عـــدن من الشيوعية إِلى الداعـشية!
بقلم: عــبدالله عـلي صبري
- تعيشُ عدنُ اليمنيةُ فنتازيا لعلّها غيرُ مسبوقة عربياً، حيث ينخرط عددٌ كبيرٌ من شبابها في تنظيمات دينية إرهابية، لا يتسقُ انتشارُها مع طبيعة المدينة وتأريخها القريبِ ذي الصبغة الاشتراكية الماركسية.
ينحو الأحفادُ إِلَى التطرّف يميناً، بعد أن كان أجدادُهم قد تطرفوا يساراً باعتناق الشيوعية كمذهَبٍ سياسي/ اقتصادي تحوَّل في الممارسة العملية إِلَى أيديولوجية ناظمةٍ لمختلفِ شئون الدولة في غالب الأحيان ولأحوال المجتمع في أحيان أخرى.
لستُ بصدد تقييم التجربة سلباً أَوْ إيجاباً، لكن السؤال يفرضُ نفسَه:
ما الذي جعل عدنَ المدينةَ الأُممية تضيقُ اليومَ فلا يقبَلُ أهلُها إلا بالمتطرّفين من المنتمين للقاعدة وداعش؟
وكيف هلّل متطرفو الحراك الجنوبي للغزاة الخليجيين، وهم مَن كان ينظر إِلَى النظام السياسي كقوة احتلال، وينعتون إخوانَهم الشماليين بـ “الدحابشة”؟!.
لا شكَّ أن مياهاً كثيرةً قد جرت في النهر على مدى رُبع قرن، تعرضت فيه الوَحدةُ اليمنية لصنوف من التحدّيات والأزمات التي أفضت إِلَى تخلّق الحراك الجنوبي في 2007، كردٍّ متأخر على حرب صيف 1994، التي قضَت على الوَحدة السلمية المعلَنة في 22 مايو 1990.
غير أن القضيةَ الجنوبية تعدَّت الجانبَين السياسي والحقوقي، وعبّرت في تجلٍّ ثالثٍ عن أزمة هُوية جعلت بعضَ متطرفي الحراك ينكرُ ويتنكر لهُويته اليمنية، باحثاً عن هُوية جغرافية جهوية، لا تصلحُ حتى كعنوان لانتماءٍ قومي عروبي، وإن كان يصلحُ لتحويل الجنوب إِلَى دويلة خليجية لا أكثر!
من هُنا فإن التعاطيَ الإيجابي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية مع الشق المطلبي والسياسي للقضية الجنوبية لم يقابَلْ بمرونةٍ من قبَل معظم فصائل الحراك الجنوبي التي لم تتوحّد إلا حول الخطاب المتطرّف، الذي كان له الأثَــرُ المباشرُ على تعاطي شباب عدن مع الأحداث الأخيرة، فجعلت الغالبيةَ منهم يصفّقُ للغازي الخليجي، ويقاتلُ إِلَى جانبه، أخَاه اليمني، الذي غدا “حوفاشي” بعد أن كان “دحباشي”.
بالطبع ليس كُلُّ العدنيين سواءً، ومن ثوّار عدن ومناضليها تعلَّمنا دروسَ مقاومة الاحتلال، ومنهم عرفنا كيف تكونُ المدَنيةُ والتعايشُ السلمي ليس بين اليمنيين فقط، وإنما مع الوافدين من خارج اليمن أيضاً. ولذا فإنَّ هذا التحوّلَ الذي تعيشُه المدينة اليوم جديرٌ بالتأمل والدراسة، خاصَّةً أن مُدُناً عربية أخرى قد غَزَاها التطرَّفُ نفسُه يميناً أو يساراً.