السعودية وثورة 21 سبتمبر
حمود الأهنومي
نقلت صحيفةُ فورين بوليسي عام2011م عن الكاتب السعودي جمال خاشقجي تسميتَه المهذبة لأدوات السعودية بـ(أصدقاء السعودية في الـيَـمَـن)، واعتبر أن دفعها لهم الأموالَ بمقابل “ممارسة النفوذ، والحماية، والاستقرار”، وهو كلامٌ يوضح الواضح أصلاً، ولكن لزيادة الاطمئنان، لا سيما بعد أن كشفت وثائق ويكليكس قوائم طويلة من الجنرالات والأعيان والزعامات والأحزاب والمؤسسات والهيئات في الـيَـمَـن وهم يقفون في طابور اللجنة السعودية الخاصة، التي ضمنت لهم استمرارية هذه المبالغ الضخمة منذ وقت مبكر، في تأريخ الجمهورية.
اتضح لاحقاً أن الحروب على صعدة كانت ممولة من المملكة السعودية، وأنها هي من أثارت مرتزقة كثرا تعددت أسماؤهم، والمهمة واحدة، من دماج، وكتاف، إلى حاشد وحجور والجوف وإب، إلى الفرقة الأولى مدرع، وانتهاء بعبدربه منصور، وبحاح، والإرياني، وجباري، ممن يداومون اليوم على أكل الكبسة في الرياض، دعك من حزب الإصلاح وقياداته، بحيث لو أنك قرأت تصريحات كثير منهم إبان ثورة الـ21 من سبتمبر وقبلها وبعدها – لاقتنعت مسبقا أنهم سيكونون في صف أي عدوان سعودي سيكون ضد أبناء شعبهم.
في 4 سبتمبر الماضي نقلت آرتي الإنجليزية عن محرر وكالة أنباء عموم أفريقيا قوله بأن أجندة أمريكا في الـيَـمَـن هي منع وصول أي نظام مستقل من الوصول إلى السلطة في الـيَـمَـن؛ وهو الهدف الذي تسعى دائما مملكة آل سعود لتحقيقه في الـيَـمَـن، وأزعم أنه لو وصلت أي قوة سياسية إلى السلطة في الـيَـمَـن وهي تحمل برنامجا مستقلا عن الهيمنة السعودية ومن ورائها الأمريكية لتحرّك هذا التحالف لضربِه وقصفه، حتى ولو كان هؤلاء هم حزب الإصلاح أو الاشتراكي أو أية قوة يمنية.
لقد كانت خطابات السيد عبدالملك الحوثي قبل ثورة 21 سبتمبر وأثناءها وبعدها تندد وتحذر من خطورة التدخلات الأجنبية في القرار الـيَـمَـني، وأنها لا تريد للـيَـمَـن حرية ولا استقلالاً، وكان أمراً واضحاً لدى الساسة الـيَـمَـنيين المعتقين، لكن لأنهم قد استمرأوا حالة التبعية المزِمنة وألفوها، وخافوا من الانفطام المفاجئ لو نجحت أهداف ثورة 21 سبتمبر لم يعيروها بالا، ونتذكر في هذا الصدد بيانات مجلس الدول العشر الذي كان ينعقد بحسب طلب السعودية، ومنها ذلك البيان الذي صدر في الثلث الأول من شهر سبتمبر 2014م والذي أعاد الحوار القائم بين القوى السياسية آنذاك إلى مربع الصفر، وأثار انزعاج القوى الوطنية. مشكلة السعودية في الـيَـمَـن هي مع أية قوة تريد استقلاله وحريته وكرامته، بغض النظر عن انتمائها المذهبي وخلفيتها الاجتماعية، لا سيما إذا هدفت إلى تبني قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين فسيتحد ضدها تحالفٌ طويل عريض من هذا النظام العالمي الجديد، كما هو الحال اليوم في عدوانهم على الـيَـمَـن.
السعودية تعارض أي تغيير في بنية النظام الـيَـمَـني وفي حراكه وأهدافه؛ ولهذا سعت السعودية إلى احتواء ثورة 11 فبراير 2011م وعارضت أي تغيير جدِّي في بنية النظام الحاكم الذي انقسم على نفسه حينها، وسعت إلى إعادة إنتاجه مرة ثانية بذات الأدوات التي تدين لها بالولاء، وإن بتوزيع القرار السياسي بين تلك الأطراف بما يضمن كتم الأصوات الثورية التحررية داخل الـيَـمَـن، وتغييبها، وإضعاف الدولة الـيَـمَـنية، لكنه مع ذلك مكّن القوة الفتية ممثلة في أنصار الله والتي عبّرت عن الحاجة المجتمعية الـيَـمَـنية – أن تكون صوت الشارع الذي حمل لواء التغيير بعد أن دفنته أدوات الرياض من القوى السياسية تحت أقدام ما سمي بالمبادرة الخليجية.
ولما انهزمت تلك الأدوات أمام الحراك الثوري الاجتماعي الجديد وفر بعضها (علي محسن الأحمر) إلى السعودية، بدأت السعودية التفكير جدياً في الدخول في الحرب على الـيَـمَـن، حيث فشل الوكلاء، ولا بد أن يحضر الأُصلاء، ولم تعدم بالطبع العناوين الخادعة والمضللة التي يمكنها التحرك من خلالها، ومنها مكافحة المد الرافضي، أو المجوسية، أو استعادة الشرعية المزعومة، أو الجمهورية، أو حماية الأمن القومي العربي.
لا تريد السعودية أن تنجح ثورة 21 سبتمبر لأن في نجاحها نجاح المشروع الوطني التحرري الذي يمكنه اتخاذ القرار الشجاع والجريء في مختلف القضايا الداخلية والخارجية، ويمكنه النهوض بالمشروع الوطني الذي يهمه أولاً الإنسان الـيَـمَـني وراحته وسعادته، ودوره الحضاري الرائد، الذي لا يمكن أن يختزل في رغبات الأعراب الذين أكثروا في هذه الأرض من التدخلات والإفساد والإيقاع انتهاءاً بالمجازر اليومية الدموية اليوم، ولن يكون هناك خروج من هذه المعادلة الظالمة إلا بالمضي في تحقيق أهداف ثورة 21 سبتمبر والانحياز لروحها الـيَـمَـنية المستقلة التي أرعبت الطغاة والمفسدين في الخليج وفي فلسطين المحتلة وفي أمريكا وغيرهم من المستكبرين.
رفدُ جبهات المعركة بالمقاتلين ضد الغزاة والمحتلين، وتحرُّك المجمع بجميع فئاته ومكوناته هو الضامنُ لنجاح الثورة المتآمَر عليها أمريكياً وسعودياً والتي تنحاز في أهدافها للـيَـمَـني البسيط الذي طالما نشِد العدل، وبحث عن الكرامة والرفاه، ومضى فعلاً في طريق التغيير المنشود في السلطة وفي قيمها الحاكمة له.