برنامج رجال الله .. دروسٌ من هدي القرآن الكريم.. معنى التسبيح

 

التسبيحُ يُمَثِّلُ قاعدةً مهمةً، ومقياسًا مهمًا جدًا؛ لذلك كان من المهم أن يتكرر في الصلاة التي تتكرر هي في اليوم خمس مرات، وأمر الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- عباده المؤمنين بتسبيحه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب:41 – 42) {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم:17).

ووردت أخبار بأذكار معينة: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) روي عن الإمام زيد (عليه السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) أنه قال في هذه التسبيحة: (أن من سبحها مائة مرة في اليوم دفع الله عنه سبعين نوعًا من البلاء أدناها أو أهونها القتل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

التسبيح – كما قلت سابقًا – يعتبر قاعدة مهمة جدًا، نكرر التسبيح في صلاتنا، وفي كُلّ أوقاتنا ليترسخ معناه، فتكون نظرتنا إلى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- نظرة تقوم على أساس تنـزيهه، وتقديسه -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-؛ لأننا لما كانت إدراكاتنا محدودة، وما يمكن أن نتعقله من الأشياء أيضًا تكون إمكانية التعقل لدينا محدودة أيضًا، وأفعال الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- قد يكون هناك أفعال من أفعال الله، شيء من مخلوقات الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- لا نفهم نحن وجه الحكمة فيها، لا ندرك نحن الغاية من فعلها، أو من تشريعها، أو من خلقها، فإذا ما كنا نستشعر دائمًا تنـزيه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في ذاته وفي أفعاله، وفي تشريعاته، فستكون هذه القاعدة هي التي تحافظ على سلامة إيْمَـاننا بالله، وحسن ظننا به، واستمرار إيْمَـاننا بنزاهته، وقدسيته -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-.

وما أكثر ما نجهل من الأشياء في مخلوقات الله، وفي تشريعات الله، ما أكثر ما نجهل وجه الحكمة فيها، أو إدراك الغاية منها، ولكننا نقطع بأن الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ما دام وقد ثبت أن هذا فعله فهو الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة، ونقطع فيما ثبت لنا من تشريعه وهدايته مما لا ندرك وجه الحكمة فيه: أن الله لا يشرِّع إلا تشريعًا فيه حكمة، فليس هناك عبث في أفعاله، ليس هناك تلاعب في أفعاله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، هو الحكيم.

التسبيح لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أيضًا أمام ما نسمع من هنا أو هنا من مقولات تنسب إلى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-.. فنحن سنعتمد على هذه القاعدة، وسيتجلى لنا من خلالها بطلان ذلك القول، أو تلك العقيدة؛ لأنها تخالف ما يجب علينا أن نحكم به، ونعتقده، وننطق به من تنـزيه الله.

وقد جاء التسبيح – كما كررنا ذلك في جلسات متعددة – جاء التسبيح لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- واسعًا جدًا {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة: من الآية1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر1ا) الملائكة كما حكى الله عنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20)، فهذا الاستنفار العام لكل المخلوقات أن تنطلق في تسبيح الله تعالى بلسان المقال، ولسان الحال يدل على أهميّة أن نتعقل التسبيح، يدل على أهميّة أن تملأ نفوسنا مشاعر التنـزيه لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، وأن من يغفل عن هذه القاعدة سيقع في الضلال، تفسد عقائده، يؤمن بالباطل؛ فينسب إلى الله القبائح، ينسب إليه الفواحش، ينسب إليه الظلم! وهذا ما حصل عند كثير من البشر، يجعلون لله شركاء، يجعلون لله أندادًا، يجعلون معه آلهة! هذا ما حصل عند كثير من البشر، وهو حاصل عند كثير من المسلمين!.

هناك عقائد كثيرة منتشرة عند أغلب المسلمين تتنافى منافاة صريحة مع جلال الله، وقدسيته، وحكمته، وعظمته! فأولئك يسبحون الله بأفواههم، ويرون كم عرض القُـرْآن الكريم من آيات تؤكد أهميّة التسبيح، ولكنهم قد انعقدت قلوبهم على عقائد معينة استوحوها من أحاديث، فلم يعودوا إلى القُـرْآن بالشكل المطلوب، ومن عاد إلى كتاب الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- فلن تفسد عقيدته ولن يضل.

نحن نسبح الله في الصلاة أثناء القيام، نسبحه أثناء الركوع، نسبحه أثناء السجود، يعني ذلك: أنه يجب علينا أن نسبح الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في كُلّ أحوالنا، في كُلّ الأحوال التي تمر بنا نحن، عندما يحصل لك مرض شديد، عندما يحصل لك شدة من المصائب، أو من الفقر، أو من أي نكبة تحصل عليك، أو أي مشكلة تقع فيها يضيق بها صدرك.

بعض الناس يسيء الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب:11) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) بدأت الظنون السيئة.

عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40) فيمر الناس بشدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، وتنـزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أو بأن ينصرنا وَيؤيدنا] أو ابحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم، ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جدًا في آثارها.

وقد حصل مثل هذا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الحديبية، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية، ثم دخل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مصالحة معهم، وكانت تبدو في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة، لكن حصل في تلك المصالحة هدنة، هدنة لعدة سنوات كأنها لعشر سنوات تقريبًا.

لاحظ ماذا حصل؟ بعد ذلك الصلح الذي دُوِّن وفيه بنود تبدو قاسية، وظهر فيه المسلمون وكأن نفوسهم قد انكسرت، كانوا يظنون بأنهم يدخلون مكة، ثم رأوا أنفسهم لم يتمكنوا من ذلك فرجعوا، بعد هذه الهدنة توافدت الوفود على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من مختلف المناطق في الجزيرة العربية واليمن وغيرها، وفود إلى المدينة ليسلموا، فكان ذلك يعتبر فتحًا، وكان فتحًا حقيقيًا في ما هَيأ من ظروف مناسبة ساعدت على أن يزداد عدد المسلمين، وأن يتوافد الناس من هنا وهناك إلى المدينة المنورة إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليدخلوا في الإسلام، فما جاء عام الفتح في السنة الثامنة إلا ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد استطاع أن يجند نحو اثني عشر ألفًا، الذين دخلوا مكة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com