تصعيدات معارك الساحل الغربي والحديدة ما الثغرات التي تعيق العدوّ والمفاتيح المفقودة لديه للتقدم؟!
علي نعمان المقطري
في أواخر مارس الماضي، بدأت قوى العُـدْوَان الأمريكي السعودي مرحلةَ تصعيدٍ جديدةً في جبهة الساحل الغربي، بعد أن قامت بجَمْــعِ المرتزِقةِ الجُدُدِ مع القدامى؛ بغية تحقيق خرقٍ ميداني في مسار المعركة المتعثر بالنسبة للعُـدْوَان واستغلالاً للفترة الجديدة التي منحت له سياسياً من قبل مبعوث الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث الذي تحدث عن شهرين لتجهيز إطار عام للمفاوضات المفترضة وعرضها على مجلس الأمن.
وفد عدة شهور من الإعداد والتجهيز للمعركة، لم تخلوا من ضربات استباقية نفذتها قُــوَّات الجيش واللجان الشعبية، بدأ التصعيدُ في محوري موزع والمخاء، في محاولة -على ما يبدو- من قبل العُـدْوَان لاستقراء مصير المعركة برمتها، مع زخم إعلامي واسع وبروباغاندا إعلامية ملحوظة اختلقت انتصاراتٍ وهميةً على الأرض ما لبثت أن تحولت إلى ورطة للعُـدْوَان الذي عجز عن إثبات مزاعمه على الأرض.
ورغم ترسانة الأسلحة والمعدات والعتاد المتطور الذي قدمه العُـدْوَان لمرتزِقته على الأرض في الساحل الغربي، ومع مرور نحو ثلاث أسابيع من التصعيد ظلت المواجهات محصورة على شمالي وشرق معسكر خالد في موزع، لم تكتفِ خلالها قُــوَّات الجيش واللجان بمنع المرتزِقة من التقدم بل ألحقت بهم خسائرَ مادية وبشرية قياسية، وهي خسائرُ وثّقها الإعلامُ الحربي، والتي منها المعركة التي شهدت تدمير 23 آلية عسكريَّـة ومقتل 93 مرتزِقاً شمالي معسكر خالد.
وفيما توالت مشاهد الإعلام الحربي التي تعرِضُ الخسائرَ البشرية والمادية الهائلة التي تكبّدها المرتزِقةُ في موزع، كانت البروباغاندا الإعلامية التي أطلقها العُـدْوَان تتحول تدريجياً بالنسبة له إلى ورطة مكتملة الأركان، فالضخُّ الإعلامي العُـدْوَان عن إنجازات المرتزِقةِ كانت تصطدمُ بعجزٍ عن ذكر ولو مجرد أسماء لمواقعَ سيطروا عليها، ناهيك عن إثباتها بالصوت والصورة؛ ليقع إعلام العُـدْوَان في ورطة أُخْـرَى بإعْــلَانه سيطرة المرتزِقة على مواقع في المخاء سبق أن وقعت تحت قبضتهم قبل أَكْثَـر من عام، وهو ما قوبل بسخرية واضحة من قبل نشطاء المرتزِقة أنفسهم.
مع تعاظم ورطة العُـدْوَان على الصعيد الإعلامي بدأ النزول التدريجي للخطاب الإعلامي؛ لينتقلَ العُـدْوَانُ والمرتزِقةُ إلى استدعاء أسطوانة الخِيانة من قبيل أن مرتزِقة الإصلاح أوقفوا المعاركَ في جبهة صرواح، ما خفف الضغط على الجيش واللجان الشعبية في جبهة الساحل الغربي.
ما حدث خلال الأسابيع الماضية كان كافياً إلى حَـــدٍّ ما لقوى العُـدْوَان لأن تعرِفَ ما ينتظرها في المعركة الكبرى بالساحل الغربي، لكن ذلك لا يمنع من استقراء خِطَّة العدوّ وطريقة تفكيره وحساباته السابقة واللاحقة.
استهدافُ مقاتلة أمريكية ويقظة الجيش واللجان
كانت عمليةُ إسقاط الصواريخ الجوية اليمنية لطائرة تجسُّس أمريكية –MQ9 هي الأَكْثَـرَ تقانةً- قبل أَكْثَـر من أسبوع فوق سماء الحُدَيْــدَة هي الثانية التي يسقطها الجيش اليمني -الأولى أسقطت فوق سماء العاصمة في أكتوبر الماضي في أَوْ ج تحضير العدوّ للهجوم الكبير على العاصمة-، حيث واجهت يقظة يمنية عالية وهي اليوم تواجه نفس اليقظة اليمنية وأَكْثَـر وتأتي متزامنة مع تحضيرات القيام بالهجوم الكبير المرتقب على الحُدَيْــدَة.
