وقفةٌ مع برنامج رجال الله.. سورة آل عمران – الدرس الثالث – (ولْتَكُنْ مِنْكُم أمَّة)
تدجين أمريكا وإسرائيل للعرب والمسلمين
الحلقة الثالثة
المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين
إنّ المسارَعةَ الحثيثةَ من قبل زعامات العرب والمسلمين نحو أمريكا وإسرائيل والغرب، ومحاولة تبرير ذلك بمبررات دينية كالوسطية والاعتدال، هو أحد الشواهد الكبرى على حالة الارتداد التي وصلت إليها هذه الأمة في واقعها، حتى وإن بدت بعضُ شكليات الدين من خلال جمعيات تحفيظ القرآن، ومساجد بالآلاف، وخطباء ودعاة بالجملة؛ فهذه الشكليات وإنْ كانت هي الغالبة على المظهر العام للمسلمين؛ إلا أنها لا تشكل أيّة خطورة على المشروع الأمريكي الذي تغلغل في عمق المجتمع العربي والإسلامي، واستطاع أن يُسخر ويُجنّد المنطقة أرضًا وإنسانًا وخيراتٍ لصالح مشروعه الإرهابي والدموي في العالم الإسلامي.
وقد تحدث الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) عن أهميّة إصلاح الوضع الداخلي للأمة قبل التفكير في مواجهة أئمة الكفر من اليهود والنصارى؛ حتى يتمكن المجتمع المسلم من أن يكون بمستوى المواجهة عسكريًا واقتصاديًا، ويحقق الاكتفاء الذاتي في كافة مجالات الحياة، ولا يظل عالة على الغرب وأمريكا..
أما إذا ظل العرب والمسلمون بعيدين عن تأهيل أنفسهم من خلال بناء أمة موحدة في البناء والمنهج والرؤى فإنّ البديل هو التحول إلى أدوات للصهاينة والأمريكان، وهذا هو حال عالمنا العربي اليوم؛ ألم تتحول تلك الدول التي تدعي التمسك بالإسلام إلى جنود لأمريكا؟؟ ألم يتحول خطباؤها ودعاتُها ومفتوها إلى منظرين لـ”لإسلام الأمريكي”؟! ألم تتحول دول “الخليج العربي” إلى قواعد عسكرية أمريكية؟!.
من دهاء اليهود أنّ خيراتِ المسلمين أصبحت في خدمة أمريكا وإسرائيل:
يشيرُ الشهيدُ القائدُ إلى بعض الشواهد التي تؤيد الحالة الخطيرة التي وصلت إليها الأمة الإسلامية نتيجة لبعدها عن الرؤية القرآنية لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي تحدثنا عنه في العناوين السابقة.. ومن هذه الشواهد هو تحول خيرات العالم العربي والإسلامي لتصبح في خدمة أمريكا وإسرائيل..!! وهذا من أغرب ما يمكن أن يتصوره عاقل. فبدلاً عن أن يتحول البترول الذي تزخر به المنطقة العربية إلى وسيلة ضغط على أمريكا والغرب حتى يكفوا عن دعمهم لإسرائيل، انقلبت المعادلة وأصبح [النفط والغاز الخليجي] في خدمة المشروع الأمريكي في المنطقة، بل وتحولت كل تلك الخيرات إلى قرابين في معبد البيت الأبيض..!!.
ومن الشواهد الحية أيضًا ما تقوم به دويلة قطر من تدمير لسوريا من خلال تمويل الجماعات التكفيرية خدمة لإسرائيل وسعيًا لتصفية محور الممانعة في المنطقة، وما تقوم به أيضًا المملكة السعودية من تسخيرٍ [للبترودولار] لتدمير اليمن ومحاولة القضاء على ثورة الشعب اليمني بعد أن تم وأد المشروع الأمريكي في مهده.. ولولا الغاز القطري، ولولا النفط السعودي هل كانت أمريكا وإسرائيل ستتمكن من احتلال العراق وتدميره؟؟ وهل كانت أمريكا ستتمكن من تدمير سوريا وليبيا؟؟ ولولا النفط السعودي وصفقات الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي يتم شراؤها بالمال السعودي هل كانت أمريكا وإسرائيل ستتمكن من المشاركة في العدوان على اليمن، واحتلال المحافظات الجنوبية؟؟ هذه تساؤلات مهمة تبين حجم الانحطاط الذي وصل إليه [أعراب الخليج] نتيجة للبعد عن القرآن وقيم الإسلام، والذي جعلهم يتحولون إلى خدامٍ وأدوات للمشروع الأمريكي في المنطقة.. ومما قاله الشهيد القائد:
((البترول في الأرض يصبح لا يمثل ما يمكن أن يمثله من آلة ضغط عليهم، هذه الخيرات المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية كذلك لم تعد تمثل وسيلة للضغط على دول الغرب: اليهود والنصارى، هذه الأسلحة المتطورة التي يمتلكها هذا الشعب وهذه الدولة وهذه الدولة وتلك الدولة هي أصبحت قطعاً متجمدة لا معنى لها لا قيمة لها، بل ستصبح قطعاً تتحرك بفاعلية في خدمة أمريكا وإسرائيل لضرب الشعوب نفسها! أليس هذا من الدهاء اليهودي؟. أليس هذا من الخبث اليهودي الشديد؟)).
