من يصمتون وينتظرون هم من سيكونون أذلاء إذا ما هجم عليهم العدو، الرسول صلوات الله عليه ربّى المسلمين على المبادرة والاهتمام واستشعار المسؤولية
– المنهج في تبليغ هدى الله هو إتباع الأسلوب القرآني وهدى الله يهدي إلى العمل، والقرآن الكريم كتاب عمل
– المسلمون حتى وإن لم يُغزوا إلى بلادهم، وإن لم يصل فساد الآخرين إلى بلادهم هم مكلفون وملزمون من الله سبحانه أن ينطلقوا ليهُدُّوا كُلّ بناء للطواغيت في أي مكان
ركّز السيدُ حسين الحوثي في كُلّ محاضراته على توعية المجتمع من حوله، وإيصال هذا الوعي إلى أكبر دائرة من الناس يمكن أن يصل إليها، وقد بدأ محاضرته بعنوان (وإذ صرفنا إليك نفر من الجن) بالحديث حول ما ينبغي أن يكون الناس عليه في عقيدتهم، في سلوكهم، في مواقفهم، في اهتمامهم بأمر الدين، في اهتمامهم بأنفسهم لإصلاحها.
وضرب السيد حسين الحوثي مثلاً من القرآن الكريم للمجتمع المسلم للاستفادة منه، حيث ذكر قصة الجن التي وردت سورة الأحقاف قائلاً: لا ينبغي أن نكون أقل وعياً من الجن، الجن الذين نحن إذا ما غضب أحد منا على ابنه، أو على أي شخص دعا بالجن.
كان قولُ الله تعالى متحدثاً عن الجن هو الشاهد الذي وضعه السيد حسين الحوثي لنا لنجعلَه منهجاً في تَحَرُّكنا فذكر قول الله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (الأحقاف: 29 – 31)، مشيراً إلى أن موقفَ الجن كان موقفاً جميلاً، موقفاً متكاملاً من بدايته إلى نهايته على مستوىً عالٍ من الأداء، ما جعل ذلك الموقفَ جديراً بأن يسطّره اللهُ في القرآن الكريم، وأن يجعله عبرةً للإنس.
وأشار السيِّدُ حسين الحوثي إلى العديدِ من النقاط التي ينبغي علينا التأمُّلَ فيها وجعلها منهجاً لتَحَرُّكنا، منها الإنصات والفهم والوعي، ومن ثم التَحَرّك والعمل، حيث حكى القرآن الكريم عنهم كيف: (أنهم لما حضروه {قَالُوا أَنْصِتُوا} استماع بإقبال بتَوَجه {فَلَمَّا قُضِيَ} ذلك الجزء من القرآن الكريم الذي استمعوه، فهموا، ووعوا، وانطلقوا إلى قومهم عائدين، منذرين لقومهم.
معتبراً أننا جلسنا مع القرآن الكريم العديد من الجلسات لكننا لم ندع هذا القرآن العظيم أن يترك أثره في نفوسنا، مشيراً إلى أن (جلسة واحدة اكتفى بها أولئك النفر من الجن؛ لأنهم لما حضروا أنصتوا واستمعوا بكل مشاعرهم، كانوا كلهم آذاناً سامعة.
وأضاف: أن الجن فهموا أن القرآن هذا ليس مجرد كلام يعجب به من يسمعه، ثم يعود إلى بيته، متسائلاً: هل عادوا إلى بيوتهم وقالوا: [سبحان الله ما أجمل ذلك الكلام وكل واحد عاد إلى شغله وعمله]؟، ويجيب على تساؤله قائلاً: عادوا إلى قومهم منذرين، على أرقى أسلوب.
ونبَّـهَ السيِّـدُ حسين الحوثي إلى إحدى الأساليب التي وصفها بالجميلة في كيفية إيصال المعلومة أو نقلها إلى المجتمع وهي أن النفر من الجن عندما عادوا إلى قومهم قالوا: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْناَ} (الأحقاف: من الآيَة 30)، في هذه الآيَة لم يتحدثوا الجن عن أنفسهم، ولكن نقلوا أنهم سمعوا كذا وكذا أي أنهم اعتمدوا في أسلوبهم أن جعلوا أنفسهم ناقلين للخبر.
