السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرَّمْضَـانَية السادسة عشرة دروس من غزوة بدر: الجانب المعنوي رئيسيٌّ في الصراع ويمثل عاملاً كبيراً في النصر
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
نستمرُّ في الحديثِ عن معركةِ بدر والحديثُ في هذا الموضوع مهمٌّ جِـدًّا، لا سيما على ضَوء الرؤية القُـرْآنية والعَرْض القُـرْآني الغني بالدروس والعِـبَـرِ، والأُمَّـةُ اليومَ تواجهُ تحدِّيـَّـات كبرى، وتعصف بها مآسٍ وحوادثُ وفتنٌ، ويتحَـرّك الأعداء، أعداء الأُمَّـة، أمريكا وإسرائيل ومَن يدور في فلكهم، يتحَـرّكون بكل جُهد للقضاء على هذه الأُمَّـة وتقويض كيانها والسيطرة التامة عليها، والاستعباد للناس في ظل واقع كهذا، في ظل مرحلة كهذه تواجه الأُمَّـة هذه الأخطار نحتاج للاستفادة من التأريخ، لا سيما تأريخنا، واستلهام الدروس والعِـبَـرِ منه، والاقتداء بقُدوتنا وهادينا رَسُـوْلِ الله صلوات الله عليه وعلى آله، ومعركة بدر حسب العرض القُـرْآني في سورة الأنفال، وباعتبارها واقعةً مهمةً جِـدًّا كما سماها الله بيوم الفُرقان، فكانت فِـعْـلاً، كانت حدثا فارقا واستثنائيا ومصيريا غير وجه التأريخ، ما فيها وما ورد بشأنها في سورة الأنفال من الدروس والعِـبَـرِ يحتاج إلى التأمل والاستفادة، ولذلك نحن نحث على الرجوع إلى هذه السورة والعناية بالاستفادة منها والتأمل والتدبر؛ لأنَّ حديثنا هو حديث مختصر، ويركز على نقاط محدودة بحسب الوقت، بحسب الظروف، ونأملُ إن شاء الله أن نستفيدَ من بعض النقاط التي تُرسي بعضَ المفاهيم الأساسية فيما يتعلق بالصراعِ مع الأعداء.
الالتجاءُ إلى الله وتحمُّلُ المسؤولية
حديثُنا هو بالأمس عن رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله، في موقعه العظيم، في مقامه العظيم كرَسُـوْل الله، حركته تعبر عن التوجيهات الإلهية، تجسِّـدُ التعليمات الإلهية في الأرض، ملهمة وهادية، حركته ملهمة وهادية، ويبنى عليها رسم معالم هذا الدين، ومعالم مسؤولياته التي ينبغي أن تسيرَ عليها الأُمَّـة وأن تحذوَ حذوَه فيها الأُمَّـة، لم يكن بإمْكَان رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله في مواجهة تلك التحدِّيـَّـات أن ينكفئ على نفسه وأن يتجاهلَ الواقعَ من حوله، وأن يعتكفَ في مسجده يتفرغ للدعاء والذكر ثم لا يتحَـرّك ولا يتجه إلى هذا الواقع، ولا يتحَـرّك لمواجهة هذا التحدي، لا، هذا بحد ذاته درسٌ مهم؛ لأنَّ البعضَ عندهم قصور في فهم معنى الالتجاء إلى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، فالالتجاء إلى الله عندهم حالة منفصلة عن العمل وتحمّل المسؤولية، وحالة يبررون بها تنصلهم عن المسؤولية، ويجعلون من حالة الدُّعَـاء والذكر وسيلة لتبرير تنصلهم عن تحمُّل المسؤولية، وهذا أمرٌ غيرُ صحيح، لو كان متاحاً لأحد لكان متاحاً لرَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله، الذي هو أعظم الناس قربة إلى الله واستجابة لدعائه، فلو كان الدُّعَـاء بديلاً عن تحمل المسؤولية وعن مواجهة التحدي وعن التضحية والعمل لكان هو الأولى بأن يستجيب الله له دعاءه من دون أن يواجه أي عناء أي متاعب، من دون أن يخوض الأخطار، من دون أن يواجه التحدِّيـَّـات، في حركة الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله، هذا الرَّسُـوْلُ الذي كان يمتلك سيفاً ويمتلك درعاً ويمتلك وسائلَ عسكرية ويحرّك المؤمنين معه ليمتلكوا القدرةَ العسكرية بأقصى ما يستطيعون، ويسعى بكل جهد إلى أن يكونَ واقعُه وواقعُ أمته من حوله قائماً على القُـوَّة وقائماً على العزة والمنعة والكرامة، ويتحَـرَّكُ على