معالجة الأوضاع المالية في ظل العدوان والحصار والظروف الراهنة تجسيداً للشعار: يدٌ تحمي ويدٌ تبني (2) .. بقلم/ د. هشام محمد الجنيد
تطبيقُ مبدأ الجزاءات في الجهاز الإداري للدولة كفيل بترجمة الخطط والسياسات والبرامج الحكومية وزيادة العائدات المالية لخزينة الدولة في ظل العدوان والحصار على بلادنا
شهد اليمن وما زال يشهد أَكْبَــر مظلومية في تأريخ البشرية، وهي العدوان السعوديّ الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي وحلفائهم على بلادنا منذُ أَكْثَــر من واحد وأربعين شهرا، ولم يسبق أن فرض حصار شاملاً في تأريخ الحروب البشرية مثل الحصار على بلادنا من هذا العدوان السافر الذي ترتب عليه أزمة اقتصَادية ومالية حادة. وفي ظل هذا العدوان والحصار والأوضاع الراهنة التي نعيشها، بالإمْكَـان وضع مقترحات كفيلة بمعالجة الأزمة المالية تساعد إلى حَـدٍّ كبير في معالجة العجز الحاد في ميزانية الدولة لتغطية ما أمكن من المرتبات والأجور بعد أولوية المجهود الحربي، وهي على النحو التالي:
6 ـــ تطبيق مبدأ الجزاءات: وتهميش هذا المبدأ، يعني توسيع دائرة الفساد المالي والإداري. والغاية من تنفيذ هذا المبدأ هو لضمان تنفيذ الأعمال الصالحة لناحية مسئوليات الدولة (ترجمة الخطط والسياسات والبرامج الحكومية والقوانين اللوائح والقرارات التنفيذية) للوصول إلى الخير (تحقيق المنجزات التنموية في شتى المجالات) الذي يستفيد منه كافة أبناء الأُمَّـة / الشعب.. ماذا فعل ذو القرنين مع قومه؟. أوضح لهم المنهج، وبين الأعمال الصالحة، وحذّرهم من الأعمال الفاسدة التي يترتب عليها العقاب في الدنيا، والعذاب في الأخرة. وبالتالي تهميش هذا المبدأ، يعني الخروج عن المنهج القُــرْآني ـــ ما يجب علينا أن لا نستغل: اعتبارات الظروف الراهنة، وانشغال قيادات الدولة بأمر الجبهات والملف الأمني، واعتبارات الشراكة السياسيّة ـــ ويعني تشجيع وزيادة استشراء الفساد، وبالتالي مهما وُضعت من إعداد خطط وسياسات وبرامج مثالية للحكومة ومنها إصلاحات مالية لزيادة إيرادات الدولة وحل مشاكل العجز الموازني الحاد، فلن تُطبّق كما يجب أن تكون، أَوْ تطبيقها لن يتعدى الحدود الدنيا، أَوْ الحدود الشكلية، ما دامت عناصر الفساد مسيطرة على القرار في الجهة الإدارية التي تعمل فيها، لا بل تقف أمام هذه الإصلاحات بشراسة قوية ومبطنه، وتقف ضد من يكافح لأجل الإصلاحات والبناء ومعالجة ما أمكن ذلك من مظاهر الفساد، تقف بأساليب غير مباشرة وغاية في الذكاء. وفي ظل غياب تطبيق مبدأ الجزاءات في حقل الجهاز الإداري للدولة، وكذلك الأمر في ظل غياب تطبيق العدالة القضائية من حَيْــثُ المماطلة في إصدار الأحكام، وغياب إنصاف المظلوم في معظم الظروف، وضعف الآليات الملزمة لتطبيق الأحكام القضائية، فإنّ الفساد المالي والإداري سيستمر في الزيادة، طالما مبدأ الجزاءات في الإدَارَة والقضاء غير مُفعَّل. ما يجب التوجّه والإخلاص في تنفيذ المسئوليات الإدارية والقضائية. قال الله تعالى في سورة الكهف (قال أمّا من ظلم فسوف نعذِّبه ثمَّ يُردُّ إلى ربِّه فيعَذِّبه عذاباً نكرا، وأمّا من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) الآيتان (87)، (88). إذن الحكمة من تطبيق مبدأ الجزاءات هو لكفالة تحسين مستوى الأداء الإداري، ولدقة ولزيادة مخرجاته المالية وغيرها المؤدية إلى الخير.
