ملامح عصر جديد
بثينة شعبان
ضمنَ عواصف التصريحات المنافقة التي تصدرها الأطراف، والدول التي استهدفت سوريا، وأمنها واستقرارها منذ اليوم الأول من هذه الحرب الإرْهَــابية عليها، يصعب جداً على المتابع أنّ يفرز الغث من السمين، وأن يصل إلى حقيقة ما يجري اليوم على أرض سوريا، وفي الإقليم والعالم.
ولكن وإذا احتفظ بالقناعة أنّ النفاق هو سيّد الموقف، يمكن له أن يبدأ بتلمّس بعض سبل الحقائق على الأرض. ولتكن البداية من تصريحات دافيد ساترفيلد، القائم بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى خلال استجوابه من قبل النواب بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول سوريا، حيث أكد أنه “لن يكون هناك أي انتصار عسكري في سوريا من دون تحقيق الانتقال السياسي بالبلاد”. وحين سأله أحد النواب حول كيفية تقليل تأثير روسيا على نتائج المحادثات السورية ردّ ساترفيلد، قائلاً: “الولايات المتحدة لديها عدة وسائل وأدوات في هذا الشأن”، مؤكداً “عدم اعتراف الولايات المتحدة بأي انتصار سواء لموسكو أَوْ النظام”.
إذاً المشكلة التي تعاني منها الولايات المتحدة في سوريا هي انتصار سوريا وحلفائها في هذه الحرب التي فرضت عليها، وكل ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم داخل سوريا، أَوْ في الإقليم يهدفُ إلى تقويض هذا الانتصار واستمرار استنزاف الجيش السوري وحلفائه بذرائع واهية لا تمتّ للمنطق بصلة، ويبقى هدفهم النهائي تغير النظام واستبداله بنظام يكون فيه لعملائهم دور يخدمون من خلاله المصالح الإسرائيلية كما حدث في ليبيا، وكما يسعون في اليمن والعراق. والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو من هو صاحب العداء المستميت لانتصار سوريا وحلف المقاومة في هذه الحرب، أَوْ ليس هو الكيان الصهيوني الذي أَصْبَح اليوم ممثلاً تمثيلاً أكيداً بنشاطات البيت الأبيض؟، وقرارات ترامب والتي تساهم في عزلة أميركا عن العالم، وتطابق الرؤى بينها، وبين الكيان الصهيوني في الأهداف وحتى في أسلوب مقاربة هذه الأهداف. وها هو ساترفيلد مرة أخرى يصرّح في هذا الإطار: “أينما كانت الأنشطة الإيرانية السيئة سنتولى أمرها ليس في سوريا فحسب بل في العراق، واليمن، والخليج، وفي غيرها من الأماكن كما في ذلك من تأثير على مصالح حلفائنا ومصالحنا القومية”.
من هو الحليف اليوم للولايات المتحدة؟ في ضوء موقف الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وفي ضوء الفرقة الواضحة بين هذا الموقف، وموقف الأوروبيين، الحلفاء التقليديين، للولايات المتحدة، لم يبقَ لدى الولايات المتحدة من حليف أكيد سوى الكيان الصهيوني، ولا يمكن لدول مثل السعودية، وقطر، وبقية الجوقة السائرة بخنوع في الركب الإسرائيلي أن تعتبر حليفة بل تابعة، وتقوم بدورها المرسوم وحسب. ومن هنا يجب إعَادَة النظر في الحرب الإرْهَــابية التي تمّ شنها على سوريا من قبل أدوات الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة من عصابات إرْهَــابية متعددة الأسماء والأشكال، ووصول هذه الحرب الإجرامية إلى طريق مسدود، مما استدعى أن تنفض الولايات المتحدة الغبار عن عملاء لها أسمتهم “معارضة”، وما هم إلا خونة بكل المعايير بما فيها القانون الأميركي، وأخذت تعيد استقبالهم اليوم في واشنطن ليخدموا وفق المطلوب منهم ضد مسارات جنيف، وأستانة، وسوتشي، وضد السير بأي حلّ سياسي، من أجل تقويض جهود روسيا، وإيران السلمية من جهة واستمرار حرب الاستنزاف ضد الشعب السوري من جهة أخرى. ولم يقصّر هؤلاء العملاء بالتصريح بأن “إسرائيل هي الصديق الحقيقي للشعب السوري وأنهم “يباركون الضربات الإسرائيلية على وطننا سوريا” ويطلبون منها المزيد”.
ما تحاول فعله الولايات المتحدة اليوم في الشمال الشرقي السوري ليس مسألة كردية، وإنما تستخدم وبعض المرتزقة كرداً، وعرباً من أجل استمرار الحرب الإرْهَــابية التي بدأتها بأدوات مختلفة ويتمّ اليوم تغيير الأدوات من أجل منع الانتصار النهائي للجيش العربي السوري، وحلفائه، وما يحاول نظام أردوغان فعله أيضاً مرتبط بدور أردوغان في بداية هذه الحرب من تمرير لآلاف الإرْهَــابيين المسلحين، استبدلهم اليوم، بعد هزيمتهم بجيشه النظامي، لتحقيق الأهداف ذاتها التي كان يسعى إليها. وفي غمرة هذا وذاك يتمّ اختلاق المشاكل داخل إيران، الحليف الأكيد لسوريا والمقاومة، ويتمّ أيضاً إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وتغذيه استمرار الفرقة في الصف الفلسطيني بما يخدم مخططات الكيان وحليفته الأكيدة الولايات المتحدة.
إذاً لا أهمية اليوم لأسماء تنظيمات الإرْهَــابيين من هزم منهم، ومن بقي؛ لأن السيناريو الجديد للولايات المتحدة هو محاولة منع روسيا من استكمال جهودها الحميدة في التوصل إلى حلّ سياسي، وإغداق المعونة على عملاء الولايات المتحدة، والكيان من الخونة والمرتزقة، وضمان استمرار الحرب في عدة مناطق بسوريا لإشغال الجيش السوري، وحلفائه، ومحاولة ترتيب الإقليم بما يخدم المصلحة الإسرائيلية البحتة اليوم وغداً.
ملامح العصر الجديد اليوم تبدأ بالتطابق الكامل بين جهود الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، ومحاولة تقويض الجهد الروسي في أي مكان، ومنع التوصل إلى حلّ سياسي في سوريا كي يستكمل مشعلو هذه الحرب محاولاتهم في تحقيق الأهداف التي بدأوا الحرب من أجلها.