نص.. السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في المحاضرة الرَّمْضَـانَية الثانية: الإنْسَـانُ المسلمُ أول حساباته وأَكْبَـرها تجاه تصرفاته وأعماله يحسب حسابَ الله أن يتجنب من الأعمال والأفعال والأقوال والتصرفات ما يسبب له سخط الله وعقابه ومقته
نَصُّ المحاضرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ، شَعْبَـنَا اليمني المسلم العزيز.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
أهميّةُ التقوى
حديثُنا في هذا اليوم هُوَ امتدادٌ لحديثنا بالأمس عن التقوى وعن أهميَّتِها وعن أهمّ العوامل المساعدة عليها، فاللهُ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى حينما جعل التقوى هدفا أَسَـاسيا ورئيسيا في عملية الصيام لقوله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، التقوى بما يترتب عليها من خير كبير للإنْسَـان وبما ينتج عن التفريط فيها والغفلة عنها واللا مبالاة بها من نكباتٍ وكوارثً وأخطار وخُسران رهيب للإنْسَـان، التقوى لها أهميتها الكبرى، ولذلك حينما نعودُ أيها الإخوة والأخوات إلى التأمل في القُـرْآن الكريم، إلى التأمل في الشرائع الإلهية والفرائض الإلهية ثم التأمل في واقع حياتنا ندرك فعلاً الضرورة القصوى والحاجة الملحة للعناية بهذا الجانب، الإنْسَـان يَحْتَـاْج حاجة ماسة من العناية بنفسه إلى العناية بتزكيتها وإصْـلَاحها إلى العناية بتقويم سلوكها وتصرفاتها، هذا الجانب إِذَا فرط فيها المجتمع المسلم نتج عن ذلك خسائر كبيرة، حالة من الفوضى والانفلات في التصرفات والأعمال والسلوكيات، يترتب عليها حالة رهيبة جِـدًّا من المشاكل والأزمات والصراعات والفتن والانحرافات الرهيبة التي تدمر واقع المجتمع المسلم.
تزكيةُ النفوس من وحي القرآن الكريم
اللهُ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى حينما فرض علينا صيام شهر رَمْضَـانَ وقدم لنا إضافة إلى ذلك الكثير من البرامج التربوية التي تساعدنا على تزكية أنفسنا، هو ربُّنا الخالق لنا العليم بنا، والعليم بأنفسنا وما تَحْتَـاْج إليه هذه النفس البشرية فيما يساعدها على تهذيبِ نفسِها على تزكية نفسها، هو سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى القائل في كتابه الكريم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، هو العليم بهذا الإنْسَـان والعليم بما يَحْتَـاْج إليه هذا الإنْسَـان في تزكية نفسه، في إصْـلَاح واقعه، وإذا جئنا للتأمل في واقع مجتمعنا المسلم وأمتنا الإسْـلَامية نجد أنها في أمس الحاجة فعلاً، الجميع بلا استثناء إلى هذا الجانب، إلى التقوى وإلى الهدى، التقوى لتضبط مسيرة الحياة في التصرفات والأعمال والمواقف والسلوكيات وما إلى ذلك، والهدى للنور، والبصيرة والوعي، النور الذي يضيءُ لنا الطريقَ فنرى من خلاله الحق والحقائق ونسير في الاتجاه الصحيح في الصراط المستقيم الموصل إلى رضا الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى إلى السلامة من عذاب الله، إلى الفوز بما وعد به سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى به عباده المؤمنين من خير الدنيا والآخرة، جانبان أَسَـاسيان رئيسيان تَحْتَـاْج إليهما الأُمَّـة، يَحْتَـاْج إليهما المجتمع البشري كافة، يَحْتَـاْج إليهما كُـلّ إنْسَـان في موقع التكليف ومقام المسؤولية، تقوى