الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة الثورات عبر السعودية، وحَرْف بوصلة العداء العربي
ضيف الله الشامي
دأبت دُويلةُ اﻹمارات في اﻷعوام السابقة علی إبراز وتضخيم موقفها المُعلَن وغير المعلن تجاهَ جماعة اﻹخوان المسلمين واﻷحزاب التابعة لها في مختلف البلدان العربية وخُصُــوْصاً مع بداية ثورات ما سُمِّيَ بالربيع العربي، الذي أنطلق بعفوية شعبية مطلقة وسعت تلك الجماعة عبر أجنحتها السياسية والعسكرية المختلفة للتوغل في عُمق تلك الثورات لتنحرفَ بها عن مسارها الذي كان يجبُ أن تتحرَّكَ فيه، بما يعيقُ عملية التغيير في بلدان (الربيع) ويثبت مصالح الإخوان كوكلاء للنظام العالمي الجديد بزعامة أَمريكا، بديلاً عن الوكلاء الذين أسقطتهم الجماهير.
فما إن تلاشت أشلاء “البوعزيزي” في تونس حتی سارعت تلك الجماعة لاقتناص الفرصة وإبراز نفسها حاملاً شعبياً ضد نظام “بن علي” في “تونس” ليلتف حولها الشعب التونسي في المضي نحو الإطاحة ببن علي واستغلال حماسة الشعب الثائر لتعزيز مكانة (حركة النهضة) التابعة لجماعة اﻹخوان المسلمين لتصل إلی السلطة بعد مغادرة “بن علي” إلی “السعودية” لتتحول السعودية حينها من قبلة للمسلمين إلی موضع سخط الشعوب وقبلة للمجرمين، وذلك وفق المخطط “الصهيوني اﻷمريكي اﻹخواني” والذي يرمي ﻷهداف مستقبلية -وهذا المخطط برزت ملامحُه اليوم وخُصُــوْصاً خلال العُــدْوَان السعودي الأَمريكي الصهيوني علی الـيَـمَـن-.
ومع شرارة الثورة التونسية انطلقت الشرارة اﻹخوانية وبرعاية أَمريكية صهيونية وواجهة تحررية لاستغلال غضب الشعوب في كُلٍّ من ( مصر – ليبيا – سوريا – الـيَـمَـن )؛ لتبرز مؤخراً جماعة اﻹخوان المتأسلمين عبر أحزابها وتفريخاتها المتعددة إلی المشهد السياسي وتمارس كُلّ أنواع الغطرسة والظلم واﻹقصاء لكل القوی الحُرَّة التي جعلتها في الواجهة الترويجية لمشاريعها..
فمن (حزب العدالة والتنمية بمصر) إلی (فجر ليبيا.. بليبيا) إلی (جبهة النصرة في سوريا) إلی (حزب التجمع الـيَـمَـني للإصلاح في الـيَـمَـن).
ظهر تنظيمُ “اﻹخوان” بشكله الحقيقي والبشِع لكلِّ الشعوب، لكنه كان اﻷكثرَ بشاعةً وخبثاً وتسلطاً بأجنحته المتعددة -القبَلية والعسكرية والسياسية والاستخباراتية والمالية- في الـيَـمَـن.
ولكن التركيبةَ الاجتماعيةَ الـيَـمَـنية المتماسكة عقائدياً وجغرافياً وتحرُّرياً لم تقبل باستمرار تلك المخططات فتحرَّكت خلال الثورة، وبرَزَت القوی الوطنية لتمسك بزمام الثورة الـيَـمَـنية الحقيقية بعد تخلي تلك القوی المتآمرة علی البلد عن ثوريتها (المُدَّعاة) والتوجُّه نحو التقاسم والمحاصصة مع النظام الذي خرجوا ﻹسقاطه واعتلوا المناصبَ علی جُثَثِ الشهداء الذين أسقطتهم أجهزتهم القمعية والاستخباراتية المشتركة بينهم للتعجيل بالقبول بالتقاسُم والمحاصصة واستخدام تعبير “إيقاف نزيف الدم”، كيافطة للتعامل مع اﻷمر الواقع وَإجراء تغيُّر في الواجهة بين نفسِ القوى المسيطرة بعيداً عن تطلعات الشعب، الذي لم يَكُف عن الثورة.
استمرت الثورة الـيَـمَـنية بالنمو والغليان ودخلت مرحلة التنقية من الشوائب لتبقی الأرواح الثورية هي ملكة الميادين ويستمر الزخم الجماهيري الصادق متحركاً ومتجذراً في نفوس الـيَـمَـنيين، فلم يخلُ أسبوعٌ واحدٌ من المسيرات والمظاهرات في العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الـيَـمَـنية، معلنين رفضَهم للمؤامرة الخليجية -المتمثلة بالمبادرة-، واستمرارهم في ثورتهم رغم المؤامرات وتحول ثوار اﻷمس إلی أدوات لقتل واغتيال زملاء الساحات وميادين الثورة، وتحوَّلت تلك الشوائبُ إلی مصادر أذی تزكم أنوفَ الـيَـمَـنيين ومن موقعها الجديد على رأس حكومة الوفاق.
