السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرة الجزاء والحساب، المحاضرة الرَّمْضَـانَية الثالثة: الإيمان الصادق والراسخ بالجزاء هو من أهم ما يساعد الإنسان على التقوى
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
سبق لنا التأكيدُ على أن من أهمّ ما يساعد الإنْسَـان على تقوى الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى وعلى الانتباه إلى تصرفاته وأعماله وممارساته هو الإيْمَـان بالجزاء، الإيْمَـان الصادق، الإيْمَـان الواعي، الإيْمَـان الراسخ، الإيْمَـان الذي يصل إلى درجة اليقين، والانتباه واليقظة إلى هذه المسألة بشكل مستمر، هذا جانبٌ مهم وعامل أساسي في دفع الإنْسَـان إلى الانضباط والالتزام والانتباه إلى تصرفاته وأعماله، فالكثير ممن يعيشون حالة الاستهتار واللامبالاة والتهاون تجاه أعمالهم وتجاه تصرّفاتهم، ويندفعون فيها بالدوافع الغريزية، والمُيُول النفسية والرغبات والانفعالات بَعيداً عن الضوابط الشرعية والأَخْـلَاقية، يغفلون في كثير من أحوالهم عن مسألة الجزاء، الإنْسَـانُ إذا كان منتبهاً ومدركاً ومتيقناً أنه حينما يذنب حينما يعصي حينما يظلم، حينما يفسدُ حينما يتجاوز، حينما يتعدى حدود الله سيعاقب حتماً على معاصيه على ذنبه، على تجاوزه على تصرّفه الخاطئ، هذا سيمثل حالة من الردع والانتباه؛ لأنَّ الإنْسَـان مفطور فطره الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى على الرحمة بنفسه، على الخشية على نفسه، على القلق على نفسه، يريد لنفسه الخير بحسب فطرته التي فطره الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى عليها، يحرص على أن يدفع عن نفسه الشر وأن يدفع عنه نفسه الخطر وأن يدفع عن نفسه الضر، وبالتالي هذا عامل مهم في أن يرتدعَ الإنْسَـان ويتنبه إلى تصرفاته وأعماله، وهذا ملحوظٌ سواء في الجانب الإسْـلَامي والديني، على مستوى العقائد والإيْمَـان، الإيْمَـان بالله واليوم الآخر والجزاء في الدنيا والآخرة، أَوْ في التشريع الإلهي في تشريع الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى جعل في شرعه عقوبات عاجلة ومعينة على كثيرٍ من المعاصي على كثير من الجرائم، مَثَلاً في قصة القِصاص في القتلى، القتل ظلماً وعدواناً شرع الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى القصاص فيه، هذا عاملٌ مهم للردع؛ ولهذا قال في كتابه الكريم: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)؛ لأنَّ كثيراً من الناس قد يرتدعُ عندما يدرك أنه إن قتل ظلماً وعدوانا سيقتل، هذا سيجعله ينتبه، وإذا شاهد حالات واقعية في الحياة أن فلاناً قتل ظلماً وعدواناً فاقتص منه وقتل، هذا يجعله يرتدع، كثير من الجرائم الأَخْـلَاقية كالزنى ومَثَلاً جرائم أُخْـرَى كالنهب والسرقة عليها كذلك عقوبات إسْـلَامية عقوبات في الشرع الإلهي لتكون زاجرة ولتكون دافعة لكثير من الناس إلى أن ينتبه ما دام سيعاقب على فعلته على جريمته على معصيته، فالله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يعاقب، ونلاحظ مَثَلاً في كثير من المفاسد على المستوى العالمي حيث لا تقام حدود الله، هناك عقوبات إلهية عاجلة، مثل انتشار مرض الإيدز كسبب رئيسي له المفاسد الأَخْـلَاقية، هذا نوعٌ من العقوبات الإلهية العاجلة على جريمة الزنا على جريمة الفساد الأَخْـلَاقي، وينتشر هذا الوباء بشكل كبير جِـدًّا بين المجتمعات التي لا تلتزمُ أَخْـلَاقياً وتعصي الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى وبشكل واسع وبشكل فتاك.
