الضمير الميت
حسن الوريث
كنتُ شخصياً أتمنى من الصحفي محمد عايش الذي كان في يوم من الأيَّـام لامعاً أن يظلَّ في لمعانه وسطوعه ومدافعاً عن بلده الذي يتعرَّضُ لأبشع عدوان في التأريخ الحديث وأن يبقى إلى جانب شعبه الذي تكالبت عليه الأعداء واجتمعوا عليه يقتلونه ويحاصرونه ويدمّـرون مقدراته.
وكنتُ أظن وكما يقال فإن بعض الظن إثم أنَّ محمد عايش لن يتخلى عن بلده وشعبه ولن يلطخ يدَه وقلمَه بدماء أبناء بلده، لكنني ظننتُ ظناً وخاب ظني فإذا ذلك القلم الذي كان شجاعاً يتخلى عن شجاعته وليس هذا وحسب بل إنه باع نفسه للعدو الذي يعرفه جيداً بانه لا يريد الخير لليمن وشعبه نعم باع نفسه لهذا العدو، وأَصْبَـح في صفه رغم معرفته التامة بأنه -أي العدو السعودي- لا يمتلك شيئاً من الأَخْـلَاق والقيم، وأنه يعيث في اليمن الفساد ويرتكب أبشع الجرائم.
وكنتُ أظن وخاب ظني أن أولَ منشور لمحمد عايش بعد ذلك الصمت الذي استمر أَكْثَـرَ من خمسة أشهر سيكون إدانَة جريمة العدوان في بني قيس بحجّـة والتي راح ضحيتها أَكْثَـر من مائة مواطن بين شهيد وجريح كانوا في حفل زفاف وربما كانت جريمة اغتيال العدوان للرئيس الصمَّـاد في اعتقادي هي التي ستجعل محمد عايش يعود من جديد للكتابة لكن لا هذا ولا ذاك؛ لأنَّه فضل أن يبيعَ نفسَه وقلمه بأبخس الأثمان لذلك العدو الهمجي القاتل لبلده وشعبه وذهب بعيداً عن كُلّ شيء.
ذلك المنشورُ الأخرقُ الذي نشره عايش وصفق له العدوان ومرتزِقته سواءٌ أكان حقيقياً أَوْ وهمياً اخترعه من بنات أفكاره التي بدأت تتغذى بالمال السعودي الإماراتي لم يكن موفقاً، فهل نسي محمد عايش عشرات الآلاف من البشر الذين قتلتهم السعودية والإمارات ودولُ العدوان في عدوانهم على اليمن؟! وهل أَصْبَـح كُلّ ذلك الدم حلالاً؛ ليتذكر حادثة وإنْ صحت فإنها وملابساتها لا تساوي شيئاً أمامَ كُلّ تلك الجرائم والمجازر التي يرتكبها العدوان في بلدنا كُلّ يوم بل كُلّ لحظة ولا تساوي ما أحدثه العدوان من دمار شامل في كُلّ أرجاء البلاد من أقصاه إلى أقصاه، وليست هذه الحادثة الفردية لو صحت ببشاعة وهمجية القتل اليومي والحصار الذي يتعرض له أَكْثَـر من 25 مليون يمني دون أي مبرر لا من الدين ولا من الأَخْـلَاق ولا من الإنْسَانية.
لم يكن محمد عايش موفقاً حين خرج من بلده وانضم إلى قائمة العار التي سيلاحق كُلّ من فيها الخزي والندامة؛ لأنَّهم باعوا بلدهم بأبخس الأثمان، إذ لا تساوي كُلّ أموال الدنيا أن يبيعَ الإنْسَانُ بلدَه وشعبَه، فمن حقك أن تختلفَ أنت وأنصار الله أَوْ أنت والمؤتمر والإصْلَاح والاشتراكي أَوْ مع أي مكون من المكونات، لكن لا يجب أن يدفعك هذا الاختلاف إلى البيع والشراء في بلدك وشعبك وأن تنحازَ إلى قاتل ومجرمٍ أمعن في تدمير وطنك وقتل شعبك وتنسى تأريخك وتتخلى عن مبادئك.
نصيحتي لمحمد عايش إذا كان ما زال في ضميره بعضٌ من الروح والحياة أن يعتذرَ لشعبه الذي يُقتَلُ بدم بارد ولوطنه الذي يستباحُ منذ سنوات بشكل لم يسبقْ له مثيلٌ وأن يرميَ كُلَّ تلك الأموال التي حصل عليها أَوْ التي وعد بها؛ لأنَّها كما قلتُ لا تساوي دم مواطن يمني واحد قتلته السعودية في عدوانها على اليمن وأن يعود إلى بلده ويختلف مع من يشاء اختلاف الأبطال ويتحدث كما كان يتحدث، إذ كان الناس وانا منهم نحترم قلمه وشجاعته ولم يتعرض لأي شيء من أحد بل كان كلامه مسموع من الجميع وعليه أن يعود إلى رشده لعله كتب ذلك المنشور وهو في غير وعيه وفي غير ادراك منه ما لم فإنه سيكون حكم على نفسه بأن يظلَّ العارُ يلاحقُه طوال حياته ولن يمحوه أي شيء؛ لأنَّه على حساب دماء الأبرياء وسنقول بانه عايش لكن ضميره مات وانتهى ويا لها من نهاية مخزية ومحزنة لأي إنْسَان أن يتحول من صف الحق إلى صف الباطل ومن صف شعبه ووطنه إلى صفّ العدوان والخيانة ويصبح شخصاً يبيع ويشتري في وطنه وشعبه.