الحرب حرب إسرائيل وأمريكا وكفانا بلادة سياسية
الدكتور إسماعيل محمد المحاقري
في مصرَ عندما كنت أقصد محلَّ الخضروات وأطلب من صاحب المحل “كبزرة” كان يرد علي أنه لا يوجد المطلوبُ لديه، فأشير بإصبعي إلى المطلوب فيرد عليّ بقوله هذه “كزبرة”, مع أن الفرقَ بين تسميتي وتسميته هو أني أقدم حرف الـ “ب” على حرف الـ “ز” وهكذا بالنسبة لكثير من المسميات، أي فرق في التسمية حتى لوكان الفرق في مخارج الحرف؛ ولهذا كنا نقولُ عليهم بأنهم مصابون ببلادة لُغوية، والمناسبة في ذكر هذا أن البعضَ منا يعاني من بلادة سياسية فهو يصدّق كُـلّ ما يسمعه وخُصُـوْصاً عندما يأتي الخبرُ من مؤسّسة إعْـلَامية كبيرة، غير مدرك أن السياسة هي بمثابة فن الكذب وأننا لكي نصلَ إلى الحقيقة أن نقرأ ما وراء الخبر والموضوع الذي سنتكلمُ عنه هو تحديد حرب من تكون هذه الحرب ولخدمة من
فبينما كان العدوّان السعوديّ والإماراتي يبرران حربهما على اليمن أنه لدواعي حماية الأمن الوطني والإقليمي من التهديدات الإيرانية عبر تحالف هذه الأخيرة ودعمها لجماعة أنواع الله -حسب زعمهم- بالإضَافَة إلى حُجّة الانقلاب وعودة الشرعية.
ولكن في ضوء المسارات التي أخذتها الحرب وكشفها لكثير من الحقائق التي تستبعد تماماً صحة تلك المزاعم.. اتجه بسطاء التفكير من الموطنين إلى إعطاء الحرب تفسيرات أُخْـرَى منها أنها جاءت نتيجةَ حقد دفين عند هذه الدويلات على اليمن لتفوقه عليها باتصاله بتأريخ عريق وبالقيم العربية الأصيلة ولما يتمتع به اليمنيون من عزة وكرامة ومكنات ذهنية واقتصادية تتيح له إمْـكَانية النهوض والتحرر من ربقة التبعية.
ونتيجة لأطماع اقتصادية مع إحساس بشعور العظمة جعلهما يعتقدان أن بمقدورهما صناعةَ امبراطورية على أراضي اليمن من خلال استعراضهما لقفزات بهلوانية خادعة.
والحقيقة أن الأسبابَ الأَكْثَـرَ وضوحاً هي أن هاتين الدولتين ينوبان عن أمريكا وإسرائيل في خوض هذه الحرب، فهي حرب من أجل إسرائيل ولحماية المصالح الأمريكية من الصحوة التي تفجرت عند كثيرٍ من الشرفاء في المنطقة وبروز قيادات قادرة على تحريك الشعوب ضد هيمنة قوى الطغيان والجبروت أمريكا وإسرائيل.
وليس من المستغرَبِ أن تخوضَ هذه الدويلات الحرب بدلاً عنهما؛ لأنَّ قوى الطغيان تلك يتعاملان معهما كولايات تابعة لهما فهما صنيعتهما ويتوليان حمايتها وقد اقتضت مصلحتهما أن تبدو الحروب التي يشعلانها في المنطقة حروباً عربية عربية، وأن تحمل هذه الدويلات عنها التبعات الاقتصادية والبشرية وَالأَخْـلَاقية والقانونية والسياسية للحرب، كما فعلت في سوريا والعراق ولبيا، وخُصُـوْصاً أن أمريكا تعرف مخاطرَ دخولها المباشر في حرب مع المنيين المتشوقين لمواجهتها.
والآن تعالوا نعرِّضْ لعدد من الشواهد المؤكّـدة لما ذهبنا إليه:
* من ذلك إعلان الحرب من واشنطن، بالتزامن مع التحَـرّك الإسرائيلي والأمريكي النشطين بخصوص تصفية القضية الفلسطينية وتسخين جبهة المواجهة مع إيران.
* استمرار تصدير الأسلحة بكل أنواعها بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً ودون أية شروط في تحدي صارخ لكل النداءات التي تطلقها الأصوات الحرة والمنظّـمات الإنْسَانية والحقوقية في العالم.
وَلقد تعلمنا -حسب الأحداث المتعاقبة في العالم- أن مثل هذا الصلف لا يحدث إلّا عندما تكون الحرب هي حرب من أجل المصالح الإسرائيلية أَوْ الأمريكية.