عقوبات في الدنيا زاجر ورادع للإنْسَـان
كثيرٌ من العقوبات الإلهية تأتي في الدنيا زاجر للإنْسَـان ورادع للإنْسَـان لينتبه؛ لأنَّ عذاب الآخرة عذاب أليم وفظيع وأبدي، فمن رحمة الله أن جعل بعضا من العقوبات في الدنيا لتكون زاجراً للإنْسَـان قد تدفع البعض إلى أن ينتبه قبل أن يصلَ إلى عذاب ِالله الأكبر والأبدي، والعياذُ بالله.
مصير الإنسان منوط بأعماله وتصرفاته
هذا القانونُ الإلهي في العقوبات والجزاءُ على الأعمال قانون مهم، وقانون يتصل بحكمة الله وبقيومية الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى وبعدله وبعزته أنه عزيز وذو انتقام وحكيم، يفرّق بين المحسن والمسيء والمطيع والعاصي، وآيات كثيرة جِـدًّا في القُـرْآن الكريم ركزت على هذا الجانب، الرسولُ صلوات الله عليه وعلى آله، هناك الكثيرُ من حديثه في التركيز على هذا الموضوع وفي ضوء القُـرْآن الكريم كذلك، واللهُ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أكّدَ على هذه الحقائق في آياتٍ كثيرة منها: قول الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)، كُـلّ إنْسَـان جعل مصيره وما يلقاه من خير وشر منوط بأعماله وتصرفاته، الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يعامل عباده على هذا الأساس، يعاملك على هذا الأساس فيما يكتبه لك أَوْ يكتبه عليك، بأعمالك وتصرفاتك، هي التي ستحدّد مصيرك، هي التي سيترتب عليها ما يكتبه الله لك أَوْ يكتبه عليك، فكن منتبه أنت إلى تصرفاتك إلى أعمالك، فلا تجني على نفسك، الإنْسَـان الغافل الإنْسَـان المستهتر يسترسل وينفلت في العبث والأعمال السيئة والمعاصي، ولا يدرك أنه إنما يجني على نفسه، أنه إنما يتحمّلُ تبعاتِ ما يعمَلُ، الكثير والكثير، كلما استهتر أكثر كلما تهاون أكثر كلما اندفع في هوى نفسه ورغبات نفسه فيما فيه معصية ويحمل نفسه المزيد والمزيد من العقوبات والجزاء، يقول الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، هكذا، إلى هذه الدرجة، ما تعمله من الخير وإن كان مثقال ذرة ستجازى عليه، ستكافئ به، ويعطيك الله الخير، هذا مشجع مرغب محفز، لا يضيع من جهدك وعطاءك في الخير ولا مثقال الذرة، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، كذلك، ما تعمله من الشر وإنْ كان مثقال ذرة تجازى عليه ولا يفوت ولا يغيب ولا يضيع ولا يخفى عن الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى فكن منتبهاً بما تفعل وما تعمل، الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يقول في كتابه الكريم أيضاً: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يؤكّـد أنه لا بد في حكمته في عزته، في عدله أن يفرق بين الذين اجترحوا السيئات، انطلقوا في هذه الحياة عابثين لاهين مستهترين، غير منضبطين ولا ملتزمين ولا مبالين، يعملون ما تهواه أنفسهم وما ترغب به أنفسهم حتى وإن كان معصية لله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى، يفعلون ما يتطابق ويتوافق مع مزاجهم النفسي والشخصي حتى وإن كان ذنبا ومعصية، مستهترين غير مبالين، ففعلوا السيئات، هؤلاء لا يمكن أبداً في عدل الله في حكمته، في عزته أن يجعلَهم كالذين آمنوا وانطلقوا في هذه الحياة بناءً على إيْمَـانهم، بدافع إيْمَـانهم ملتزمين بإيْمَـانهم، منطلقين في واقع الحياة في أفعالهم وتصرفاتهم بناء على هذا الإيْمَـان، هو الذي يحكمهم، هو الذي يحكم أعمالهم، هو الذي يحكم