رؤية أولية مبكرة لثورة 21 من سبتمبر
بقلم:عبدالله سلام الحكيمي *
في يوم 21 من شهر سبتمبر عام 2014 أُعلن عن قيام ثورة شعبية في الـيَـمَـن إثر سيطرة حشود شعبية هائلة على العاصمة صنعاء، تدفّقت عليها من داخلها أو من المحافظات المحيطة بها، وتتويجاً لسلسلة من المواجهات والصراعات والمظاهرات الشعبية شهدتها عدد من المحافظات في صعدة وعمران والجوف وصنعاء والمحويت وحجة وذمار والحديدة وإب وغيرها، وما تلتها من أحداث ومواجهات واتفاقات شملت كافة المحافظات الـيَـمَـنية تقريباً، وصولاً إلى قيام تحالف عسكري من عدة دول عربية وغربية بشن عدوان عسكري وفرض حصار بري وجوي وبحري شامل على الـيَـمَـن، وهو عدوان لا يزال متواصلاً وقد دخل شهره السابع، قتل وجرح آلاف الـيَـمَـنيين ودمّر كُلّ بُناه الأساسية ومقومات حياته الاقتصادية والخدمية والتعليمية والصحية والطرق ومشاريع الكهرباء والمياه والمساكن وحتى المناطق الأثرية ومقابر الموتى.
إن ثورة 21 سبتمبر هذه أكملت فحسب عامها الأول في ظل ظروف استثنائية بالغة الصعوبة والخطورة معاً ولا يزالُ من المبكر جداً إجراء عملية تقويم لما لها وما عليها بشكل موضوعي ودقيقي.. لكننا نستطيع هنا أن نكوّنَ معالم رؤية أولية سريعة ومبكرة حولها وعنها استناداً إلى ما تتيحه لنا المتابعات والشواهد والمؤشرات المستخلصة من وقائع مسيرتها وتطوراتها الأحداث العاصفة التي يشهدها الواقع الوطني والإقليمي والدولي المحيط بها والمؤثر عليها.
والثورة أي ثورة في مفاهيم الفكر السياسي الحديث هي عملٌ إنساني منظم يهدف إلى عملية تغيير شامل وجذري لواقع معاش بأوضاعه ومؤسساته وبُناه وقيَمه وثقافته وأدواته في كافة مجالات حياة المجتمع بعد وصول هذا الواقع إلى أقصى درجة من العجْز والفشل في أداء دوره ومسؤولياته فيصح، وقد أوصل المجتمع الدولي إلى طريق مسدود عقبة تعيق وتعرقل حركة نمو وتطور وتقدم حياة المجتمع، يتوجب القيام بإزاحته وتغييره ويتحتم على الثورة في هذه الحال أن تمتلك رؤية واضحة ومشروعاً وطنياً متكاملاً للبديل الإيجابي الذي تسعى إلى تأسيسه وبنائه على أنقاض الواقع القديم والمتهالك ووفقاً لذات الفكر السياسي الحديث فإن كُلّ عمل تغييري سواءٌ أكان الجيش من ينفذه أو الشعب لا يكتسب صفة ومفهوم “ثورة” إلا بمقدار ما يحدثه ويحققه من مكاسب وإنجازات حقيقية وعميقة وفعلية على أرض الواقع وأوضاعه ومجالات حياة مجتمعه، وإلا وما لم يحقق العمل التغييري كُلّ ذلك فإنه لا يستحق، عن جدارة اكتساب صفة ومفهوم “ثورة” وإن ادعاها!!..
ولا يمكن لأي عمل تغييري ثوري أن يستند ويتأسّس إلا على جملة من البواعث والأسباب والدوافع الوجيهة والملموسة والمحسوسة التي تكسبه وتمنحه المبررات الموضوعية الموجبة لتحركه وتضفي عليه مبدأ “الشرعية” الثورية أو الشعبية أو كلتيهما..
ووفقاً لهذه المنهجية وعلى أساسها سنحاول تكوين رؤيتنا الأولية والسريعة لثورة 21 سبتمبر 2014 الشعبية وعملها التغييري في واقع اليمن الراهن وفي مآلاته المستقبلية.
