لا واشنطن ستفك الحصار ولا طهران ستُفاوِض!
إبراهيم سنجاب *
لن نتفاوَضَ مع أمريكا قبل أن تلغيَ إجراءاتِها الاقتصادية (الحصار).. ذلك هو الصوتُ الذي يخرُجُ من إيران، بينما جوقةُ الأصوات التي تخرُجُ من أمريكا تتراوحُ بين التشدّد والرغبة فِي حوار بدون شروط مسبقة. ذلك ما نسمعُه ومعظمُنا يردّده، ولكن ما لا نسمعه أَو نرى شواهدَ عليه أن هناك اتصالاتٍ عبر وسطاء أوروبيين وآسيويين وَمن خلال مسئولين ورجال أعمال وموظفين دون الوزراء.
إيران تريدُ اعترافاً دولياً بدور إقليمي -حصلت من أوروبا وروسيا والصين عليه ولم يتبقَّ إلا واشنطن-، وترى أنها حقّقت شروطَه فِي أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، هذا فِي منطقتنا العربية ولكن الذي نجهلُ معظمَه هو حجم تواجُدِها الاعتقادي أَو المذهبي فِي أوروبا وأفريقيا وآسيا وحتى أمريكا الجنوبية. لقد استطاعت طهرانُ ذلك منذ ترسيخِ أقدام ثورتها فِي الداخل الإيراني والمحيط العربي الآسيوي بعد حرب الخليج الأولى فِي حين تراجعت قوى عربية تاريخية عن أداء دورها، للدرجة التي تتفاخر فيها إسرائيل بأنها تدافعُ عن دول عربية ضد “الأطماع الفارسية”، بل وتتبجح بالدفاع عن السُّنة فِي مواجهة المد الشيعي وهكذا يقولون.!
ترامب والذي سيأتي بعده، لا يريدُ حرباً لا مع إيران ولا مع غيرها، وطهران تعرف ذلك. وإيران المرجعية والذي سيليه، لا تريد حرباً مع أمريكا أَو مع غيرها وواشنطن تعرف ذلك. فقبل شهرين أسقطت طهرانُ مسيّرةً أمريكيةً فوق الخليج، والوضع الطبيعي أن تحرِقَ واشنطن طهران فِي نفس الليلة أو على الأقل تدمر قواعدَ إطلاق صواريخها الحيوية، ولكنها حتى لم تتجرّأ على تدمير القاعدة التي خرج منها الصارخُ، فأهان العسكريةَ الأمريكيةَ.. الأكثرُ غرابةً أن صاروخاً يمنياً تجرّأ وأسقط مسيّرةً أمريكيةً متقدمةً، وابتلعت واشنطن الإهانةَ، بل إنها تعاملت مع ما تسميهم –مليشيات الحوثي– كما تعاملت مع دولة كبيرة مثل إيران وقالت: إن الصاروخ أُطلق على المسيرة فِي المجال الدولي خارج حدود اليمن!
إذن لماذا هذه الضجةُ وما هِي حدودُها؟
لا أعرف ما الذي يفعلُه الإعلامُ العربي بنفسه وفي جماهيره من العرب؟ ولا أعرفُ مع مَن تتخاطبُ العربية والحدث وسكاي نيوز، والغالبُ الأعمُّ من الفضائيات والصحف والإذاعات الناطقة العربية؟ من السهل أن تتمكّن من تزييف الحقائق، ومن السهل أن تقدمَ رسائل إعلامية وتفرضها بسِعة الانتشار. ولكن إلى متى؟ وما هو محتواها؟ ثم هل اقتنع الرأيُ العام بها أم لا؟، وإن كان اقتنع فِي البداية فما هو حجمُ قناعاته الآن؟ أنت وحدَك ولا أحد ينافسُك، اللهم إلا قلة قليلة بخبراتٍ محدودة جِـدًّا، لم يستطيعوا حتى اليوم من فك الحصار الإعلامي الخانق المفروض عليهم من كُـلّ وسائل الإعلام والاتصال حول العالم، ولكن الواقعَ على الأرض مختلفٌ، أنت تعرفُه ولا تريدُ أن تراه. ولكن إلى متى؟
لم يكتفِ الإعلامُ العربي بتجهيل جماهيره، بل إنه تخطى تلك المرحلة بخداعِه عمداً، سواءً فيما يخُصُّ إسرائيلَ أَو إيران.
