صفقات لندن والرياض.. الأهداف والمبرّرات
علي الدوراني
على الرغم من الضجّة الكبيرة التي أثارتها زيارةُ ابن سلمان إلى لندن والتي تمثّلت باحتجاجات وتنديدات واسعة؛ بسبب المجازر والحصار المفروض على اليمن ودور السعوديّة فيها، بحيث هيمنت على أجواء الزيارة ونغّصت على بن سلمان وجعلته يتحَرّك بأكبر قدر من التخفي من أعين الناشطين وجعلت الأبواب الخلفية ملاذاً مفضلاً لبن سلمان في تحَرّكاته ودخوله وخروجه.. على الرغم من كُلّ ذلك إلّا أن تريزا ماي عملت جاهدةً لإنجاح عقد المزيد من الصفقات التجارية والعسكرية.
وبحسب بيان سعوديّ بريطاني مشترك ومطول فقد تم التوقيعُ على اتّفاقات تجارية تزيد قيمتها على ملياري دولار، إلى جانب صفقات تسليح لتزويد المملكة بـ 48 طائرة تايفون متعددة المهام تصلُ قيمتها إلى 14 مليار دولار.
التجاهُلُ البريطاني للحملات المناهضة لدعم السعوديّة بالأسلحة لم يثنِ الناشطين الحقوقيين عن إعلان مواقفهم من الصفقة، فقد وصف الناشط في الحملة ضد تجارة السلاح أندرو سميث هذا الاتّفاق بالمخزي، مضيفاً أنه إذا تمت الموافقة عليه، فسيتم الاحتفالُ به في قصور الرياض ومن جانب الشركات التي ستستفيد منه، لكنه سيعني مزيداً من الدمار لشعب اليمن.
وزارة الخارجية اليمنية كانت محقةً عندما ندّدت بهذه الصفقة واعتبرت أنها تخالِفُ التصريحات البريطانية بشأن الحالة الإنْسَانية في اليمن والشعارات التي ترفعها عن رغبتها في تخفيف المأساة اليمنية ومعاناة الشعب اليمني؛ لأن هذه الخطوة كما قال المصدر المسؤول في الوزارة أَيْضاً، تؤكد استمرار دعم الحكومة البريطانية للعمليات العسكرية السعوديّة في اليمن والتي أوجدت أسوأ كارثة إنْسَانية عرفها العالم بحسب توصيف الأمم المتحدة ومنظّمات دولية غير حكومية.
هناك أمورٌ كثيرةٌ تحَرّك بريطانيا لدعم السعوديّة بهذه الصفقات التسليحية، فإلى جانب تشغيل مصانع الأسلحة في لندن وما تجنيه من المليارات لتجار السلاح وتوفره من بعض الوظائف للتخفيف عن الحكومة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.. إلى جانب كُلّ ذلك، فهناك أهدافٌ سياسية وأمنية تسعى إليها حكومة لندن، لعل أبرزها إضعاف الشعوب العربية وبث الحروب في المنطقة من أجل إنضاج صفقة القرن التي يخطط لها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
وزير الحرب البريطاني بوريس جونسون عبّر عن ذلك بوصفه ما سمّاها التغييرات التي حصلت بعد مبايعة بن سلمان بأنه كان يصعُبُ تخيلها حتى قبل بضع سنوات قليلة، عندما وصف الصفقة بأن من شأنها أن تعزز الأمن في الشرق الأوسط وتدعم الصناعة البريطانية والوظائف في قطاع الطيران البريطاني..
إن تعزيزَ الأمن في الشرق الأوسط والتغييرات التي حصلت في السعوديّة -حسب الوزير البريطاني- هي على الأرجح السعي الحثيث نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب القضية العربية الإسلامية الرئيسية، والتي لم تكن السعوديّة لتجرؤَ حتى على مجرد التفكير بإعلانها، يرجح ذلك أنه عندما تعبر بريطانيا وأمريكا عن الأمن في الشرق الأوسط فلا يمكن أن نفهمَ إلّا أمن الكيان الصهيوني.. وإلا فعن أي أمن يتحدثون وطائراتهم تقصف اليمن وتقتل نساءه وأطفاله منذ ثلاث سنوات؟
وإذا أضفنا دفاع رئيسة الوزراء البريطانية عن الصفقة بقولها: إن جميع مبيعات الأسلحة البريطانية تخضع لقواعد دقيقة.. فإنه يعتبر تطميناً للكيان الإسرائيلي بأنها ستستخدم في ما يخدم أمنه وبقاءه في محيط عربي وإسلامي يزداد رغبة في القضاء على هذه الكيان ويعتبر زواله أولوية دينية وقومية، ولها حامل قوي تمثله المقاومة وكل الشرفاء في المنطقة.
يبقى من نافلة القول الإشارة إلى أن تمرير صفقات التسليح ودفاع البرلمانيين المحافظين عنها لم يكن بدون ثمن فقد تلقى البرلمانيون المحافظون مئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية كهدايا وتغطية نفقات السفر المعلَنة من السعوديّة بين عامَي 2015-2017 حسب تقارير إعْلَامية أوروبية.
التقارير تحدثت أَيْضاً عن مليون جنيه استرليني صرفتها السعوديّة على حملة دعائية رافقت زيارة بن سلمان إلى لندن لتلميع صورته.. وقالت التقارير إن برلمانياً بريطانياً عن حزب المحافظين امتدح بن سلمان في مجلس العموم واستلم هدايا بأكثرَ من 16 ألف جنيه إسترليني.
كُلُّ هذه الأموال التي أنفقها بن سلمان لم تمنحه أيَّ نوع من الأمان وهو يتنقل في لندن ففضّل أن لا يختم زيارته بمؤتمر صحفي واكتفى ببيان مشترك؛ تفادياً للأسئلة المحرجة من الإعْلَام البريطاني، ولكي لا يختم الزيارة بتلقي البيض الفاسد.