من لا يقاتل إسرائيل لا يحارب الإرْهَـاب .. بقلم د/ عبدُالستار قاسم
مَن لا يقاتِلْ إسرائيل لا يقاتِلِ الإرْهَـابَ؛ لأَنَّ الكيانَ الصهيوني هو كيانٌ إرْهَـابي بتركيبته وأبعاده وأَهْــدَافه، ولم يقُمْ إلا بالإرْهَـاب الذي تمثل بقتل الناس وتهجيرهم وتعذيبهم وسلب ممتلكاتهم وتدمير بيوتهم. المقال يستند إلى حقيقة موضوعية تثبتها وقائع متكرّرة على مدى حوالي سبعين عاماً. الكيان الصهيوني هو الذي أدخل الإرْهَـاب إلى المنطقة العربية الإسْلَامية، وهو ومن أيده من الدول الاستعمارية الذي شرعن الإرْهَـاب وأعطاه بعدا سياسيّا متميزا، وأضفى عليه صبغة الوسيلة المقبولة لتحقيق أَهْــدَاف سياسيّة. ومنذ أن قام الكيان الصهيوني حتى الآن لم تهدأ المنطقة بخَاصَّــة أرض الشام والعراق، واستمرت معاناتها من الحروب وسفك الدماء وتخريب البيوت. قامت عدة حروب رئيسية في المنطقة، ولم تكن الفترات ما بين هذه الحروب هادئة.
غطرسةُ الكيان الصهيوني واعتداءاته المتواصلة ورفضُه إعَادَةَ الشعب الفلسطيني ولّد المقاومة، وهذا أمرٌ منطقي ومتوقع من حيث أن صاحبَ الحق لا بد أن يفكر بوسائل استرجاع حقه. طال أَمَدُ المقاومة، وبعضُ الناس فقدوا الثقة بمنهجها فتحولوا إلى تفكير مختلف. انصبَّ تفكيرُهم إلى عوامل بقاء الكيان وعجز المقاومة عن تحقيق إنجازات لصالح فلسطين ومقدّساتها، وبرز في هذا التفكير أمران وهما أن الأنْظمة العربية تعين الكيان الصهيوني وتتآمر معه، وأن ابتعاد الناس عن الإسْلَام يسبب الكوارث. حمل بعض الناس هذين الأمرين بطريقة متطرفة وخضعوا لأفكار غريبة وعجيبة لا علاقة لها بالمقاربات السياسيّة أَو بالفكر الإسْلَامي، فتطرفت أعمالهم ووجدوا في المحيط وعلى المستوى العالمي من يعينهم في تطرفهم ويمولهم ويدربهم ويسلحهم.
الكيانُ الصهيوني يقهَرُ الناسَ ويذلهم ويهينهم ويسبب لهم آلاماً في كرامتهم وعزتهم وأمنهم. كان الكيان وما زال حتى الآن مَصْــدَرَ القهر الأول في الساحة العربية، والقهر يولد نقيضه وهو المقاومة المسلحة التي للأسف لم تستقطِبْ كُــلّ الناس الغيورين على المقدّسات، وبقي الباب مفتوحا لتطورات تنظيمية متنوعة. ومن كان يواكب الساحة العربية وطريقة تعاملها مع الاحتلال الصهيوني لا مفر سيستنتج ظهور أزمات دموية في المنطقة. لم تف الأنْظمة العربية بوعودها، ولم تستطع لجم العدوان، وكذلك كان الأمر بالنسبة للمقاومة فارتفع منسوب الشعور بالظلم والقهر، ومشاعر الإحباط واليأس، وانتهينا إلى ما انتهينا إليه الآن من صراعات داخلية ومريرة ومرعبة، وكانت آثارها أشد قسوة على الناس من آثار الاعتداءات الصهيونية.
