استراتيجية حكم القانون والنزاهة في خطابات وتوجهات رئيس المجلس السياسي
الدكتور. إسماعيل محمد المحاقري
دولةُ حكم القانون والنزاهة هي كلمة مرادفة للدولة المدنية ودولة المُؤَسّسات.
والمقصودُ بها الاحتكام في إدارتنا لشئون الدولة وفض المنازعات إلى حكم القانون فهو من يحددُ الحقوق والواجبات ويضع القواعد والضوابط لتحصيل الموارد وإدارتها وينظم شروط الالتحاق بالوظيفة العامة.
ويضع المعايير لتحقيق العدالة بين أبناء المجتمع.
ويعني أَيْضاً خضوع سلطتها لأحكام القانون فهو من يرسم علاقة السلطة بالمواطن ويضع الضوابط اللازمة لمنع تغوّل السلطة وتعسفها.
ومن الأهميّة أن نذكرَ أن مبدأ حكم القانون مرادفٌ أَيْضاً لما نطلق عليه في ثقافتنا الإسْلَامية “تحكيم الشرع في كُلّ شئون حياتنا”.
ومن المعلوم أن المجتمعاتِ تقاسُ درجة تطورها ورُقّيها بقدر ما قطعته في ترسيخ مبدأ حكم القانون والنزاهة كبديل لحكم الأشخاص والكيانات وكبديل للفوضى والاستنسابية، وبمعنى آخر يقاس تقدم الدول بقدر تحولها من احترام الأشخاص وتعلق حقوق الناس بهم إلى احترام القانون وَالمُؤَسّسات وتعلق حقوق الناس بها.
وأتحدى أن تكون هناك دولة استطاعت أن تحمل مشروعاً نهضوياً بدون احترامها للقانون حتى وإن كانت هي من قام بوضعه حسب مصالحها، ففي ظل القانون ومُؤَسّساته تستطيع الدولة أن تخلق العدل والرضا في نفوس شعبها وتتمكن بالتالي من توحيد الجهود واستدعاء الطاقات، والاستفادة القصوى من الموارد المالية ومن النوابغ والكفاءات وفي ظل حكم القانون يتوفر الأمن القانوني للمستثمرين.
وأصدقكم القول إني كنت استبعد وجود قيادة تحمل هذه الذهنية، وتؤمن بأهميّة هذا المشروع في طريق بناء الدولة حتى سمعت ما سمعه الجميع مما جاء في قراراتٍ وخطابات رئيس المجلس السياسي وخُصُوصاً في لقاءاته الأخيرة بالحكومة وبقية سلطات الدولة التشريعية والقضائية وقيادة الجامعات والقيادات الأمنية.
ففد أعلن بوضوح عن تبنيه لاستراتيجية حكم القانون والنزاهة في إدارته لشئون الدولة في الفترة المقبلة، فقد سمعنا كلامَه أمام السلطة التشريعية حيث أكّد على ضرورة قيامها بدورها التشريعي والرقابي والتزم بعدم تدخل السلطة التنفيذية في عملها، وكذلك فعل بالنسبة للسلطة القضائية بعد أن بدأ بإصلاح قياداتها، وبالمثل بالنسبة للأجهزة الرقابية، والأروع هو ما سمعته في حديثه عن مبدأ الشفافية واحترام الحقوق والحريات الأساسية في أداء السلطات الأمنية لوظائفها والكلام عن أهميّة احترام استقلالية الجامعات وفكرة التدوير الوظيفي ومغادرة العشوائية والمحسوبية في إصدار القرارات وضرورة اقتران السلطة بالمسئولية وأهميّة تفعيل الأجهزة الرقابية للقيام بدورها في مكافحة الفساد.
ومن المهم الإشارة إلى أننا قد نسمع من يشكك في جدية هذا التوجه وتلك الخطوات استناداً لتجربتنا مع حكام الأمس.. بخصوص ذلك أقول إن ما سمعته اليوم غير ما سمعته بالأمس، لقد استشعرت المصداقية، كما أن لدي عدة معطيات تؤكد لنا جديةَ التوجه، نذكر من ذلك :-
1- أن كلام الصماد جاء ترجمة لفكر السيد وتوجّهاته ووعوده، وكلُّنا يعرف مدى ما يتمتع به هذا العلَم من مصداقية وما يحمله من مشروع نهضوي قائم على قيم العدل والمساواة، وهذا هو الهدف المعلن لثورة 21 سبتمبر التي لم تقم أصلاً إلّا لتجاوز حالة الفوضى واللصوصية التي وصلنا إليها في إدَارَة شئون الدولة.
لذَلك فلا يوجد خيار أمام سلطة الثورة إلّا الوفاء بوعودها ولا طريقَ لها في بلوغ هذا الهدف إلّا بتكريس حكم القانون؛ لأن من يحقق العدالة هي القواعد وليس الأشخاص مهما كانت النوايا التي يحملونها.
2- أن سلطة الثورة في وضع تحَدٍّ أمام نفسها والمبادئ التي رفعتها وأمام دول الاستكبار التي تراهن على فشلها وأمام شعبها الذي وثق فيها وقدم أكبر التضحيات في تحقيق نهضة شاملة في شتى المجالات.
مشروع يعمل على تصحيح العلاقة بين السلطة وأفراد المجتمع ويعمل على استنهاض الهمم والطاقات الإبداعية؛ للنهوض بوطنهم، ولن يتأتى ذلك إلّا بإرساء حكم القانون والنزاهة.
3- لا يوجد سبب واحد يقنع المجانين قبل العقلاء أن سلطة الثورة لن تقوم بهذه الخطوة بعدان قدمت التضحيات للتخلص من مراكز النفوذ واقطاعيات الفساد الذين كانوا يمثّلون العائق أمام إرساء حكم القانون وأَصْبَحت وحدَها هي الممسكة بالقرار والقوة؛ لأن مقتضى المنطق وحسابات المصلحة يوجبان عليها القيام بذلك؛ لأنها إن لم تفعل فسترتكب أكبر خطأ في حق نفسها وفي حق مشروعها، إذ سيظل الباب مفتوحاً لإنتاج إقطاعيات جديدة تصادر سلطات الدولة وتعيد المجتمع حالة الفوضى واللصوصية.
4- إن الأسس التي مثلت المرتكز لانطلاقة المسيرة القُـرْآنية بما حملته من مشروع إصلاحي للفرد والمجتمع هي أسس تقوم على الصدق والإخلاص والعمل المنظم والدؤوب ومغادرة السلبية والتواكل، وهذا ما يخلق الثقةَ بحتمية إرساء قيم القانون بديلاً عن الفوضى والعشوائية.