وفي اتجاه تكوين رؤيتنا هذه لعله من المهم أن نبدأ حديثنا حول الحامل أو المعبر أو الأداة السياسية التي حملت على عاتقها مهمة ومسؤولية تحريك الثورة وقيادة مسيرتها مقترناً ومرتبطاً في نفس الوقت بالحديث عن الإرهاصات والدوافع والأسباب والمبررات الموضوعية التي حركت الثورة وأوجبتها.
ومعلوم أن ثورة 21 سبتمبر 2014 الشعبية انطلقت بعد أربع سنوات إلا قليلاً من انطلاق ثورة 25 فبراير 2011 الشعبية وكلتا الثورتان اشتركتا إجمالاً في ذات المطالب التغييرية وفي ذات الصفة بكونهما شعبية عامة والفارق الأساسي وربما الوحيد بين الثورتين يكمن في حقيقة أن الثورة الأولى رغم عظمتها الشعبية كانت تفتقد للقيادة أو المرجعية والأداة السياسية الواحدة الحاملة لمشروعها والمعبّر السياسي عنها، مما جعلها تقعُ فريسةً سهلةً للاحتواء والسيطرة عليها من قبل القيادات السياسية لأحزاب “المعارضة” آنذاك، والتي نجحت عبر الدفع بكوادرها وعناصرها الحزبية المنظمة لإحكام السيطرة على مفاصل الثورة الشعبية وآلياتها ومنابرها في إجهاضها وركوب موجتها، وتحويلها من ثورة شعبية تغييرية شاملة وعميقة للواقع إلى صفقة سياسية وتسوية بينها وبين السلطة الحاكمة أفضت إلى تقاسم السلطة والمناصب العليا بينهما، في حين أن الثورة الثانية تجاوزت هذا الخلل الاستراتيجي القاتل بامتلاكها، منذ البدء لأهم وأبرز عامل من عوامل نجاح الثورات، وهو واحدية القيادة والمرجعية وواحدية الأداة السياسية المحركة والموجهة والقائد للثورة في مختلف مراحلها وتطوراتها، حيث مثّل السيد الشاب/ عبدالملك بدرالدين الحوثي “المرجع القائد” ومثّلت “حركة أنصار الله” الأداة السياسية والتنظيمية المحركة للثورة والقائد لمسيرتها..
والواقع أن “حركة أنصار الله” هي حركة حديثة النشأة، حيثُ بدأ ظهورُها الأولُ في عام 2004، وارتبط ظهورها آنذاك بمقاومة أسطورية لحشود عسكرية كبيرة من قوات الجيش والأمن مدعومة بمجاميع قبلية جردتها السلطة الحاكمة –آنذاك- لتصفية وإنهاء واجتثاث تلك الجماعة في منطقة “مران” بمحافظة “صعدة”، ولم تكن قد اتخذت لنفسها آنذاك الاسم الحالي لها “أنصار الله” بل كان يطلق عليها “الحوثيون” نسبة لمؤسسها الأول السيد/ حسين بدرالدين الحوثي الذي استشهد في نفس العام 2004 فيما عرف بالحرب الأولى، تلتها خمسة حروب أُخْـرَى حتى عام 2010 تقريباً، واللافت في تلك الحروب الظالمة ضد “حركة أنصار الله” والحشود العسكرية والقبلية الضخمة مع مشاركة الجيش السعودي فيها خلال الحرب السادسة أن تلك الحركة كانت تنمو وتتطور وتتقوى على نحو سريع مع كُلّ حرب من جولات الحروب تلك التي كان واضحاً أن سببها وهدفها يتعلق أساساً بحسابات وترتيبات الحكم والسلطة وإزاحة كُلّ ما يشكل خطراً واقعياً او محتملاً أو متوهماً على استمرارها، وبالإضافة إلى الحروب الست التي شنها الجيش ضد حركة “أنصار الله” في صعدة فإنها واجهت قبلها وأثنائها وبعدها تحديات ومخاطر هددت وجودها عسكرياً من قبل الجماعات السلفية المسلحة المتمركزة في بعض مناطق محافظة صعدة كمنطقة “دماج” ومنطقة “كتاف” وحلفائها أو المتعاونين معها من مليشيات حزب التجمع الـيَـمَـني للإصلاح – الإخوان المسلمين وباقي الجماعات المتطرفة مثل “تنظيم القاعدة” بمسميات جماعاته المتعددة مثل “أنصار الشريعة” و”الجهاد” وغيرها، وغالباً تكون كُلّ هذه الجماعات والتنظيمات “الإسلامية” مدعومة وممولة من قبل السلطة الحاكمة أيضاً.