7 ـــ تشديد الرقابة على المستوردين: للتأكّد من مدى التزامهم باستيراد المواد الأَسَـاسية الضرورية، وعدم استيراد المواد الكمالية في ظل هذه الظروف، من خلال الالتزام بالمنشورات والعمل بالضوابط والمعايير المنظّـمة عبر الجهات الإدارية المعنية وأهمها وزارة الصناعة والتجارة، لتلتزم فئات التجار المستوردين العمل بها، للحفاظ على حجم العُملة الأجنبية وللحفاظ على سعر العُملة الوطنية. واستمرار وتشديد الرقابة على المستوردين للتأكّد من عدم استيرادهم مواد منشأها ومصدرها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. بل ويجب امتناع المستوردين السلع والخدمات من السعوديّة والإمارات، لطالما يعاد استخدام قيم واردات اليمن التي مصدرها ومنشأها هذين البلدين في تمويل العدوان ضد بلادنا. إذن على جميع المواطنين عدم شراء السلع والخدمات التي مصدرها ومنشأها أنظمة العدوان الشيطانية ونظامي بنى سعود وبنى زايد.
8 ـــ استمرار الرقابة الصارمة على مستويات: صرافة العُملة والأسعار: لضبط الحالات المشجعة والمروجة والتي تقوم برفع سعر صرف الدولار مقابل العُملة الوطنية بناءً على الشائعات أَوْ تأليف الشائعات، وتتجاوز مستوى وسقف فارق سعر العُملة الوطنية (الريال) مقابل العملات الأجنبية المحدّدة في التعاميم التي يصدرها البنك المركزي اليمني بين الفينة والأُخْــرَى. وتستدعي المسئولية الوطنية أَيـْـضاً مراقبة وضبط العناصر التي تقوم بتهريب العُملة الوطنية إلى خارج البلاد. وإلى جانب إحكام الرقابة على مستويات أسعار صرف العُملة وعدم تهريبها، هناك مسألة أُخْــرَى لا تقل أهميَّـة عنها خصوصاً في ظل فترة العدوان والحصار الشامل على بلادنا، وهي تشديد الرقابة على مستويات أسعار السلع والخدمات المنتجة محليا وتلك المستوردة، بحيث لا تتجاوز الأسعار المنظّـمة في المنشورات السعرية الصادرة من وزارة التجارة والصناعة. فغياب الرقابة أَوْ التغاضي عن استمرار رفع الأسعار بما يتناقض وقوانين السوق، أي بناء على رغبات استغلالية وأطماع شخصية أَوْ لأغراض تنفيذ أجندة خارجية تخدم أَهْـدَاف العدوان، فإنّها حتما ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مطرد ومرتفع جداً، ما يعني زيادة عبء التكلفة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين إلى حدود صعوبة وَ/ أَوْ عجز قدراتهم الشرائية. (وهذه الوضعية هي من صور الظلم الواقعة على المواطنين، لغياب وجود مبرّرات واقعية مثل آثار العدوان والحصار، سوى أن الارتفاع ناتج عن أساليب التوائية وتحت سقف تغاضي عناصر فاسدة في السلطات الرقابية المعنية). الأمر الذي يساهم في تكريس وتعميق حدة الأزمة الاقتصَادية والمالية. وقد يؤدي ضعف العمل الرقابي، وعدم الإخلاص في المسؤولية الرقابية على ضبط الأسعار وسعر الصرف في ظل وجود العناصر المنافقة التي تلهث وراء مصالحها ومصالح العدوان وعلى حساب المصلحة الوطنية _ التقصير في الدستور الإلهي، يترتب عليه تسليط الله الكفار على المؤمنين _ قد يؤدي شيئاً فشيئاً إلى غياب الثقة بتداول العُملة الوطنية. وهذا هو المغزى ااذي يسعى إليه العدوان عبر أجندتهم وأذنابهم في الداخل، وعبر غيرها من المُخَطّـطات العدوانية. إذن الرقابة الصارمة، وإنزال العقوبات الرادعة على العناصر غير الملتزمة بتوجيهات وتعليمات الدولة، هي الضمانة الحقيقية بل هي الطريقة الشرعية لسلامة مسار الأوضاع الاقتصَادية والمالية طبقا للمتغيرات الحقيقية الاقتصَادية والمالية والتجارية. هنالك تكون العناية الإلهية. فآثار العدوان والحصار هي في نهاية المطاف أذى، ما يجب علينا الصبر، والصمود والتضحية، والإحسان والعمل كُــلّ بحسب المسئوليات الملقاة على عاتقه.
