في مركز الأطراف والعلاج الطبيعي: معاقون.. سحقت الغارات أطرافهم ويحول الحصار دون منحهم أطرافاً صناعية
المسيرة/ منصور البكالي
يقفُ العدوانُ والحصارُ خلفَ معاناة الشعب اليمني ليس أقلها شريحة فاقدي الأطراف والمصابين بالشلل والجلطات التي أفقدتهم الحركة أَوْ النطق أَوْ السمع، أطفال من ذوي الاحتياجات الخَاصَّــة حياتهم مستمرة على تلقي المعالجات في هذا المركز، هناك مَن يبحث عن طرف صناعي، ولكن في زمن العدوان والحصار لا يمكن له ذلك، هناك من يبحَثُ على بريق أمل يُعيدُ إليه حريةَ الحركة بعد شلل مصدره ضربات الطيران، هناك من فقد رجلَيه ويبحث عن أرجُل صناعية تساعده على ممارسة الحياة، هناك من تحوّل إلى عالة يحتاجُ إلى رعاية مستدامة، العدوان ضاعف هذه الشريحة ومنع عنها المستلزمات الطبية وإدخال المواد الخام في تصنيع الأطراف الصناعية، فهل ستقوم المنظمات الإنْسَانية بمسئوليتها تجاه هذه الشريحة؟
قامت صحيفة المسيرة بزيارة مركَز الأطراف والعلاج الطبيعي، تفقدت خلال زيارتها سير عمل المركز وأوضاعه، وناقشت مع الجهات المختصة فيه أبرز العراقيل التي تواجهه بعد أَكْثَــر من ألف يوم مِن العدوان والحصار، كما التقت بالمواطنين المستفيدين من الخدمات التي يقدمُها المركز وكيفية الحصول عليها في ظل الحرب والحصار، حيث تضاعفت عدد الحالات المحتاجة لهذه الخدمات إلى 500% على ما كانت عليه قبل العدوان.
- 17 ألف حالة في العام
وبحسب الاحصائيات الرسمية، استقبل المركَزُ خلال عام 2015 م 14.497 حالة، أما خلال عام 2016م فتردد على المركز 18.967 حالة جديدة، وخلال عام 2017م تردد على المركز 17.323 حالة، وخلال الأسبوع الأول من عام 2018 م استقبل المركز خلالها 75 حالة.
كانت البداية مع مدير إدَارَة العلاج الطبيعي الدكتور/ حسن محمد السامعي، الذي اطلعنا على غالبية الخدمات التي يقدمها المركز والمتمثلة في خدماتٍ متعددة تختصر على العلاج الطبيعي والأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية وخدمات الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخَاصَّــة، إضَافَـة إلى الخدمات المقدمة للأمراض العاديين مثل أمراض الانزلاق في العمود الفقري والكسور والجلطات والأمراض العصبية والشلل الدماغي وشلل الأطفال وأشياء أُخْرَى.
وأشار الدكتورُ السامعي إلى أن الخدماتِ المقدمةَ من قبل المركز تُعتبَرُ مجانية بنسبة 98%، فالمواطِنُ في قسم العلاج الطبيعي يقطَعُ كرتاً بمبلغ 3000 ريال لشهر كامل يحصل عليه المريض في المراكز الخَاصَّــة، ما يعادل 3000 ريال لليوم الواحد في جلسة واحدة، ونحن لدينا بـ100 ريال للجلسة في اليوم، وبعض الحالات لا تستطيع دفع قيمة الكرت وتُقدَّمُ لها الخدمات بشكل مجاني 100%.
وَأَضَــافَ أن وزارة الصحة المرتبطة بوزارة المالية كانت في المراحل السابقة جهة داعمة للمركز، ولكن في هذا الوضع الدولة لا تستطيع تقديمَ دعم والاعتماد مرتبط بالمنظمات الإنْسَانية، إضَافَـةً إلى العلاقات الخَاصَّــة لمدير المركز/ محمد أحمد السقاف الذي يعتبر صوتَ المعاقين اليوم، فلديه علاقات مع رجال المال والأعمال وفاعلي الخير والجهات الرسمية، فالمدير يبذل جهوداً جبارةً في ظل الوضع الراهن، ولكنها لم تفِ بالقدر، حيث أن عدد الحالات تضاعف وقدرة الناس من فاعلي الخير خفت، ونأمل من المنظمات أن تفيَ بوعودها.
وأكد الدكتور السامعي، أن جهودَ المركَــز تضاعفت بعد العدوان، وَأن المواد الخام الخَاصَّــة بصناعة الأطراف على وشك الانتهاء في ظل الحرب والحصار وضعف دعم وزارة الصحة، التي تعاني مثلها مثل أَية وزارة خدمية، مشيداً بالجهود الداعمة من قبل الصليب الأحمر الدولي التي لا تتجاوز 20% من احتياجات المركز، داعياً بقيةَ المنظمات الإنْسَانية لأن تحذوَ حذوها التي يقول إن عدداً منها لديها قصورٌ في القيام بواجباتها، بالإضَافَـة لوعودها المتكررة التي لا تفي بها.