هذا الأساس، الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله في حركته في مواجهة التحدِّيـَّـات، في مواجهة الطاغوت والاستكبار يُمَثِّـلُ القدوة العظيمة للأُمَّـة، في زمنه وبعد زمنه وليس في عصره فقط، وهذا ما لوحظ التأكيد عليه في القُـرْآن الكريم في آيات متعددة، فنجدُ مَثَـلاً في سُورة التوبة وهو ينتقد المتخلفين والمتخاذلين من أهل المدينة: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ)، هذا انتقاد عليهم في تخلفهم، نجدُ أَيْـضاً في سورة الأحزاب في عرض أحداث الأحزاب وغزوة الأحزاب وما كان فيها من الشدة والمعاناة والمتاعب والدور المحوري والرئيسي للرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله في التصدي للأخطار والتحَـرّك الجاد لمواجهة ذلك التحدّي، في نفس السياق يأتي قول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
التأسّي بالرَّسُـوْل في عبادته وفي جهاده أيضاً
والبعض ركّزوا جِـدًّا في سياق هذه الآية على التأسّي في الأمور البسيطة جِـدًّا والسهلة جِـدًّا، مطلوبٌ أن نتأسى بالرَّسُـوْل في كُـلّ الأحوال، في كُـلّ ما يطلب منا الاقتداء به فيه، مما كان يؤديه في مقام القدوة، ليس مما يخصه، سواء في أمور الآداب والأَخْـلَاق أَوْ في أمور المسؤولية وما يتصل بها، ولكن أن يقتصر البعض من هذه الآية على بعض الأمور البسيطة جِـدًّا في مَسْأَلَـة السواك عرضاً وفي بعض المسائل المحدودة والبسيطة والسهلة، ولكن عندما تكون المَسْأَلَـة الاقتداء برَسُـوْل الله في الصبر ومواجهة التحدي ضد الطاغوت والاستكبار، في تحمل المسؤولية العامة، في التحَـرّك في كُـلّ الاتجاهات يكون له تبريرات أُخْـرَى وينكفئ وتقدم عن الدين صورة نمطية أُخْـرَى، الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله في هذه الآية المباركة والله يتحدث أَيْـضاً في هذه الآية: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ)، وفي سورة الأحزاب: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وفي سورة التوبة (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ)، لنقول لأنفسنا نحن المسلمين الذين ننتمي إلى هذا الدين قدوتنا فيه هو رَسُـوْلُ الله صلى الله عليه وعلى آله، هو القدوة الأول والمعلم الأول، هكذا كان رَسُـوْل الله الذي علينا أن نقتديَ به، ولا تكونوا فعلياً في حالة اقتداء برَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله إذَا أتيت جانب رئيسي في هذا الدين وجانب تحمل المسؤولية وحاولت أن تتنصل عنه كُـليًّا أَوْ عن تفصله عن التزاماتك الدينية والإيْمَـانية والأَخْـلَاقية وتنطلق فيه بدافع آخر وعناوين أُخْـرَى واهتمامات أُخْـرَى ومن دون التزام ديني وإيْمَـاني وأَخْـلَاقي، بل محاولة للتجرد من ذلك والتحَـرّك وفق هوى النفس ووفق اعتبارات أُخْـرَى، عصبيات، أهواء، رغبات، اعتبارات ثانية، هذه مَسْأَلَـة خطيرة؛ لأنَّ الحالة البارزة في الساحة الإسْلَامية لدى فئات كثيرة وليس لدى الجميع، لدى فئات كثيرة، إما أنهم جمدوا هذا الجانب وانكفئوا عنه في واقع الحياة وخرج عن اهتمامهم كُـليًّا، فمَسْأَلَـة قضايا الأُمَّـة الكبرى، مَسْأَلَـة العمل لإقامة الحَـقّ، للمواجهة للطاغوت والاستكبار، للعمل على تحرير الأُمَّـة وإنقاذها من أعدائها خرج هذا عن اهتمامهم كُـليًّا، يعني البعض يعتبر نفسه غير معني بهذه المَسْأَلَـة لا من قريب ولا من بعيد، ويعتبر نفسَه في ظل ذلك في وضعية طبيعية دينياً وإيْمَـانياً؛ لأنَّه يرى في الإسْلَام تلك العبادات التي جعلها الله لتكون عوناً لنا وتزكية لنا وصلاحاً لنا في اتجاهنا في الحياة وتحمل