وأشار إلى أن: بعض الناس قد يعود إلى أصحابه، وبعض الشباب من طلاب العلم إذا ما سمع شيئاً عادَ إلى بلده، وانطلق هو ليحكي باسمه، باسم نفسه، ثم يأتي بعد ليقول: [يا أخي الناس ما عاد رضيوا يستمعوا، الناس ما عاد بيرضوا يقبلوا]..!! بالطبع هم لن يتقبلوا منك، أنت ما تزال صغيراً في أعينهم، لكن لماذا لا تستخدم أسلوبَ الجن؟ أن تقول: [يا جماعة أنا سمعتُ كذا وكذا.. أنا سمعت فلاناً] وفي نفس الوقت تعتمد على القرآن الكريم، أن تقدمه للآخرين؛ في هذه الحالة ستؤثر؛ لأنهم سيقبلونك كناقلٍ، وحينئذٍ ما تنقله إليهم أنت قد تنقله عمن له مكانتُه عندهم أعظم من مكانتك، وكلامُه هو أرفعُ من كلامك، وكلام الآخرين؛ لأنه هو كلام الله سبحانه وتعالى. هذا هو الأسلوب الصحيح، وإن كان بعض الشباب قد يكون لديه رغبة هو أن ينطلق باسم نفسه، ويجرب نفسه.
ويرى السيد حسين الحوثي أن الإنسان يكون همه هو: أن يؤثر في الناس، فإذا رأى أنه في قريته، في بلده ليست له المكانة باعتبار صغر سنه، ليست له المكانة التي يمكن أن يؤثرَ بها على الآخرين، فعليه أن يستخدم هذا الأسلوب: يحكي كتابَ الله، يحكي كلامَ الآخرين ممن قد يكونون مقبولين أكثرَ منه، هذا هو الأسلوبُ الصحيح، إذا كنت تريد أن تؤثر في الآخرين، ليس أن يكون همك أن تبني شخصيتك – كما يقولُ البعضُ – فأنا أريد أن أحدِّثَهم أنا، لأؤثِّرَ فيهم أنا، ليعرفوا من أنا، لا حاجة لهذا.
واعتبر السيد حسين أن المنهج في تبليغ هدى الله هو إتباع الأسلوب القرآني، ونصح الحاضرين قائلاً: لكن ليكن همك هو النصح، هو أن تنصح، وإذا كان الأسلوب الصحيح لأن تنصح هو: أن تحكي عمَّن الناسُ سيقبلونه فاحكه، وليس عيباً فيك أن تقولَ: سمعت؛ لأنك لا ترغب أن تقولَ: قلت، ليكون التأثير هو لك شخصياً؛ ليعرفوا مقامك، أو ليعتبروك شخصاً عظيماً أو لأي شيءٍ آخر.
هذه هي مما يحول دون التأثير، قد يكون مما يفقد كلامك بركته – وإن كان كلاماً إيجابياً – لأنه لم ينطلق خالصاً، فيه شيء، تحاول أن تبدو كبيراً، وتبدو عظيماً عند الآخرين.
وفي ذات السياق قال: لما كان أسلوب الجن أسلوباً جميلاً سطره الله في القرآن الكريم، استطاعوا في موقف واحد – وهم مَن هم دون الإنسان في كماله – في موقف واحد أن يفهموا القرآنَ الكريم أنه من عند الله، وأن يتأثروا به في أنفسهم، وأن يعرفوا ماذا يريد القرآن منهم، فانطلقوا عاملين، لم ينطلقوا إلى بيوتهم عائدين وساكتين، ثم عندما تَحَرّكوا للعمل عرفوا أن الأسلوبَ الصحيح هو: أننا عندما نعود إلى الآخرين، ونحن لم نفارقَهم إلا منذُ ساعة، أو ساعتين ماذا سيكون لكلامنا من أثر عندهم؟ فلنقل: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} (الأحقاف: من الآيَة 30) لم يقولوا مجرد ثناء على ذلك الكتاب، كتاب هداية، فهموا أن القرآنَ هو كتابُ عمل وكتاب هداية، يهدي إلى الحق، هو يرشد، وهم – فعلاً – فهموا أن قومهم بحاجة إلى أن يهتدوا.