تصرفاتهم، وعملوا الصالحات، اتجهوا في أعمالهم إلى الأعمال الصالحة التي هي مرضاة لله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى في كُـلّ شؤون الحياة، في جانب المسؤولية، مسؤولية الجهاد، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مسؤولية الإنفاق في سبيل الله، المسؤوليات الخيرية، المسؤوليات العبادية، في كُـلّ الاتجاهات، كانوا حريصين على أن يعملوا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، فالله لا يمكن أن يسوي بين هؤلاء وأولئك، في الحياة والممات ساء ما يحكمون، (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، هذه الآية هي التي تليها مباشرة في سورة الجاثية، (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، حينما خلق الله هذا الكون الكبير الفسيح الواسع، في سماواته وأرضه وكواكبه ونجومه، هذا العالم الكبير، هذا العالم العجيب الذي أتقن الله خلقه وصنعه، لم يخلقْه عبثاً، في النهاية تتأمل لنا الحياة على كوكب الأرض ونعمل ما نشاء ونعبث، هذا الكون خلقه الله بإتقانٍ وحكمة ولهدف؛ ولهدف في النهاية، الإنْسَـان في هذا العالم مخلوق سخر له ما في السموات وما في الأرض، هيّأ الله له أسباب الحياة والظروف الملائمة والمناسبة للحياة وسخر له نعمه التي لا تحصى ولا تعد ومكنه في الحياة من أشياء كثيرة وأعطاه قدرة الاختيار وقدرة العمل في الحدود التي أعطاه إياها وبالمستوى الذي مكنه فيه، ثم هو يتحمل تبعات ما يعمل وتبعات قراره في فعل الخير أَوْ في فعل الشر في الطاعة أَوْ المعصية، يتحمّل التبعات ويتحمل النتائج ويتحمل مسؤولية اختياره وقراره وفعله وتصرُّفه، فتأتي مسألة الجزاء ولتُجزَى كُـلُّ نفسٍ بما كسبت.
الجزاء متصلٌ بهدفٍ أساسي من خلْق العالم
فقضية مرتبطة بهذا الخلق (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، فالجزاء مسألة أساسية متصلة بهدفٍ أساسي من خلق هذا العالم وبوجود هذه السماوات والأرض.
يقولُ اللهُ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى مخاطباً المسلمين (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) “سورة النساء”.
الانتماء للإسْـلَام ليس بطاقة ترخيص للمجرمين والفسقة
ليس بأمانيّكم ما تتمناه أنفسُكم وتمنون به أنفسَكم، يعني أن تقولَ أنا أصبحت مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأعمل بعض الأعمال في هذا الإسْـلَام ولكن أتصرف في كثير من الأحيان بحسب رغبات نفسي ولا أبالي بمسؤولياتي في هذه الحياة أمام الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى، وإن شاء الله بانتمائي لهذا الإسْـلَام بالشهادتين ببعض الأعمال التي عملتها أحياناً يمكن أدخل الجنة أَوْ أعول وأعلّق آمالي على شفاعة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله أَوْ شفاعة الصالحين أَوْ شفاعة أهل بيته أَوْ شفاعة أحدٍ من عباد الله الصالحين، لا يمكن أبداً أن تخدع نفسك بذلك وتصل إلى النتيجة أبداً، فتسقط هذا القانون الإلهي وهذا النظام الإلهي في الجزاء المحتوم على الأعمال، ثم تستهتر وتنطلق في هذه الحياة بعيداً عن التقوى بعيداً عن المسؤولية بعيداً عن الطاعة فتعمل بهوى نفسك وبرغبات نفسك وبانفعالات نفسك وتخرج عن الضوابط والالتزامات الإيْمَـانية والشرعية والأَخْـلَاقية، لا، الدين ليس مظلّة والانتماء للإسْـلَام ليس مظلّة وبطاقة ترخيص للمجرمين والفسقة والمستهترين والعابثين وأتباع الهوى.
