بين هيئتَي الأمر بالمعروف والترفيه
وسام الكبسي
منذُ نشأة مملكة نجد بقيادة بني سعود (مردخاي) وحليفهم الاستراتيجي محمد بن عبدالوهاب الداعي إلى الوهابية كدين جديد أُنشئ برعاية بريطانية ككيان آخر في قلب العالم الإسلامي ورديف لدولة صهيون.
فقد عملوا على تطبيق مبادئ صهيون من خلال استراتيجية أسموها “الدينُ في خدمة السلطان” دون أن يشعر أحد بها، ولكن المتابع لنشأة مملكة نجد ونشأة الكيان الصهيوني يستنتج من خلال تلك المراحل، والأحداث مدى التشابه في التوجه والتوسع والاستيطان والإجرام.
وكان وما زال التوجه العام لكلا الكيانين هو العمل بكل الوسائل المتاحة وما أَكْثَـرها للتغيير الديمغرافي والجيوسياسي الإنْسَان والمنطقة “المستوطنة” فبعد أن تم التزاوج بين السلطة السياسية ممثلة بعبدالعزيز آل سعود من جهة والسلطة الدينية ممثلة بالمدعو محمد بن عبدالوهاب وتم العقد عن طريق الاستخبارات البريطانية؛ ولأن سكان الجزيرة العربية ذوو عاطفة دينية فقد نشرت الوهابية سمومها بين البدو مستفيدةً من الغطاء السياسي والدعم اللامحدود من بريطانيا، فقد تم اجتياح تلك المناطق التي أدركت بوعي خطر هذه الدعوة، ولكنهم باجتياحهم البربري لمناطق الحجاز قاموا بما قامت به أدواتها من التنظيمات الإجرامية داعش وأخواتها مستبيحةً كُلّ ما حرّم الله قتلوا، ذبحوا، سحلوا، سلخوا، أحرقوا، دمروا، غيّروا المعالم حتى أسماء القبائل تماماً كما يعمل الكيان الإسرائيلي.
نشروا دعاة الوهابية في كُلّ ربوع الجزيرة، مشرعين السيف في يد وحكم الردة في الأُخْرَى وقطع عنق كُلّ من نبس ببنت شفه لمعارضة ما يروجون له، وقد انشأوا في ذلك لجانهم الخاصة المتدربة باقتدار داعشي على الذبح والسلخ باسم الدفاع عن السنة والصحابة فأفنوا أمة وهدموا المقدسات، وفجروا الأضرحة، وكل شيء لا يوافق دينهم جعلوه حراماً، ومن الكبائر، فما وافق مزاج آل سعود وسلطانهم فهو حلال زُلال، وَسُنة مؤكدة، وما لا يوافق توجههم فهو حرام ومروق عن دين الوهابية، محكومٌ على صاحبه بالتعزير بعد التشهير.
هكذا استمروا في تدجين الأمة مستفيدين من حُرمة البيت العتيق، والمسجد النبوي، فغرّروا على عامة الناس حتى وصل بهم الأمر إلى الوقوف العلني بل ومواجهة كُلّ مشروع تحرري من براثن الاستعمار الغربي والإسرائيلي على حد سواء.
والأدهى من هذا كله أنهم شكلوا سياجا منيعا، ودرعا واقيا للدفاع عن الكيان الاسرائيلي، مجندين مئات الآلاف بعد تعبئتهم الطائفية والعنصرية البغيضة، والدفع بهم لمواجهة المقاومين للكيان الإسرائيلي بكل وقاحة.
وها هو المهفوف يسعى بكل ما أوتي من جهد مسابقاً الزمان للتطبيع مع الكيان الغاصب متحملاً مسؤولية إرغام أنظمة المنطقة بالقبول ببيع القضية المركزية للأمة، دافعاً الأموال الطائلة لإسكات أُخْرَى، جامعاً قوى عظمى بماله المدنس لاستئصال أحرار اليمن كقرابين لرضا عنه كشرط من عدة شروط القبول به على عرش آيل للسقوط جراء الظلم وسفك دماء أحفاد الأنصار.
وفي مملكته الجديدة أنشأ أسساً مغايرة تماماً لما كان عليه أجداده وأسلافه، وهي رؤيته الانفتاحية لإقامة سعودية جديدة على النمط الأوروبي، وقد أنشأ في سبيل تغيير التوجه العام “هيئة الترفيه” التي ستقلص من دور هيئة الأمر بالمعروف إنْ لم تكن بديلةً عنها.
ففي طريق التطبيع تأتي حتمية الانفتاح على ضوء ما يراه الكيان مناسباً لسياسته وتوجهه وخلق مجتمع منحل أخلاقياً يسهل توجيهه وإدارته، واستخدامه من جهة، ومن جهة أُخْرَى إشغال الرأي العام عمّا يقوم به من هندسة وتفصيل قميص الحكم على وفق هواه في ظل عدوانه الغاشم على يمن الإيمان كمستنقع وقع فيه، وورطة لم يعد يعرف الخروج منها، وممارسته القمعية لمعارضيه، واختطاف العشرات من الأمراء والزج بهم في السجون، وتعذيب بعضهم..
وما يقوم به أسد السنة في نظر مشايخ هيئة الأمر بالمعروف من إنشائه لهيئة الترفيه أَصْبَح سنةً مؤكدة كما يروج لها أبواقه في بعض القنوات، وعلى أعضاء هيئة المعروف أن تقبل بذلك وينخرطوا كدعاة للعهر والفسوق، كما هي عادتهم بنشر فتاوى السبي والسماح ببيع الازيديات وغيرهن في أسواق النخاسة والرقيق، ويكونوا هم القدوة والمثَل الأعلى في الذهاب ببناتهم إلى حفلات الرقص والمجون؛ استجابة، وامتثالاً لتوجيهات ولي أمرهم المهفوف.
فما يسمى قانون مشروع البحر الأحمر أَصْبَح عاماً على جميع المناطق، وحفلات الرقص السعودية أَصْبَح مرخصاً لها مع توفير الحماية الأمنية من قبل هيئة الترفيه، فكيف سيكون رقصُ الشيخ والشيخ في الأماكن المرخصة؟!
سيكون مذهلاً ما دام وقد مرر هذا القانون وأَصْبَح يعملُ به في كورنيش جدة وغيرها، وأفواج المطربات والراقصات تتوافد على النوادي في السعودية، والأنشطة الفنية تتزايد باهتمام إعلامي ويقابله سكوتٌ من هيئة المعروف، فماذا يعني إلا أنهم سينخرطون في هيئة الترفيه كرقاصين بشهادة الخبرة المكتسبة سلفاً كسُنة مؤكدة لديهم؟!.