لن نترك الباب مفتوحاً
محمد صالح حاتم
لقد حبا الله اليمنَ بموقع استراتيجي، حيث تطلُّ على البحرين الأحمر والعربي، وتمتلك شريطاً ساحلياً طويلاً، يعتبر من أطول السواحل في المنطقة والتي تختزن ثروات بحرية ونفطية كبيرة، وتشرف على أهم الممرات البحرية وهو مضيق باب المندب؛ ونظراً لهذا الموقع الفريد والاستراتيجي فقد كانت اليمن محلَّ أطماع الغزاة والمحتلين قديماً، فقد شنت عليها عدة حملات عسكرية من قبل اليونان والرومان والفرس، والبرتغال والإنجليز؛ بهدف السيطرة والتحكم بممرات الملاحة والتجارة، ويعتبر ميناء عدن من أهم الموانئ البحرية والذي يتوسط طريق التجارة العالمية، وهو حلقة وصل بين الشرق والغرب.
وَما تتعرض له اليمن اليوم من هجمة شرسة وعدوان ظالم من قبل تحالف قوى العدوان، يندرج ضمن الأطماع والمُخَطّطات الاستعمارية للسيطرة على السواحل اليمنية، واستغلال ثروات البلاد، فالهدف من العدوان هو النفط وباب المندب، فالعدو ومنذ أن بدأ بشن عدوانه كثف هجومه وغاراته ونشر بوارجه وأساطيله البحرية في سواحل اليمن، وفرض علينا حصارا بحريا وبريا وجويا تحت ذريعة عدم تهريب الأسلحة إلى اليمن، واليوم نلاحظ ما يمارسه ويقوم به الاحتلال السعودي والإماراتي في عدن وسقطرى والسواحل والجزر اليمنية من عمليات تدمير ونهب للثروات اليمنية، فالإمارات تعمد اليوم إلى تدمير ميناء عدن وتعطيل أعماله؛ بهدف الحفاظ على مكانة ميناء جبل علي في دبي كأحد أهم الموانئ العالمية، فلو تم تشغيل ميناء عدن نظراً لمواقعه فسيستعيد مكانته العالمية كحلقة وصل وربط بين الموانئ العالمية، وعندها سيفقد ميناء دبي مكانته، وستخسر الإمارات عائدات وموارد هذا الميناء والذي تقدر بأكثر من 300 مليار دولار سنوياً وهذه عائد تفوق عائدات مبيعات النفط الإماراتي.
فالقوى العالمية الكبرى اليوم في سباق على المحيطات والبحار العالمية والتحكم في الممرات البحرية وبناء القواعد العسكرية في الجزر والسواحل البحرية، وخَاصَّـةً منطقتنا العربية فما نلاحظه من تنافس في بناء القواعد على سواحل البحر الأحمر على الشواطئ الآسيوية والإفريقية ومنها ما تقوم به الصين وأمريكا وتركيا وفرنسا وإسرائيل من بناء قواعد عسكرية في جيبوتي، وارتيريا والسودان والصومال، وما يقوم به الاحتلال الإماراتي ببناء قواعد عسكرية بدعم أمريكي بريطاني مباشر في جزيرة ميون اليمنية، والتي تتوسط وتتحكم بباب المندب وكذَلك في جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي والهام في المحيط الهندي، فهذا التسابق بهدف السيطرة والتحكم على باب المندب، والذي للأسف لم نستفِد من هذا الممر رغم أننا نشرف عليه؛ بسبب الاتفاقات الدولية المنظمة لسير وأعمال الملاحة الدولية، والتي حرمتنا من عائدات ورسوم المرور والتي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، بحُجّة أنه ممر دولي ولا يحق لنا أخذ وجباية رسوم، أَوْ التحكم به.
فالقوى الكبرى بهذه الاتفاقيات ومنها اتفاقية جاميكا عام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994م، تمنع الدول المطلة والمشرفة من الاستفادة أَوْ التحكم بهذه الممرات ومنها اليمن التي تشرف على مضيق باب المندب ذات الأهميّة الاقتصَادية والعسكرية والسياسية التي يحظى بها لما يمثله من حلقة ربط بين مضيق هرمز وقناة السويس، وتكمن أهميّة المضيق بوصفه واحداً، من الممرات البحرية في العالم مع ظهور النفط الخليجي حيث يقدر مرور أكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً، وقد ازدادت أهميّة بعد حرب 1973حيث تم إغلاقُ المضيق أمَام السفن والبواخر التي كانت تزود العدو الصهيوني بالنفط، فكان هذا الممر ورقة ضغط على العدو الصهيوني، وفي ظل استمرار العدو في غيه وتسلطه تجاه الشعب اليمني، واستمراره في تجويع وقتل أبناء الشعب اليمني، بفرضه حصارَه الاقتصَادي، وعدم سماحه بدخول المواد الغذائية والمشتقات النفطية والأدوية، والهدف تجويع اليمن ليركع ويستسلم لمشروعهم الشيطاني، وهذا ما لم نسمح به، فلن نموت جوعاً ولن نظل في الطوابير أمَام محطات الوقود، ونحن نشاهد البواخر والسفن العالمية تمر من مياهنا الإقليمية محملةً بالنفط والمواد الغذائية، فسوف يتم إغلاق مضيق باب المندب أمَام الملاحة العالمية، وخَاصَّـةً تحالف قوى العدوان المشاركين في قتل وتجويع الشعب اليمني، فإذا كنتم تريدون أن تضغَطوا علينا بالقمة العيش، بحصاركم وتعتبرونها ورقةَ ضغط علينا حتى نستسلمَ ونخضعَ لمشاريعكم، فإننا سوف نستخدم حقاً من حقنا ومشروعاً لنا، وهو إغلاقُ المضيق، الذي تمر عبره سفنكم وبوارجكم الحربية لتقتلنا وتحاصرونا بها اقتصَادياً وسوف يتم قصف وتدمير أية سفينة أَوْ قطعة حربية تقترب من مياهنا وسواحلنا، وهذا هو ما أبلغته القيادة السياسية لنائب المبعوث الخاص للأمين العام للأُمَـم المتحدة خلال زيارته الأخيرة لليمن.
فلن ننتظر حتى نموت جوعاً.
فإما عيشٌ بكرامة وعزة وشرف، أَوْ موتٌ موتَ الشرفاء الشجعان، نموتُ شهداء.
وعاش اليمن حراً أبياً، والخزي والعار للخونة والعملاء.