محاورُ الهجوم العُـدْوَاني المتوقع
- براً، عبر الخوخة – حيس؛ للتوجه نحو الجراحي وزبيد وبيت الفقيه، وَانطلاقاً من قاعدة العدوّ في المخاء والمندب.
- والثانية عبر البحر باتجاه ميناء الكثيب وَجزيرة كمران المقابلة للحديدة من الغرب والشمال.
- والثالثة، أيضاً من البحر عبر ميناء غليفقة – الدريهمي – الحالي جنوب غرب.
- والرابعة ستكون عبر الجو بواسطه الطيران والمروحيات والناقلات الطائرة الكبيرة التي سبق للسعودية أن اشترت منها أعداداً كبيرة ضمن الصفقات الجديدة الأمريكية –ومنها 136 طائرة نقل عملاقة– ومنها المروحيات الكبيرة التي تحمل الأفراد والعتاد وتنزل بهمم في أي مكان من الأرض، فلا تحتاج إلى مطارات، وتستخدم في عمليات الإبرارات الجوية وإنزالات القُــوَّات من الجو.
سيناريوهاتُ الهجوم العُـدْوَاني.. كيف يفكر العدو؟
بعدَ سيطرة العدوّ على مناطق في حيس والخوخة شهيةُ العدوّ تنفتح على جهنم، فالخيانة التي حدثت في الخوخة حيس وقبلها المخاء وذوباب وَالمندب، قد فتحت شهية العدوّ وجعلته يعتقدُ أن بإمْكَـانية تقدمه نحو بقية الساحل المؤدي إلى ضواحي الحُدَيْــدَة؛ ولذلك يبدو أنه يرمي باحتياطاته العسكريَّـة نحو معركة الحُدَيْــدَة الجديدة التي يريد لها أن تكون نقطة انعطاف حادة لصالحه تجعله أقوى من قبل في مواجهة الجيش اليمني والأنصار ويمسك بأوراق هامة على طاولة أية مفاوضات قادمة يمكنه أن يضغَطَ عبرها لإملاء أهدافه وإرادته –حسب تصوّراته.
معركة كبرى.. التوازُنُ القائمُ استراتيجياً
إنَّ الحُدَيْــدَة معركة كبرى بأهميّة “ستالين جراد” بالنسبة للروس والسوفييت خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يمكنُ لليمنيين أن يهملوها إطلاقاً أَوْ يسلموها لقمة سائغة للعدو.
إنَّ ما تحقّـق على الساحل طوال العامين الماضيين تم بالخيانة العفاشية وبواسطة قُــوَّاتهم المندسة في قلب قُــوَّات الجيش والأنصار، ووصلت إلى حيس والخوخة والمخاء على رأس قُــوَّاتِ العُـدْوَان.
ومعنى هذا أن العُـدْوَانَ لا يملكُ تلك القوى التي حقّـق بها ما حقّـقه في ميدان المعركة، فما حقّـقه لا ينتجُ عن توازن قُــوَّاته على الأرض وإنما على ما استطاع من خيانة وخداع تمت تصفية بؤرته الرئيسية في ديسمبر 17م وهو في حالة تراجع الآن في المخاء وحيس والخوخة تحت وطأة الهجمات اليمنية المتواصلة.
انكساراتُ العدوّ الأخيرة
أبرز الضربات الكبرى التي تلقاها العدوّ خلال الأسابيع الأخيرة كانت:
- الهجوم الجوي المسيّر على قاعدة الدفاع الصاروخية في المخاء أواخر يناير الماضي.
- كان الهجوم الكبير الثاني هو الهجوم الجوي المسيَّر والإغارة الحربية على معسكر الخائن طارق عفاش وقُــوَّاته التي نقلت إلى المخاء، حيث تم تدمير آلياته ومدرعاته نتيجة الضربات الصاروخية المباغتة.
- تطويق المرتزِقة في الخوخة وحيس من الشمال والشرق، وتتواصل ضربات الجيش والأنصار وسيطرتهم على ست قرى شمال حيس قرب الجراحي مؤخراً.
- مهاجمةُ القُــوَّات الجوية الصاروخية الأسبوع الفائت لقواعد الدفاع الصاروخي الجديدة الإماراتية في المخاء.
- إسقاطُ طائرة التجسس الأمريكية الجديدة في سماء الحُدَيْــدَة (MQ9).
- كسر زحف المرتزِقة على مفرق المخاء – موزع والهجوم المضاد للجيش اليمني وإنزال هزيمة مدوية بهم طحنت المئات بين قتيل وجريح ومفقود بحسب اعترافات العدوّ.