والواقع أن نشوء وبروز حركة “أنصار الله” بمختلف مراحل تشكلها في خلفيته التأريخية يعود إلى عقود طويلة مارست خلالها سلطات الحكم المتعاقبة سياسات وإجراءات ممنهجة هدفت إلى عملية اجتثاث وتصفية وإقصاء لمكون اجتماعي سياسي واسع ومؤثر للزيدية كمذهب فقهي وللهاشميين كمكون عرقي سلالي، وكلاهما حكم الـيَـمَـن قروناً من الزمن واعتمدت عملية الاجتثاث والإقصاء الممنهجة والمدعومة بإمكانيات الدولة وسلطتها على نشر منظومة التعليم الديني ذي المنحى المذهبي “السني” في كُلّ أنحاء البلاد، وخاصة منها المعاقل التأريخية التقليدية للزيدية، وتهميش وإقصاء الدور السياسي للرموز والقيادات ذات الانتماء الهاشمي، وتحت تأثير وضغط التراكمات الناتجة عن تلك السياسات الإقصائية الخاطئة نشأت حركة أنصار الله رفضاً ومقاومة لها ولآثارها السلبية المدمرة..
ولسنا هنا بصدد تحليل وتقييم حركة أنصار الله ومشروعها السياسي والفكري فعملٌ كهذا يتطلب إجراء أبحاث ودراسات متخصصة ومتعمقة وهو ما لا يتسع له هذا الحيز هنا، لكننا نكتفي بتسجيل عدة نقاط حولهما استناداً إلى سلسلة محاضرات مؤسّسها الأول السيد حسين بدرالدين الحوثي وما لحق ذلك من مواقف ورؤى الحركة المعلنة وباختصار شديد كما يلي:
- أن “أنصارَ الله” حركة ثورية عقائدية فكرية وسياسية جديدة شابة فتية في جميع مستوياتها القيادية والقاعدية تطرح رؤية ومشروعاً جديداً للإسلام استناداً للقرآن الكريم وحركة الاجتهاد المتجددة باستمرار كمنهج رؤية وتحليل ثابت يبرز ويحيي قيم الدين ومفاهيمه ومضامينه الأصيلة بعيداً عن التعصبات المذهبية والطائفية وتأكيداً على إعلاء شأن الحرية والكرامة الإنسانية وتفعيل واحترام سنة الاختلاف والتباين بين الناس والسعي إلى بناء الإنسان في سلوكه ومواقفه ودوره وحياته، وفقاً لذلك المنهج القويم وعلى أساسه ومن الإنسان الفرد إلى المجتمع الرشيد.
- أن حركة أنصار الله من خلال مشروعها الوطني ومنهج الرؤية والتحليل الذي تعتمده تسعى إلى إقامة مجتمع جديد ودولة مدنية حديثة وعادلة ولا مركزية تقوم على أسس ومعايير المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية والتوافق الإيجابي لجميع المكونات والشرائح السياسية والاجتماعية من منطلق أن الوطن ملك لجميع أبنائه دون تمييز أو تهميش أو إقصاء يتعايشون ويقبلون بعضهم بعضاً مهما كانت اختلافاتهم وتبايناتهم السياسية والاجتماعية والمصلحية التي يجب أن تدار وتحل سلمياً وبالشراكة والتوافق.
- أن حركة “أنصار الله” ترفض رفضاً قاطعاً ولا تقبل مطلقاً باحتكام أي طرف أو مكون إلى السلاح والعنف والإرهاب لفرص خياراته وقناعاته على الآخرين لأي سبب أو مبرر والاحتكام فقط للحوار والتوافق والشراكة ولحكم القانون والقضاء أن تطلب الأمر، هذه هي حركة أنصار الله ومشروعها الوطني ومنهج الرؤية والتحليل الذي يحكم حركتها ومواقفها وبياناتها وفقاً لرؤيتي ووجهة نظري الشخصية وهي غير ملزمة لا لأنصار الله ولا لغيرهم إلا لمن اتفق معها، ووفقاً لما استخلصته من محاضرات مؤسسها الأول، كما أشرت آنفاً، ومن مجمل المداخلات والإسهامات والأوراق المتضمنة الرؤى والتصوُّرات التي ساهم بها وقدَّمها ممثلو أنصار الله في أعمال ونقاشات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وهي مسجلة وموثقة ومنشورة لمن أراد الرجوع إليها.
