لبنة في بُنيان الإسلام
مازن الصوفي
في زمن بلغ النفاقُ ذروتَه، وتضاعف عمل المثبطين عن الجهاد والتحَـرّك في سبيل الله، كانت هناك أسرٌ لم تزلزلها العواصفُ وظلت شامخة شموخ الجبال، دافعة بفلذات أكبادها إلى ميادين العزة والشرف وباذلة كُلّ ما لديها من أجل إعلاء كلمة الإسلام وإيقاف الجبابرة والطغاة عن أعمالهم الإجرامية التي تستهدفُ البشرية برمتها.
بكل معاني الصدق والإخلاص وروح التفاني مع الوطن شحذت الأسرة ابنها ورفعت لديه معنويةَ الجهاد المقدس ضد الأعداء، محملة إياه مسؤولية الدفاع عن المستضعفين، فيتحَـرّك المجاهد في سبيل الله صابراً محتسباً الأجر والثواب من الله، بعد أن يقبلَ قدَمَ والدته ووالده طالباً منهم أن يدعوَا اللهَ أن يرزقَه إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة.. فتلبي الأسرةُ رغبةَ ابنها الذائد عن ديار المسلمين..
وبعد أن يلقن المجاهدُ، الأعداءَ دروساً قاسية في التضحية والفدى، والدفاع عن ثوابت الإسلام وقيمه، منكلاً بهم، أيما تنكيل، يترجل الفارس وترتقي روحُه الطاهرة إلى السماء، وتتحقق له أمنياته وتلبَّى دعواتُ أسرته الصابرة، مرتقياً إلى عالم الشهداء حيث الحياة الأبدية..
تظل الأسرة وبفارغ صبرها منتظرة، حتى يعود المجاهد ورايةُ النصر في يده، يكونُ تحققت له أجل أمنياته، فيأتي الفارسُ وقد ترجل ونور الشهادة يسطع من وجهه الرضا، فتستقبلُه أسرتُه ممثلةً بوالدته ووالده بالزغاريد والتهاني والورود لابنهم الشهيد، محتسبين ذَلك الأجر من المولى جل جلاله.
المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ لا يكلون عن الهمز واللمز واللوم لأسرة الشهيد على ما قدمته من تضحية لفلذة كبدها، لكنهم يفاجَأون ويصدمون بمستوى الوعي الذي تحلّت به أسرة الشهيد والمستمرة في تقديم المزيد من الشهداء في سبيل نُصرة المظلومين في هذه الأرض من لأنها تعي تَمَاماً كلام السيد القائد عندما تحدث عن تضحيات أسر الشهداء قائلاً (إن كُلّ أسرة قدمت شهيداً فقد بنت لها لبنة في بنيان وصرح الإسلام الشامخ).
الذِّكْـرَى السنوية للشهيد، ليست إلا رمزاً ومثالاً صادقاً يؤكد أن عطاءَ الشهداء سيظل يحفر في قلوبنا، فحجم ما قدموه وعظيم ما أنجزوه وحققوه أَكْبَـر من أن يوصف وأعظم من أن يذكر، كما أنه يعتبر وفاءً لأسر الشهداء التي قدمت أغلى ما تملك وأزكى وأنبل أبنائها من أجل عزة ورفعة الإسلام، فلهم من عظيم الإجلال والتوقير.
وهذه الذِّكْـرَى تعتبر نموذجاً مستمراً طوال العام، نبادر به الوفاء بالوفاء لأسر الشهداء.. مؤكدين لهم أن نستمرَّ على نفس الخُطَى وبذَلك المنهج الذي رسموه لنا إلى أن يرِثَ اللهُ الأرضَ وما عليها.