العرب “يشاركون” في العدوان الثلاثي الجديد

طلال سلمان*

بعدَ سيلٍ من التغريدات المتناقضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب..

وبعد تنبيهات وتحذيرات أطلقها الرئيسُ الفرنسي ورئيس الحكومة البريطانية، استبعدت فيها “الضربة”، محذرةً موسكو من “الكيماوي” السوري.

وبعد إجلاء مسلحي “جيش الإسْــلَام” وعائلاتهم من ضاحية دوما التي كانت محاصَرةً، ثم تمّت التسوية وأُخرجوا ـ بسلام ـ إلى مقصدهم في جرابلس..

وبعدما تم فَكُّ الحصار عن دمشق، فتحررت بجهاتها الأربع، ووصل مراقبو الأمم المتحدة للتثبت من “احتمال” وجود “الكيماوي” من عدمه..

أقدمت دولُ العدوان الثلاثي الجديد، وقد حلت فيه الولايات المتحدة الأميركية محل العدو الاسرائيلي، على توجيه أسطول من طيرانها المشترك؛ للإغارة على بعض ضواحي العاصمة دمشق، وتدمير بعض المصانع والمنشآت العسكرية؛ بذريعة تدمير معامل تنتج الغاز الكيماوي القاتل، لاستخدامه ضد المعارضات المسلحة في سوريا.

لم تهتم عواصم العدوان الثلاثي بأنها تقدم على تهديد بلاد بعيدة جداً عنها، تعاني منذ سنوات نتائجَ حرب مفتوحة على شعبها ودولتها الفقيرة، تشارك فيها الدول الأغنى بين العرب (السعودية ومعها قطر، برغم خلافاتهما التي اوصلتهما إلى حافة الحرب…).

ولم تهتم عواصم العدوان، التي خرج المسؤولون فيها “يتباهون ” بهذا النصر غير المكلف، إذ عادت الطائرات المغيرة إلى قواعدها سالمة، كما “أن الصواريخ قد أصابت أَهْــدَافها بدقة”.. كما عاد مجلس الأمن الدولي إلى نومه هانئاً مطمئناً إلى استتباب السلام في المنطقة..

بل لقد عاد الانقسام الدولي إلى سابق عهده في زمن الحرب الباردة، إذ تزاحمت دول الغرب وصولاً إلى كندا واليابان، على تأييد “الضربة الصاروخية” للقواعد السورية.. في حين اعتبرت موسكو أن هذه الضربة قد نسفت عملية التفاوض من أجل التسوية في سوريا، بينما رأت إيرانَ فيها عدواناً جديداً، واستنكرتها الصين ورأت فيها انتهاكاً للقانون الدولي..

أما العرب فان أكثريتهم المذهبة والملحقين بها قد التزمت الصمت، والصمت موافقة ضمنية.

وَفي القمّة العربية العتيدة، تضيع أصداء الضربة عبر خطابات الترحيب بين “الرئيس الذاهب” و”الملك القادم” إلى رئاستها.. وسيعكف وزراء الخارجية على استخدام بلاغتهم في تمييع الموقف بحيث لا يصل إلى تأييد الضربة ولا يندفع طيشاً إلى استنكارها، بل سيلجأ إلى مفردات اللغة العربية حمّالة الأوجه، فيخص بالإدانة الضحية، وقد يتجرأ فيطالب دول العدوان بتحاشي إيقاع ضحايا بين المدنيين.. بل هو قد يشيد بدقة موجهي الصواريخ الذين حرصوا على إصابة أَهْــدَافهم بدقة في “عملية نظيفة بلا دماء”.

لقد غدت الحرب على سوريا دولية مع تبريرات عربية: وها هي السعودية تسبق الجميع إلى إدانة دمشق، تبنيه المنطق الاميركي ـ الغربي، مستمرة في مطالبة عقد مجلس الأمن لإدانة “التدخل الإيراني في اليمن”، بينما طيرانها هو من يقصف حواضر اليمن وصواريخها هي التي تقتل أطفال اليمن ونساءه والشيوخ.

وبالتأكيد فإن معظم دول الخليج ستلحق بالسعودية..

أما مصر فلسوف تكتفي بالاستنكار.

والعراق قد يتقدم خطوة فيدين العدوان.

والمغرب بعيد، وليبيا قد اندثرت، والجزائر غارقة في دماء ضحايا الطائرة العسكرية التي سقطت قبل أيام.

أما لبنان فقد يجد نفسه مضطراً للخروج من سياسة النأي بالنفس إلى سياسة النأي عن سوريا وعن دول العدوان الثلاثي معاً.

*كاتب ورئيس تحرير وناشر صحيفة السفير

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com