الإسْـلَامُ هو الدينُ الإلهي والقُـرْآنُ الكريم والأنبياءُ عليهم السلام أعلى شأناً وأعظمُ قدراً، يعني لا يكونوا عبارة عن مظلّة أَوْ بطاقة ترخيص للجريمة والإفساد ثم يدخل الإنْسَـان الجنة، ليس ذلك كذلك يا أخي، المسألة ليست كذلك يعني لا يُمنّي الإنْسَـان نفسه فيهمل ويفرّط ويعصي ويقصّر ويتنصل عن مسؤولياته في هذه الحياة مسؤوليات مهمة تنصله عنها يترتب عليه آثار سيئة في واقع الحياة يصبح شريكاً في تلك الآثار السيئة.
لاحظوا على سبيل المثال إذا تنصلنا عن مسؤولياتنا في هذه الحياة في التصدي للظلم والطغيان كُـلّ الذين يتنصلون عن مسؤولياتهم هذه يُصبحون شركاء في الآثار الناتجة عن تنصُّـلهم عن هذه المسؤولية فهم ساهموا بتنصلهم عن هذه المسؤولية في دعم قوى الشر، وقوى الطغيان، قوى الظلم والإجرام، وخففوا عنها ما كان سيمثله موقفهم من رصيدٍ إضافي في الموقف والتصدي لطغيان أولئك وظلم أولئك، سيما ونحن في مرحلة حساسة ومهمة جداً، قوى الشر المتكالبة قوى الطغيان الظالمة وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل وعملاؤهما الذين يظلمون عبادَ الله يصبح التحمّلُ للمسؤولية والقيامُ بالواجب في ظروفٍ كهذه أوجب وأوجب وأوجب.
على الإنْسَـان أن يوقن بالجزاء على أعماله وتصرفاته
فإذاً الله يقول لمن؟ للمسلمين ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب اليهود والنصارى الذين قد يظن البعض منهم أن بإمكانه أن ينفلت من الالتزامات الأَخْـلَاقية والدينية والإيْمَـانية فيظلم ويعصي ويفسد ويستهتر ويفعل ما تهواه نفسه، فيقول لك سيشفع له موسى أَوْ عيسى أَوْ أياً من الأنبياء، لا، لا يمكن للإنْسَـانِ أن يتجهَ في هذه الحياة ليعملَ السوءَ ليعمل السوءَ ويظن أنه لن يُجازى أن الله سيعفيه من الجزاء، وأنه أنت بحكم انتمائك للإسْـلَام يمكنك أن تزنيَ أَوْ تسرِقَ أَوْ تقتُلَ النفسَ المحرّمة بغير حق أَوْ تظلم أَوْ تتنصل عن مسؤوليات أَوْ تقصر وتفرّط في واجبات أَوْ تتهاون تجاه أعمال أساسية ألزمك الله بها أَوْ تستهتر بأَخْـلَاقيات وضوابط شرعية، تأتي لتلعب وتعبث بمزاج نفسك وأهواء نفسك، لا بد وأن تُجازى (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) سنّة إلهية، قانون إلهي، نظام إلهي، قرار إلهي، لا ينقضه أحد لا ينقضُه نبي ولا ينقضه وصي ولا ينقضه أي وليّ من أولياء الله أبداً، قانون إلهي؛ ولهذا قال الله (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) لا ولياً يشفع له ولا نصيراً يدفع عنه ويوفر له حماية، من قد ينطلق في هذه الحياة لعمل السوء وهو يظن أنه مرتبط بجهة يمكن أن تشكل له حماية لا، الله سينالك بعقابه ولن تفلت من العقاب الإلهي، والمنجاة أين هي السلامة أين هي الخير أين هو الوقاية من العذاب أين هي الوصول إلى الجنة ومرضاة الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى والفوز بما وعد الله به من الخير أين هو (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) هذا هو الاتجاه الذي ينجيك وينفعك وتعلق عليه الأمل الإنْسَـان يتجه في حياته هذا الاتجاه بالإيْمَـان والعمل الصالح والطاعة لله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى والحذر من المعاصي في كُـلّ الاتجاهات المعاصي التي هي من خلال التعدي لحدود الله والتجاوز فيما نهى الله عنه وفعل المعصية بارتكاب الذنوب بارتكاب ما نهى الله عنه سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى من المخالفات، أَوْ بالتقصير في الواجبات والمسؤوليات والأعمال الصالحة التي علينا أن نعملَها ثم لا نعملُها ما كان منها في الإطار العبادي الروحي كالصلاة كالصيام ونحو ذلك ما كان يتعلق منها بالمعاملات هو مساحة واسعة ما كان يتعلق منها بالمسؤوليات كالمسؤوليات العامة كالاهتمام بأمر المسلمين كالعمل على إغاثة الملهوفين ونُصرة المظلومين والوقوف بوجه الظالمين وغير ذلك من المسؤوليات، مسؤوليات واسعة، الاهتمام بهذه الأعمال هو طريقُ النجاة والفوز والسعادة فلا يُمَنِّ الإنْسَـانُ نفسَه لا يَخدَعْ نفسَه يومُ القيامة يومٌ لا بد فيه من الحساب والجزاء وفي الدنيا أَيْـضاً الحساب والجزاء، يقول الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)، الإنْسَـان لا ينقص من عمله الصالح ولا مثقال ذرة وفي نفس الوقت لن يضيع من جناياته وأعماله وإساءاته أي شيء، (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا، وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الذي يحسب أعمالك ويحصي تصرفاتك هو الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى الذي يعد لك ملف الأعمال والأقوال والتصرفات ليجازيك على ذلك هو الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى الذي لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء ولا ينسى شيء، فإذاً الإنْسَـانُ عليه أن يوقن بالجزاء فيجازى على أعماله وتصرفاته جزء من هذا الجزاء يأتي في الدنيا نفسها والله يعلم ويقدر أن يجازيَك في هذه الدنيا بالطريقة التي يريدها هو، وهو قص لنا في القُـرْآن الكريم كَثيراً من أشكال هذا الجزاء ما كان منه عقوبة مهلكة ضربة قاضية بشكل ضربة قاضية مثلما حكى لنا عن أمم وأقوام أهلكها عبر التأريخ قوم نوح حكى لنا أَيْـضاً عن عاد وعن ثمود عن قوم لوط عن أصحاب مدين عن أمم بأكملها أبادها الله وأهلكها أَوْ عقوبات متنوعة مثلما حكى الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَيْـضاً عن أصحاب القرية الذين مسخهم إلى قردة ومخالفاتهم ومعصيتهم كانت مخالفات عملية يعني أصحاب القرية الذين مسخهم الله إلى قردة هم قوم لم يلحدوا لم يعلنوا مَثَلاً إنكار الله وكفروا بالله كفر الجحود مَثَلاً فينكروا الله وينكروا وجوده مثلاً أَوْ يرتدوا ارتداداً كلياً عن الدين مخالفات عملية (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) مخالفة عملية تلك المخالفة العملية عندما عتوا فيها وأصروا على الاستهتار والمواصلة لتلك المعصية في الأخير قال الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى (فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) والعقوبات الإلهية متنوعة عقوبات واسعة عقوبات كثيرة عقوبات كنزع البركات كمشكلة المياه عندما تأتي عقوبات في الأمطار فتشح الأمطار وتنضب الأرض عقوبات إلهية بالتسليط بين العباد وضرب بعضهم ببعض عقوبات إلهية بالأوبئة عقوبات إلهية بأشياء كبيرة جِـدًّا متنوعة يمكن أن تنال البشر على المستوى الجماعي كأمم الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَوْ أقوام قال في القُـرْآن الكريم (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون، أَوْ أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) العقوبات الجماعية التي تأتي على قوم أَوْ على شعب أَوْ على أمة أَوْ على، بحسب مستوى معين أَوْ انتماء معين، العقوبات الفردية والشخصية العقوبات الأسرية العقوبات التي تصل إليك شخصياً الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى قال في كتابه الكريم (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) عذاب قبل عذاب يوم القيامة في الدنيا فالله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى يريد أن يذكر عباده بهذا العذاب الأدنى لعلهم يرجعون لعل الإنْسَـان يحس ينتبه عندما يحس بالألم عندما يحس بالعقوبة الإلهية قال جل شأنه (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) قال سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) أشكال كثيرة للعقوبات الإلهية العاجلة في الدنيا يمكن أن تطال الإنْسَـان ولكن لربما من أخطر وأسوء العقوبات الإلهية الخذلان والزيغ أن الإنْسَـان عندما يسمع الحق عندما يصل إليه الهدى عندما يذكر ثم لا يتذكر ولا يعتبر ولا ينتفع قد يخذله الله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى وهذه من أخطر العقوبات من أخطر الضربات الإلهية أن يخذل الإنْسَـان وأن يُسلب التوفيق فلا يهتدي ولا ينتفع لا ينتفع حتى عندما يُذكَّرُ ولا حتى عندما يؤدّب بالعقوبات الإلهية.
