تقرير :تفكك جبهة العدوان على اليمن والسعودية الخاسر الأكبر
صدى المسيرة : محمد الوريث
في ظلِّ وضعٍ إقليمي ودولي مضطربٍ وتغيُّرات كبيرة تشهدُها منطقةُ الشرق الأوسط إثرَ موجه الفوضى الخلَّاقة التي أشعلتها الولاياتُ المتحدةُ في أكثر من قطر عربي بواسطة التنظيمات الإجرامية التي توظفُها الاستخباراتُ الأَمريكية حسب مصالحها، كما أن تفاهمات وتحالفات جديدة بدأت تظهَـرُ في الساحة في ظل فشل مشاريع قوى الاستكبار في المنطقة مرة بعد مره.
أضف إلى ذلك أن أكثرَ من 130 يوماً من القصف والحصار السعودي المكثَّف على الـيَـمَـن لم يحقق حتى هدف واحد من أهداف العُــدْوَان السعودي الأَمريكي المعلَنة أَمَــام صمود يمني أسطوري أدهش الأعداء قبل الأصدقاء.
بدأت ملامحُ انهيار التحالف السعودي تلوحُ في الأفق، وبات شركاء الأمس هم أعداء اليوم، وذلك يعود إلى انعدام الرؤية لدى النظام السعودي وغطرسته وارتهانه للمشروع الأَمريكي الإسرائيلي، في ظل قيادته المراهقة وتوجهاته العُــدْوَانية صوب جميع جيرانه من العرب والمسلمين، وأخيراً الانكشاف الكبير في واحدية المشروع السعودي والداعشي في المنطقة لمصلحة الكيان الصهيوني.
ويتلقى نظامُ آل سعود في الفترة الأخيرة الصفعات الواحدة بعد الأخرى ومن أقرب حلفائه الذين تجلى لهم الغرق الوشيك لسفينة آل سعود في ظل حُكم المراهقين، وبدأت دولٌ عربية تقفز طلباً للنجاة بنفسها، في ظل تقهقر مشروع العُــدْوَان السعودي على الـيَـمَـن وانسداد الآفاق أمامه بفضل صمود الشعب الـيَـمَـني وبسالة جيشه ولجانه الشعبية.
الكويت أول المغادرين وبوادر أزمة سعودية كويتية خانقة
فجّرَ انتحاريٌّ نفسَه في 26 يونيو من هذا العام بمسجد الإمام الصادق، ونتج عن الحادثة مقتل ما لا يقل عن 27 شخصاً، وجرح 227 شخصاً على الأقل.
وبعد أن أجرت السلطاتُ الكويتية التحقيقاتِ في ملابسة الحادث أعلنت وزارة الداخلية الكويتية لاحقاً أن مَن قام بالعملية هو فهد بن سليمان بن عبدالمحسن القباع وهو سعودي الجنسية، كما أن سلاحَ الجريمة كان قد وصل براً من قبل دواعش السعودية.. وهنا استشعرت القيادة الكويتية فحوى هذه الرسالة والتي تهدف إلى ضرب النسيج الاجتماعي الكويتي بضرب مساجد الشيعة لخلق صراع طائفي على غرار ما قامت به السعودية في دول أخرى. وانتقل أمير الكويت شخصياً إلى مواقع التفجير بعد دقائق، وأقام العزاء بدرجة رفيعة في أكبر مسجد في الكويت، وهو تابعٌ للطائفة السُنيَّة بحضوره الشخصي وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وعدد كبير من مسئولي الدولة في محاولات لردم الفتنه الطائفية القادمة من جار السوء.
بعد ذلك قبضت السلطاتُ الكويتية على خلية إرْهَـابية كانت تخطط لعمليات أخرى ويحضر فيها العنصر السعودي بقوة بعد ذلك قامت وزارة الإعلام الكويتية بوقف بث قناة وصال السعودية واتهمت الكويت القناة بتأجيج الصراع الطائفي في البلاد.
وتحدثت أنباءٌ صحفية خليجية إلى أن مواطنين سعوديين قد اضطروا إلى العودة إلى منفذ جوازات الخفجي بعد أن تم ردُّهم من منفذ النويصيب الكويتي ومنعهم من دخول الكويت دون إبداء أسباب، وتداول ناشطون ومغردون أَن الكويت منعت دخول المواطن السعودي إلى أراضيها وتراشق الطرفان بشدة قبل أَن يتم نفيُ الخبر.