إزدادت عملياتُ الاحتقان السياسي بين القوی المتحاصصة؛ للبحث عن مكاسبَ أكثر لكلٍّ منهما ولو علی حساب أبناء الشعب الـيَـمَـني ولقمة عيشهم، فعملوا علی تجويع الشعب وتركيعه لتنمية قُواهم ومصالحهم وامبراطورياتهم بمختلف أشكالها وفي شتى القطاعات.
ما يهُمُّنا اليومَ للحديث عنه هو عملية تبادُل الأدوار الخليجية بما يخدُمُ المصالح الصهيونية والأَمريكية السعودية، الإمَارَاتُ بَرَزَت كخصْمٍ لدود لجماعة “الإخوان” كدور رُسِمَ لها وفق المخطط الصهيوني الأَمريكي لتستقطبَ خصومَ الإخوان إلى صفها، وليكونَ لدويلة “قطر” الدورُ اﻷبرزُ خليجياً في دعم ومساندة جماعة “الإخوان” في المنطقة، وليبقی دعم “القاعدة وداعش” حصرياً للمملكة السعودية والدفع بها لتبني الحرب علی سوريا والعراق والـيَـمَـن عبر عناصر القاعدة وداعش ومراكز الاستخبارات الصهيونية الأَمريكية في المنطقة.
لكن الفشلَ الذي مُنيت به تلك العناصر الاستخباراتية من القاعدة وداعش في الـيَـمَـن وكشف المخططات الأَمريكية المساندة لتحرُّكاتها وفضح أدوات الداخل المتمثلة بحزب الإصلاح وأجنحته المختلفة وتفريخاته السياسية والحقوقية والإعلامية، دفع برُعاة الفساد ومثَّلث الشر في العالَم لشن العُــدْوَان اﻹجرامي مباشرةً ضد الشعب الـيَـمَـني أرضاً وإنساناً واقتصاداً وتأريخاً وثقافةً، والسعي نحو تركيعه بكل أدوات القتل والتدمير وأساليب العُــدْوَان المختلفة.
وبراءةً للذمة وحرصاً علی تذكير خرفان الخليج بخطورة المؤامرة التي تحاك ضدهم بالدرجة اﻷولی من قبل الصهاينة واﻷمريكان تكررت النداءات والنصائح والتحذيرات من قبل قيادة الثورة الـيَـمَـنية ممثلة بالسيد القائد/ عبد الملك بدرالدين الحوثي، في كثير من الخطابات قبل العُــدْوَان وأثناء العُــدْوَان، وحَذَّرهم من المنزلق الخطير الذي يتجهون إليه في حربهم علی الشعب الـيَـمَـني العظيم.
لكن اﻵمرَ الناهيَ في أروقة البيت اﻷبيض والكيان الصهيوني هم أصحاب الكلمة الفصل، فهم لا يريدون أن تبرُزَ أيَّةُ قوة حقيقية تحمِلُ العِداءَ الصادقَ ضدَّ الصهاينة واﻷمريكان في المنطقة العربية علی غرار “حزب الله” في لبنان و”أنصار الله” في الـيَـمَـن وسوريا كنظام ممانع.
لذلك سعت ولا زالت تسعی أَمريكا للقضاء عليهم، لكنها لا تريدُ توجيهَ بوصلة العداء وسخط الشعوب تجاهَها، فهي تسعی لتقديم نفسها وسياستها منقذةَ الشعوب من الخطر الذي تصنعُه وتجعلُ من “السعودية” قبلةَ الشر ومصدره في كُلِّ العالم، وتكون بذلك قد مَهَّــدَت لضربها والقضاء عليها ولو بعد حين وتكون كُلّ الشعوب في العالم مباركةً لتلك الضربة، وهَذَا ما تسعی إليه وتستغلُّ إضعافَها اقتصادياً وهيبةً وانحطاطاً وتوريطاً في الجرائم التي لا ينساها التأريخ ولن تمُــرَّ بسلام.
كما عَمَدت أَيضاً إلی توريط “الإمَارَات” في ” المنزلق” لتری نفسَها وجيشها جنباً إلی جنب مع “داعش” وَ”القاعدة” يقاتلون في خندق واحد ضد أعداء “داعش” وَ”القاعدة” التي تتباهی دويلة “الإمَارَات” أنها من أبرز خصوم تلك الجماعات..
وفي النهاية التي لم تتم لحد اﻵن لكن ملامحَها برزت للعيان في المشهد الإقليمي والدولي وتورط كُلّ دول المنطقة في مساندة ودعم “داعش” وَ”القاعدة” والتي هي أساساً جزءٌ أساسيٌّ من تركيبة (تنظيم اﻹخوان المسلمين) الذراع الخفية للسياسة اﻷمريكية الصهيونية لضرْبِ اﻹسلامِ من الداخل وعبرِ أبنائه.
فهل ستنجَحُ دولُ المنطقة في إخراجِ نفسها من شرك المؤامرة الدولية عليها؟!.. وهل سيعي أبناءُ الشعوب مكمنَ الخطر عليهم؟!.. أم أن سياسةَ التدجين وثقافة الانبطاح السياسي والثقافي والاقتصادي وحتی الأخلاقي والقيمي هي من ستبقی الحاكمة في زمن المؤامرة؟!.