9 ـــ تخصيص أرباح أسهم القطاع الخاص المساهمين في شركات الاتصالات لميزانية الدولة: قد تتطلب ظروف هذه الفترة تحويل الأرباح الصافية لأسهم هذه الشركات وغيرها من منشآت القطاع الخاص إلى الميزانية العامة كديون على الدولة، إذَا كانت هذه الأسهم قائمة على أَسَـاس شرعي في ملكيتها (حلال الإسْــلَام)، وعلى أَسَـاس الترغيب والموافقة. أما إذَا كانت قائمة على أَسَـاس غير شرعي (حرام الإسْــلَام)، أي على أَسَـاس النفوذ والسطو والسيطرة، فهي في هذه الحالة ملك للشعب. (وتحتاج إلى حكم قضائي لاحقاً). ومصلحة الشعب هي الوقوف بجانب النظام، فهذا الأخير هو من يحمي الشعب، وهو لأجل الشعب. ما يجب أن تخصص هذه الأرباح وغيرها من أرباح المؤسّسات الإنتاجية والخدمية إذَا كانت غير قائمة على أَسَـاس حلال الإسْــلَام في شرعية ملكيتها أن تخصص أرباحها الصافية للمجهود الحربي في المقام الأول ولتغطية المرتبات والأجور ما أمكن ذلك.
10 ــ الاقتراض الحسن: بالإمْكَـان أن تقوم وزارة المالية بالتنسيق مع كبار ومتوسطي المكلفين حول إمْكَـانية الاقتراض منهم وبدون فوائد لخزينة الدولة، على أن تسدّد الدولة هذه القروض في السنوات الأولى بعد الانتصار بإذن الله، وعلى أَسَـاس الترغيب والشعور بالمسؤولية الوطنية، ومن منطلق المساندة والتكامل والإخلاص في خدمة الوطن. فالنظام عليه التزامات وواجبات في إطار الجهاد في سبيل الله. ومنها الدفاع عن البلد كجزء من البلاد الإسْــلَامية قاطبة، وتوفير السكينة العامة والاستقرار الأمني، وهي لمصلحة كافة أفراد الشعب. وهذه الوظائف وغيره تحتاج إلى تغطية مالية للعناصر الدفاعية والأمنية والوظيفية والآليات الإدارية وغيرها من الوسائل والآليات التي يعتمد عليها النظام في تسيير مهامه ومسؤولياته. ولولا دور السلطات الأمنية، لما استطاعت شركات ومنشآت القطاع الخاص والمختلط أن تمارس نشاطها التجاري والصناعي والخدمي في ظل العناصر التخريبية الإرْهَابية النائمة وتلك التي تم القبض عليها، بل أَيـْـضاً في أوقات السلم. فإذا لم تكن الدولة حاضرة أمنياً، فإنَّ المناخ الاستثماري لن يكون مستقرا، الأمر الذي يهدد استقرار النشاط التجاري وتعريضه للخطر والنهب من قبل عناصر الشر. ناهيك أن التزام المكلفين بدفع الضرائب وغيرها من الرسوم الواجبة عليهم تؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية كيان الدولة، لتقوم هذه الأخيرة بمسؤولياتها ومنها الأمنية وتهيأة البنية التحتية التي يستفيد منها كافة المواطنين وعلى وجه الخصوص فئات التجار.
إذن افتراص الدولة هو في نهاية المطاف اقتراض حسن، وليس ابتزاز، وهو أَيـْـضاً مؤشر لإثبات الإخلاص والوفاء للوطن والوقوف إلى جانب الدولة ضد العدوان السعوديّ الأمريكي وحلفائه.. إضَافَـة إلى تشجيع وتحفيز كبار ومتوسطي المكلفين بإعانة المجود الحربي مالياً ومادياً انطلاقاً من المسئولية الدينية والوطنية. البقية في العددين القادمين.. والله ولي التوفيق..
نسألُ الله تعالى أن ينصرَنا على أعداء الإسْــلَام والمسلمين والإنْسَانية، إنه سميع الدعاء..