الخذلان وسلب التوفيق وسلب الهداية من العقوبات العاجلة في الدنيا
يقولُ اللهُ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى في كتابه الكريم (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) هذا جانب وجزء من العقوبات الإلهية الخذلان وسلب التوفيق وسلب الهداية أن تقُلب الأفئدة والأبصار بعد الجحود بالحق بعد التعنت على الحق فيبقى الإنْسَـان يعمه في طغيانه ويضيع في باطله وضلاله قضية خطيرة جِـدًّا؛ لأنَّ الإنْسَـان إذا قُلب فؤاده اقتلبت عنده المعايير وانعكست عنده النظرة إلى الأمور بكلها دَائماً يرى الحق باطلاً والباطل حقاً يسير في الطريق الخطأ ويحسب نفسه في الاتجاه الصحيح يعمل ما يعمل ويعتبر نفسه مصيباً وهكذا يقول الله تعالى (فلما زاغوا أزاغ اللهُ قلوبَهم) زاغوا هم ابتداءً انحرفوا عن نهج الحق ابتداءً وخالفوا وعصوا ابتداءً فعوقبوا بأن أزاغ الله قلوبهم خذلهم فلم يعد لديهم قابلية للهداية أبداً يقول الله تعالى (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) يعطيه في قلبه الرغبة وانشراح الصدر والارتياح للدين للحق للهدى (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) يضيق صدره ولا يتحمل ولا يرتاح أبدا للحق يصبح عنده عقده من الحق عقده من الدين عقده من الخير عقده من الأعمال الصالحة لا يتحملها ولا يطيقها نفسيها يصل إلى هذه الحالة من ضيق الصدر كأنما يصعد في السماء (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) فعلى الإنْسَـان أن يرسخَ في نفسه الإيْمَـانُ بالجزاء على الأعمال والعقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة والله سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى جعل لنا درساً مهماً لبني آدم قاطبة في قصة أبينا آدم عليه السلام بعد أن عصى باستزلال من الشيطان وعوقب بشكل عاجل في الدنيا بالشقاء آن ذاك عندما أُخرِجَ من الجنة التي كان فيها حكى الله قصته عليه السلام في القُـرْآن الكريم قال جل شأنه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) أعطى الله آدم رعاية خَاصَّـة وشمله بنعمه التكريمية المعنوية والمادية أولاً هذه النعمة بالتكريم نعمة عالية (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى،… فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) يعني وفرت له فيها كُـلّ أسباب الخير والسعادة والراحة الرفاهية الطعام الشراب الملابس كافة الاحتياجات ومن دون أن يَحْتَـاْج إلى عناء وكد ومشقة (فوسوس لهم الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) ” سورة طه”.
فإذا القصة هنا متكاملة في إعطاء الدرس والعبرة في كيف عمل الشيطان على إخراج آدم من الجنة، على أن يدفع به إلى حالة الشقاء بعد ذلك النعيم والراحة والرفاهية من خلال المعصية من خلال المعصية، وهذا الذي حدث آنذاك.
إن شاء اللهُ ندخل بعدَ هذا الدرس أيضاً في الحديث عن الجزاء في الآخرة ومستقبل الإنْسَـان فيما يتعلقُ بالآخرة بالاستفادة من بعض ما ورد في القُـرْآن الكريم.
نَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
أَنْ يَتَقَبَّــلَ منا ومنكم في هذا الشهر المُبَـارَك الصيام والقيام وصالحَ الأعمال فيه.. أَن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ وأن يشفيَ جرحانا وأن يفرِّجَ عن أسرانا وأن ينصُرَنا بنصرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..