الإنسانية في فلسفة الغرب
الدكتور إسماعيل محمد المحاقري
لاحظت في الأسابيع الماضية عدداً من الكتابات التي كانت تحمل تصورا خاطئا عن حقيقة موقف المملكة المتحدة البريطانية من الأزمة الإنْسَانية التي تعيشها بلادنا، إذ تصور البعض أن بالإمْكَان أن يتراجع موقفُ هذه الدولة بفعل الضغوط التي مارسها بعض أعضاء مجلس اللوردات وبعض الناشطين وقد خاب ظن الجميع ولهذا من المناسب أن نعرفَ بهذه الدول وبالفلسفة التي تقوم عليها.
إنَّ الفلسفةَ التي يقومُ عليها النظامُ الغربي والتي تحدد موقفه من الحقوق والحريات وقيم الإنْسَانية هي فلسفة تقوم على فكرة سيادة الجنس الأوروبي بل وإنكار الصفة البشرية على المجتمعات الأُخْـرَى فلن ينسى العالم موضوعَ الصكوك البابوية في الأعوام 1436- 1455التي أنكرت على مجتمعات ما وراء البحار أية حقوق وأعطت لبريطانيا وإسبانيا والبرتغال الحق في أن تغزوَ أقاليمهم وأن تتخذ من أهاليهم عبيداً لها وبهذا تم اقتلاع ملايين الأفارقة من جذورهم الأصلية وكذلك أبادوا ستين مليوناً من الهنود الحمر ولم يبقوا سوى على ثلاثة ملايين وخمسمائة للعمل في مناجم الذهب والفضة.
والأدهى من ذلك أن المسوغَ الذي قدّموه لارتكاب تلك الأفعال هو -بحسب كلام الفيلسوف القانوني “مونتسكيو”- “إن هذه الشعوب ليست من البشر”.
كما إنهم قبل ذلك قادوا حروبَهم الصليبية ضد المسلمين؛ بحُجّة أنهم أشرارٌ وَقدموا مشروعاتهم في اقتسام العالم الإسْـلَامي على أنها مشروعات إنْسَانية فاضلة أرادت خير البشرية وهم من أرسوا مبدأ الاكتساب عن طريق الاكتشاف ومبدأ السيادة الإقليمية .
وهم عبر غطاء التبشير استولوا على الأرض في أفريقيا يقول القس برموتد: عندما أتى المبشرون الأوروبيون لأول مرة إلى أفريقيا كان بأيديهم الإنجيل وكانت الأرض معنا وقالوا لنا فلنصل فعلمونا أن نغلق أعيننا عند الصلاة وعندما فتحنا عيوننا كان الإنجيل معنا والأرض معهم”.
وحتى بعد قيام الثورات التصحيحية التي نادت بالحقوق والحريات والمطالب الديمقراطية للأسف لقد ولد مع تلك المبادئ والمطالب النظامُ الرأسمالي “الليبرالي “الذي يحمل صورة محدثة وعصرية لقيم الاستغلال .
إن هذا النظام الرأسمالي محوره ومحرك نشاطاته ومنتهى أهدافه السوقُ المحكومة بقانون العرض والطلب وقواعد المنافسة بغية تحقيق أقصى ربح على حساب كُلّ وازع ديني أَوْ أخلاقي أَوْ إنْسَاني أَوْ اجتماعي.
وقد عبر هذا النظام حدود الدول وتم إحاطته بعدد من الآليات الدولية، وقد فرض عبر تلك الوسائل على جميع الدول التخلي عن سيادتها وحقها في حماية اقتصادياتها الناشئة وإزالة كُلِّ العوائق أمام تدفق السلع والخدمات إلى أسواقنا.
وقد تخفى هذا النظام لفترة طويلة تحتَ دعوى التوفيق بين مصالح الدول والمجتمعات ومصالح دول الغرب..
وتحت مزاعم الانسجام بين الرأسمالية والديمقراطية ومبادئ الحقوق والحريات مع ما بينهما من تناقض حتى أنه أَصْبَح يقال إن العولمة التي تمثّل الوجه الجديد للرأسمالية أَصْبَحت مصيدةً لقيم الديمقراطية والحقوق والحريات..
فالواقع أثبت أن هذه الدول تتعامل مع الحقوق والحريات كأدوات وظيفية لخدمة أطماع الرأسمالية، ولهذا رأينا كيف أن المؤسّسات الرأسمالية تتعامل مع الحقوق والحريات!! إذ نجدُها تعارضها في دولة ما وتؤيدها في دولة أخرى ونجدها أَيْضاً تؤيد بعض الحقوق وتعارض بعضها بحسب اتصال تلك الحقوق أَوْ ابتعادها عن سياساتها الاقتصادية .
وقد راينا أَيْضاً كيف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لديها الاستعداد في استخدام الوسائل العسكرية لفرض سياساتها الاقتصادية مع ما يرافق ذلك من انتهاكات صارخة للحقوق والحريات ولقيم الديمقراطية وانتهاك فاضح لحقوق الإنْسَان، والجديد فقط أن هذه الدول أَصْبَحت تلبس حروبها وجرائمها لباسَ القانون الدولي وتنفّذُها عبر غطاء من مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأُخْـرَى..
وهذا ما حصل في أفغانستان ويوغسلافيا والعراق والصومال وفلسطين ولبنان والسودان وَحَالياً في سوريا وليبيا واليمن وقبل ذلك في فيتنام واليابان والفلبين… إلخ.
ومع هذه الحقائق هل كان لنا أن نتوقعَ أن بريطانيا كان سيؤثِّرُ على قرارها باستضافة ابن سلمان وإبرام صفقات الأسلحة؟
ما شاهدناه من نقاشات حول مشروعية الحرب في مجلس اللوردات وما شاهدناه بما قام به عددٌ من الناشطين الحقوقيين وبعض المنظمات الإنْسَانية أننا لوكان لنا أن نتوقعَ ذلك لكان علينا أن نتوقع أن مزاج النظام الرأسمالي” الليبرالي” قد تغير وهذا من سابع المستحيلات، فكيف لنا أن نتصورَ أن تتخلى هذه الدول عن أهم حليف لها منذ الأربعينيات في المنطقة والذي يشاطرها كثيراً من المشتركات الشيطانية فهو يقدمُ لها الدين الإسْـلَامي كغطاء لما تعتنقُه من فلسفات وما تمارسه من أطماع وترتكب لأجله أبشع الجرائم الإنْسَانية، بالإضَافَة إلى ما يقدمه من غطاء يحجب الأنظار عن حقيقة استمرار استغلال هذه الدول لمقدرات المنطقة من النفط وعائدات المقدسات الدينية، وبفضلها تم تحييدُ شعيرة الحج من أن يقومَ بدوره كأداة تجميع وتوحيد كلمة الأُمَّـة ضد أعدائها ومن خلاله تمكّنت من إحكام قبضتها على فلسطين… إلخ.