مسؤولياتنا في الحياة وحركتنا في الحياة ومسيرتنا في الحياة، وليست لتكون هي الغاية، هي وسيلة تزكية ولا بد منها، هي أساسية في هذا الدين وهي أركانه، ولكنها ليست ليكون هذا الدين بدون بناء، وأركان من دون مبنى، أركان ليبنى عليها، هذه فائدة الأركان، أن يكون هناك أركان حتى تكون أساساً يعتمدُ عليه في عملية البناء، فإذا الدينُ من دون بناء، وأن تتصور أن يكون من غير بناء خلاص، ما حصلت الفائدة أصلا، فلا بد منها لكن بوعي بدورها، بوعي بقيمتها وأهميتها حتى لا تكون غير ذات جدوى، غير ذات ثمرة، غير ذات أثر في واقع الحياة؛ لأنَّ اللهَ لا يريدُ لها أن تكونَ كذلك، لا صلاتك ولا صيامك ولا زكاتك ولا حجك، لا يريد الله لها أن تكون طقوساً ميتة جامدة باردة وأعمال وشعائرَ مفرغة من مضمونها من أثرها من قيمتها في الحياة، من أثرها في النفس من أثرها في السلوك، من أثرها بالتالي في الواقع من أثرها المهم جِـدًّا وجداً وجداً في المواقف وفي تحمُّل المسؤولية، فالرَّسُـوْلُ هو في موقع القدوة أنه ما ينبغي لأحد من أمة هذا الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله أن يتخلفَ عن رَسُـوْل الله الذي تحمل المسؤولية، الذي جاهد الذي عانى الذي ضحّى، الذي صبر وصابر، الذي واجه التحدِّيـَّـات الكبيرة، الذي صمد وثبت في مواجهة قوى الطاغوت والاستكبار العالمية والمحلية والإقليمية حسب التعبير السياسي المعاصر، كلها من مشركي قريش إلى الروم، الكل واجهوه والكل حاربوه ولكنه صمد وثبت وتحَـرَّك، بهذه القيم والمبادئ العظيمة التي كان لها أبلغ الأثر في قيام الأُمَّـة الإسْلَامية وفي انتصار هذا الدين، ولا ينبغي لأحد أَبـْـداً أن يفصل اتجاهه في هذه الحياة، في المواقف والولاءات والعداءات والحركة العامة في الحياة عن مَسْأَلَـة المبادئ والقيم، فالدين عنده منحصر في حدود العبادات الروحية، مَثَـلاً في الصلاة ونحوها والصيام ونحوها، أما ما يتعلقُ بالمواقف في هذه الحياة، ما يتعلق بالحركة العامة في هذه الحياة التي يترتب عليها إما العدل وإما الظلم، إما الخير وإما الشر، إما الصلاح وإما الفساد، فيعتبر لا، هذه مَسْأَلَـة ثانية، لا يرتبط فيها لا بمبادئ الإسْلَام ولا بقيمه ولا بأَخْـلَاقه ولا بضوابطه الشرعية، ولا بمقاصده العظيمة والرحيمة والحكيمة، وإنما يتحَـرّك فيها بمزاج نفسه، أَوْ باعتبارات ثانية، وهذا حال كثير من أبناء الأُمَّـة الإسْلَامية وللأسف الشديد، وللأسف الشديد، يعتبر أنه في مَسْأَلَـة الولاء والعداء يوالي من أراد، يوالي ترامب، ويوالي نتنياهو، من قبل يوالي شارون وإلّا بوش، ما عنده مشكلة في هذا أن يقفَ مع أي طرف في هذا العالم، فيما يعزّز نفوذه وسيطرته، فيقف مع أمريكا فيما يعزّز نفوذها وسيطرتها على أبناء أمته، ما عنده مشكلة في هذا، يعتبر هذا أمرا طبيعيا لا علاقة له بالإسْلَام ولا بالدين ولا بالمبادئ ولا بالأَخْـلَاق ولا بالتعليمات ولا بشرائع ولا بأي شيء، ويتحَـرُّكُ أَيْـضاً البعضُ باعتبارات أُخْـرَى، اعتبارات مادية بحتة، توجه مادي بحت، مع أن التوجه المادي وأن تبنى عليه المواقف والولاءات والعداوات والحركة في هذه الحياة في ما يتجه فيه الإنْسَـان تجاه الآخرين إيجاباً أَوْ سلباً ممنوع في الإسْلَام أن يكون ضمن على أساس مادي هذه المَسْأَلَـة منسوفة في الإسْلَام؛ لأنَّك كمسلم يجب أن ترتبط بمبادئ وقيم وأَخْـلَاق وضوابط شرعية إذَا أنت تعي هذا الإسْلَام إذَا أنت ترتبط بقُـرْآنه ورَسُـوْله ونبيه وهو على هذا النحو وليس مسلماً يتبع صهيونياً يوالي الصهاينة يقف في صفهم ضد أبناء أمته يوالي من يوالوه من يواليه ويعادي من يعاديهم أي انتماء هذا أي