وكما تعرض العربُ للتجهيل والخداع أثناء حرب احتلال العراق ثم حروب جنوب لبنان، وعموم الثورات العربية، فقد تعرض للتضليل فِي الأزمة اليمنية ثم عدم الاكتراث به من الأَسَاس بعد انكشاف حجم المآسي التي تسبّب فيها التدخُّلُ العسكري فِي تلك الأزمة، والغريبُ أن يقودَ الإعلامُ العربي حتى غير الخليجي الإعلامَ العالميَّ فِي التجهيل والخداع والتضليل، والحُجَّة جاهزة، أنها صناعةٌ وتحتاجُ إلى استثمارات والمال الخليجي وافرٌ.
ما زال الإعلام العربي على حاله يستعجلُ الحربَ من واشنطن وتل أبيب على طهران، بل إن ما يقدمُه يتجاوزُ التحريضَ عليها، وكأن البنتاجون والكنيست سيقرّران الحربَ عليها بعد إذاعة تقرير إخباري أَو تحليل سياسي على “العربية”.! وبنفس المنطق ما زال الإعلامُ العربي يريدُ أن يرى مقاتلي الجيش واللجان اليمنيين مِليشيا فِي حين أنهم تجاوزوا الحديدةَ إلى عدن، وتجاوزوا الأهدافَ الإماراتية والسعودية إلى الأمريكية -مسيّرة الساحل الغربي وأهداف أُخرى لم يعلنوا عنها–.
ككُلِّ شيء فِي حياة هذا الجزء من العالم، من الأفراد إلى الجماعات، ومن النخبة إلى الحكام، يرى الكثيرُ من مستوطني دول الخليج أن المالَ يصنعُ كُـلَّ شيء حتى الانتصارات فِي الحروب. وعلى هذا النمط يعملُ ساستُهم ومثقفوهم وإعلامهم. لا يريدون أن يروا أن أمريكا ترتِّبُ أوراقَها فِي تلك المنطقة –سقط المتاع– من العالم بحيث تضمن لإسرائيل وجوداً طبيعياً وتضمن لنفسها منطقةَ نفوذ فِي مواجهة روسيا والصين. ولا يريدون أن يروا أن إيران اجتهدت فِي ظل الحصار منذ عام 97 فأنتجت علماً وعلماءَ وأسلحةً متطورةً ونمطاً حياتياً له احترامُه، وكلُّ ما فكروا فيه أنهم قادرون على استئجار عربٍ وعجمٍ؛ لقتالها بحيث لا تتعفَّرُ أيديهم ولا تتسخُ ثيابُهم.
على نفس النمط لا يريدُ ساسةُ ونخبةُ وحكامُ هذه المنطقة البائسة من العالم، أن يروا الحوثي وقد غيّر نمط حياة 20 مليوناً من اليمنيين استطاعوا أن يعيشوا فِي ظل الحصار والحرب 5 سنوات، ولا يريدون أن يروا أنه ينتجُ سلاحاً ويدرِّبُ أفراداً على قِتال طويل المدى، لا يريدون أن يروا أنه ينتصرُ عسكرياً رغم الحشدِ عليه، ولا يريدون أن يروا انتصاراتِه السياسيةَ، بحيث اعتبرته الأمم المتحدة سلطةَ أمر واقع تتفاوَضُ معه، وتطلُبُ واشنطن التفاوُضَ معه، بينما الشرعيةُ المنتهيةُ ولايتها لا حسابَ لها ولا مقامَ، لا فِي الأمم المتحدة ولا فِي واشنطن التي أعلنت الحربُ منها على اليمن فِي مارس 2015.
وبنفس الدرجة التي خسرت فيها السعوديةُ كُـلَّ معاركها أمام إيران، تخسَرُ معركتَها أمام اليمن، ولكن للعربية والحدث رؤية أُخرى لا سندَ لها ولا دليلَ عليها، ولكنها صناعةُ الإعلام واستثماراتُه المفتوحة.
* كاتب مصري