تضبط لهذا الإنْسَـان حالة التصرفات والأعمال، فيتعامل ويعمل ويتصرف بمسؤولية، بشكل صحيح، بشكل سليم، بشكل متطابق مع توجيهات الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى، ويتجنب الكثير من التصرفات والأعمال والمزالق والانحرافات الخاطئة المدمرة التي يجني بها الإنْسَـان على نفسه، ويجني بها على الواقع من حوله وعلى الناس من حوله، والنور التي يخرج الإنْسَـان من حالة الظلمات وحالة العمى وحالة التخبط، وحالة الاتجاه في المزالق، في الردى والهلاك، فليس هناك، يعني لا ينبغي أن يكون هناك نظرةٌ استبساطيةٌ لأهميّة هذه المسألة، وكأن مناسبة شهر رَمْضَـانَ، وكأنما الصيام في شهر رَمْضَـانَ، وكأن العودة بشكل أَكْبَـر لتعزيز الارتباط بالقُـرْآن الكريم في شهر رَمْضَـانَ أمور هامشية لا أهميّة لها، أَوْ أمور اعتيادية، لو ننظر في واقع الساحة الإسْـلَامية، هي ساحة مزدحمة إلى حد الازدحام في الكثير من الفئات الناشطة والحركات الفاعلة في الساحة، والفئات التي تتحَـرَّك تحت عناوين متعددة، برامج كثيرة، أنشطة كثيرة، عناوين كثيرة، حركة واسعة في الساحة الإسْـلَامية تحتَ مختلف العناوين، ولكنْ هناك ضعفٌ ونقصٌ ملحوظٌ في كثيرٍ من أقطار أُمَّـتنَـا الإسْـلَامية في كثير من المناطق، في كثير من الاتجاهات، في التركيز على هذا الجانب، جانب التزكية للنفوس، الجانب التربوي، الجانب الروحي، في شكلها الصحيح المتطابق مع القُـرْآن الكريم، في شكله البناء والمصلح والصحيح والبناء والنافع والمؤثر الذي يقوم السلوك ويصلح الأعمال، ويتجه بالإنْسَـان الاتجاه الصحيح في رؤيته في موقفه، في تصرفه، في أعماله في التزامه، والحالة التي نعاني منها في ساحتنا الإسْـلَامية الفوضى الرهيبة، المزيد والمزيد من الانفلات، التأثر والانجذاب بالأَعْــدَاء، أَعْــدَاء الأُمَّـة الإسْـلَامية الذين يستهدفون أُمَّـتنَـا بما يبعدها عن أَخْـلَاقها عن قيمها عن دينها، عن التزاماتها الأَخْـلَاقية والدينية والإيْمَـانية، حالة رهيبة تعاني منها الأُمَّـة وينتج عنها كذلك تأثيرات سيئة في واقع الحياة، ثم تكثر الأزمات والمشاكل والمتاعب، أمة أُمَّـتنَـا اليوم، نستطيع أن نقول عنها أمة متعبة بكثرة مشاكلها وكثرة أزماتها وكثرة محنها، وكثرة خلافاتها ونزاعاتها، واقع مضغوط جِـدًّا، إِذَا جئنا لنتعامل مع هذا الواقع بمشاريعَ سياسية، كذلك أنشطة لا نركز فيها على الجانب التربوي والجانب الأَخْـلَاقي وتزكية النفس، ولا نركز فيها على الهدى وتصحيح الرؤية والنظرة والفكرة، فلن ننجح ولن نفلح ولن نصل إلى نتيجة، ما أَكْثَـر الحراك السياسي والنشاط السياسي والأنشطة المتنوعة والمختلفة في الساحة، وما أَكْثَـر الحركات تحت عناوين كثيرة كما قلنا إلى حد الازدحام وإلى حد الإرباك، يعني الكثير من أَبْنَـاء الأُمَّـة يصل بهم الحال إلى الإرباك من زحمة المشاريع والأفكار والعناوين والأنشطة، فئات المستقطبة في الساحة، ما عاد يدري أين يتجه، كذا أَوْ هنا أَوْ هناك، كُـلّ يناديه كُـلّ يدعوه، كُـلّ يسعى إلى استقطابه، كُـلّ يسعى إلى إقناعه، هذا يقدم له مشروع من هنا ومشروع من هناك، وهذا عنوان من هنا، والآخر عنوان من هناك وهكذا ازدحام، والكل تحت عناوين مصلحة الإنْسَـان وحل مشاكل هذه الأُمَّـة إلى آخره، (وكُلٌّ يدَّعي وصلاً بليلى وليلى لا تُقِــرُّ لهم بذاكَ).
