني أول خلل؟ ظاهرة من مظاهر الخلل لديهم، في أنهم لم يهتدوا بهدي الله].
ثالثاً:ــ استغرابُهم كان أول خلل يدُلُّ على أنهم لم يهتدوا:ــ
قَالَ الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه- موضِّحاً: [كان الشيء الصحيح لمجرد أن يريد منهم أن يذبحوا بقرة، أن يأمرهم موسى نفسه مباشرة: [اذبحوا بقرة] وبدون أخذ ورد، يتجهون إلى بقرة يذبحونها؛ لأن الأمر واضح في القضية. فعندما يقول: بقرة يعني: أيَّ بقرة، معناه: أيَّ بقرة، لكن لا. {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(البقرة: من الآية67) لا يمكن أتخذكم هزواً لا يمكن أعمل أوامر! مع أنه هنا يقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ} معناها: أيتخذنا الله هزوا! أليس معناها هكذا في الأخير؟ ما كفاهم بأنه قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} لاحظ كيف هذا وحده من المظاهر السيئة، عندما يكون المجتمع، أَوْ أمة من الأُمَـم تهتدي بهدي الله الذي يوجد حكمة لدى الناس، ورؤية حكيمة، وفهم ومواقف مبادرة، لا يوجد فيها أخذ ورد، قالوا بعدما قال لهم: {بَقَرَةً} أليس كلمة بقرة تعني: أي بقرة، مثلما تقول لشخص: نحن نريد أن تبحث لنا عن [كبش] عندنا ضيف، نريد تبحث لنا عن [كبش] أليس سيعرف أي واحد، أن المطلوب أن يبحث عن كبش أيَّ كبش؟ ليس بحاجة أن يقول: ما لونه، ما هو، ومن أي نوع، وأشياء من هذه. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68) قد قال: بقرة من البداية، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ}(البقرة: من الآية68) ليست مسنة، ولا هي فتيّة، متوسطة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}(البقرة: من الآية68) أليس هذا أمراً آخر؟ بعد أول سؤال أعطاهم مميزات معينة: بقرة متوسطة في السن {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} (البقرة: من الآية68). {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69) ما لونها؟ نحن نعيش الحالة هذه، لا نضحك على بني إسرائيل لوحدهم حقيقة؛ لأنه نعيش نحن المسلمين والزيدية نحن بالذات الذين نقول: أننا الطائفة المحقة والمتمسكين بأهل البيت، وبالثقلين كعنوان لدينا، قضية البقرة ما تزال موجودة، نأخذ عبرة من هذه، ونأخذ دروساً من هذه].
رابعاً:ــ عدم تقديرهم لموسى يعني عدم تقديرهم لله:ــ
قال الشَّهِيْدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْه-: [{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) من البداية {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) يكفيهم أن يسألوه هو شخصياً؛ لأن ربهم قد اختاره لهم هادياً ومرشداً ومعلماً وموجهاً. هنا ألست ترى وتلحظ أن موسى نفسه لا يقدرونه حق تقديره هو كرسول من عند الله؟ فتكون القضية هذه انعكاس لتقديرك لما يأتي من عند الله عندما تعرف بأن الله لن يختار شخصاً إلا وهو بالشكل الذي فعلاً مؤهَّلٌ لأن يقوم بالدور على أكمل وجه. {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68) {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69)! عادة البقر لا تكون ملونة بشكل كبير، عادة البقر تختلف عن بعض الحيوانات الأُخْـرَى، ترى البقر والغنم في الغالب لا يكون القطيع الواحد، هذه حمراء، وهذه صفراء، وهذه بيضاء وهذه خضراء، وهذه غبراء وهذه.. لا، الغالب أنها تكون متقاربة اللون لا يوجد هنا في واقع القضية ما يكون مبرراً لأن يتساءلوا يقولون مثلاً: قطيع البقر، أَوْ السوق فيه بقر لكن هذه حمراء وهذه صفراء وهذه بيضاء ألوان متميزة، تبدي على سوق من البقر أَوْ قطيع من البقر تجدها متقاربة يكون إذا هناك لون متميز يكون نادراً وشاذاً. إذاً لا يوجد ما يوجب اشتباه على الإطلاق. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) من البداية {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) ألم يقل هناك: {بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية68) وهنا أيضاً: {إِنَّهُ يَقُولُ}لم يعد موسى إلا مثل [المِظْهِر]. لاحظ ذلك الذي يأتي في السوق واحد يظهر، يبلغ الناس نيابة عن شخص، يقف ويتكلم [يقول لكم الشيخ فلان على أن كذا كذا.. ] والشيخ يتكلم من هناك، وهو يأتي يكلم الناس بما قال له الشيخ. أساس المسألة أعني: لاحظ أن هنا خللاً كبيراً جداً؛ لأن الأُمَـم تربى في عصور الأنبياء بالشكل الذي لما بعد الأنبياء أيضاً، لما بعده، لا تحتاج إلى أن يكون أمامها نبي يوحى إليه، فضلاً عن أن تكون مع وجود النبي تحتاج إلى أوامر إلهية مباشرة في لون بقرة، سن بقرة, تشخيص بقرة! فالنبي لا يأتي لعصره فقط. لا. النبي يربي أمة، ويرشد أمة، ويثقف أمة لتكون مستبصرة وَحكيمة, قابلة لأن تستمر في دورها وتتقبل قيادات هي امتداد له، للنبي؛ لأن الأنبياء يموتون. أمة مثل هذه معناه تريد لها نبياً باستمرار وعلى اتصال مباشر!].