- الأُمَــمُ المتحدة مسؤولةٌ عن العجز
وحمّل الدكتور السامعي قوى العدوان والمنظمات الإنْسَانية والأُمَــم المتحدة مسئوليةَ عجز المركز عن تقديم الخدمات بالشكل المطلوب والكافي لكل الحالات المتزايدة؛ بسبب العدوان والحصار، قائلاً: “يجبُ على هذه المنظمات الوفاءُ بالتزاماتها ووعودها، ونحمِّلُها كاملَ المسئولية، فالشعبُ اليمنيُّ في حالة حصار خانق تصعُبُ على المركز استيراد بعض القطع والمواد الأساسية للاستمرار في هذا المجال”.
وَأَضَــافَ السامعي “قدّمنا خططاً وبرامجَ لعام 2018 م إلى وزارة الصحة التي بدورها تقوم بالتواصل مع المنظمات المختلفة، ووعدونا بتوفير المتطلبات ونحن في انتظارهم”.
- المخزون على وشك الانتهاء
ومن ناحيته، قال المدير الفني في مركز الأطراف/ محمد عبدالله جياش لصحيفة المسيرة: “المركز يغطّي غالبيةَ الجمهورية اليمنية، وإنْ وُجدت فروعٌ في المكلا وعدن وتعز والحديدة وصعدة، ولكن معظم الخدمات لا تتوفر لديهم، ويقوم بها هذا المركز؛ وبسبب العدوان والحصار لا نستطيع استيرادَ قطعة واحدة، وكان لدينا مخزونٌ لعشر سنوات نَـفِـدَ منذ بداية العدوان”.
وَأَضَــافَ “نحن اليوم نعتمدُ على الصليب الأحمر الذي لا يغطي ما نسبته 20% ونحن بحاجة إلى المواد الأساسية التي لا تتوفر لدينا ما يوقعنا في إحراج أمام المعاقين عندما لا نستطيع تلبية حاجاتهم ومع الحصار لا تستطيع الشركات الخَاصَّــة إدخال مثل هذه المواد والمتطلبات، وَالمركز لا يمتلك مخزوناً يغطي لأشهر معدودة من المواد الخام”.
وأشار جياش إلى أن “دورَ المنظمات شبه غائب عن هذا المركز، باستثناء الصليب الأحمر الدولي”.
كما وجّه دعوةً إلى منظمة حقوق الإنْسَان والأُمَــم المتحدة لاتخاذ خطوات مسئولة أمام هذا الشعب المحارب والمحاصَر.
- القصفُ رفع الإصاباتِ بنسبة 500%
يشيرُ جياش إلى أن ضربات الطيران تسبِّبُ إعاقاتٍ شللية وإعاقات حركية وإعاقات نفسية، ولدينا الكثير من هذه الحالات تتعالج في المركز، وهذه الضربات مستمرة بشكل جنوني، فَكلُّ غارة على الأسواق أَوْ الأحياء السكنية تخلف عدداً من الحالات المعاقة والمشلولة وتحتاج إلى رعاية، فمن لم يمُتْ بهذه الغارات يكون عُرضةً لمخاطر الإصابة بفقدان الأطراف أَوْ الشلل بنسبة كبيرة، وعدد الحالات ازدادت بنسبة 500% عنْ مَا كانت عليه قبل العدوان.
- برامجُ المنظمات حبرٌ على ورق
وبخصوص تنسيق المركز مع المنظمات الإنْسَانية ونوعية الخطط والبرامج لعام 2018م، قال محمد جياش: “نحن منسقون مع منظمة الصليب الأحمر الدولي بشكل مستمر، وقمنا بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية.. وعود وكلام منظمة (الهند كاند ناشينال) كذلك لديهم خطة لعام 2018م بخصوص زيارات بعض المحافظات وجلب المعاقين منها إلى المركز ومعالجتهم وتوفير الأطراف التعويضية، فهذه خطة ووعود ليست على أرض الواقع، ونأمل أن تطبّق على أرض الواقع ويلمسها المواطن الذين فقدوا أطرافهم أَوْ بعضَها.
- تكاليف باهظة
يقولُ الدكتور عبدالكريم المقرمي: “إن تكاليف الأطراف يرتبط بنوع الشركة المصنعة، وعلى سبيل المثال شركة الاتي بوك الالمانية تصل قيمة الطرف الصناعي بين 600 ستمائة ألف إلى 1,300 مليون وثلاثمائة ألف ريال، والمركز يقدمها للمواطن بسعر رمزي لا يتجاوز الـ 10%، وفي بعض الحالات بالمجان وبسبب الحرب والحصار نحن نحاولُ تصنيعَ بعض الأطراف محلياً”.
