سقطرى.. ناقوس خطر ينذر بالضياع (2-2)
ماجد التميمي
في عددها الذي حمل رقم (16574) عرضت صحيفةُ الجمهورية موضوعاً عن جزيرة سقطرى، وهو في نظري ونظر الكثيرين بالغُ الحساسية؛ لأنه حمل في طياته ادّعاءاتٍ أوردها الصحفي الصومالي علي عبدي حوشو، وتتمحور حول أحقية بلاده الصومال في امتلاك هذا الارخبيل اليمني.
لم تكن تلك الادعاءات الواهية هي التي أثارت قلقنا حول الأوضاع التي آلت إليها جزيرتنا المباركة، بقدر ما رأينا أن توقيتها هو ما يثير القلق حقاً، خصوصاً وأن الجزيرة تتعرض لغزو إماراتي في الوقت الحاضر، وأن قواتها تسعى، بمنتهى الصلافة؛ للسيطرة على سقطرى ضمن هذا التوقيت الزمني الأصعب في تأريخ اليمن.
ليس مهماً ما جاء على لسان هذا الصحفي؛ لأنه – بصورة أساسية – قد نظر للموضوع من زاوية جيولوجية أَوْ جيوسياسية وقُربها – فقط – من البر الصومالي، وهو ما يمكن اعتباره طيشاً صحفياً.
وقد اعتدنا في اليمن على مثل هذه التقولات، لكننا لم نعرها أي اهتمام.
هذا الطيش – في تقديري – سيغدو سيئاً بالفعل إذَا ما كانت هناك قوى تقف وراء مثل هذه الادعاءات وتحاول تغذيتها، بشتى الوسائل، مستغلةً الظروفَ السياسية لليمن، ويبدو أن ملامح هذه الصورة قد بدت واضحة، خَاصَّــة بعد إصرار دويلة كالإمارات، في الوقت الحالي، على بناء مستعمرات لقواتها بعد انتشارها في أماكن متفرقة داخل الجزيرة.
لا يمكن -بأي شكل من الأشكال- أن نسلّم لما يتقوله الآخرون عن سقطرى؛ لأن المسائل المتعلقة بالسيادة الوطنية لها قوانين وطنية ودولية رادعة، ومجتمعات محلية تعي حقيقة معنى هذه السيادة وتعرف جيداً أن انتهاكها يعني مساساً بكرامتها، وفوق ذلك فإن السيادة على الأرض لا يمكن النظرُ إليها من زاوية جيولوجية أَوْ جُرُوف قارية، كما أشار الكاتب، بل يُنظر إليها من زوايا التأريخ واللغة والدم المشترك.
الصومال بلدٌ عربي يغرق في مستنقع التناحر والفوضى، وكان الأحرى بهذا الصحفي أن يلتفت إلى قضايا بلده الداخلية بدلاً عن أن يحشرَ نفسَه في قضايا الآخرين، وكان عليه، قبل نشر كُلّ ذلك الهراء، أن يتذكر أن اليمن كانت ولا تزال الأم التي احتضنت بني جلدته في مختلف الظروف التي أحاطت ببلده.
لعل ما أثار ضحكي واستغرابي هو ادّعاؤه بأن السقطريين ينحدرون – في الأصل – من أصول صومالية، وليسوا كما يزعم اليمنيون أنهم من أصول مهرية، وأن الحكومة اليمنية عمدت، منذ وقت طويل، إلى إحراق كُلّ الكتب التي تثبت هذه الحقيقة، وهو طرح أَكْثَـر من مجنون ما لم تكن هناك قوى تحاول إثارة الزوابع والضجيج من خلاله، وإلا فإن الأعمى يدرك بسهولة حجمَ التباين في التركيبة البيولوجية بين سكان سقطرى وأهل الصومال، وأن الهندسة الوراثية نفسها ستعجز حتى في خلق أبسط مناخ التجانس بين أقوام لا يربطهم أي جين أَوْ نسل على امتداد التأريخ.
سقطرى هي الرئة التي يتنفس منه الوطن، ومجرد التفكير في انتزاعها يعني محاولةَ خنق للوطن ذاته، واليمنيون بطبيعة الحال لم يعتادوا الحياة مع الغزاة على مر التأريخ ولم يستسلموا لسياطهم في يوم من الأيام، فكيف لو تعلق الأمر بالتضييق عليهم وسلبهم كُلّ أسباب حياتهم، ليس هذا بالأمر الهين الذي يتصوره سادة الإبل؛ لأنه مهما كانت هذه الجزيرة بعيدةً عنهم ومستلقية في حُضن ذلك المحيط البعيد إلا أنهم لن يوفروا وسيلة لحمايتها والاحتفاظ بها كجزء من مكونهم الطبيعي والجغرافي والإنساني.
لقد اكتشف ماجلان هذا العالَمَ خلال ترحاله الطويل، وكان محظياً ومحترماً لدى الكثير من الأقوام التي مر عليها، لكنه عندما استيقظ عندَه الطمعُ حاول إخضاع بعض البلدان لسلطته وسلطة ملوكه، فانتهى به الأمر قتيلاً على شواطئ الفلبين بعد أن رفض الأهالي الانصياع لرغبة غازٍ ومحتل.
وكذلك واجه كولومبس الرفضَ ذاتَه من قبائل لم تستسغ فكرةَ العبث بحياتها وتشويه الطبيعة التي منحتها الحياة والاستقرار.
وقد كان ما حدث يسير وفق منطق غوغائي لم يحسب حساباً لما تمثله السيادة والأرض من معانيَ غالية لدى أولئك الأقوام.
وربما كان المنطق ذاته هو ما يدفع بالإمارات اليوم للقيام بمخطّطاتها والسعي المحموم نحو امتلاك هذه الجزيرة اليمانية.