توجه هذا، فالرَّسُـوْلُ هو في موقع القدوة، ما ينبغي لأحد أن يتخلفَ في تنصُّله عن المسؤولية في تنكُّره للجهاد بمفهومه القُـرْآني العظيم ولا أن يفصلَ حركتَه في ولائه وعدائه وموقفه واتجاهه في هذه الحياة عن المبادئ والقيم والأَخْـلَاق عن التي تحَـرّك عليها الرَّسُـوْل وبناءً عليها انطلق رَسُـوْل الله صلى الله عليه وآله وسلم فنتعلم من رَسُـوْل الله هذا الالتزام بهذه المبادئ والقيم والتعليمات والضوابط الشرعية ونتعلم منه كيف نتحمل المسؤولية كيف نتحَـرّك كيف نواجه التحدِّيـَّـات كيف نمتلك الاستعداد العالي للتضحية والاستعداد الكبير للصبر والتحمل وبناءً على ذلك ننطلق ونتحَـرّك فهذه الآيات آيات مهمة جِـدًّا {كَما أَخرَجَكَ رَبُّكَ} [الأنفال: 5] تقدم لنا رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله في هذا الموقع، معركة بدر كانت بين اتجاهين اتجاه يُمَثِّـلُ دعوة الله دعوة الحَـقّ التي هي دعوة خير فلاح وعزة وكرامة وتحرر لهذا الإنْسَـان دعوة الله هي تحرير للإنْسَـان من عبودية الطواغيت من عبودية العباد هي حذف لكل أشكال الربوبية والاستعباد والاستغلال في الواقع البشري وشطب لذلك وتعبيد للناس لربهم لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، وهذا أول عنصر وأول مَسْأَلَـة تُمَثِّـلُ إشكالية كبيرة جِـدًّا مع قوى الطاغوت والاستكبار في الأرض فالذي كان يسعى له أبو سفيان وأبو لهب وأبو جهل ومن معهم وكذلك ما كان يسعى إليه أمثالهم من زعماء اليهود أَوْ أمثالهم آنذاك من زعماء الروم أَوْ الفرس أَوْ غيرهم كُـلّ القوى التي كانت قائمة في الساحة هو نفس ما يسعى له اليوم ترامب ما يسعى له نتنياهو ما يسعى له اليوم أدواتهم التي تتحَـرّك معهم السيطرة على هذا الإنْسَـان والاستعباد للبشر والتحكم في هذه الحياة والاستغلال والنهب للخيرات والمقدرات وممارسة الظلم الطاغوت كُـلّ ما لديه هو الظلم والاستعباد والتحكم والاستحواذ بعيدا عن منهج الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، والمعركة في بدر كانت مصيرية بين هذين الاتجاهين لو نجح أعداء الإسْلَام مَثَـلاً في قتل رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله والقضاء على ذلك الجيش الإسْلَامي الذي هو قليل العدد والعدة مقارنة بأعدائه ومقارنة بالتحدي والخطر ومقارنة بالإمْكَانات التي يمتلكها أعداؤه لكان لهذا امتداد سلبي جِـدًّا في واقع البشرية ولكن ذلك الانتصار العظيم للإسْلَام لرَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله والمؤمنين معه مثل عاملاً رئيسياً لصالح المستضعفين لقيام دعوة الحَـقّ وتحقّـق العدالة في الأرض وكسر شوكة الطاغوت كسر شوكة الطاغوت فما تلاه من أحداث كان لها أَيْـضاً آثار مهمة جِـدًّا حتى مرحلة استكمال كسر ذلك الطاغوت في ذلك العصر وقيام دعوة الحَـقّ الدرس مهم جِـدًّا الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله عندما تحَـرّك واجه جملة من الاعتراضات وأَكْثَـر من مَسْأَلَـة الاعتراض الانتقادات الشديدة التثبيط والتخذيل، أولا على مستوى الانتقاد يقول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى {وَإِنَّ فَريقًا مِنَ المُؤمِنينَ لَكارِهونَ * يُجادِلونَكَ فِي الحَقِّ بَعدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقونَ إِلَى المَوتِ وَهُم يَنظُرونَ} [الأنفال: 5-6] وهذا الكره الخروج وهذه المجادلة ومحاولة الإقناع للنبي صلوات الله عليه وعلى آله بالتراجع عن موقفه ناتجة وناشئة من رؤية قاصرة ومن فهم محدود لطبيعة المعركة ولطبيعة الصراع مع قوى الطاغوت والاستكبار تحدثنا عن هذا في