السيد عبدالملك الحوثي في أولى محاضراته الرمضانية:
الصيام نحتاج إليه لتحقيق التقوى
التشريعات الإلهية مثل الجهاد وبقية التكليفات هي خير ومصلحة لنا
علينا اغتنام شهر رمضان بالدعاء بالفوز برضوان الله وما نحتاج إليه في حياتنا
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
تقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم يقول الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم:
(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ أَيّامًا مَعدوداتٍ، فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ، وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ، وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ، يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ، أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ، فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُم، هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم، فَالآنَ باشِروهُنَّ وَابتَغوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُم، وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيلِ، وَلا تُباشِروهُنَّ وَأَنتُم عاكِفونَ فِي المَساجِدِ، تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَقرَبوها، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ) صدق الله العظيم.
نفتتح محاضراتنا الرمضانية في هذا الشهر المبارك للحديث على ضوء هذه الآيات المباركة والتي يبين الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- فيها ما يتعلق بفريضة الصيام صيام شهر رمضانَ بدءاً من آية مباركة (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ) سنقدم إن شاء الله عرضاً موجزاً بما نستفيدُه على ضوء هذه الآيات المباركة ثم يكونُ لنا إن شاء الله وقفاتٌ للتأمل والتدبر على نحو أوسع نبدأ بالعرض الموجز ببعض مما تفيدُه هذه الآيات المباركة والتي تقدم لنا تعريفاً مهماً عن هذه الفريضة العظيمة وما يتعلق بها.
يخاطبُنا اللهُ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا) كمجتمع مسلم بالعنوان الرئيسي الذي ننتمي إليه وهو الإيْمَــان بما يقتضيه هذا الانتماءُ من التزام عملي وطاعة لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- فهذا الانتماء بحدِّ ذاته يعتبرُ ميثاقاً ما بيننا وبين الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- على السمعِ والطاعة كما يجعلنا محطَّ الرعاية الإلهية التي جزءٌ منها واسعٌ يأتي عبر هذه الهداية وعبر هذه التوجيهات ذات الأهميّة الكبيرة في حياتنا في الدنيا ومستقبلنا العظيم في الآخرة، (كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ) الصيام في شهر رمضان هو فريضة إلزامية هذا يَــدُلُّ على أهميته؛ لأَنَّ الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- فيما يرشدنا إليه ويدعونا إليه ويهدينا إليه هو يدعونا ويحثُّنا ويأمرُنا بما هو خيرٌ لنا وبما نحن بحاجة إليه وبما يمثل ضرورة لنا لصلاح حياتنا ومستقبلنا في الآخرة، فعندما يجعلُ بعضَ الأشياء التي أمرنا بها أَو دعانا إليها إلزامية فهذا يَــدُلُّ على أهميتها؛ لأَنَّ الإنْسَــان قد لا يكتفي بأن اللهَ قد دعاه وأرشده إلى شيء ماء وحثه عليه؛ باعتبَارِ أن فيه الخيرَ له والمصلحة له قد لا يكتفي الإنْسَــان بهذا، ولكن عندما يكون هناك إلزامٌ فهذا يَــدُلُّ على أهميّة المسألة وعلى خطورة التقصير فيها وأن الحاجة إليها حاجةٌ ماسة بالنسبة للإنْسَــان.
(كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ) وهذه الفريضةُ العظيمةُ وصلت في أهميتها والإلزام بها بأنها ركنٌ من أركان الإسْــلَام (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم) فهي فريضةٌ ممكنة ومجربة في الواقع البشري لا نتصور أنها صعبةٌ وشاقة جِــدًّا لدرجة أنه يصعُبُ القيامُ بها، بل كانت مكتوبةً على الذين من قبلنا وصاموا من قبلنا في شريعة الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- للأمم السابقة كما يَــدُلُّ على أهميّة هذه الفريضة؛ باعتبَارِها ضمنَ البرنامج الأصيل الذي تحتاج إليه البشرية في كُــلّ زمان ومكان (لَعَلَّكُم تَتَّقونَ)، فريضةٌ لها هذه الأهميّة وهذه الثمرة التي هي مهمةٌ جِــدًّا للإنْسَــان مصدَر الخطر على الإنْسَــان هو الأعمال السيئة التي لها نتائج سيئة على هذا الإنْسَــان سواء منه على نفسه أَو منه على نفسه وعلى الآخرين وَأَيْــضاً الإهمال لأعمال مهمة تقي الإنْسَــان الكثير من الشرور والمخاطر فمصير هذا الإنْسَــان وواقع هذا الإنْسَــان يتأثر بأعماله هو أعماله بشكلٍ مباشر على نفسه أَو أعماله بشكل مباشر على نفسه وعلى الآخرين، وهذا هو الواقعُ التي تعاني منه البشريةُ، فهذه الفريضَة لها أهميّة كبيرة كعاملٍ مساعد في تحقيق التقوى لماذا؟؛ لأَنَّها تضبُطُ للإنْسَــان مسيرتَه في الحياة من خلال انضباطه في واقعه العملي، فهي تساعدُ الإنْسَــانَ على السيطرة على الغرائز وتساعدُ هذا الإنْسَــان على التحمّل والصبر، فيساعده هذا على تحمّل المسؤوليات والنهوض بها والنهوض بالأعمال والقيام بالأعمال المهمة التي إن فرّط فيها أَو قصّر فيها كسب على نفسه الكثير أَو على الآخرين وعلى نفسه الكثير من المخاطر كما أنها تكسبه العزم والإرادة التي يحتاجُ إليها للنهوض بمسؤولياته والقيام بما عليه القيام به وفعل ما عليه أن يفعله.
(لَعَلَّكُم تَتَّقونَ) وهذه الفريضةُ قدّمها الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- ولها الكثيرُ من المكاسب والفوائد لصالح هذا الإنْسَــان وأرفق معها الكثيرَ من التسهيلات التي تيسرها لهذا الإنْسَــان (أَيّامًا مَعدوداتٍ)، فليست فترةً زمنيةً طويلةً، لم تكن أشهراً متواصلة مثلاً رُبع العام أَو ثلث العام أَو نصف العام أَو كذا كذا شهوراً متصلة إنما كانت أَيـَّـاماً معدودات أقصاها هو ثلاثون يوماً (فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ)، وهذه مزيد من التسهيلات المتعلقة بهذه الفريضة التي تراعي ظروف الإنْسَــان المختلفة بما فيها حالة المرض وبما فيها حالة السفر فيمكن للإنْسَــان أن يفطر في هاتين الحالتين وأن يقضي مقابل هذه الأَيـَّـام من أَيَّـام أُخَــرَ في بقية العام في الشهور الأُخْـــرْى، (وَعَلَى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ)، الذين يمكن لهم الصيامُ لكن بمشقة بالغة جِــدًّا وبعَنَتٍ ومشقة شديدة مثل الشيخ الهرم الشيخ الطاعن في السن الذي يشق عليه بشكل كبير أن يصوم يمكنه أن يقدم البديل عن ذلك الفدية وهي طعام مسكين ما يكفي المسكين الذي هو في غاية الفقر والحاجة ما يكفيه من الطعام ليوم كامل الوجبات الرئيسية على مدى يوم كامل، (فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا) قدم من الطعام ما هو أَكْثَــر فهو خير له فضل وأجر وزيادة خير (وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ)، والصيامُ فيه خيرٌ ومكاسبُ كبيرة لهذا الإنْسَــان، فوائدُ تربوية وفوائدُ صحية، أَيْــضاً من المعلوم الآن أن هناك فوائدَ صحية مهمة جِــدًّا للإنْسَــان سواء على مستوى الجهاز الهضمي أَو على مستوى الدورة الدموية أَو على مستوى فوائد صحية أُخْـــرْى حتى لإعادة بناء وتنشيط خلايا الجسم كم يتحدث أصحاب الاختصاص في الطب عن هذه الفوائد وحتى في بعض المجتمعات غير المسلمة لهم مواسم معينة يفرضون فيها حمية من الطعام على أنفسهم حتى يصلوا إلى هذه الفوائد الصحية المهمة، وهناك كُتُبٌ كتبت بهذا الشأن، فالفوائد التربوية والفوائد الصحية والفوائد النفسية للصيام تؤكّـــد أنه ليس فقط مُجَــرّد واجب وفريضة دينية إنما هذه الفريضةُ لها فوائدُها العظيمة والمهمة التي تجعل منها خيراً لهذا الإنْسَــان وذات أثر إيجابي متعدد ومتنوع لصالح هذا الإنْسَــان.
(شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ)، وجعلت هذه الفريضة المباركة في شهر عظيم ومبارك هو شهر رمضان الذي هو بكله شهر مبارك وَأَيْــضاً فيه ليلة عظيمة مباركة هي ليلة القدر وخصصت هذه الفريضة لهذا الشهر لا يمكن نقلُها إلى شهر آخر إلا في حالة القضاء حالة القضاء هي مسألة ثانية، أما حالة الأداء فأداؤها في هذا الشهر المبارك شهر رمضان، وشهر رمضان في نفسه هو شهر مبارك وهذه الفريضة هي فريضة عظيمة ومهمة وفي هذا الشهر المبارك نزل القُـــرْآن الكريم في ليلة القدر والقُـــرْآن الذي هو كتاب هداية هدىً للناس هداية شاملة لخير الدنيا والآخرة وبينات من الهدى والفُرقان، وفي هذا الكتاب المبارك بينات تبين لنا الحق وتبين لنا ما نحتاج إليه هداية واضحة هداية بينة وكذلك الفرقان الذين نفرق من خلاله بين الحق والباطل بين ما هو خطأ وما هو الصواب بين ما هو حكمة وما هي حماقة بين ما هو خير وما هو شر، وهذا الفرقانُ يحتاجُ إليه الإنْسَــانُ للتقوى، للتقوى وإلا وقع في المحاذير والمخاطر والكوارث والعقوبات والسخط الإلهي، واجتمع في هذا الشهر المبارك بركة هذا الشهر وأهميته وأهميّة نزول القُـــرْآن فيه وعظمة هذه المناسبة نزول القُـــرْآن الكريم الذي هو هبة الله وعطيته العظيمة لعباده وأعظم النعم الإلهية على الإطلاق، وهذه الفريضة فهناك تناسق ما بين هذا الشهر وما بين هذا الكتاب أن ينزل فيه وما بين الصيام وما بين القُـــرْآن، كلاهما القُـــرْآن الكريم والصيام نحتاجُ إليه لتحقيق التقوى، (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، مَن لم يكن مسافراً خلال هذا الشهر فعليه أن يصومَه، (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وحالةُ المرض يلحقُ بها أيضاً الحالات التي لها علاقة بالمرض لها تأثيرٌ على المستوى الصحي دخل في ذلك بحسب الشريعة الإسْــلَامية حالة الضرر التي قد تتضرر بها المرضعة على نفسها وعلى جنينها أَو على رضيعها وحالة الحمل في حال تضررت المرأة الحامل على نفسها أَو على جنينها في حال كان هناك ضرر مؤكّـــد، ففي هذه الحالات أَيْــضاً تلحقُ بحالة المريض؛ لأَنَّها ظروفٌ صحية ستؤثر على الصحة نفسها على صحة المرأة الحامل والمرأة المرضع وعلى الجنين أيضاً أَو على الرضيع، حالة السفر كذلك حالة معروفة (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، يعني فيجزي عن تلك الأَيـَّـام التي أفطر فيها المسافر أَو المريض القضاء عنها بأَيـَّـام أُخَـــرَ في غير شهر رمضان المبارك، فنجدُ أن هذه الفريضةَ المهمة بما لها من فوائدَ ومكاسبَ وبما قُدم معها من تسهيلات نرى فيها رعاية الله ورحمة الله ولطفه (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فليس يريدُ التضييقَ علينا، بل أراد بنا اليُسرَ، وهذه التشريعاتُ تشهدُ بذلك كيف راعى هذه الظروف وهذه الصعوبات، (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) مطلوبٌ منا إكمالُ العِدَّة ع%8