الأسلحة والجيوش العربية تحركت لخدمة إسرائيل في مواجهة الثورة الإيرانية:
ويستدلُّ الشهيدُ القائدُ على [الحالة المخزية] التي وصل إليها العرب قادة وجيوشًا وشعوبًا؛ بما حصل من “تكتل عربي” في مواجهة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) وفي مواجهة الثورة الإسلامية الإيرانية التي لم تكن تشكل أيّ خطورة إلا على العرب؛ بل كانت هذه الثورة ولا تزال من أهم نقاط القوة لو استطاع زعماء العرب استثمارها في مواجهة الوجود الإسرائيلي والمشروع الأمريكي..
فالتأريخُ قد وثق ذلك التكالب العربي المشبوه والمخزي في مواجهة الإمام الخميني وثورته المباركة؛ وكان عنوان تلك الحشود العربية الضخمة والهائلة هو الدفاع عن العروبة تجاه الخطر المجوسي والفارسي..!! وليت شعري؛ أين كان الخطر المجوسي والفارسي في مرحلة حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي؟؟! ولكنها عناوين حاول من خلالها الزعماء العرب إثارة عاطفة الشعوب العربية تارة من زاوية عرقية، وتارةً من زاوية مذهبية مقيتة.
ولكن نستطيع القول إن معظم الجيوش العربية التي شاركت في الحرب العالمية على الإمام الخميني (رضوان الله عليه) لم تسلم لا جيوشها ولا حكوماتها ولا زعماؤها، وكان العراق وصدام حسين أول من ذاق وبال تلك الحرب الظالمة، فلم ينفعه ما قدم من خدمات لأمريكا وإسرائيل عندما أعلن شنّ الحرب على جمهورية إيران الإسلامية، وفتح سواحل العراق وأراضيها للبوارج الأمريكية والبريطانية والروسية للمشاركة في محاولة وأد تلك الثورة المباركة، والتي لم يجنِ منها العرب إلا الدمار والخراب بدءً بنظام صدام، وصولاً إلى بقية الأنظمة العربية التي جاء الدور عليها، ولا زالت تبعات وارتدادات تلك الحرب تتوالى حتى اليوم.. ومما قاله الشهيد القائد في ذلك:
((وفعلاً كم وجدنا أن الأسلحة العربية والجيوش العربية تحركت لخدمة إسرائيل وأمريكا – سواءً من حيث تشعر أو لا تشعر – عندما تحركت جميعاً في مواجهة [الثورة الإسلامية] في إيران ومواجهة [الإمام الخميني]، الذي برز كأعظم قائد يحمل أفضل نظرة منبثقة من القرآن الكريم في مواجهة اليهود والنصارى، تتحرك جيوش من مختلف الدول العربية، وقطع عسكرية من مختلف دول العالم، قطع أسلحة تتحرك في مواجهة هذه الدولة المسلمة وهذه الثورة الإسلامية! فتكون النتيجة في الأخير هي أنهم حموا إسرائيل من أخطر جهة كان يمكن أن تواجهها في هذا العصر، كان يمكن أن تقضي عليها فعلاً، كان يمكن أن تقضي على إسرائيل.
وكان [الإمام الخميني] رحمة الله عليه يرفع شعار: (أن إسرائيل غُدّة سرطانية يجب أن تُسْتَأصَل)، وكان فعلاً جاداً في أن يستأصل هذه الغُدّة، لكن العرب الذين يصرخون الآن من إسرائيل، العرب الذين تحولوا إلى جنود لإسرائيل هم الذين وقفوا في وجه ذلك القائد العظيم، وذلك الشعب العظيم، والثورة العظيمة؛ لتقف إسرائيل محميّة دون أن تخسر شيئاً)).
