استراتيجية العام الجديد: سياسة الحل الصاروخي
المسيرة: إبراهيم السراجي
فرضت الصواريخُ الباليستية اليمنية قصيرة ومتوسطة المدى نفسَها في ميزان الردع الصاروخي بمواجهة تحالف العدوان، حيث تنامى أعداد ما تم إطلاقُه منها بشكل ملحوظ منذ مطلع العام الجاري، أي خلال 20 يوماً فقط، نالت المعسكرات السعودية والأَهْدَاف الحيوية في جيزان ونجران، منها 6 صواريخ من إجمالي 9 صواريخ تم إطلاقها خلال هذه الفترة الوجيزة، الأمر الذي ارتفع معه منسوب القلق السعودي وظهر ذلك من المواقف المتصاعدة والمرتبكة والتي منها اتهام الناطق باسم تحالف العدوان للقوة الصاروخية اليمنية بـ “إطلاق الصواريخ على نجران بشكل متعمد”.
التصعيد الصاروخي الواضح مطلع العام الجديد يضعُه العقيد عزيز راشد، مساعد الناطق باسم القوات المسلحة، في عدة سياقات، أولها كفاءة قيادة الثورة في توظيف الخيارات الاستراتيجية الرادعة للعدوان، وكذلك وصول قسم التصنيع الصاروخي لمرحلة عالية من الكفاءة أيضاً، الأمر الذي معه لم تعد هناك مخاوف تتعلق بالمخزون الاستراتيجي اليمني من الصواريخ الذي يحد من الأعداد التي يتم إطلاقها.
ويكشف العقيد راشد، في تصريحات خَاصَّـة لصحيفة المسيرة، أن قسم التصنيع الصاروخي تمكن من إنتاج عدد كبير من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى وذات القدرات العالية على إصَابَة الأَهْدَاف وتدميرها بكفاءات يمنية خالصة، مشيراً إلى أن القوة الصاروخية استخدمت تلك الصواريخ مع بدء التصعيد من قِبَلها منذ مطلع العام الجاري، وأنها تحتفظ بأسرار ومواصفات تلك الصواريخ.
كما أَكَّــدَ العقيد راشد أن التصعيدَ الصاروخي الباليستي يأتي ضمن استراتيجية جديدة في إطار ردع العدوان، مجدداً التأكيد على أن توفر المخزون الكبير من الصواريخ ذات الصناعة المحلية ساعد في البدء بتلك الاستراتيجية، حيث لم يعد هناك أي قلق على المخزون الاستراتيجي، وأيضاً في ظل استمرار الخط الإنتاجي في تغذية المخزون بالصواريخ الباليستية ذات القدرات العالية تقنياً وتدميرياً.
أما عن أَهْدَاف التصعيد الصاروخي ضد الأَهْدَاف السعودية فيرجعها العقيد راشد للأَهْدَاف العسكرية الثابتة المتعلقة بالرد على العدوان كحَـقٍّ مشروع، وكذلك ضرب الأَهْدَاف المرتبطة بالعمليات العسكرية والمواجهات القائمة في الحدود بين الجيش واللجان الشعبية من جهة والعدو السعودي ومرتزقته من جهة أخرى، إلى جانب إلحاق الخسائر المادية والبشرية في صفوف العدو.
ومن بين الأَهْدَاف -وفقاً لمساعد الناطق باسم القوات المسلحة- هو إحداث حالة من عدم الاستقرار العسكري للعدو السعودي من خلال استهداف مراكز قيادة العمليات والمطارات العسكرية والمعسكرات، وبالتالي عدم منح الفرصة للعدو للمضي بخططه التي يضعها.
ويضيف العقيد راشد في تصريحه للصحيفة أن لدى قوات الجيش واللجان الشعبية معلوماتٍ بواسطة وحدات الرصد عن مواقع تجميع واستقدام وتدريب المرتزقة، بمن فيهم السودانيون، وأن تلك المواقع ستظل تحت طائلة الاستهداف الصاروخي الباليستي بشكل مستمر، معتبراً أن بث حالة القلق والرعب في صفوف العدو السعودي والمرتزقة من بين أَهْدَاف استراتيجية التصعيد الصاروخي الذي انطلق مؤخراً.
كما يلفت مساعدُ الناطق باسم القوات المسلحة لنقطة مهمة بقوله إن هناك أَهْدَافاً سياسية وعسكرية واقتصادية مرتبطة بشكل وثيق بالتصعيد الصاروخي؛ لإجبار العدو على وقف العدوان وإلحاق الخسائر البشرية والمادية في الجانب العسكري للعدو، بالإضَافَة إلى استنزاف العدو اقتصادياً.
وبخصوص النقطة الأخيرة يقول العقيد راشد إن الصواريخ الباليستية تكلف العدو خسائرَ اقتصاديةً كبيرة من خلال محاولته اعتراضَ الصواريخ بواسطة بطاريات الباتريوت التي يكلف الصاروخ الواحد منها بين 3 إلى 7 ملايين دولار، في الوقت الذي يطلق العدو أَكْثَــرَ من صاروخ دفاعي تفشل أيضاً في اعتراض صواريخ اليمن التي زُوِّدت بتقنيات تتجاوز منظومة الباتريوت التي يملكها العدو.