وما فاقم الأزمة السعودية الكويتية قضية التعقيدات الكبيرةِ في قضية الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، حيث حمّل وزير النفط الكويتي علي العمير، الرياض، المسؤوليةَ عن الخسائر التي قد تتكبدها الكويت؛ بسبب إيقاف الإنتاج في هذه الحقول المشتركة، وسربت مواقع الكترونية مقربة من السعودية رداً سعودياً نُسِبَ لمحمد بن سلمان وزير الدفاع حسب مصادر استخباراتية هدد فيه باحتلال دولة الكويت “كونها تَأريخياً أراضيَ سعوديةً وليس بئر الخفجي فقط”، كما قال، وأضاف بن سلمان “لقد انقذنا الكويت من مخالب صدام والآنَ من ينقذها منا ونحن الأحق بها، فلا داعي للتعالي علينا وهي دولة لا تمثل رُبع العاصمة الرياض” حسب ذات المصدر.
ويرى مراقبون أَن التوترَ السعودي الكويتي وإرسال داعش إلى الكويت جاء كرسالة تهديد سعودية للكويت جراء مواقفها من العُــدْوَان على الـيَـمَـن والذي تغيَّر في الآونة الأخيرة ومحاولة الكويت النفاذ بجلدها من التحالف السعودي على الـيَـمَـن الذي لم يحقق فائدةً تُرجى، ويأتي هذا التصعيد السعودي في محاولة لإعادة الكويت إلى عباءة العُــدْوَان مرة أخرى لا سيما والضغوط الدولية في تزايد مستمر تجاه السلوك السعودي الوحشي والدعم الصريح في دعم الإرْهَـاب والفوضى في الـيَـمَـن.
علاقات مصرية سعودية فاترة
حاوَلَ قادةُ العُــدْوَان السعودي على الـيَـمَـن مراراً وتكراراً استدراج مصر للمشاركة في قتال بري على الأرض الـيَـمَـنية، وصلت حد إرسال “خالد بحاح” رئيس الوزراء المستقيل إلى مصر لإقناع السيسي بضرورة تأجير جيش للسعودية للدفاع عن حدودها ومشاركة مرتزقة القاعدة القتال في الـيَـمَـن، وبعد الرفض المصري الحاسم اضطرت السعودية لإشعال جبهة سيناء بعناصر داعش في محاولة لتأديب الجيش المصري، وبعد أَن فشلت كُلِّ محاولات السعودية في إغراق الجيش المصري في المستنقع الـيَـمَـني، توجهت السعودية للتقارب مع حركة الإخْوَان المسلمين “المصنفة بأنها حركة إرْهَـابية في كلا البلدين” لاستفزاز السيسي، واستقبلت الحكومة السعودية وفداً من حركة حماس العدو اللدود للنظام المصري.
وكان الردُّ المصري قوياً عندما هاجمت صحيفة الأهرام الرسمية في افتتاحيتها النظامَ السعودي، وأشادت الأهرام بالاتفاق النووي الإيْـرَاني، موجهةَ اللومَ إلى الدول التي تسعى “للسيطرة والظهور بمظهر الكبار في خداع بصري كشفه الاتفاق مع إيْـرَان، حيث ارتعدت العواصمُ نفسُها التي ظنت يوما أنها تملك رسمَ خريطة المنطقة بأموالها والميلشيات التي تدعمُها في عملية تفتيت دول ومجتمعات سيكونُ للتَأريخ حكمٌ قاسٍ بشأنها عندما يٌكتب بإنصاف عما جرى من نفر منا،” حسب الصحيفة.
كما هاجَـمَ الكاتبُ المُقَرَّبُ من نظام السيسي أحمد عبدالمعطي حجازي، المملكة في أكبر جريدة حكومية، قائلاً: “أحداث سيناء ثمرة دول النفط الوهابية”، في إشارة للمملكة.
وفي صفعة أخرى للنظام السعودي قال وزير البترول والثروة المعدنية المصري: إن قطاعَ البترول المصري ليس لديه مانع من استيراد الخام الإيْـرَاني بعد رفْع الحظر والسماح بالتصدير، وأي تقارب مصري إيْـرَاني قد تعتبره السعودية خيانة عظمى.