الجانبان التربوي والأَخْـلَاقي أَسَـاسيان ولا هامشيين
العناوينُ كلُّها العناوين الجذّابة تنزل إلى الساحة والأنشطة المزدحمة تزدحمُ في هذه الساحة، نقول لَا بـُـدَّ لا بد لصلاح واقع حياتنا لننظر هذه النظرة، الجانب التربوي والأَخْـلَاقي وجانب التزكية والعناية بالجانب الروحي بالشكل الصحيح والهدى لتصحيح النظرة والفكرة والرؤية والاتجاه وتصويب وترشيد الاتجاه في مسار الحياة، جانبان أَسَـاسيان وليسا هامشيان أبداً، لَا بـُـدَّ منهما في تصحيح الواقع وحل المشاكل والتغيير نحو الواقع الإيْجَـابي نحو واقع إيْجَـابي لَا بـُـدَّ منهما لو كان هناك في الساحة ما كان من أنشطة سياسية وبرامج سياسية وحركات سياسية وزحمة عناوين ومشاريع إلى آخرة لن تجدي شيئاً لن تنفع أبداً في إصْـلَاح واقع هذا الإنْسَـان.
ولذلك الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى في رعايته لهذا الإنْسَـان جعل مساحة واسعة تتجه نحو هذا الجانب حركة الأنبياء والرسل (صلوات الله وسلامه عليهم) ومضامين الكتب الإلهية ومساحة واسعة من محتوى الرسالة الإلهية تتجه نحو هذا الإنْسَـان وتركز بشكل كبير وأَسَـاسي على هذين الجانبين تزكية نفس هذا الإنْسَـان، إصْـلَاح هذا الإنْسَـان تربية هذا الإنْسَـان على مكارم الأَخْـلَاق معالجة ما يعانيه من المساوئ والمؤثرات السلبية على نفسيته على روحه على تفكيره على أعماله على تصرفاته.
والهدايةُ لهذا الإنْسَـان حتى لا يحملَ الأفكارَ الخاطئة والقناعات المغلوطة التي تتجه به وتقوده في مسيرته في الحياة في الاتجاه الخاطئ والله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى هو ربنا العليم بنا والعليم بما نحتاجه والرحيم بنا واللطيف الخبير، اللطيف الذي يعلم بما خفي في أعماق أنفسنا ويعلم بهذه النفس البشرية والمؤثرات فيها وما تَحْتَـاْج إليه والخبير بهذا الإنْسَـان وما يَحْتَـاْج إليه هذا الإنْسَـان.
جوانبُ تساعِدُ على الالتزام في واقع انتمائنا الإسْـلَامي
إذا جئنا إلى عملية التقوى وتعزيز حالة الانضباط والمسؤولية لدى الإنْسَـان في تصرفاته وأعماله ومواقفه، فهناك جوانب متعددة تساعده على الالتزام في واقع انتمائنا الإسْـلَامي يعني أنت كمسلم تنتمي إلى الدين الإسْـلَامي، الإسْـلَام هذا فيه الحلال والحرام فيه الواجبات والمسؤوليات وفيه المحظورات التي تنبه على أن تجتنبَها وفيه ما يزن لك تصرفاتك وأعمالك بموازين مهمة، ميزان الحق ميزان العدل ميزان الخير عناوين رئيسية ومهمة تضبط لك تصرفاتك في هذه الحياة كيف تكون وعلى أي أَسَـاس تكون ثم حسابات واعتبارات أُخْــرَى تساعدك على الالتزام بها يعرفك بالحلال والحرام المحظور الذي يجب أن تتجنبه وما عليك أيضاً أن تلتزم به ويحوط واقعك العملي بسياج من الأَخْـلَاق حتى تكون هي بشكل ضوابط تضبط لك تصرفاتك وأعمالك مكارم الأَخْـلَاق ومحاسن الصفات وحميد الخلال ثم هو يربطك في ذلك باعتبارات كبرى أولها تقوى الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى.