وإذا عُدنا إلى تعاريفِ الإرْهَـاب الأمريكية والتي يتمسك بها الكيان الصهيوني، نجدُ أن ما يؤمنُ به الصهاينةُ ينطبقُ عليهم. تلتقي تعاريف البيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية والدفاع على أن الإرْهَـاب هو ممارسة العنف من قبل تنظيمات ضد المدنيين لتحقيق أَهْــدَاف سياسيّة. في هذه التعاريف تجنب الأمريكيون مسألة إرْهَـاب الدولة حتى لا تلحقهم والصهاينة الإدانة الدولية. لقد حصروها في تنظيمات؛ لأَنَّهم أرادوا تعريفا مفصلا على مقاسهم يشمل التنظيمات العربية والإسْلَامية فقط. ولهذا كانت أمريكا ترفض دائما مطالب سوريا والعراق في عهد صدام حسين لإقامة مؤتمر دولي لتعريف الإرْهَـاب. رفضت تدويل الفكرة والتعريف، وأصرت على تعريفها هي. والمتتبع لكل التعاريف الأمريكية يتأكّــد أنها تنطبق على الصهاينة وعلى الأمريكان باستثناء فكرة التنظيم. لكن من المحتمل كما هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني أن تكون الدولة عصابة مسلحة مارقة هدفُها الابتزازُ من خلال إيذاء المدنيين.
الاحتلالُ بحد ذاته إرْهَـاب؛ لأَنَّه استعمال للعنف ضد المدنيين لتحقيق أَهْــدَاف سياسيّة. وهكذا الأمر بالنسبة لحصار غزة. الكيان وبقية دول العالم المعادي لفلسطين والعرب يستعملون الحصار لإلحاق الأذى بالمواطنين من أجل دفعهم للثورة وإسقاط المقاومة الفلسطينية في غزة، أَو بالتحديد إسقاط حكم حماس. وهذا إرْهَـاب مستمرّ ومدعوم وممول ويحظى بتأييد من يتحدثون كاذبين ضد الإرْهَـاب. أمريكا أَكْبَـر داعم للكيان الصهيوني وهي تعي تماماً أن الاحتلال مخالف لكل القوانين الدولية التي ساهمت هي في صياغتها، ومن يدعم الإرْهَـاب إرْهَـابي.
الكيانُ الصهيوني إرْهَـابي بالتركيب، وإرْهَـابي بالوسائل، وهو ممعن في إبقاء ملايين الفلسطينيين خارج ديارهم ويلاحقهم على ما تبقى من وطنهم. والكيان يشكل مَصْــدَرَ إلهام ومَصْــدَرَ دعم للإرْهَـابيين في الوطن العربي والعالم الإسْلَامي. يصعب أن نجد فتنة في الساحة العربية أَو صراعاً دموياً لا قرص للصهاينة فيه. حيثما حصل الاقتتال وسفك الدماء عند العرب علينا أن نفتش عن أدوار الصهاينة فيه. الكيان الصهيوني معني دائما بإضعاف العرب وتمزيقهم اجتماعيا وأَخْــلَاقيا وإفقارهم اقتصاديا، وهو لا يتوانى في تغذية المفاسد والإفساد، ولا يكتفي بقتل العرب، وإنما يتمتع عندما يرى العرب يقتتلون. وهنا لا بد من الإشارة إلى كيف أفقر الأعداء وعلى رأسهم الكيان بلدانا عربية خليجية كانت تنعم بالثراء عندما دفعها للإنفاق على الحروب في العراق وسوريا وليبيا واليمن. دول عربية الآن تتحدث عن الضيق المالي بعدما كانت تنعف المال ذات اليمين وذات الشمال، وهذه الدول هي نفسها التي تآمرت من أجل تخفيض أسعار النفط نكاية بإيران وروسيا إكراما للصهاينة. كما أن هذه الدول أثبتت نهجها الاستبدادي في إدَارَة شؤون الشعوب العربية، وهذا ما يحرص عليه الكيان؛ لأَنَّ الحكم الاستبدادي يضعف العربي ويحوله إلى مُجَــرّد أداة يستعمل كيفما يشاء الطرف القوي.
وعليه فإن مُجَــرّد محاربة تنظيمات إسْلَامية إرْهَـابية لا يكفي للتخلص من الإرْهَـاب. يتطلب التخلص من الإرْهَـاب نزع الجذور، والجذور تبدأ بالكيان الصهيوني ومن والاه ومن دعمه. يحظى الكيان الصهيوني بدعم العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو يحظى الآن بدعم عدد من الأنْظمة العربية، وبدعم العديد من المطبعين العرب. هؤلاء جَميعاً شركاء في جرائم الإرْهَـاب، ولن ينجح طرف بهزيمة الإرْهَـاب ما لم يهزم الكيان الصهيوني أوَّلاً. ربما تتطلب محاربة الصهاينة وقتا طويلا، لكن ذلك لا يمنع من الاستعداد ليوم مشهود.
* أكاديمي وكاتب فلسطيني- رأي اليوم