محاضرة سابقة، من الواضع أنهم هم المخطئون هؤلاء المنتقدون وأن رَسُـوْل الله هو على الصواب ولهذا قال الله {يُجادِلونَكَ فِي الحَقِّ} [الأنفال: 6] ويقول أَيْـضاً {بَعدِ ما تَبَيَّنَ} [البقرة: 109]؛ لأنَّ المَسْأَلَـة مَسْأَلَـة نفسية بالدرجة الأولى والكثير من الناس تؤثر عليهم الحالة النفسية ليبنوا عليها مواقف خاطئة أَوْ يسعوا من خلال ذلك إلى فرض قرارات خاطئة وهذا شيء خير سليم وغير صحيح، فئة أُخْـرَى كان لها أَكْثَـر من ذلك تثبيط تخذيل سعي لمحاولة التأثير على حركة الرَّسُـوْل والمؤمنين معه {إِذ يَقولُ المُنافِقونَ وَالَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ غَرَّ هٰؤُلاءِ دينُهُم ۗ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ} [الأنفال:49] أما هم هذه الفئة فئة المنافقين وفئة الذين في قلوبهم مرض فكان عملهم في الساحة للتخذيل والتثبيط والانتقاد الشديد والتشكيك في جدوى المعركة يقلك ما به فايدة ما به فايدة أَبـْـداً خلاص ما أمام الناس خيار إلا الاستسلام الخروج والحركة والموقف مغامرة وانتحار وعمل عبثي لا جدوى له لا فائدة له لا نتيجة منه وهذه الفئة تتحَـرّك في الساحة في كُـلّ زمان في كُـلّ زمان فئة المنافقين وفئة الذين في قلوبهم مرض تتحَـرّك في الساحة للتخذيل للتثبيط للإرجاف للتهويل لهز المعنويات لكسر الإرَادَة في كُـلّ عصر وفي كُـلّ زمن ولا سيما إذَا كان هناك تحدِّيـَّـات كبيرة وأحداث كبيرة وأحداث مصيرية وهم يتحَـرّكون المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتحَـرّكون بلا مسؤولية بلا نصح لا إرَادَة خير للناس بغباء كبير وبشكل سلبي للغاية يقولُ اللهُ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى {وَيُريدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ} [الأنفال: 7] ويعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ]، إحقاق الحَـقّ حتى يتحول إلى حالة قائمة في واقع الحياة لا يبقى فقط في الكتب في بطون الكتب حقا مسطوراً ومكتوباً أَوْ يبقى حالة دعوية في الساحة، كلام لا يعمل به لا يلتزم به لا يلتفت إليه لا يطبق في واقع الحياة.
الحَـقُّ لا يُطبَّقُ ولا يُعتمدُ عليه إلا بالتحَـرّك وتحمُّل للمسؤولية
الحَـقُّ لا يتحوَّلُ إلى حقيقة قائمة في واقع الحياة يُعمَلُ به يُلتزَمُ به ويُطبَّقُ ويُعتمدُ عليه إلا بعمل إلا بتحمُّل للمسؤولية إلا بتحَـرّك إلا بتضحية إلا بمواجهة؛ لأنَّ هناك مَن لا يقبل بأن يكون لهذا الحَـقّ وجودٌ وحضورٌ فعلي عملي سيادي في واقع الحياة.
قوى الطاغوت والاستكبار والظلم والاستحواذ والهيمنة والسيطرة بهواها بأجندتها بباطلها تريد أن تتحكم بالساحة أن تستبعد هذا الإنْسَـان أن تستحوذ عليه أن تتحكم به ولما فيه مصلحتها لما يحقّـق نفوذها وأهدافها وأطماعها ومآربها فإذا أراد هذا الإنْسَـان أن ينطلق في واقع حياته بناءً على هذا الانتماء للحق في مبادئه في قيمه في أَخْـلَاقه في تعليماته وأن يتحرر من هيمنة قوى الطاغوت والاستكبار تغضب قوى الطاغوت والاستكبار وتسعى لمواجهته ومع العمل بذلك الحَـقّ وفرض أجندتها بالباطل وفرض أهوائها بالباطل فرض سياساتها وتوجهاتها الخادمة لأغراضها وأهوائها وأطماعها وغير العادلة غير العادلة نهائيا هل تمتلك أمريكا اليوم أطماع مشروعة؟ هل تسعى لفرض أجندة محقة؟ هل تسعى لخير البشرية حتى تغضب على هذا أَوْ ذاك لماذا لا ينفذ أجندتها لماذا لا يطيعها؟ أم أن كُـلّ الحسابات لدى تلك القوى الرأسمالية كلها أطماع وجشع وأهواء ونهب واستحواذ وسحق للشعوب وظلم للبشرية وطغيان واستحواذ على خيرات الناس، لا ينطلقون بحساب مصلحة هذا الإنْسَـان والخير لهذا الإنْسَـان والكرامة لهذا الإنْسَـان والعزة لهذا الإنْسَـان، لا، لا أَبـْـداً، حساباتهم كلها أطماع أهواء رغبات طغيان حالة من الطغيان الذي يتحَـرّكون من خلالها في هذا العالم ويحركون معهم من يتجند معهم ويخدمهم فيه، فالحَـقّ لا يتحول إلى حالة قائمة إلا بمواجهة إلا بتحدِّيـَّـات، إذَا أنت تريد أن تكون حرا في هذه الحياة وأن تخضع نفسك لله بمبادئ الحَـقّ للقيم والأَخْـلَاق إذَا أي مجتمع يريد ذلك إذَا أي أمة تسعى لذلك لا يتحقَّـقُ لها ذلك إلا بعد أن تحسمَ هذه المواجهة مع قوى الطاغوت والاستكبار؛ لأنَّ قوى الطاغوت والاستكبار تلقائياً هي لا تسمح هي تتوجه للمنع ما إن تسمع صوت الحرية والحَـقّ ما إن تلحظ مجتمعاً معيناً هنا أَوْ هناك يريد أن يكون مجتمع حراً وأن يتحَـرّك لإقامة الحَـقّ والعدل والخير في واقعه إلا وسعت قوى الطاغوت والاستكبار إلى منعه ومحاربته والمنع له بالقوى إذَا لم يمتنع فتكون هذه المواجهة حتمية حتمية بين قوى الشر والطاغوت الساعية لاستعباد البشرية والهيمنة عليها والسيطرة عليها والتحكم بها والاستغلال لها الذي لدى قوى الطاغوت استعباد واستغلال لهذا الإنْسَـان لصالحها هي على العكس من رؤية الحَـقّ والدين والإسْلَام التي تتجه إلى هذا الإنْسَـان ليس لاستغلاله ليس لاستعباده ليس للاستحواذ عليه بل لتحريره لعزته لكرامته للأخذ بيده في طريق الخير والعز والكرامة في صراط العزيز الحميد حيث العزة وحيث الحمدُ حيث السمو وحيث الشرف حيث الخير في الدنيا والآخرة حيث الانعتاق لهذا الإنْسَـان من كُـلّ أشكال الاستعباد والاستغلال.
المواجهة حتمية لإحقاق الحَـقّ وإبطال الباطل
إحقاق الحَـقّ وإبطال الباطل كان لا بـُـدَّ فيه من هذه المواجهة من هذه المواجهة هذه مَسْأَلَـة حتمية يجب أن نستوعبها جَيِّـداً؛ لأنَّه يبنى عليها اتجاه الإنْسَـان في هذه الحياة، في حركة الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله والمؤمنين معه كانت المعايير التي اعتمد عليها في موقفه وكذلك الاعتبارات التي انطلق من خلالها في حركته كلها إلهية كلها حسب التوجيهات الإلهية ولذلك مَثَـلاً لم يعتمد في حركته صلوات الله عليه وعلى آله على نظرة التكافؤ المادي والتكافؤ في العدد والعدة فيما بينه وبين العدوّ كانت إمْكَانات العدوّ كبيرة وكان عددهم أَكْثَـر وكانت إمْكَانيات المسلمين إمْكَانيات متواضعة وكذلك كان عددهم أقل فما الذي اعتمد عليها الرَّسُـوْل والمؤمنون معه يقول الله {إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلّا بُشرىٰ وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم ۚ وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ} [الأنفال: 9-10] يأتي الدُّعَـاء وتأتي الاستغاثة بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى والالتجاء إلى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في هذا السياق العملي مع التحَـرّك مع العمل مع تحمل المسؤولية ولا بد من هذا الجانب أَيْـضاً لا بـُـدَّ من الدُّعَـاء ولكن مع تحمل المسؤولية مع الحركة مع الفعل مع العمل مع الموقف والالتجاء إلى الله والاستغاثة بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى مَسْأَلَـة أساسية لخوض الصراع في مواجهة التحدِّيـَّـات والانطلاقة بهذا الإحساس بهذا الشعور وبهذا الوجدان أنا ننطلق ونحن نعتمد على الله ونحن نراهن على الله ونحن نتوكل على الله ونحن نثق بالله أنه خير الناصرين وأنه نعم المولى ونعم النصير وأنه كفى به ولياً وكفى به نصيراً، وأنه إذَا وفّرنا في واقعنا الأسباب المعنوية والعملية للنصر يتوفر النصر.