وعلى ضوء حديثنا السابق حول حركة أنصار الله ومشروعها الوطني ومنهجها العام ندخل إلى الحديث عن ثورة 21 سبتمبر 2014 والتي كانت حركة أنصار الله مرجعيتها وقائدها وإدارتها السياسية، وفي نقاط رئيسية مختصرة نقول عن هذه الثورة:
- لقد شهدت الـيَـمَـن عقب الثورة الأولى فبراير 2011 وإجهاضها بصفقة تسوية سياسية وقيام سلطة ما سمي بسلطة “الوفاق الوطني” وإعادة تثبيت مواقع ونفوذ مراكز القوى والفساد العسكرية والمشايخية من جديد وتعزيز سيطرتها على الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية، شهدت سلسلة من الأزمات والاضطرابات والمؤامرات التي استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى العارمة وتغول مافيات الفساد وانتشار الانفلات الأمني على نحو مريع، مما أوصل الدولة إلى حالة شبه شلل وعجز عن النهوض بمسؤوليتها.
- وكان واضحاً أن هناك مخططاً تآمرياً خطيراً لتصفية وتفكيك المؤسستين العسكرية والأمنية من خلال مئات عمليات الاغتيال لقادة وكوادر هاتين المؤسستين وفي وضح النهار وبدعم وحماية من مراكز القوى والنفوذ والفساد المهيمنة على الجيش والأمن، وتزامن ذلك مع تفكيكهما تحت ذريعة إعادة الهيكلة وفي الجانب الآخر جرى تحريك الجماعات التفكيرية المسلحة لاستهداف حركة “أنصار الله” في صعدة وعمران والجوف وجرى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية البغيضة وتجميع الحشود من مختلف المحافظات الشمالية بدعوى نصرة السنة، وبتنسيق ودعم ومساندة مشايخية قبلية ومن وحدات الجيش والأمن الموالية لمراكز القوى وميليشيات الإصلاح، وارتكبوا أبشع الجرائم في قطع الطرقات وقتل المسافرين فيها على الهوية المذهبية والعنصرية ووصل الحال إلى فرص حصار كامل على صعدة، ونفذت سلسلة الاغتيالات وتفجيرات انتحارية بحق المتظاهرين والمصلحين في المساجد في صنعاء وعمران خاصة وغيرهما من محافظات البلاد ضد قيادات وكوادر أنصار الله أو المتعاطفين معهم.
- وعلى الصعيد السياسي سلبت كُلّ مظاهر السيادة الوطنية وسلمت ملفات الجيش والأمن مثلاً وبالكامل للسفارة الأمريكية وصياغة الدستور وإدارة الحوار الوطني وبناء الدولة لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، والشؤون المالية والاقتصادية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودول الخليج الخ، وخطط ودبر لتفكيك وتمزيق الكيان الوطني وضرب الدولة الوطنية بتمرير وفرض فكرة تقسيم البلد إلى ستة أقاليم أعطيت من الصلاحيات والسلطات السياسية ما يجعلها عبارة عن دويلات مستقلة رغم اعتراض عدة مكونات أساسية في مؤتمر الحوار الوطني على ذلك.
- ووجدت حركة أنصار الله والجيش والأمن الوطنيان أنهما في دائرة الاستهداف الخطير بضربهما وتصفيتهما كمدخل لتفكيك الوطن وتمزيقه وإنهاء وجودهما الوطني، فلم يكن أمامهما سوى الوقوف صفاً واحداً وفي خندق واحد لإنقاذ الوطن وحمايته وعملاً معاً وبحركة منسقة لمواجهة الجماعات التفكيرية الإرهابية في مختلف المحافظات وقد كادت تعلن استقلال إمارات خاصة بها، وتمكن الجيش واللجان الشعبية “أنصار الله والقبائل” من دحر تلك الجماعات وتصفيتها في أبين ولحج والبيضاء وإب والجوف وصنعاء وغيرها,
- ورغم سيطرة الثورة على العاصمة صنعاء لكنها حرصت على عدم استلام السلطة والتفرد في الحكم، من موقع القدرة وذلك يوم 21 سبتمبر 2014، بل أصرت على تغليب مبدأ التوافق والشراكة الوطنية كما جسّده وعبّر عنه اتفاق السلم والشراكة الذي رعته الأمم المتحدة وتبنّاه قرار مجلس الأمن الدولي والدول العشر الراعية!!.