المرتزِقةُ الجددُ كوقود لمحرقة موزع ومفرق المخاء
لقد نقلت الإماراتُ قُــوَّاتِ طارق عفاش من بير أحمد في عدن إلى المخاء، تم تجميعُها بعد ديسمبر وقبله، وتموضعت حول المخاء؛ استعداداً لشن الهجوم نحو مفرق المخاء موزع بهدف الالتفاف على قُــوَّات الجيش اليمني فوق جبال العمري والوازعية وكهبوب جنوباً وعزلها عن قواعدها وتموينها شمالاً وشرقاً؛ لتثبيتها في مواقعها خوفاً من قيامها –انطلاقاً من تمركزاتها الجبلية- بانقضاضات وهجمات صاعقة على مؤخرات العدوّ وجنباته خلال تقدمه للأمام وأيضاً لتأمين الطريق البري للعدو وخط تموينه القادم من المندب.
كما يهدفُ العدوُّ لتكوين قاعدة للهجوم على ساحل الحُدَيْــدَة عبر السيطرة على المرتفعات شمال شرق المخاء لتأمين رؤوس جسور الانزالات البحرية على المخاء وبقية المناطق الساحلية استعداداً للتقدم تجاه الحُدَيْــدَة، ومحاولة اختراق الهضبة الجبلية الموازية للطريق الرئيس البري على الساحل الغربي جنوبي الحُدَيْــدَة.
ومن جانب آخر، فإنَّ الهجماتِ على المفرق والوازعية، هي تهدفُ كذلك لخنق التقدمات اليمنية في جنوب تعز والحجرية التي تخنق طرق إمدادات العدوّ وارتباطه بمدينة تعز وتهدد تموضعه في باب المندب وإمداده القادم من عدن.
وكالعادة، في ظلِّ المحارق التي تغرق فيها قُــوَّاتهم، تتفجر الاتهامات المتبادلة بين أطراق المرتزِقة بالخيانة والفرار وتسريب المعلومات.. فكل انتصار يمني يفجّرُ النزاعات البينية في مربع العُـدْوَان.
تحدّياتٌ أمام العُـدْوَان
إنَّ مصاعبَ كؤودة ما زالت تقف أمام التقدم العُـدْوَاني باتجاه الحُدَيْــدَة، ومنها:
-العدد – انخفاض المعنويات – التكتيكات التقليدية – التدريب والتنظيم غير الملائم للحرب في ظروف اليمن.
إنَّ استنزاف العديد العُـدْوَاني طيلة الثلاث سنوات المنصرمة قد ترك ثغر ات لا يمكن للعدو سدها باستقدام مرتزِقة جدد، فقد شمل جميع الجبهات بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وصفوف طويلة من القادة بينها.. وهو لا يمكنه حشد أعداد هجومية كبيرة في معارك على الأرض لفترات طويلة، وكل من يحشدهم يتعرضون لضربات لا تتوقف. ومن خبرات القتال الساحلي على جبهة ميدي، فقد طور اليمنيون تكتيكات حروب خَاصَّـة لا تخطر على بال العدوّ وقياداته، وكان دوماً يصطدم بكمائن الجيش اليمني أينما اتجه، وهي صورة مصغرة عما ينتظر العدوّ القادم من مخاطر وكمائن.
إن أعدادَ المرتزِقة العُـدْوَانيين تتراجَعُ ولا تزيد الآن من حيث جوهرها، ومن حيث نوعيتها القتالية برغم الأعداد الجديدة المستقدمة من أوغندا والكونجو برازفيل ودارفور…، وهؤلاء هم الان في أدنى معنوياتهم بعد أن رأوا بأم أعينهم مصير آلاف السودانيين الأَكْثَـر شراسه في القتال أمام المقاتل اليمني، وكيف نهشت جثثهم المتروكة لكلاب وذئاب البوادي والصحراء في ميدي والساحل.
وهؤلاء المرتزِقة، هم قادمون من أدغال أفريقيا الاستوائية المائية الرطبة المطرية الغاباتية، وأجسادهم لا تتحمل العيش في بلادنا الجافة الصحراوية والجبلية وأبدانهم الدهنية المكدسة بالشحوم، ذو العقول الميتة المتبلدة. وذلك لا يسمح لهم أن يبلوا بلاءً حسناً في حروب يكون اليمنيون طرفها الآخر، أصحاب الأبدان القوية المرنة قليلة الطلب شديدة الغضب طويلة الصبر والتحمل وهمتها عالية وإيمانها عميق وصلب ترى المعركة شرفا ومصيرا، تحارب بقوتها وعقلها وإيمانها وضميرها.. وهذه عناصر يفقدها المرتزِقة ولا يمكن للآلات معاوضتها.
