قراءة في عوامل النصر
وجدي الصراري
الحربُ السعوديةُ الإماراتية ذاتُ الطابع الامبريالي تُعبِّرُ عن منعطفٍ حاد سيشكل -وبجزم لا يخالطه شك- صورةً جديدةً للزمن القادم ليس في اليمن، وحسب بل وأيضاً في المنطقة العربية برمتها.
بداية من موقع اليمن الحسّاس على مصالح القوى الاستعمارية في الخليج ومخزونة الهائل من النفط وَالرغبات التوسعية الاستعمارية للدولة السعودية، وَمروراً بأهمية خط الملاحة البحري وَالتأكيد على تفوق إسرائيل وحلفائها الأمريكان في النفوذ السياسي وَالعسكري على المنطقة برمتها.
أخذت معركةُ التحرّر اليمنية من النفوذ الاستعماري للسعودية ومن خلفها من القوى الامبريالية، ( نقول تأخذ) قيمتها التأريخية، كواحدة من أَكْبَــر الملاحم البطولية على مرّ التأريخ المعاصر، ولو وُجد أديب مناسب ليكتبها كهوميريوس لحوّل هذه الملحمة الحسينية لإلياذة جديدة تدرس في كُلّ مكان من هذا العالم وبمختلف اللغات وَالثقافات.
وبالعودة لعنوان القراءة في عوامل النصر، يمكننا الانطلاق في البداية من عدالة القضية المركزية وتقدميتها وأيضاً تناسقها مع حركة التأريخ وقوانينه الموضوعية، فعدالة القضية في التحرر والاستقلال وعدم العودة للوراء لزمن الرجل الواحد وَالعميل الواحد لقوى الاستعمار وَالامبريالية يمثل جوهراً في توجه الشعب اليمني وصموده وثباته وتطلعه نحو الجديد الذي يريد أن يصنعه بيده خاطاً أمجاده بدماء من ضحّوا بحياتهم من أجل الحياة نفسها؛ وكون الأحياء يمتلكون الإيْمَان عقيدةً بنبل شهدائهم وكونهم لا يمكن أن يقبلوا بأقل من السقف الذي ضحّى لأجله كُلّ من ضحى من خيرة وطليعة هذا الشعب المضطهد وَالثائر التواق للأفق الجديد.
وَفي مقابل عدالة القضية المركزية تتمظهر ضحالة الجانب الاستعماري وَالامبريالي وَمن معه من مرتزقة وتجار حروب وبلاك ووتر، وغيرهم من شذاذ الآفاق وَذوي الأصول وَالجنسيات الغريبة، تتمظهر رجعيةُ الحرب فيهم في دوافعهم منها، ولا تأريخيتها كحرب تسترجع الماضي وتحاول إعادة الزمن للوراء لتعاكس أبسط القوانين الكونية وَأسرعها إمكانية على الإدراك، وهو أن الزمن لا يعود للوراء وأن ما انتهى قد انتهى فعلاً ولا يمكن استرداده، لكنه في المقابل يولد الجديد من قعره، وهذه هي الثورة على مَرّ العصور في جَوْف كُلّ نظام رجعي ومتخلِّف وبائس.
إنَّ عدالةَ القضية التي يحملها اليمنيون في جبال أرضهم المحاصَرة بجحافل الغزو لا يمكن أن تقابلَها قضيةٌ عادلةٌ في المقابل أبداً ولو قابلتها قضية عادلة ومحترمة تحملها شرعية هادي ومن عليها، لكنا التقينا معاً ووقفنا في جبهة واحدة ووطن واحد، لكن الحقيقة أن الأضدادَ جوهر الصراع، فلا صراع بين حق وحق بل الصراع بين حق وَباطل، وأن ما يقفون عليه من باطل وضحالة في القضية يَحُولُ دون تنامي ولائهم السياسي للقضية التي يعتقدون أنهم يحملونها وَالصحيح أن الحصول على المال وَالسلاح يحُلُّ مكانَ المعتقد لديهم ويصير دافعهم للحرب مع مرور الزمن بعد أن كانت دوافعهم قضية حقيقية يقفون خلفها، اختلفنا معهم في صوابيتها أم اتفقنا.
إن قضيتَهم الجوفاء مصحوبةٌ بقضيتنا التي نقف على رأسها لا تغير من حقيقة ثباتنا على الأرض وَمن حقيقة كوننا مستقلين بأنفسنا وبرغبتنا بالتغيير مهما ربطونا بالآخرين، سواءً بالإيرانيين أَوْ بحزب الله اللبناني أَوْ أياً كان، فحتى لو أصابت ادعاءاتهم فهذا لا يغير من حقيقة استقلاليتنا في اتخاذ القرار وَفي حريتنا في تحديد خياراتنا، فثبوتنا على أرضنا يعطينا استقلالنا، وَلا يمكن أن يمتلك الاستقلال من يجلس في فندق داخل الرياض ولا يستطيع السيطرة على رقعة من الأرض هو فيما يثير السخرية مسيطر عليها في الأصل، وعجزه عن بسط سلطته هنا هو ما يعكس ضعف انتمائه للأرض وَضعف عدالة قضيته وتداخل ما يحمله من مشاريع لصالح رب نعمته ومن يدرّ عليه الدراهم وَالدنانير، النصر يمكن استقراؤه في الأفق بفعل أخطائهم التكتيكية الكثيرة وَكذب دعاياتهم الهائلة التي سقطت أمام الواقع مراراً وتكراراً على مدار حرب ثلاث سنوات وأكثر، ومع كُلّ سقوط لها زادت من قرب لحظة التحرير المرتقب.
ليس هذا كُلّ شيء ولكن الوقت لا يسعف كثيراً، في الأخير هذا البلد الذي تطوقه جحافل الغزو من كُلّ مكان ليس له أسوار عالية كطروادة، لكن جباله أشد ارتفاعنا من أي سور والملاحم التي يكتبها أبناؤه اليوم لم يصنعها لهم أنصاف الإلهة كهرقل أَوْ آخيل، لم يأتِ زيوس وَأبناؤه لصنعها، إنها ملحمة التأريخ الحقيقية صنعها المقاتل اليمني ذو السيقان النحيفة، مدججاً بعقيدة صلبة وحلم لا يلين على حرارة آلة الحرب الأكثر فتكاً وتطوراً، وعلى كتفه يعلق بندقية الكلاشنكوف.
فهل في غير هذا يمكن أن يقرأ المرء عواملَ النصر؟