نحن كمسلمين نؤمن بالجزاء، نؤمن أن الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يجازينا على أعمالنا إن خيرا فخير وإن شراً فعقاب، وهذه مسألة مهمة جداً كلما ترسخ لدى الإنْسَـان الإيْمَـان بالجزاء على الأعمال وعلى أن الله سيحاسبه ويجازيه على أقواله وأعماله على أفعاله وتصرفاته حينها يدرك جيداً أن عليه أن يكون متنبهاً لما يعمل ولما يقول ومنتبهاً إلى تصرفاته؛ لأنَّه سيحاسب عليها وسيجازى عليها ويستشعر رقابة الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى عليه ولهذا يقول الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى في كتابه الكريم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)
فالإنْسَـان المسلم أول حساباته وأَكْبَـر حساباته تجاه تصرفاته وأعماله يحسب حساب الله أن يتجنب من الأعمال والأفعال والأقوال والتصرفات ما يسبب له سخط الله وعقاب الله ومقت الله؛ لأنَّه يؤمن بالله ويؤمن أن اللهَ يُجَازي ويحاسب ويفرّق في واقع عباده بين المحسن والمسيء والمطيع والعاصي وقد حدّد ذلك في كتابه الكريم ومن خلال رسله وأنبيائه صلواته وسلامه عليهم بشكل تام.
ولذلك حديثُنا اليومَ هو حديثٌ تمهيديٌّ لمحاضرات تتلو إن شاء الله هذه المحاضرة نركّز فيها على الحديث عن الجزاء والحساب هذا الجانب المهم للغاية والذي هو بحاجة إلى اهتمام.
لاحظوا في واقعنا العام كمسلمين نحن نُقرّ بهذا، كُـلّ مسلم أصلاً لا يتم له إسْـلَامه ولا يعتبر مسلماً إلا إِذَا آمن بالله واليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار، وصدّق الله في وعده ووعيده في الدنيا والآخرة ما وعد به وما توعد به في الدنيا وما وعد به وما توعد به في الآخرة، هذا الجانب المهم جداً أن نحسب حساب الله عند أي عمل فيما نعمل وفيما نترك أيضاً فيما تفعل وفيما لا تفعل أن تحسب حساب الله وقبل كُـلّ شيء؛ لأنَّه رقيبٌ عليك وهو الذي يجازيك أنت إن أطعته كان جزاؤه لك جزاء المطيعين وإن عصيته كان جزاؤه لك جزاء العصاة، اتقوا الله فاحسبوا حسابه عند أعمالكم وعند تصرفاتكم وتجاه مسؤولياتكم؛ لأنَّه الرقيب عليكم وهو الذي سيجازيكم.
الإنْسَـانُ هو إِذَا لم يحسبْ حسابَ الله فأين سيكونُ؟ ما هي حساباتُه الأُخْــرَى؟
عادةً الإنْسَـانُ هو يعيشُ حالة الغفلة وإذا عاش حالة الغفلة واستحكمت عليه هذه الغفلة حتى نسي اللهَ فلم يحسب حسابَ الله تجاه الأعمال والتصرفات والمواقف فهو حينئذٍ يتحَـرَّك بشكلٍ مزاجي وغريزي كالحيوان وراء رغبات هذه النفس وميول هذه النفس، في حالتها الغريزية والمزاجية وهذا ما يعبّر عنه القُـرْآن الكريم باتّباع هوى النفس هذه حالة خطيرة جداً؛ لأنَّها حالة غير واعية وغير منضبطة وغير مسؤولة، الحالة الغريزية البحتة للإنْسَـان وحالة الرغبات البحتة للنفس والميول النفسية البحتة هي غير مسؤولة يعني لا تتحَـرَّك أَوْ ليست منضبطة بضابط المسؤولية بضابط الحكمة بضابط الحق بضابط الأَخْـلَاق، لا، حينها يكون الإنْسَـان كأي حيوان آخر أين ما مالت به نفسه مال أين ما مالت به رغباته مال أين ما اتجهت به ميوله في حالة الشهوة أَوْ في حالة الغضب والانفعال مال تبع لذلك وهذا ما لا يريده الله لهذا الإنْسَـان الذي هو في مقام المسؤولية ويجب أن يضبط غريزته وميوله وحالة الشهوة والغضب والانفعال والمشاعر النفسية أن يضبطها بضابط المسؤولية والتقوى والأَخْـلَاق والشرع فيسيطر عليها عند هذا الحد، ولهذا نتعلم في صيام شهر رَمْضَـانَ أن نتحكم بأنفسنا ونمنعها أثناء الصيام حتى عن الطعام وعن الشراب نمنعها عن الملذات والرغبات حتى فيما هو حلال في غير الصيام لماذا كعملية ترويضيه للتحكم بالنفس أمام الرغبة وأمام الشهوة هذا شيء نحتاج إليه في واقع الحياة (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) احسب حساب مستقبلك الآتي والأبدي والكبيرة والمهم والعظيم، وهذه هي الحال التي يغفل عنها الكثير من الناس حتى من هم مقرون مقرون بها مقر بالقيامة مقر بالبعث مقر بالجنة ومقر بالنار ومقر بالحساب والسؤال والجزاء مقر بهذا ويعترف به ولكن في كثير من الحالات ينسى يغفل فيتصرف بعيدا عن هذه الاعتبارات وعن هذه الحسابات ويتعامل كما قلنا بهوى نفسه بغرائزه برغباته بانفعالاته بشهواته غافلا عن هذه الحسابات والاعتبارات، ولذلك نحن سنركز إن شاء الله في المحاضرات القادمة على مسألة اليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار وما إلى ذلك.
