تضخم إسرائيل وتجريم العقل
محمد ناجي أحمد
لم يكن تجريمُ فكر (المعتزلة ) وهو فكر (زيدي) بامتياز –من قِبَل مشيخة الأزهر وشيخها عبدالحليم محمود سوى استيفاء لاتّفاقية كامب ديفيد في مصادرة الأرض، وتعزيز ذلك بمحاصرة العقل ومصادرته.
الردة التي قادها عبدالحليم محمود شيخ الأزهر تتكامل مع الردة الوطنية والقومية من خلال إخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وتوقيع اتّفاقية كامب ديفيد معها، فكان كتابه “الإسلام والعقل “ذروة هذا الارتداد العقلي المعزز للارتداد الوطني والعروبي.
فالمعتزلة بحسب عبدالحليم محمود “سجدت للعقل لا لله”.
العداءُ للعقل من تموجات نشاط الوهابية السعوديّ، فلم ينتشر هذا العداء، ويتضخم أثره وتأثيره إلاّ مع تضخم إسرائيل وهيمنتها في المنطقة. في تكامل وظيفي يعزز كُلّ منهما الآخر.
ليس صدفةً أن تكونَ القطيعة مع العقل الإسلامي، ناهيكَ عن العقل الإنساني متزامن مع اتّفاقية كامب ديفيد، ومبادرة الأمير فهد بن عبدالعزيز للتطبيع مع إسرائيل.
المطلوب غربيا وصهيونيا وسعوديّا هو تحطيم كُلّ أشكال الممانعة والمقاومة، وفي مقدمة ذلك تحطيم العقل الذي يتحَـرّك بجدلية فاعلة بين التصَدّي والإبداع.
كان ضرب القومية العربية موازياً للهيمنة الصهيونية في فلسطين، وسيناء والجولان والأردن، وجنوب لبنان.
وعلى هذه الظروف كان انتشار الوهّابية كنقيض للعقل وحرية الفكر والإبداع والابتكار.
ما يعني منطقياً أن الجماعاتِ الوهّابية لم تنتشر منذ منتصف السبعينيات إلاّ كوظيفة غربية صهيونيةٍ لمصادرة العقل، بعد أن تمّت مصادَرة الأرض.
هناك تلازم بين انتشار الوهابية والجماعات الجهادية السلفية وبين الهيمنة الصهيونية التي بلغت أوجَّها في عقد الثمانينيات.
هو تلازم صعود متزامن يمتد من مصر إلى اليمن، إلى المغرب العربي.
أبشع المجازر تعرض لها العرب من الصهيونية ومن الجماعات الوهابية، كما حدث في الجزائر وأفغانستان، والعراق واليمن ومصر.
هيمنت الوهابية في اليمن، وصادرت العقلَ، وعملت على تكفير كُلّ إبداع ومتخيَّل في الثقافة اليمنية طيلة ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، سواءً في تكفيرهم للدكتور الشاعر عبدالعزيز المقالح، أَوْ الدكتور حمود العودي، وصحيفة الثقافية وكُتّابها، وغيرهم المئات؛ بغرض جعل رقابتها سلطة على الجميع.
هو ارتباط وتكامل بين الصهيونية وتضخمها، ونشاط الجماعات الوهابية وسيطرتها ومصادرتها لحركة الفكر، من خلال سلطتها المباشرة على المؤسسات الثقافية والتعليمية والأمنية ودور العبادة.
في اقتران حتمي لا يمكن لإسرائيل أن تهيمين دون نفي للعقل العربي. لتتحقق نبوءة هرتزل: إسرائيل “متحضرة ” تمثل على ساحل المتوسط خط الدفاع الأول عن الغرب وحضارته، في وجه بربرية “القوى المتخلفة ” لعالم الإسلام.