الخلاف القطري السعودي القديم الجديد
يواجِهُ النظامان السعودي والقطري علاقات سيئة منذ أن وقَفَ النظام القطري مع الإخْوَان المسلمين في مصر إلى جوار تركيا في حين دعَمَ النظامُ السعودي بكل قوة انقلاب الجيش المصري على السلطة والذي أطاح بمحمد مُرسي والذي يواجه الآن حكماً بالإعدام في مصر، ويظلُّ الموقفُ القطريُّ لمختلف قضايا المنطقة بعيداً عن المنظور السعودي، وإن تشابهت أدواته، حيث تدعم قطر جبهة النصرة الإرْهَـابية في سوريا في حين تدعم السعودية تنظيم داعش، وتدعَمُ قطر تنظيم الإخْوَان المسلمين إعلامياً ومالياً والذي تعتبره السعودية تنظيماً إرْهَـابياً، كما تتسبب قناة الجزيرة والعداء القطري لنظام السيسي بحالة توتر دائم في العلاقات القطرية السعودية، حيث يهاجم الإعلام القطري بشكل دائم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والذي جاءت به السعودية إلى كرسي الرئاسة وتعتبره الرياض حليفاً أساسياً في المنطقة رغم موجه الخلافات الحادة مؤخراً.
الاتفاق النووي الإيراني وأثره على العدوان السعودي
الاعترافُ الدولي بإيْـرَان عضواً في النادي النووي شكَّل صفعة شديدة أخرى في وجه النظام السعودي والذي حاول عرقلته بكل الطرق، حيث أن الاتفاق ينص على رفع الحظر على إيْـرَان وإعادة أموالها المحجوزة، ما دفع دول العالم المختلفة للتهافت على إيْـرَان لعقد صفقات تجارية كبيرة، كما أن إيْـرَان ستمتلك قريباً ما يقارب الـ 150 مليار دولار، وهذا المبلغ جعل لعابَ الكثير من دول المنطقة يسيل على عكس المشيئة السعودية التي ترى في أي تقارب مع إيْـرَان خطراً مباشراً عليها، حيث يعتبَرُ النظامُ السعودي أن إيْـرَان الخطر الأكبرُ في المنطقة ويشاركها في ذات الرؤية الكيان الصهيوني الغاصب الذي يُصَرِّحُ عَلَناً بأن النظام السعودي حليف أساسي له في المنطقة ضد إيْـرَان.
وقد شكل انفتاح العالم على طهران وحجيج وزراء الدول الكبرى كألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى طهران عامل قلق وتوتر كبير لدى النظام السعودي، حيث تعرفُ السعودية بأن المرحلة القادمة ستشهَـدُ دَوْراً كبيراً لإيْـرَان في حل ملفات المنطقة باعتراف أَمريكي وغربي، وقد بدأت تظهر تجلياته في سوريا.
وتعارض إيْـرَان العُــدْوَان السعودي على الـيَـمَـن ولديها نفوذ كبير في دول الخليج نفسها، خاصة الإمارات؛ نتيجة للعلاقات التجارية والتبادل المالي الكبير بين البلدين، كما تمتلكُ طهران علاقات إستراتيجية مع عُمان الجار الأقرب إليها، وهذا إضافة إلى علاقات متميزة مع النظام السوري والعراقي واللبناني ما يجعل لإيْـرَان دوراً محورياً لا يمكن تجاهله.
وزار مؤخراً وزيرُ الخارجية الإيْـرَاني كلاً من الكويت والعراق وقطر، مستثنياً السعوديةَ والذي تسبب في تعميق جراح النظام السعودي المثقل بصراعاته الداخلية وانزلاق أقدامه أكثر في الرمال الـيَـمَـنية المتحركة.
وكان ظريف قد أعلن من الكويت أن طهران تمُدُّ يَدَها لجيرانها في المنطقة في مواجهة الأخطار المحاطة بالمنطقة، وأن طهران لن تتوانى عن تقديم المساعدات في مجال محاربة الإرْهَـاب والتطرف.
وفي خضم كُلّ هذه التطورات في المنطقة وفي ظل صمود الشعب الـيَـمَـني أَمَــام عُــدْوَان إجرامي وحشي يستهدفُه أرضاً وإنساناً تبدو السعودية اليومَ أكثرَ عُزلةً في مواجهة شعب يتجهَّز للانتقام، وفي ظل علاقات سيئة بكل جيرانها في المنطقة وكذلك خروج داعش عن السيطرة السعودية وبات يشكل تهديداً مباشراً على أمن المملكة.
ويرى مراقبون أن أَمريكا وإسرائيل استطاعتا أَن تستدرجَ السعودية إلى مستنقع لن تستطيعَ الفكاك منه بالتورط في دم المدنيين والأبرياء في الـيَـمَـن، ولا بد أَن ترتدَّ مشاريعُ السعودية شراً مستطيراً ووبالاً على كُلّ قادة العُــدْوَان قد يغيِّرُ شكلَ المنطقة، والدليل الأكبر على هذا انسحاب شركاء الحرب السعودية واحداً بعد واحد وتركها وحيدةً لتلقى مصيرَها المحتوم.
صحيفة صدى المسيرة العدد 50 الاثنين 3 اغسطس 2015