يجب أن يفكرَ الإنْسَـانُ جيداً وبجدية عما قدمه لغد عما قدمه لمستقبله الأبدي والدائم للآخرة، ماهي الأعمال التي عملها والتصرفات التي يتصرف بها كيف هي في ميزان حساب الآخرة هل هي خير هل هي رضى لله هل هي استجابة لله هل هي طاعة لله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى فيما أمرنا أن نعمل وفيما أمرنا أن نتحمله من مسؤوليات وفيما نهانا عنه إلى آخره..
أثرُ التقوى في واقع الحياة مقياسُ العمل
(واتَّقُوا اللَّهَ) يؤكد على مسألة التقوى إن الله خبير بما تعملون فهو يعلم ما نعمل وخبير بما نعمل كُـلّ ما لأعمالنا من تأثيرات وما يترتب عليها من نتائج مستوى هذه الأعمال ومستوى أثرها في واقع الحياة مقياس العمل عند الله مقياس كبير وواسع يدخل فيه حتى أثر هذا العمل أثر هذا العمل في واقع الحياة وما يترتب عليه (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) نسوا الله فلم يحسبوا حسابَه عند كثير من تصرفاتهم عند كثير من مواقفهم عند كثير من أعمالهم كانت حساباتهم كلها مرتبطة بهوى النفس بعيدة عن الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى وعن المسؤولية أمام الله جل شأنه فعوقبوا بأن أنساهم أنفسهم فأهملوا أنفسهم أهملوها تربوياً أهملوها في أن يعملوا لنجاتها من عذاب الله أهملوها في أن يأمنوا لها مستقبلها الأبدي والدائم أهملوها مما فيه الخير لها في الدينا والآخرة هذه حالة من الخذلان الخذلان الخطير جداً الذي يعاقب به الإنْسَـان أولئك هم الفاسقون (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
حــذارِ من الغفلة وَاللامبالاة وَالتساهل
المصير الذي يتجه إليه الإنْسَـان حتماً بدون شك إما أن يكون إلى الجنة وإما أن يكون إلى النار هذه قضية محسومة ومحتومة وحقيقة لا شك فيها إما أن تتجه نحو الجنة وإما أن تتجه إلى النار أنت معني أن تتأكد من نفسك أن تتأكد من أعمالك أن تتأكد من تصرفاتك أن تتأكد جيداً من مسارك في هذه الحياة إلى أين يتجه بك ولا تخدع نفسك لا تغر نفسك لا تتعامل مع نفسك بالأماني والمخادعة للنفس أنه لا بأس إن شاء الله الأمور طيبة والحال الشكلية في الانتماء للإسْـلَام والله غفور رحيم وتنسى العودة إلى القُـرْآن الكريم العودة إلى الله حتى تطمئن إلى أنك في الاتجاه الصحيح الذي يصل بك فعلاً إلى الجنة والنجاة من النار وفعلاً حالة اللا مبالاة والغفلة هي حالة تبدو وكأن الإنْسَـان لا يبالي سواء عنده كان مصيره إلى الجنة أم إلى النار ولهذا يخاطبنا الله بهذا الخطاب الذي يدعونا للدهشة الدهشة من غفلة هذا الإنْسَـان عندما يقول الله (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)، لاحظوا كم هي غفلة هذا الإنْسَـان لدرجة أن يقولَ الله له هكذا أن يتخاطبَ معه بهذا التعبير انتبه ما هو سوى أصحاب الجنة وأصحاب النار حتى تكون متنبهاً لا تعشْ هذه الغفلة وهذه اللامبالاة وهذا التساهل والتهاون وكأن المسألة عادية وسابر وأين ما كان الاتجاه ما به مشكلة لا هناك المسألة خطيرة جِـدًّا حالة الغفلة حالة خطيرة جِـدًّا على الإنْسَـان ولهذا قال