الوهّابية.. بين المنكر البريطاني والترفيه الأمريكي
حسن الوريث
حين أنشأت المخابراتُ البريطانيةُ الحركةَ الوَهَّـابية في منطقة نجد كانت تعي جيداً ما تفعله، فعملية إنشاء حركة باسم الإسْلَام في منطقة حساسة كهذه سيمكنها من السيطرة عليها من خلال إدخال شعوب المنطقة في فتن وحروب كلها تحت راية وعباءة الإسْلَام، بينما تظلُّ هي متفرجةً على العرب والمسلمين وهم يقتلون بعضُهم بعضاً ويدمرون بلدانَهم بأيديهم.
وبالفعل كانت التجربة البريطانية ناجحة، وهو ما جعلها تستمر في دعم تلك الجماعة التي تم دمجها في حركة سياسية وعسكرية بقيادة محمد بن سعود الذي تم تهيئتُه من قبل المخابرات البريطانية، مثله مثل ابن عَبدالوَهَّـاب وجماعته الدينية لإنشاء دولة تحكم بجناحين سياسي وديني كُلّ منهما يكمل عمل الآخر ويدعمه، حيث تم الاتفاقُ بين ابن عَبدالوَهَّـاب وابن سعود على أن يؤسّسوا كيانَ دولة وَهَّـابية، حيث يكون ابن سعود هو الحاكم السياسي والعسكري؛ كونه يمتلك النفوذَ في نجد ومحمد بن عَبدالوَهَّـاب المرشد الروحي والمفتي للكيان الجديد والتمويل المادي يأتي من بريطانيا العظمى في وقتها، وأول عمل قاموا به هو احتلال شبه الجزيرة العربية والإحساء والكويت والحجاز وأجزاء من اليمن وعمان، وفي حملاتهم هذه يقومون بقتل كُلّ من يعتنق غير الفكر الوَهَّـابي متخذين شعار إحياء السُّنة والقُـرْآن وعدم الاعتماد على المذاهب السنية الأربعة وهدم قبور جميع الأولياء والصحابة وهدم حتى الجوامع التي عليها النقوش والزخارف إلى غير ذلك.
وكانت أولُ الحروب التي أرادتها بريطانيا من إنشاء هذا الكيان حينما أرسل والي مصر محمد علي باشا حملة عسكرية بقيادة ابنه إبراهيم باشا في عام 1818م؛ للقضاء على هذه الحركة، وبالفعل فقد نجحت تلك الحملة ونجحت القوات المصرية بقيادة ابراهيم باشا من محاصرة الدرعية عاصمة الدولة الوَهَّـابية واحتلالها واستسلم عَبدالله الأمير الوَهَّـابي وأعدم في اسطنبول سنة 1819م وانتهت بذلك حقبة مظلمة من الحكم الوَهَّـابي لكنها كانت الشرارة الأولى لبذور الخلافات والحروب بين المسلمين والتي أرادتها بريطانيا وخططت لها، وهو ما تجلّى في إقدام بريطانيا على إعَادَة إنشاء دولة وَهَّـابية من جديد ولم تجد أفضل من حفيد بني سعود عَبدالعزيز حيث قامت بدعمه بشكل مباشر وغير مباشر ومساعدته في تأسيس الدولة الوَهَّـابية السعودية من جديد في أوائل القرن العشرين وكان أول عمل دموي قام به هو المذبحة الدموية الرهيبة التي نفذها ضد الشيعة من قبيلة شمر في منطقة حائل، والتي كانت واقعة تحت سلطة بن رشيد التي أقامها في المنطقة الوسطى (نجد) تاركهم على عقيدتهم من باب التسامح المذهبي، بينما عَبدالعزيز آل سعود استخدم وجود أولئك الشيعة مبرراً دينياً له للحرب عليهم وقتلهم ومَن جاورهم من المذاهب الأُخْرَى، مستخدماً فتاوى الوَهَّـابية البريطانية.
وقد وجد عبدُالعزيز بن سعود في هذه الفتاوى فرصة لقتل خصومه والتخلص منهم باسم الدين الإسْلَامي الذي هو بالتأكيد برئ منهم ومن كُلّ أفعالهم كُلّ البراءة وكان لا بُدَّ من استمرار العمل بهذه الفتاوى واستلزم الأمر أن تكون هناك هيئة دينية توازي الجانب السياسي وتدعمه فجاءت فكرة إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يتحكم فيها الجناح الديني لمساعدة الجناح السياسي والعسكري في إخضاع الناس وذلك باسم الدين الإسْلَامي ولم يكذب المستر همفر الجاسوس البريطاني الذي تم تكليفه بإنشاء هذه الدولة بجناحَيها السياسي والديني حين قال أن الفتاوى التي كانت تصدر باسم محمد عَبدالوَهَّـاب كان يتم إعدادها في مطبخ المخابرات البريطانية وتسليمها له ليختمها بخاتمه ومن ثم تصبح نافذة وسارية المفعول ويتم الدفاع عنها من قبل الدولة وهذا النظام هو الذي ظل معمولاً به في الدولة السعودية منذ إنشائها وحتى الآن وتشكل أساس نظام بني سعود.
وبالفعل ظلت هذه الهيئة سيفاً يتم تسليطه على الجميع باسم الدين والإسْلَام وتحرم وتحلل كما تشاء وفقا لفتاوى المستر همفر البريطاني وأدت هذه الفتاوى إلى القتل والتدمير الذي حصل في كُلّ بلدان العرب والمسلمين وحين تسلمت الراية أمريكا واصلت الهيئة دورها في القمع والقتل إلى أن جاء ترامب وإدارته التي رأت أن هيئة المنكر أَصْبَحت موضة قديمة ولابد من تطويرها لتتناسب مع احتياجات ومتطلبات العصر والمرحلة التي تريدها أمريكا لتبييض وجه الوَهَّـابية القبيح والذي انكشف وأَصْبَح لا بد من تغيير في بعض الآليات ومنها تحويل هذه الهيئة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الترفيه عن وكله بحسب رغبات وأهواء المخرج الأمريكي ومن خلفه الصهيونية العالمية والا فما الذي تغير في تعاليم الإسْلَام حتى تقوم الوَهَّـابية بتحليل أمور كانت تعتبرها حرام ورجس من عمل الشيطان، وبالتالي فهذه الحركة بما تقوم به تؤكد أنها مجرد مطية تحَـرّكها المخابرات الغربية كيفما تريد وتشاء وفق مصالحها وأجنداتها، وما تحويلها من هيئة المنكر إلى الترفيه إلا واحدٌ من أهداف الوَهَّـابية التي أنشئت من أجلها.