وأوضح السيد حسين الحوثي أن: كثيراً مما في داخل هذه الآيَة مما فهمه الجن هو ما يغيب عن أكثرنا فهمه، فهموا أن قومهم في أمس الحاجة إلى أن يهتدوا فقالوا لقومهم: هناك مصدر للهداية هو هذا الكتاب، يهدي إلى الحق، وهذه قضية مهمة، أن يعثروا على شيء يهدي إلى الحق؛ لأن الحقَّ مطلَبٌ مهمٌّ، هو نفسُه الشيء الذي لا نكترثَ أمامه، أن نعرفَ أن هناك شيئاً يهدي إلى الحق فتكونَ أنت من تبحث عنه، وأنت من يشغل ذهنك أن تعثر عليه، {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأحقاف: من الآيَة 30) لأن المسيرة هي مسيرة عمل، والحياة هي كلها مسيرة إلى الله سبحانه وتعالى، يهدي إلى الحق فتفهمه، إلى الحق فتنطلق تعمَلُ من أجله، وتدافع عنه، ولتسير على الطريق التي رسمها الحق، وإلى طريق مستقيم، طريقة مستقيمة في هذه الحياة، وطريق مستقيم يهدي، أو يوصل من يسير عليه إلى رضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.
ويعودُ السيد حسين الحوثي إلى أسلوب القرآن الكريم قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه} (الأحقاف: من الآيَة 31)، داعياً الجميع إلى التأمل فقال: لاحظوا كيف الأسلوب تكرر أَيْضاً {دَاعِيَ اللَّه}؟ لم يقولوا: يا قومنا: أعملوا كذا وكذا… هكذا بدون أن يلحظوا مَن هو الذي دعا إلى هذا الشيء الذي يريدون من أصحابهم، أو قومهم أن يعملوا به {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} (الأحقاف: من الآيَة 31).
ويحدث الحاضرين قائلاً: نحن هُنا تكرَّرت جلسات كثيرة مع مَن؟ مع القرآن الكريم، ومع ما ننقله من أهل البيت (عليهم السلام) فلا ينبغي أن نكونَ أقل وعياً من الجن، في أن نفهمَ أهميةَ ما سمعناه على ضوء كتاب الله، ومن نصوص آيات الله في القرآن الكريم، من خلالِ ما سمعنا هو: أن الدين دينُ عمل، أن هدى الله يهدي إلى العمل، أن القرآن الكريم كتاب عمل، هي القضية التي ترسخ لدينا، وفي مجتمعنا ضدها: الجمود، السكوت، الإعراض، هذه الحالة إذا لم ننتقل بأنفسنا إليها فيكون ما يملأ مشاعرنا هو: أن الدين هو عمل في كُلّ مجالاته، في كُلّ جوانبه.
مشيراً إلى أنه حتى كُلّ ما نسميه إيماناً، أو اعتقاداً هو أَيْضاً عمل، ليس هناك في الإسلام اعتقاداتٌ لمجرَّد الاعتقاد، ولا إيمان لمجرد الإيمان، كُلّ إيمان يبعث على عمل وكل اعتقاد يبعث على عمل، فهمنا أَيْضاً أن هذا الظرف الذي نعيش فيه والذي تعيش فيه هذه الأمة بصورة عامة وضع مأساوي، وضع مخزٍ، هجمة شديدة على الدين، على الإسلام، وعلى المسلمين، أصبح الكبير والصغير يرى، ويلمس مشاهدها في كُلّ مكان، وفي الحقيقة أنه من الغريب أن نحتاج، ونحن كمسلمين، مؤمنين بالقرآن الكريم أن ننتظر إلى أن نرى المشاهد السيئة ضد ديننا، وضد أمتنا وحينئذٍ عسى أن نتَحَرّك على أقل وأدنى مستوى.