الله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون هي هذه حالة الغفلة التي تجعل الإنْسَـان لا يبالي ما كأن أمامه الجنة والنار ولا كأنه قادم على هذا العالم الأبدي الذي خيره خيراً ليس مثله خير وشره شرٌ ليس مثله شر وكلاهما أبديٌ لا نهاية له في غفلة حالة غفلة انشغال بالأمور الأُخْــرَى بشكلٍ كبير وبشكلٍ يغفل فيه الإنْسَـان عن هذه الأمور المهمة عن هذا المستقبل الأبدي عن هذه الحسابات والاعتبارات الكبيرة جِـدًّا والهامة للغاية يصل في النهاية إلى حالة إعراض إعراض عن الآخرة إعراض عن المسؤولية إعراض عما يمكن أن يسبب له الإعراض عنه بالوصول إلى نار جهنم والعياذ بالله وحتى الله يذكرهم يعرضون عن تذكيره (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهية قلوبهم) هي هذه حالة اللهو الانشغال النفسي والذهني والقلبي تنشغل دَائماً في ذهنيتك في مشاعرك في تفكيرك في هذه الأمور الحياتية وتنغمس وتغرق في هذا الانشغال فلا تعطي مساحة وجزءًا من تفكيرك من اهتمامك من ذهنيتك في هذه الأمور الكبيرة مع أن بالإمكان أن يكون الإنْسَـان مهتماً يعني إلى جانب انشغالاته الذهنية النفسية الفكرية بأمور الحياة بأمور المعيشة بمتطلبات الحياة بمشاكل الحياة يمكنه أن يعطي في نفس الوقت مساحة وجزءا من اهتمامه من تفكيره من ذهنيته من انشغاله لهذه المسائل المهمة التي من الخطورة أن يغفل عنها وأن يعرض عنها وأن لا يبالي بها حينها إنما يضيع حتى في انشغالاته الأُخْــرَى ولا توصله إلى نتيجة.
عواقبُ إضاعة الوقت في أمور هامشية عبثية غير مهمة
يلعبون، الحالة التي عليها الإنْسَـان من اللامبالاة بأمور كبيرة أمور مصيرية أمور أبدية أمور هي أَكْبَـر ما ينتظر هذا الإنْسَـان ثم ينشغل بكثير من الأمور التي لا أهميّة لها لا يصنف الإنْسَـان واقع حياته وبرنامجه اليومي كم أنت تضيع من وقتك وكم أنت تضيع من تصرفاتك وأعمالك في أعمال هي في أصلها هامشية عبثية غير مهمة أصلاً في الوقت الذي أنت لا تتذكر ولا تلتفت إلى الأمور الكبيرة ثم إن كُـلّ بقية الأمور في مقابل هذه المسائل المهمة للغاية هي بمنزلة اللعب أمام الجد، هذا اللهو للقلوب وهذه الغفلة يجب أن يتنبه الإنْسَـان وأن يعالجَه أن نستفيدَ من هذا الشهر المُبَـارَك من شهر رَمْضَـانَ في صيامه في قيامه من العودة القوية إلى القُـرْآن الكريم لحل هذه المشكلة حتى لا يبقى قلبُك دَائماً لاهياً غافلا بشكل تام عن هذه المسائل المهمة إن شاء الله ندخل في المحاضرة القادمة في الحديث عن مسألة الحساب والجزاء ونبدأ بالحديث عن اليوم الآخر وما تحدث به القُـرْآن الكريم بشأنه في بعض مما تحدث عنه القُـرْآن الكريم.
نَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم إلى ما فيه رضاه وَأَنْ يَتَقَبَّــلَ منا ومنكم الصيام والقيامَ وصالحَ الأعمالَ وأن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ وأن يشفيَ جرحانا وأن يفرِّجَ عن أسرانا وأن ينصُرَنا بنصرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاءِ.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..