اليهود يعرفون كيف يحركون العربَ لخدمتهم تحت عناوين أخرى:
إنّ العناوين والشعارات المتعلقة بتحرير فلسطين والتي كان يرفعها زعماء العرب أصبحت في خبر كان، وبدلاً من تحرير فلسطين، ها هم اليوم يعلنون ما يسمى بحق إسرائيل في الوجود!! وآخرها ما صرَّح به [ولي العُهر السعودي] محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لواشنطن في أبريل 2018م والذي تداولته كافة الصحف الغربية والصهيونية؛ عندما قال: “أعتقد أن كل شعب، في كل مكان، له الحق العيش على أرضه بسلام.. وأؤمن بأن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في أرضهم”!!!.
لذلك يؤكد الشهيدُ القائد أن اليهود استطاعوا أن يحركوا العربَ شعوبًا وزعماء لخدمتهم تحت عناوين أخرى.. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):
(([لاحظ العرب] كانوا يقولون: لا بد من تحرير فلسطين حتى آخر ذرة من تراب أرض فلسطين؟ أصبحت المسألة بالعكس سيخدمون إسرائيل حتى آخر ذرة، وآخر جندي من أبناء أوطانهم، لكن تحت عناوين أخرى، اليهود هم يعرفون كيف يرسمونها، وكيف يشغّلون الأمة ويشغّلون الشباب في التحرك تحتها)).
أهمية تصحيح الوضع الداخلي للأمة:
إنّ واقع الأمة اليوم، وما ذكرناه من شواهد للحالة المخزية التي وصلت إليها، يحتم على النخب الثقافية داخل العالم الإسلامي أن يدركوا أهمية تصحيح الوضع الداخلي؛ وينطلقوا في إطار [الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] بمفهومه الواسع.. ومما قاله الشهيد القائد في ذلك:
((إذاً فإذا غاب العمل على تصحيح الوضع من الداخل تحت العمل في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تقف الأمة على قدميها أبداً, أبداً مهما امتلكت من أسلحة في مواجهة اليهود والنصارى؛ لأن هذا الأمر أتى في إطار وضع الخطة الحكيمة, الخطة المستمرة التي تؤهل الأمة لمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى، سواء في حماية أنفسهم منهم كي لا يتحولوا إلى كافرين مرتدين بعد إيمانهم أوفي رفع ظلمهم عنهم، وفي قطع أيديهم عن بلدانهم، لا بد من تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير)).
ضرورة إصلاح المجتمع من الداخل سنةٌ إلهية:
وإصلاح المجتمع يبدأ بتغيير النفوس من الداخل، وهي [سنة إلهية] كما يقول الشهيدُ القائد (رضوان الله عليه). ولا يتأتى هذا الإصلاح إلا وفق ما قدمه الله سبحانه وتعالى.. ومما قاله السيد حسين في ذلك:
((توجيهات تؤكد لنا ضرورة إصلاح المجتمع من الداخل وهذا ما يؤكد السنة الإلهية بأن الله سبحانه وتعالى كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11) وبهذا نعرف نحن كيف نرد على أولئك الذين يقولون: [ماذا سنعمل نحن بإسرائيل وأمريكا، عندها قوة جبارة وعندها وعندها ونحن ماذا سنعمل ضدهم]؟)).
لا يوجد مستحيل فيما هدى الله ولا في واقع الحياة:
ولمن يرون أنّ مواجهة أمريكا وإسرائيل هي من المستحيلات، ويعيشون نفسية مهزومة، ويائسة، وضالة؛ يقول لهم الشهيدُ القائد:
((نقول: اعمل على هذا النحو، ابدأ تحرك بشكل أن تبنى أمة تكون مؤهلة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متوحدة، معتصمة بحبل الله جميعاً، وسيحصل كل شيء مما تراه مستحيلاً سيحصل، المستحيل هو في نفسك أنت وليس في واقع الحياة، وليس فيما هدى الله إليه، أنت في نفسك التي لا تثق بالله، في نفسك العاجزة، في نفسك المهزومة، في نفسك الضالة التي لا تعرف كيف تعمل، هناك المستحيل، أما فيما يهدي الله إليه، أما في واقع الحياة، أما في السنن الإلهية، أما في السنن الكونية فليس هناك شيء مستحيل، إذا ما سرت على ما هداك الله إليه فسيصبح ما بدا أمامك مستحيلاً يصبح يسيراً وسهلاً)).