شهيد بيحان جاءكم من المناطق المحتلة بالنبأ اليقين

 

أبو الحسين باعلوي

الشهيد محمود جمال السيد (أبو مالك) من أبناء مديريه بيحان أعطوه الأمان لينزل بلاده ثم قتلوه غدراً.

وللتعريف به فهو من الرجال الأوائل الذين حملوا مظلومية الأمة وهَمَّــها، وممَّن دافعوا عنها لسنوات في جميع ميادين العزة والشرف، لقد أعار الله جمجمته متنقلاً من ميدان إلى آخر، خاض في الحرب أهوالها وغمارها ضد قوى العدوان الغشوم الظلوم على وطننا والمستبيح لدماء أبناء أمتنا، فلم يصب في الحرب بأذى، فمهمتُه كانت من نوع آخر، كانت مهمة رسالية سطّرها بدمائه الطاهرة ليكشف لنا حقيقة ربما تغافل البعض عن فهمها وإدراكها.

في لقائه مع أحد الإخوة وجّه له أحدُهم كلاماً من باب المزاح (كنا نحسبك قد استشهدت) رَدَّ بابتسامة: (الله بقانا لأمر عظيم) وحقاً إنه قدم للأحرار رسالة عظيمة، مفادها أن قوى الاحتلال والغزو لا أمانَ لهم ولا عهد ولا ذمة.

الشهيدُ محمود جمال السيد استشهد أحد إخوته وأسر الآخر، وقد تواصل الشهيد بأحد القيادات الإصلاحية يطلب الأمان حتى يزورَ اهله، وهذا القيادي من أبناء قبيلته، وقد أعطاه الأمان فنزل بلا سلاح حتى وصل لأهله في محافظه شبوة مديريه بيحان.

وفي اليوم الثاني من أيام عيد الفطر المبارك غدروا به وحاصروه وهو في سيارته برفقه شخصين كانا معه وطلبوا أن يسلم نفسه، فأبى إلا أن يقاتلهم وقاموا بإطلاق النار عليه وعلى من معه في السيارة وقتلوهم جميعاً.

لقد مضى شهيداً على أيادي الغدر والخيانة، مبيناً لمن لا يزال شاكاً أَوْ مرتاباً أَوْ متعذراً أن العدوّ إذَا ما سيطر على منطقة فإنه سيقوم بتصفية كُـلّ من خالفه أَوْ كان له موقف في مواجهته.

حتى إذَا أعطى لك الأمانَ فلن يلتزم به، حتى إذَا التزمت الحياد فحيادك لن يشفع لك وسيكون انتقامه بلا مقاومة، وسيسعى للانتقام وستكون الدماء التي تسفك أَكْثَــر مما تسفك في مواجهته.

فهذه فحوى رسالة الشهيد (أبو مالك) التي سطّرها بدمائه الزكية وروحه الطاهرة، لقد ضحّى بدمه كي لا نجعل دماءنا رخيصةً، وإذا كانت ستُسفك فعلينا أن نجعلَ لها ثمناً غالياً يُعيد للأمة عزتها وكرامتها وتحفظ بها نفوس أخرى، وهذا أفضل من أن تسفك بلا فائدة.

ذلك الذي يعتقد بأن حياده وقعوده سينجيه!

نقول له: إن في هذه القصة دلالاتٍ وعبراً تبين لك العاقبة وتريك إياها قبل حدوثها.

نقول لمن يخادع نفسه عليك أن تتعظ، وأن تصدقَ مع نفسك وتنصفَها وتصونها ولا ترتضي لها ترخيصَ الهيانة..

يقول الإمام علي عليه السلام: (فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ، وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الْأَيَّامِ الَّتِى تَكُونُ مِنْكُم فِيهَا الْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ؛ وَلاَ تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ، وَلاَ تُدَاهِنُوا فَيَهْجُمَ بِكُمُ الْإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ وَالْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ.)

إن من يملك ذرة من عقل سيجد العبرة والموعظة من هذه الحادثة وأمثالها وسيتعظ قبل أن يتعظ به غيره..

فمثل هذا العدوّ الغادر علينا أن ندرك خطورته قبل فوات الأوان، فيقف الجميع لمواجهته، وأيضاً علينا أن لا نقع في هذا الخطأ الذي وقع فيه العدوّ وأن نفتح المجال للمسيء أن يعود عن إساءته ولا نقفل الباب على من خالفنا، وأن نعذر الجاهل لجهله فلسنا معصومين، وأن نعين من يريد الجهاد والإصلاح ولا نغلق باباً قد فتحه الله ورسوله.

لعل البعض يبرر لنفسه من منطلق القياس الخاطئ وكثرة الحذر، الحذر لا يقي مما هو آتٍ، والحسابات الخاطئة توقع في المحذور..

الخير كُـلّ الخير في التقوى وقدرُ الرجل على قدر همِّته، فالرجالُ بهمتهم وعزائمهم، فإن ضعفت العزائم والهمم أوردت صاحبها خزياً وعاراً حتى يرى في الذل حياه، حينها يكون قد فقد دنياه وآخرته ولم تبقَ له إلّا الحسرة والندامة، وأن علت فعلوها لا يكون إلا إذَا كانت نفوس أبية وأنوف حمية لا ترى في الذل حياتها.

فكُلٌّ يحدد المكان الذي يريده لنفسه، فقد أعطاك الله الاستطاعة (السمع والبصر والفؤاد والعقل والمعرفة التي تميز بها بين الخير والشر)!

إن المصيرَ الدنيوي الزائل لا يعتبر مصيراً ولا يعتبر خسارة عند العقلاء.. الخسارة هي أن تخسر نفسَك وتذهب بها في غير سبيل المؤمنين. قال تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [سورة الشورى 45]..

فقرارُك ومصيرك بيدك لا بيد غيرك إما أن تكون مع قضايا أمتك وإما أن لا تكون شيئاً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com