القرآن الكريم يُلزِمُ المسلمين بإيصال الإسلام إلى كُلِّ العالم
وفي المقابِلِ يتحدَّثُ السيدُ حسين الحوثي عن الواقعِ الذي يفرِضُه القرآن الكريم: أن المسلمين حتى وإن لم يُغزوا إلى بلادهم، وإن لم يصل فساد الآخرين إلى بلادهم هم مكلفون، هم ملزمون من جهة الله سبحانه وتعالى أن يهتموا على أعلى مستوى من الاهتمام أن يكونوا هم من يتَحَرّكون إلى الآخرين، هم من ينطلقون ليصلوا بإسلامهم إلى أعماق أوروبا، ليصلوا بإسلامهم إلى أمريكا، ليهُدُّوا كُلّ بناء للطواغيت في أي مكان من هذه الدنيا. هذا ما يفرضه القرآن الكريم، وهذا ما أَهَّلَّ القرآن الكريم هذه الأمة لأن تنهض به.
ويضع السيد حسين العديدَ من التساؤلات: لماذا نحن وصل بنا الأمر كمسلمين إلى هذه الدرجة؟ وصل بنا الأمر نحن كزيود وشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) إلى هذه الدرجة، أن نرى ما يبعَثُ على الخزي أن نرى ما هو مؤسف حقا من عمل ضد الإسلام، والمسلمين في كُلّ منطقة؟، ثم بعد نحن لم نتجه اتجاهاً جاداً؟، ولم يخطر على بال الكثير بعد أن يتَحَرّك؟.
وفي ذات الوقت يجيبُ على كُلّ تلك التساؤلات: هذا يدُلُّ على انحطاط إلى أحط مستوى في فهمنا لديننا، وفي ثقتنا بربنا، وفي اعتزازنا بهذا الدين، وافتخارنا بهذا الدين العظيم، أن لا نتَحَرّك حتى على الرغم مما نشاهده، مما نعلمه حرباً شديدة ضد ديننا، وضد أمتنا، وضد كُلّ فرد فينا، وكل أسرة في مجتمعنا.
وفي ذات السياق يؤكد أن: القرآن الكريم جعله الله نوراً للمؤمنين، نوراً للمسلمين يهتدون به قبل أن تهجم عليهم الظُّلْمة، يتَحَرّكون هم على أساسه قبل أن يهجم عليهم العدو إلى عُقرِ ديارهم، سواء بفساده، أو أن يصل بقدمه وبنفسه، ألم يتَحَرّك الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو في غزوة [تبوك] ليهاجم هو، وعلى مسافة طويلة جداً من المدينة نحو (750 كم) إلى تبوك ليواجهَ دولةً عظمى في ذلك الزمن هي دولة الرومان.
فيما يعني أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يقولَ لأمته: إن من ينتظرون، ويصمتون هم من سيكونون أذلاء إذا ما هجم عليهم العدو، هم من سيكونون معرّضِين؛ لأن يُفتنوا عن دينهم، ولأن يتنازلوا ببساطة عن دينهم إذا ما هجم عليهم العدو إلى داخل ديارهم، الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ربّى المسلمين على الاهتمام، ربّى المسلمين على المبادرة، ربى المسلمين على استشعار المسئولية، على أن تكون لديهم روح وثّابة داخل كُلّ شخص منهم، روح جهادية روح تستشعر المسئولية فتنطلق، لا تنتظر الأعداء وإن كانوا كباراً، وإن كانوا يمتلكون مختلف وسائل القوة، لا ينتظرونهم حتى يهجموا عليهم.