الشهادة شرف لا يناله إلا من تمكن الإيْمَان في قلبه
أحمد بن جريب*
الشهادةُ شرفٌ لا ينالُه إلا من تمكن الإيْمَان في قلبه، وجعل حب الله تعالى هو الحب الأول والأخير بالنسبة له، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى للشهيد كرامات عدة، أولها أنّ اللهَ يغفر ذنوبه جميعاً بأول دفقةٍ من دمه، كما يُرى منزلته العظيمة التي أعدها اللهُ سبحانه وتعالى له في الجنة، ويشفع لسبعين من أقاربه، فيا له من شرفٍ ليس بعده شرف، خص الله به الشهيد دون الجميع؛ لأن التجارةَ مع الله سبحانه وتعالى هي دائماً تجارة رابحة ولا تبور أبداً.
الشهيدُ لا يموتُ أبداً، بل هو حيٌّ يُرزق عند ربه، يتنعم في نعيم الجنة المقيم، ويفرح بما أعد الله تعالى له، يقول جل وعلا في محكم التنزيل: ”وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، فمن يخرج مضحياً بنفسه وماله وحياته يستحق هذه المكانة بأمرٍ من الله تعالى، فلولا تضحية الشهيد لضاعت الأوطان، ولسُلبت الثروات، واستبيحت المحارم، وانتهكت الأعراض.
فالشهيدُ هو الدرعُ الحصينُ الذي نصّب نفسَه لصَوْنِ العِرْضِ والقضاء على الظلم وإخماد نار الفتن وهو ملاذُ الخائفين ورئة الوطن ورأس ماله، فالأوطانُ بلا شهداء مضحين بحياتهم تسقُطُ ولا تصمُدُ أبداً.
من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه جعَلَ في أمتنا أعداداً لا تُحصى من الشهداء، ومنهم الصحابة والتابعين عليهم السلام، وذلك ليكونوا قدوةً لمن بعدهم من جيل الشباب والأطفال وحتى الكبار، ولتفعل مثلهم الأجيال المتتابعة جيلاً بعد جيل، فنَيْلُ الشهادة لا يأتي بسهولةٍ، وإنما يحتاجُ إلى نيةٍ صادقةٍ ونَفَسٍ مؤمنةٍ تعرفُ ما تريد، وتطلُبُ الحياة ولا تخشى الموت، فالشهيدُ قبل أن يهمَّ بالدفاع عن مبادئه السامية التي أمره الله تعالى بها، يجعلُ في نيته النصرَ أَوْ الشهادةَ، وكلاهما خيرٌ وبركةٌ.
الشهيدُ يصنعُ مجدَ الأمم وكرامتها، ويُحلِّقُ بالأوطان إلى أعلى المراتب، فمَن يُقدم دمه فداءً، يُخيفُ الأعداءَ حتى وإنْ رحلت روحُه إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه يؤدي لأعدائه رسالةً واضحةً بأن الشهيد سيتلوه شهيد، وأن الخيرَ باقٍ ما دامت النفوسُ تأبى الذلَّ والمهانةَ وتبحَثُ عن عزتها وتضحّي بدماء أبنائها الطيبين، فالتراب الذي لا يختلط بدم الشهيد لا يمكن أن يكون تراباً عطراً، والأرض التي لا يُدفن فيها شهيد لا يمكن أن تدوم، فالشهيد هو القنديل المضيء في ظلمة الحياة، وهو رجل المهمات الصعبة، وهو زوادة الوطن ومستقبله المشرق.
*محافظ لحج