- المصابون يتطلعون لأطراف تسهِّلُ حياتهم
كان لصحيفة المسيرة لقاءٌ مع الجريح محمد عبدالكريم مفضَّل الذي أصيب بغارات العدوان، ففقد قدرته على الحركة وقُطعت يده اليسرى وهو بحاجة إلى يد صناعية ومعالجة طبيعية تمكِّنُه من الحركة وتصلح له العمودَ الفقري الذي أفقده الحركة على أرجله، وأقعدته الإصابة على عربَة، حتى أنه لن تمكنه من قضاء حاجته، حيث يدعو الجهات المختصة إلى النظر إلى هذه الشريحة بعين الاعتبار وتوفير متطلبات المركز.
أما الطفلة نجاة محمد – ذات السبعة الأعوام – فهي معاقة عن الحركة؛ بسبب مرض الأعصاب، وتتلقى الرعاية الصحية في مركز الأطراف، حيث تقول والدتها إنه “بعد الحصار خفت علينا العلاجاتُ، وانعدمت في الفترة الأخيرة؛ ولهذا السبب حالة بنتها نجاة تسوء من يوم إلى آخر، ما يفقد والدتها الامل بالشفاء؛ ولذلك تناشد والدة نجاة الجهات الرسمية والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنْسَاني بتوفير عربَة وعلاجات تمكنها من مواصلة تعليمها وتكفل لها حق العيش بشكل طبيعي.
وكذا الطفلة سمية محمد جابر – ذات الـ10 سنوات – تعاني من شلل أفقدها قدرة التحَـرّك على رجليها، وتعتمد على عربَة، تتعالج في المركز، حيث تقول والدة الطفلة “نحن نعاني من ازدحام المركز وشُحة العلاجات، وحالة ابنتي تأول نحو الأسوأ خلال هذه فترة ما بعد الحصار”.
وفي المركز شقيقتان معاقتان هن رغد وسلوان أحمد فاضل على مقعد واحد لم تقدم لهن المنظمات مقعداً آخر، ويتلقين التمارينَ والعلاج الطبيعي في المركز، ولكن زيادة الإقبال على المركز لم تمنحهن حقَّ أخذ المعالجات الكافية، وبعد الحصار لم يحصلن على الدهانات والعلاجات الكافية، فيُصرَفُ لهن مخصص لحالة واحدة لا غير، حيث تقول والدتهما إن المركز يعاني من قلة الأَدوية وزيادة المقبلين عليه منذ بداية العدوان، وتطالب الجهات المعنية بلفت النظر لهذه الشريحة.
أما إبراهيم محمد عبدالله -صاحب محل بنشر في حي عطان، يبعد مكان القنبلة العنقودية مسافة 400 متر- وأوضح لصحيفة المسيرة “بأنه فقد رجلَه اليُمنى، وأصيب بشظايا في يده اليُمنى وبقية جسمه -كما هو واضح في الصورة -، عندما ضرب النهدين بقنبلة عنقودية، وهو اليوم يمشي على رجل طبيعية ورجل صناعية بدعم من مركز الأطراف، ولا يزال يزاول مهامه في البنشر بكل صمود أمام احتياجات ومتطلبات الأسرة.
ويدعو إبراهيم، المنظماتِ الإنْسَانية للفت النظر إلى بقية المصابين الذين لم يتمكنوا من الحصول على خدمات المركز بعد أن نفد ما بها من مخزون سابق، فحالته تعالجت في بداية العدوان، حيث كانت قدرات وإمْكَانيات مركز الأطراف قادرة على تلبية احتياجات المرضى والمحتاجين للأطراف الصناعية.
- رحلة طويلة مع المنظمات والمستشفيات
يعاني الطالب محمد علي الخولاني من كسر في يده اليُمنى، جراء انفجار قنبلة عنقودية من مخلفات قصف العدوان على حي عطان بالعاصمة صنعاء قبل عامين، حيث يبحَثُ اليوم من أجل الحصول على مفصل صناعي تعويضاً لمفصله الذي تهشَّم وأفقده القُدرة على تحريك يده.
ويؤكد الخولاني لصحيفة المسيرة أنه طرق كُلَّ أبواب المستشفيات في صنعاء وأبواب المنظمات الإنْسَانية والدولية.
ويقول الخولاني بأن حالتَه تستدعي العلاج في الخارج، سواء في الهند أَوْ ألمانيا، ولكن كُلّ المنظمات لم تعر حالتَه أي اهتمام؛ نظراً لتكلفة السفر والعلاج في الخارج، فهو يناشِدُ المنظماتِ الإنْسَانيةَ وفاعليْ الخير، النظرَ إلى حالته بإنْسَانية، فهو مواطنٌ استهدفته قنابلُ العدوان وهو في الشارع عائداً إلى منزله من المدرسة.