الجانب المعنوي رئيسيٌّ في الصراع
يُمَثِّـلُ الجانب المعنوي الجانب الرئيسي للمعركة وللصراع وفي مواجهة التحدِّيـَّـات ويعطيه القُـرْآن أهميّة كبرى وهي مَسْأَلَـة بديهية لدى البشر الذين أجمعوا في كُـلّ الدنيا أن الجانب المعنوي رئيسي جِـدًّا في معادلة الصراع والمواجهة ولذا هناك أشياءُ كثيرةٌ جِـدًّا تتجه صوب الجانب المعنوي لتقويته وتعزيزه، لاحظوا في هذا العصر مَثَـلاً من أَكْثَـر ما تمتلكه قوى الطاغوت وتركز عليه وتعتمد عليه بشكل كبير جِـدًّا إمْكَاناتها الإعلامية لديها ماكنة إعلامية كبيرة جِـدًّا وقُـوَّة إعلامية هائلة تعتمد عليها بشكل كبير في خوض معركتها ضد المستضعفين وضد المظلومين المضطهدين وتُمَثِّـلُ إمْكَاناتها الإعلامية سلاحاً رئيسياً وقبل السلاح العسكري وهو الذي تعتمد عليه في إعطاء خطواتها العسكرية تأثيرات كبيرة في الساحة فتمهّد لأية خطوة عسكرية بالإعلام تمهّد بل تحارب به وتحقّـقُ من خلاله تأثيرات في الساحة تأثيرات في الرأي العالمي تستهدف هذا الإنْسَـان في تفكيره وفي رؤيته وفي فكرته قد تصنع متغيرات في كثير من المناطق في كثير من البلدان تؤثر في الناس أَحْيَـاناً وتغير موقفهم بالكامل وتحَـرّكهم في اتجاه خاطئ من خلال هذه الماكنة الإعلامية هذه الإمْكَانات الإعلامية تلك القدرات الإعلامية التي تشتغل بوسائلَ وأساليبَ كثيرة جِـدًّا أساليب ووسائل متنوعة ومتعددة وتستهدف أَيْـضاً كسر الروح المعنوية وزرع حالة الإحباط واليأس وتعزّز نظرة الانبهار بها وبقدراتها حتى يصل البعض في انبهاره وتأثره إلى حد اليأس والشعور بالعجز التام عن إمْكَانية المواجهة أَوْ الخروج عن هذا الاتجاه وحتى يرى البعض في هذا الاتجاه لقوى الطاغوت والاستكبار اتجاها مصيرياً وحتمياً وغالباً ولا يستطيع أحدٌ أن يقفَ في وجهه وما من خيار إلا الدخول فيه والانضواء تحته، هذه حالة خطيرة جِـدًّا الجانب المعنوي هو الأساس إذَا امتلأ الناس بإيْمَـانهم الواعي إيْمَـانهم الواعي، الإرَادَة المعنوية والقُـوَّة المعنوية اللازمة في مواجهة الطاغوت والاستكبار تتغير المعادلة تَمَاماً تتغير المعادلة تَمَاماً، وهذا ما كان في تلك المرحلة، مَثَـلاً في مرحلة زمن الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله ولها شواهد مما قبل مع الأنبياء في الماضي ما قبل رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله وما بعد أَيْـضاً في التأريخ ولها شواهد في تأريخنا المعاصر في زمننا هذا، الجانب المعنوي جانب رئيسي يجب أن نعي ذلك وأن نعمل عليه وأن نركز عليه وأن نشتغل عليه والإنْسَـان المؤمن المرتبط بهدى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى والمتوكل على الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى والمستوعب لهدى الله الذي يصغي للهدى ويتفهم هذا الهدى، هو في المقدمة يستفيد هذه الطاقة المعنوية وهذه المعنويات العالية التي تساعده في مواجهة هذه التحدِّيـَّـات الكبرى ولاحظوا قوى الطاغوت والاستكبار هي تعمل أشياء كثيرة جِـدًّا ترجع كلها إلى هذا الجانب إلى التأثير على الجانب المعنوي لدى الإنْسَـان في فكره أَوْ في نفسيته وإرادته المعنوية في صموده إذَا أصيب الإنْسَـان بالانهيار المعنوي كسرت إرادته وتغير موقفه وبالتالي وصلوا إلى إمْكَانية السيطرة عليه، ولذلك نلحظ في معركة بدر أن الإمداد الإلهي بالملائكة ما الذي كان يهدف إليه إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا كان الدور المعنوي رئيسياً في مهمة الملائكة عندما نزلوا في معركة بدر وتحَـرّكوا بين أوساط المؤمنين كان مهمة أساسية وكان هذا الدور فثبت الذين أمنوا هو دور معنوي دور معنوي على أساس أن يسعوا لرفع معنويات المؤمنين فيما يساعدهم على الثبات، ولاحظوا أيضاً في كثيرٍ من التدابير الإلهية (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) جملة من التدابير هادفة إلى رفع المعنويات ولذلك من المهم جداً التركيز في الصراع مع الأعداء على الجانب المعنوي وعلى مستوى الفكرة والرؤية وعلى مستوى الحالة النفسية في الأمل في الصمود في الثبات في الإباء، الجانب المعنوي فيه جوانب متعددة الفكرة أولاً:
