عبدالملك الحوثي والذين معه.. من مرّان إلى السويد
إبراهيم سنجاب*
وقبلَ الدخول فِيْ محاوراتٍ ومناقشاتٍ ومشاوراتٍ أَو سفسطة كلامية، يجبُ التأكيدُ على أن ما لم يحقّقْه التحالفُ فِيْ 4 سنوات من القتل والحصار وشيطنة الأزمة اليمنية، لن يتحقّقَ ولو بعدَ 40 سنةً قادمة من القتال بنفس المعطيات من تآمر دولي وتخاذُل عربي وخيانة داخلية مقابل الصمود اليمنى.
وَكُـلّ تعبئة فِيْ هذا الاتّجاه هِيَ إلى مربع الهزل والعبث أقرب، حتى لو فرضت الإمارات سلطتها على بعض الجُزُر أَو تبنت آلاف المرتزِقة فِيْ عدن (العاصمة المؤقّتة) وحتى لو حاولت السعوديّة اقتناصَ مصالحَ فِيْ مناطق شرق اليمن أَو غيرها.
عبدُالملك الحوثي والذين معه.. من مَـرّان إلى صنعاء
يمنيون بدأوا مسيرتَهم بشخص واحد – حسين – الشقيق الأكبر لزعيم جماعتهم التي استولت على صنعاء فِيْ ليلة واحدة فِيْ وجود حرس صالح وجيش هادِي وعلى محسن وأحمد على وكتائب الإخوان ومسلحي القاعدة معاً، يمنيون بدأوا مسيرتَهم بفكرة يمنية عربية إسْلَامية شرعية قانونية، عُرقاً وديناً ولُغةً، من مجتمعهم وإليه، ومن تأريخهم ولمستقبلهم، إلا أن الحاضرَ الخائن العميل المرتزِق المنحط، يتآمرُ عليها وعليهم؛ ليس لأَنَّها فاسدة ولكن لكونها نبعت من يمنهم وفيه وله فقط.
لم يكنِ العيبُ فِيْ الفكرة ولا كان النقد لمن اعتنقها، ولكنه الحقد على رجل من مَـرّان وأنصار من صعدة وعمَـرّان وكهوف وجبال اليمن فِيْ أكثرَ من محافظة، كيف لهؤلاء أن يدخلوا صنعاء؟ كيف لهم أن يشاركوا فِيْ الحكم أَو تكون لهم وجهة نظر ورؤىً سياسيةٌ تُخرِجُ اليمنَ من ظلام السير على رؤوس الأفاعي.
ما أشبه الليلة بالبارحة
(وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا، وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). سورة الزخرف.
عبدُالملك الحوثي والذين معه.. من صنعاء إلى ستوكهولم
4 سنوات من القتل والدمار والحصار والاستكبار والاستهزاء والكذب، لم تكن كافيةً لجيوش وأسلحة وقنابل وصواريخ وفضائيات وخوَنة ومرتزِقة وأنظمة مستبدة وشعوب خانعة؛ لكي تعيدَ جماعةً من الناس إلى كهوفهم، وتعريهم من حاضنة شعبية مليونية تحملت معهم آلام الحصار ومآس ومشاهد دفن الموتى وصراخ الجرحى وفزع الأطفال ودموع الأمهات، وأربعين سنة قادمة لن تكون كافية لكسر إرادة هذا الجيل من اليمنيين الذين لا يريدون إلا الكرامة التي تخلى عنها نظام فاسد لأنظمة عميلة، وأمنيات أفئدتهم، يمن جديد غير الذى تنازل عنه الخونة للمرتزِقة، والعملاء للمنافقين.
في بداية العدوان على اليمن بحُجَّة إعادة الشرعية تارة وتارة أخرى بزعم مواجهة إيران وتأمين باب المندب من شرورها، كاد الجميع ينسى أن عَبدربه منصور الرئيس الانتقالي كان قد سلّم إحداثيات المواقع العسكريّة اليمنية للسعوديّة ضمن ما عُرِفَ حينها بإعادة بناء الجيش اليمني، كما أنه تم تفكيكُ صواريخ كورية وفصل رؤُوسها عن قواعدها وإجراءات أخرى كثيرة تاهت ضمن ما تاه من أقلام الكُتاب والنخبة اليمنية فلم يكترثوا لها ولم يعطوها حقها من النشر ليعلم الشعب أن ثورة 21 سبتمبر كانت ضرورة حتمية لاجتثاث هادي والإخوان معاً، ولكن كان ما كان.! وهو يشبه كَثيراً ما لم يشار إليه أبداً من تهريب مجموعة من يهود اليمن إلى إسرائيل، وتهريب هادي نفسه فِيْ زي امرأة رغم أن حراسته كانت من أنصار الله. أحداث كثيرة وكاشفة تم إهمالها أَو تجاوزها أَو التعتيم عليها منها مثلاً استقالة بحّاح التي لم يقبلها هادِي ثم استقالة هادِي التي لم يناقشها البرلمان وَ… إلخ، ومن ذلك الكثير والكثير إلى آخر الفروض التي تضع علامات استفهام كبيرة وتتركها دون إجابة، وكلها تعيد فتح الأبواب أمام الإعلام الوطني فِيْ صنعاء لإعادة ترتيب أولوياته للإجابة عن عشرات الأسئلة وتأكيد الحقيقة التي تشير إلى أن العدوان على اليمن كان مخططاً له حتى لو استبدل قائد ثورتها الشاب عَبدالملك الحوثي مذهبه الزيدي بالوهّابي!.