ويضيف أن استهدافَ مهابط الطائرات الحربية يلحق بها ضرراً كَبيراً ويدمر الطائرات المتواجدة، بالإضَافَة إلى أن ذلك يجبر العدو على استخدام مطارات بعيدة عن نجران وجيزان وعسير، وهذا يكلف خسائرَ ماديةً متعلقة بالوقود والدعم اللوجيستي وغيره.
من جانب آخر، وفيما كان النظام السعودي يستخدمُ “أسطوانة إيران” فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ بعيدة المدى على الرياض وينبُع وجدة؛ بحجة أن اليمن لم يكن يمتلك صواريخ من هذا النوع، فإنه وفي ظل التصعيد الصاروخي قصير ومتوسط المدى، يعود النظام السعودي، عبر وزير خارجية، لاستخدام الأسطوانة مجدداً، في محاولته لحشد إدانات دولية لعمليات إطلاق الصواريخ على الأَهْدَاف العسكرية والحيوية في جيزان ونجران.
وفي هذا السياق شهدت العاصمة السعودية، أمس الأحد، اجتماعاً لمنظمة التعاون الإسلامي التي يسيطر النظام السعودي على قرارها ورئاستها، ودعا لذلك الاجتماع؛ لإدانة التصعيد الصاروخي الأخير الذي استهدف معسكرات ومطارات ومراكز قيادة العمليات في نجران وجيزان، وخلال الاجتماع تباكى وزيرُ الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمة قال فيها إن السعودية تعرضت لـ90 صاروخاً باليستياً من اليمن، فيما قال بيانٌ صادرٌ عن الاجتماع إن السعودية من حقها الدفاع عن نفسها، حيث تناست المنظمة مجدداً أن اليمن هو مَن يقف في وضع الدفاع عن النفس، فيما تناسى النظام السعودي أن آليةَ حشد الدعم الدولي لإدانة صواريخ اليمن لا تؤتي أُكُلَها طالما استمر العدوان.
أَمَّـا الناطقُ الرسميُّ باسم تحالف العدوان تركي المالكي فكان الأَكْثَــر تعبيراً عن القلق السعودي المتنامي جراء التصعيد الصاروخي، حيث قال في بيان إن القوة الصاروخية اليمنية تطلق الصواريخ بشكل متعمد على نجران، متناسياً أن القوة الصاروخية هي من يعلن عَن ذلك ولا تحتاج لاستنتاج بديهي بأنها تتعمد ذلك، لكن حالة الارتباك طغت على بيان ناطق العدوان عندما زعم أنه لا توجد أَهْدَاف عسكرية في نجران!
ومن خلال ردود الأفعال يظهر جلياً أن استراتيجية القوة الصاروخية تحقق نجاحاً باهراً في تحقيق أَهْدَافها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وفي هذا السياق أيضاً قالت صحيفة “رأي اليوم” الصادرة من لندن في افتتاحيتها يوم الخميس الماضي أن “ظاهرة تواصل إطلاق الصواريخ الباليستية على السعودية تعكس تفاقم المأزق السعودي في اليمن”.
وتضيف الصحيفة أن “الصواريخ الباليسيتة التي جرى إطلاقها على جيزان ووصل تعدادها إلى خمسة في الأيام العشرة الماضية فقط، باتت تشكل تهديداً أمنياً وعسكرياً للمملكة، ونزيفاً مالياً مستمراً لخزينتها في ظل صدور تقارير ودراسات عسكرية تؤكد فشل منظومة باتريوت الأمريكية واحتياج الدفاع السعودي إلى إطلاق سبعة صواريخ لإسقاط كُلّ صاروخ باليستي، وإذا علمنا أن قيمة صاروخ باتريوت تتراوح بين خمسة وسبعة ملايين دولار فإن هذا يشكل نزيفاً مالياً هائلاً للخزينة السعودية، ناهيك عن الأثر النفسي والأرق الأمني”.
وخلصت الصحيفة إلى أن “الخيار الوحيد المطروح أمام السعودية للخروج من المأزق اليمني هو التفاوُضُ مع تيار أنصار الله في أسرع وقت ممكن؛ لتقليص الخسائر؛ لأنها ستضطر لهذه الخطوة، أي التفاوض، في نهاية المطاف”.
ورغم عدم الثقة بالنوايا السعودية تجاه اليمن إلا أن الصواريخ اليمنية أجبرت النظام السعودي على الحديث مجدداً عن الحل السياسي حتى لو لم تتم ترجمة ذلك في الواقع، حيث قال وزير الخارجية السعودي في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي إن “التشاورات مستمرة مع الدول الكبرى وأمريكا بالنسبة لخيارات وآليات ممكن اتخاذها للعملية السياسية في اليمن وفتح المجال لإيجاد حل سياسي”.
وإذا كان الموقف السعودي لا يمكن الرهان عليه فإن اليمن يراهن على ما يمتلكه من خيارات، وبالتالي ستستمر الصواريخ الباليستية حتى يصبح السلام أمراً واقعاً بإنهاء العدوان والحصار.