- استراتيجية العدوّ وتكتيكاته.. كيف يفكر العدو؟
وفقاً للقدرات المتوفرة لدى العُـدْوَان الآن من الناحية العددية، هناك عدة آلاف من المرتزِقة في البحر، على سفن العُـدْوَان وفي قواعده في الشاطئ الآخر الأفريقي، سيكون حوالي ثلثهم جاهزاً للمشاركة في الهجوم والمعركة، مدعومين بسلاح ثقيل مدرع وَخفيف ومدافع متحركة ورشاشات وهاونات ثقيلة وطواقم وعربات وقُــوَّات خَاصَّـة وبوارج ومدمرات بحرية تقصف من بعد.
ويستند هذا إلى أسطول كبير من الطائرات المتنوعة للعدو – سعودية إماراتية أمريكية بريطانية إسرائيلية مصرية أردنية تركية…
إن ذلك نستشفه، من أن هناك ضرورات للعدو في تكثيف النيران والآليات، أهمها أنه يحاول تعويض العديد والمعنويات في صفوفه. وهذا أمر معتاد لدى العدوّ.
كيف نتصور هجوم العدو؟
هناك عدة أشكال محتملة للهجوم العُـدْوَاني على ضوء الخبرة المتكدسة لديه، ولذلك يمكن أن نفترض أن العدوّ لا يمكنه الاعتماد على قُــوَّات المرتزِقة البريين بشكل رئيسي في الظروف الراهنة حيث يأتي دورهم تالياً بعد القُــوَّة الجوية والخَاصَّـة، أي بعد سلاح الطيران والمروحيات الهجومية الإبرارية والحربية، وهذه القُــوَّة تشترط لإعطائها القيمة اللازمة أن تتلاءمَ مع حركة القُــوَّات البرية التي تسير على الأرض وتسانده على الحركة وتستلم منها المواقع التي يتم تدميرها من الجو أَوْ يتم السيطرة عليها إبراراً، ووحدَها لا تستطيع السيطرة على ما هو أَكْثَـر من جسر أَوْ مطار أَوْ قمة جبل أَوْ مرصد مرتفع أَوْ شبكة رادارات أَوْ قاعدة صغيرة للتموين أَوْ حتى مثلث طريق، أَوْ الانقضاض عل موقع وتدميره من الجو أَوْ السيطرة على الحركة في الطرق الرئيسية بين المناطق…
مفاتيح الحركة الهجومية التي يحتاجها العُـدْوَان قبل العملية
- حماية رؤوس الجسور وقواعد الإنزال، والسيطرة الجوية المطلقة في مواجهة تطور الصواريخ الدفاعية الجوية اليمنية التي تقلب المعادلات الاستراتيجية على الأرض، كما يتوهم العدوّ.
- تأمين المناطق الخلفية على الساحل بين المخاء والحُدَيْــدَة.
- توسيع المجال الآمن بين البحر والمرتفعات الجبلية للجيش اليمني بطول الساحل الغربي وبعرض كافٍ يبعد مدى المدافع والصواريخ الموجهة من المرتفعات على البحر والشاطئ ويجنب السفن والبوارج الضربات.
- تجنُّب الكمائن المنتشرة على الساحل، وقبل ذلك معرفة خريطة انتشارها.
- تأمين الطريقين البريين من المندب إلى الحالي شرق الحديدة.
- تأمين قواعد الصواريخ المضادة للصواريخ التي تستهدف البوارج والزوارق والقُــوَّات العُـدْوَانية الغازية وقواعدها وتستهدف الأساطيل البحرية في عرض البحر الأحمر وخليج عدن.
- تداعيات اغتيال الرئيس الصماد
في الوقتِ الذي كان يزعُمُ العُـدْوَانُ الأمريكي السعودي أن نجاح عملية اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد سيحقّـق له نتائجَ إيجابية على مستوى معركة الساحل الغربي والمعركة العسكريَّـة ككل وكذلك المعركة السياسية، إلا أن النتائج كانت مخيبةً بالنسبة لقوى العُـدْوَان.
ووفقاً لخطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي عقب تشييع جنازة الرئيس الشهيد ورفاقه فإنَّ استشهادَ الرئيس أعطى دفعة أُخْـرَى للمعركة لصالح الجيش واللجان وصفها قائد الثورة بأنها أعادت الزخم الشعبي إلى مرحلة تشبه مرحلة بدء العُـدْوَان الأمريكي السعودي على اليمن.
كما أن الهزائم والخسائر التي مني بها العُـدْوَانُ ومرتزِقتُه والتي تحدثنا عنها في البداية مثلت رسالةً قويةً من قبل قُــوَّات الجيش واللجان الشعبية لقوى العُـدْوَان وواشنطن على وجه التحديد بأن ثمة جحيماً ينتظر الغزاة والمرتزِقة على امتداد ساحل اليمن الغربي.