الرئيس الصماد والمؤسسة القضائية
مطهر يحيى شرف الدين
إدراكاً منه بأهميّة لقاءاته بقيادات السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية يظلُّ الرئيسُ الصمَّادُ متلمساً وحاضراً بشكل دائم ولمرات عديدة لكثير من المرافق العامة والخَاصَّـة، ومنها لقاءاته بقيادات السلطة القضائية التي تعتبر إحدى السلطات الثلاث للدولة.
تعكس تلك اللقاءات توجّهات القيادة السياسية نحو ترسيخ العدالة وتحقيق وتعزيز الأمن والاستقرار بين أوساط المجتمع، كما تعتبر اللقاءات بمثابة رسالة هامة وواضحة لجميع منتسبي القضاء والأجهزة المعاونة والمساعدة للقضاء؛ باعتبارها أجهزة عدالة لا يمكن قيام أحد هذه الأجهزة بعملها بنجاح دون أن تكون هناك أعمالٌ واختصاصات مكملة لبقية الأجهزة الأُخْــرَى كجهاز الضبط القضائي والأدلة الجنائية والمحامين كمساعدين في تقريب العدالة للمواطنين.
وفي هذا الصدد ولكي تكون لقاءات الرئيس الصماد مثمرة وناجعة ينبغي العمل على تحقيق منظومة متكاملة لأجهزة العدالة بأن يكون هناك تنسيق ورؤىً وخططٌ وفق القوانين الإجرائية حتى يلمسها المواطن الذي يعتبر المستهدفَ وَالمستفيدَ الأولَ من تلك المنظومة العدلية، فلا يمكن مَثَلاً أن تقوم الأجهزة الأمنية بمهامها دون أن تكون هناك رقابة قضائية وتشريعية وقانونية على حسن سير الأداء والتعامل الصحيح والمناسب مع المواطنين وتحقيق مصالح الناس والوقوف بحزم أمام العابثين والمرجفين الذين يعملون على نشر الفوضى واتخاذ العدوان وآثاره السلبية على الأوضاع فرصة للعمل على إثارة المجتمع وخلق الفوضى والصراع والنيل من ثباته وصبره ومن ذلك مَثَلاً إقامة الدعاوى الكيدية؛ بغية تحقيق المصالح الدنيئة والرخيصة والمغرضة، الأمر الذي يجب على أجهزة العدالة أن تكون متحملة لمسؤولياتها وعلى كُلّ من بين يديه قضية أَوْ منازعة سواءٌ أكان في نيابة أَوْ محكمة أَوْ محكما أَوْ من يحمل مسؤولية أن يراقب الله ويستشعر حجم الأمانة وثقلها وأن يدرك تماماً أن تأخير البت في القضايا وتطويل أمدها يسبب المزيد من الإرهاق المادي والنفسي والمعنوي لأطراف النزاع إذَا لم يتم الفصل فيها بصورة طبيعية “فالعدالة البطيئة ظلم”، والأظلم منها هو عدم مراعاة الجانب الإنْسَاني وتعثر قضايا ومصالح الناس، وبالمناسبة وحتى نكون على بينة مما يشكلُ عائقاً أمام تحقيق العدالة وسرعة الفصل في القضايا لا بد أن نتعرف ولو بإيجاز أن ثمة إشكالاتٍ تقفُ أمام سير القضايا وسرعة الفصل فيها، وبذلك فلا شك أن لنزاهة القاضي وكفاءته واستقلاله المالي والإداري والقضائي دور في تحقيق العدالة وإنجاز القضايا وعدم التطويل في إجراءات التقاضي، ومما تجدر الإشارة إليه أن تدني مستوى الوعي القانوني لدى المتقاضين وجهلهم بالقانون وعدم معرفة الكثير منهم بالإجراءات والقواعد القانونية المتبعة سبب في تطويل أمد التقاضي كما أن مما يسبب التطويل في الإجراءات أيضاً بعض المحامين الذين يكثر ترددهم على المحاكم دون أن يكون لديهم الإلمام الكامل بتفاصيل القضية واستيفاء المستندات والحجج والبراهين سواء بحُسن نية أَوْ متجاهلين عددا من المسائل وطرحها في مجلس القضاء وذلك لغرض إطالة عمر القضية بغية ابتزاز أطراف النزاع وجرهم إلى دائرة يتسع قطرها وتكثر تشعباتها، ولذلك يتضح دور المحامي الكفؤ والنزيه كمعاون لأجهزة العدالة في سرعة النظر والفصل في القضايا، كما لا يخفى أَيْضاً دور معاوني القضاة ومساعديهم باعتبارهم الذراعَ اليُمنى للقاضي ومهامهم في جدولة القضايا والجلسات وتحرير المحاضر وتجهيز ملفات القضايا كاملة دون نقصان الأمر الذي ينبغي التحري ومراقبة الله ومراقبة ضمائرهم، وبالتالي لا تقل مسؤوليتهم عن مسؤولية القاضي الذي يستند في بناءه وإصداره للحكم على ما تم تدوينه في محاضر الجلسات وما جاء فيها من إثباتات وأقوال المتخاصمين والأدلة وإفادات الشهود، ولذلك ينبغي أن تتخذ إزاء ذلك آليات رقابة فاعلة وتفعيل دورات تدريب وتأهيل متخصصة تستهدف المعاونين وبالأخص من يحملون صفة أمناء سر ممن ليس لديهم مؤهلات أَوْ دورات أَوْ خبرات في معرفة القوانين والإلمام بها.
إن تعزيز الجهود في تحسين الأداء في المحاكم والنيابات والجهات ذات العلاقة بحاجة أَيْضاً إلى توفير خبراء فنيين متخصّصين، إذ أن مما يسبب في تطويل إجراءات التقاضي هو ندرة الخبراء الفنيين وقلة كفاءتهم في سرعة إصدار التقارير بموجب تكليفهم بإعدادها ليتمكن القضاة من إصدار أحكام عادلة وقرارات موفقة، ولذلك وقبل كُلّ تلك الاعتبارات فنحن بحاجة إلى تعزيز الوازع الديني وبحاجة إلى ضمائر يقظة وإدراك بجسامة المسؤولية ومعرفة أن إصلاح المجتمع يأتي من إصلاح القضاء وهيبته ونزاهته وقدسيته فمثلاً عندما يدرك صاحب الدعوى الكيدية أن هناك قضاء عادلا وقويا ونزيها ويطبق القوانين النافذة والأحكام الصادرة فإنه بذلك سيراجع نفسه ويتوقف عن إقامة دعواه الكيدية، ومما تجدر الإشارة إليه في هذه الظروف أن يعلم الأخوة القضاة المتهاونين والمتكاسلين عن أداءهم لواجباتهم بحجة أزمة الرواتب أن تركهم للقضايا حبيسة الأدراج والخصوم منتظرين معلقين آمالهم على انتظام دوام القضاة واستلام رواتبهم فإن ذلك يسبب في تعثر القضايا وتراكمها وبالتالي نكون أمام مجتمع ملئ بالأحقاد والضغائن ومزيد من الفجور في الخصومة والنتائج والتبعات التي لا تحمد عقباها، قال تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).