ومع تطورات العدوان والظهور اللافت للخوَنة والمرتزِقة والمنافقين والعملاء وعشرات الآلاف من الجهلاء الفقراء الذين يضحون بأرواحهم ليعيش تاجرٌ فِيْ سوق النخاسة يقدمهم ضحايا لمشروع احتلال بلاده، ولأنه محترف سيبحثُ يَوْماً ما عن ضحايا آخرين ليقدمهم قرباناً لإعادة تحريرها من المحتل الذى هو أتى به.!
جمعتني الصدفةُ فِيْ الصيف الماضي مع أحد كبار المرتزِقة اليمنيين فسألته: ماذا تتوقع إذا سقطت صنعاء بيد السعوديّ أَو الإماراتي ولن أقول لك الأمريكي أَو الإسرائيلي؟ فوجئت بإجابته حاضرة فِيْ ذهنه وكأنه كان يتوقع السؤال، وهذا ما أحبطني جداً فسؤالي من المفترض أنه مفاجئ وغير متوقع. فإذا به يجيبُ: سأكونُ فِيْ جانب الشعب وسنقاتلهم حتى نتحرّرَ من احتلالهم.. عندها لم يكن أمامي إلا أن أطردَه أَو أغادر المكانَ وأنهى اللقاء، بكل بساطة هكذا يرتزق ليبيعَ بلده وعرضه وببساطة أكثرَ سيسعى لتحريرها.. أهذا هو المخزونُ الذى ادّخرته اليمنُ على مدى 30 عاماً؟
عبدُالملك الحوثي والذين معه.. من الرصاصة إلى الباليستي
في بداية الحرب تم قصفُ كُـلّ شيء فِيْ اليمن، وأسر كُـلّ نسمة هواء نقية وتحميلها برائحة البارود، وانهاء الوجود العسكريّ للدولة اليمنية فِيْ كُـلّ أنحائها جنوباً وشمالاً، وعلى أمل أن تنتهيَ العمليةُ العسكريّة فِيْ أسابيع أَو حتى أشهر تبدأ بعدها مفاوضاتٌ على أرضية جديدة لا يستقوي فيها أحدُ الأطراف بالسلاح..، صمت الجميع وصبروا، إلا أن غباء واستكبار العدوان جعله يواصل القتلَ والقصفَ بلا تفرقة بين المدني والعسكريّ والشرعي وغير الشرعي.
وعلى هذا الحال مرت الشهور تلو الشهور حتى فوجئت الرياض وأبو ظبي برؤوس الصواريخ تسقُطُ على رؤوسهم ثم بالطائرات المسيّرة تحلق فوق قصورهم، وفي الطريق إلى هذه وتلك تسمع وتشاهد قواربَ حربيةً وقاذفات بحرية ومنتجات عسكريّة لم تنتجها اليمنُ منذ نشأتها يصنّعُها شبابٌ ممن كانت أسعد لحظاتهم تخزينة قات بـ 10 آلاف.
ومن المفترض أن يكونَ مَن يقرأ هذه السطور من الذكاء بحيث لا يقولُ: إيران هِيَ التي ترسل السلاح..؛ وذلك لسببين رئيسين، أولهما أن اليمن محاصَرٌ برًّا وبحراً وجواً، والثاني أن سلاح التحالف ليس مصنوعاً فِيْ جدة أَو عجمان، هِيَ الحرب ولها قوانينها حتى ولو لم تعجبك.
في الصباح قرأتُ أن القوات الأمريكية تنسحبُ من أفغانستان، وأفهم أن ذلك يعني تسليمَ كابول لإيران، وكنتُ قد قرأتُ قبل ذلك تصريحاً لترامب يقول فيه: فلتفعلْ إيران في سوريا ما تشاء، وأعلن عن انسحاب قواته من سوريا ولتهنأ إيران فِيْ الشام كما هنأت بالعراق من قبل بسبب أمريكا أيضاً، لم أنسَ أبداً أن ترامب قال: إن السعوديّة بقرةٌ سيحلبُها ثم يذبحُها، ولا أنه قال: لولا أمريكا لتحدث الخليجيون الفارسية، ولا تذكيره للخليجين بأنهم (مبيعرفوش)، حيث قال: لقد أعطيناهم أحدثَ أنواع الأسلحة ولكنهم لا يُجيدون استخدامَها..، أضع كُـلَّ ذلك أمام تطور الفكر العسكريّ قتالاً وتصنيعاً من جانب عَبدالملك الحوثي والذين معه..
وأقول: فليستمر العدوان 40 عَاماً ولن يحقّقَ أهدافَه حتى لو ارتزق أَو خان وتآمر نصفُ مَن يُفترَضُ أنهم يمنيون.
* سياسي وكاتب صحفي مصري.