* ومن مظاهر كون الحرب هي حرب إسرائيل فظاعة ما ترتكبه هذه الأدواتُ من جرائمَ غير مسبوقة وبدون أدنى خوف أَوْ وَجَلٍ من التبعات القانونية، بل ومع ثقة كبيرة أن جميع المنظّـمات الأُمَـمية بما فيها مجلسا حقوق الإنْسَان والأمن لن تحَـرّك ساكناً، بل هي من ستتولى الشرعنة والتغطية لهذه الانتهاكات، ومثل هذا أَيْـضاً لا يحدث بهذه الصورة إلّا عندما تتواجد السطوة والنفوذ الأمريكيين والإسرائيليين، وهما في العادة لا يتواجدان إلّا لخدمة قضاياهما الاستراتيجية.
* والمتابِعُ لطبيعة تلك الجرائم المرتكبة في حق الشعب اليمن سيجدُ أنها تستهدفُ كُـلّ مقومات الحياة وتهدف إلى كسر إرادتنا وامتهان كرامتنا مما ينذر على -فرض نجاحهم- بكارثة إنْسَانية وانفجار سكاني كبير ستكون هذه الدويلات هي أول من يلحقها آثاره المدمّـرة بفعل الجوار، أي أنه سيكون له آثار كارثية على أمن واستقرار هذه الدويلات، وبالتالي لن يحقّقَ عند حصوله سوى أَهْـدَافِ وتطلعات العدوّ الصهيوني، وهذا دليل إضافي أن هذه الحرب لا يمكن أن تكون إلّا حرب إسرائيل وأمريكا.
* وإذا مددنا بصرنا إلى أبعد من ذلك فإننا سنجد ما هو أَكْثَـر دلالةً على ما نسعى إلى إثباته بأن هذه الحرب هي حرب إسرائيل وليست حربَ السعوديّة والإمارات، وذلك في ضوءِ الممارسات التي تقوم بها هذه الدويلات في المناطق الجنوبية وفي الساحل الغربي كقيامها بالسيطرة على مضيق باب المندب وميناء المخاء وعمل قاعدة عسكرية في جزيرة ميون واحتلالها السافر لجزيرة سُقطرى رغم بُعدها عن مواقع المواجهة بأَكْثَـر من ألف كيلومتر إلى غير ذلك من التصرفات التي تقومُ بها الإمارات في حضرموت والمكلا والمهرة، أنها جميعها لا تشير إلّا إلى أَهْـدَاف إسرائيل ومصالحها في البحر الأحمر والعربي، وخُصُـوْصاً إذَا ما تم الربط بين ما تقوم به الإمارات وإعلان إسرائيل حفر قناة “بن جريون” التي لن يكون لها أية قيمة إلا مع تأمين الممرات البحرية في البحر الأحمر.
وكذلك الربط بين ما يقوم به النظام السعوديّ وبين التحولات الجذرية في أيديولوجيته السياسية والفكرية والثقافية وتبديل هويته نحو العولمة “الأمركة”.
وكذلك التحول في مواقفه من القضية الفلسطينية وما طرأ من تطوّرات في العلاقات السعوديّة الإسرائيلية.
* ومن ناحية ثانية رأينا أن من يشرف على غرفة عمليات الحرب ويمثل المصدر الوحيد للمعلومات والتعليمات المتعلقة بكل شئون الحرب هي أمريكا وبريطانيا، كما أن مشاركتَهم اللوجستية في الحرب غير خافية على أحد، وقد سمعنا تصريحات البنتاجون بالمشاركة الفعلية لبلاده بجنود ومستشارين عسكريين أسماهم بأصحاب “القبعات الخُضر”.
ورأينا كيف أن إعْـلَام أمريكا وإعْـلَام أَكْثَـرية دول العالم الآربية والعربية يعمل بتناغم مخيف في تضليل الرأي العام العالمي، وقد تجاوز كُـلّ المحددات المسموح بها في ممارسة الكذب والخداع الإعْـلَامي وتجاوز كُـلّ القواعد المهنية والتي تُجازي مَن يتنكّرُ لها بعقوباتٍ قاسيةٍ كأن تفقد المؤسّسة الإعْـلَامية مقوماتِ وجودها بخسارتها للمصداقية فيما تقوله أَوْ تقوم بنشره.
ومن المعتاد حسب المعطيات التأريخية أن الإعْـلَامَ لا يلجأ إلى هذا الأسلوب المبالَغِ فيه من الكذب إلّا عندما يكون خاضِعاً لسطوَة أمريكا وإسرائيل وأن يكون الأمر متعلقاً بمصالحهما الاستراتيجية، وهذا ما تابعناه في حرب العراق ويوغسلافيا وبشأن شيطنة طالبان وحزب الله وإيران وسوريا والسودان قبل أن تعودَ هذه الأخيرة إلى بيتِ الطاعة.