الوثوقُ بالله ونصره مَسْأَلَـةٌ إيْمَـانيةٌ إذَا خسرها الإنْسَـانُ خسر إيْمَـانَه
أن لا تفقد الأمل بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى أنْ لا تفقد ثقتك بنصر الله وبإمْكَانية نصر الله حتى لو حصل أحياناً تراجعات أَوْ هزائم هي لخلل في الواقع العملي هي للمشاكل العملية لكن لا تنظر إلى المَسْأَلَـة أنها مَسْأَلَـة معادلات حتمية لا يمكن كسرها، لا، كن دائماً الوثوق بالله وبنصره دائماً هذه مَسْأَلَـة إيْمَـانية إذَا خسرها الإنْسَـان خسر إيْمَـانه، إذَا ساء ظنك بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى وبوعده بالنصر أصبح عندك مشكلة إيْمَـانية لم تعد مصدقاً بوعد الله مثل ما حصل لبعض المنافقين والذين في قلوبهم مرض في غزوة الأحزاب وصلوا إلى مستوى سوء الظن بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى إلى أن يقولوا (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) فالجانب المعنوي عمادهُ أساسهُ الثقة بالله، الثقة العظيمة بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى والوعي بطبيعة التقلبات في الميدان، أن الانكسارات في بعض الأحيان هي ناتجة عن خلل عن تقصير عن تفريط وليس أن هناك معادلات ثابتة لا يمكن كسرها، أن العدوّ؛ لأنَّهُ يمتلك إمْكَانات أَكْثَـر لا يمكن أن نصمُدَ بوجهه لا، هذا غير صحيح أبداً.
الشواهدُ على مَرِّ التأريخ وفي زمننا هذا عشناها وشاهدناها ورأيناها في واقعنا وفي واقع غيرِنا تُثبِتُ غيرَ ذلك، يُمكِنُ هزيمةُ العدوّ الأقوى عدةً والأَكْثَـر عدداً إذَا توفرت في واقع المؤمنين والمستضعفين أسبابُ وعواملُ النصر المعنوية والعملية، إذَا أخذوا بتلك الأسباب انتصروا، إذَا فرطوا إذَا قصروا إذَا حصل عندهم خلل إذَا حصل عصيان إذَا حصل سببٌ من تلك الأسباب العملية هذا يؤثِّرُ عليهم، يؤثِّرُ عليهم في الواقع هذه مَسْأَلَـة في غاية الأهميّة على مستوى الرؤية والفكرة على مستوى النفوس الإباء والعزة والقُـوَّة النفسية والكرامة والإحساس بالكرامة هذه مَسْأَلَـة مهمة جداً يربي عليها القُـرْآن ويربي عليه الإسْلَام النفس البشرية حتى يكون الإنْسَـان في نفسه المتشبعة بالكرامة ونفسه المتربية على الإباء غير قابل بالانكسار غير قابل للهزيمة غير قابل للضعة والهوان والإذلال وكذلك على مستوى مكارم الأَخْـلَاق وكذلك على مستوى وعي الإنْسَـان بحقيقة الأحداث وخلفياتها ونتائجها كذلك على مستوى ارتباط الإنْسَـان بالمدد الإلهي حتى بالحالة التي يشعر فيها بالضعف والوهن يرجع إلى الله يستمد منه على الدوام الطاقة المعنوية يطلب منهُ أن يفرغ عليه الصبر ربنا أفرغ علينا صبراً يستمد منهُ العون على الدوام وهكذا ويحظى بهذه الرعاية الإلهية.
يتجه في الأساس جانبٌ كبيرٌ من الرعاية الإلهية والدعم الإلهي والعون الإلهي يتجه إلى الحالة المعنوية لدى الإنْسَـان فيُمَثِّـلُ ذلك عاملاً كبيراً في النصر، يبقى هناك اعتبارات أُخْـرَى، الإعداد بما نستطيعُ من قوّة، الصمود والثبات، الحذر من التنازُع، الطاعة والانضباط، التحَـرُّك بشكل منظّم وفاعل، جملة من التدابير والإجراءات التي تحدثت عنها السورة المباركة سورة الأنفال التي تتضمن دروساً عظيمةً ومهمة.
نكتفي بهذا القدر لبعضِ المفاهيم الرئيسية المتعلقة بالموضوع.
نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى أن يُوَفِّــقَنا وإيَّاكم لما يُرضِيه عَنَّـا، وأن يُثَبِتَنَا وإياكم في موقفِ الحَقِّ وأن ينصُرَنا بنصرِه، وَأَن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جرحانا وأن َيُفَرِّجَ عن أسرانا.. إِنَّهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..