تلك إذن كانت لمحة مختصرة لأهم معالم صورة واقع الأوضاع العامة في واقع البلاد المعاش ومدى تدهوره وانفلاته سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً إلى حد بات ينذر بانهيار المجتمع وما بقي من مظاهر دولة، وقد شكلت متضامنة ومتظافرة مبرراً موضوعياً وقوياً ووجيهاً لثورة 21 سبتمبر 2014م وأكسبها كامل الشرعية الثورية والشعبية للإمساك بزمام الأمور في البلاد والقيام بمهمة إنقاذ الـيَـمَـن، وطناً وشعباً ودولة.
وعلى الرغم من أن حركة “أنصار الله” كانت الواجهة السياسية المعلنة للثورة إلا أنني اعتقد من خلال شواهد ومؤشرات وقائع الأحداث وتطوراتها، وهو واعتقاد شخصي، أن ثورة 21 سبتمبر 2014 كانت بحق ثورة فجّرتها وقادتها حركة أنصار الله والقيادات الوطنية الشريفة للجيش والأمن الوطنيين والقبائل الـيَـمَـنية الوطنية والشريفة في أروع عملية تماسك وتلاحم وطني في تأريخنا المعاصر..
ورغم الظروف الاستثنائية بالغة الصعوبة وحالة الفوضى والانفلات والاضطرابات الداخلية في البلاد التي صنعتها أو تسببت فيها مرحلة ما بعد ثورة 25 فبراير 2011 والعدوان الخارجي الظالم وغيرها المبرر الذي يشنه تحالفٌ لبعض الدول العربية وبعض القوى الدولية النافذة والذي دمر كُلّ مقومات المجتمع وقتل الآلاف وغالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال والحصار الشامل الذي يفرضه بشكل كامل على الـيَـمَـن ولا يزال ورغم تعاون بعض الخونة والمرتزقة المحليين كجماعات القاعدة وأخواتها والتجمع الـيَـمَـني للإصلاح وحلفائهم من السلفيين وبعض القادة الحزبيين مع العدوان الخارجي إلا أن الثورة استطاعت أن تحقق جملة من الانتصارات والمكاسب الاستراتيجية ومن أبرزها وأهمها:
- أن ثورة 21 سبتمبر 2014 نجحت في وقت انهيار الأوضاع العامة في البلاد، والذي كان وشيكاً وأفشلت مشروع تفكيك وتمزيق وحدة الوطن وضرب كيان دولته الوطنية.
- واستطاعت دحر وتصفية الجماعات والمنظمات التكفيرية المتطرفة في الكثير من المدن والمحافظات والحد كثيراً من عملياتها الإجرامية ومحاصرة نشاطاتها التدميرية.
- وتمكنت ولأول مرة منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 من إزاحة وضرب وإسقاط مراكز القوى والنفوذ العسكري المشايخي المتحالفة مع قوى الفساد والإرهاب وتجارة المخدرات وإنهاء هيمنتها وسيطرتها التأريخية على الدولة ومقدراتها.
- ووضعت حداً فاصلاً للتدخلات الخارجية في شؤون البلاد الداخلية واستعادة السيادة الوطنية وحررت القرار الوطني من الارتهان للقوى الخارجية المتخالفة والحامية لقوى الفساد والإرهاب.
- ونجحت لأول مرة في تأريخنا المعاصر أن تحشد وتعبئ قوى القبائل وطاقاتها الخلاقة وتوظيفها ضمن مشروع وطني ثوري تغييري وبنَّاء مع قوى الجيش والأمن واللجان الشعبية والشرفاء الوطنيين من كُلّ شرائح ومكونات المجتمع بعد عُقُود طويلة من الزمن تم خلالها إقصاء دور القبيلة ومشاركتها الفاعلة في مسيرة شعبها الوطنية وجرى استغلالها لخدمة مصالح وأطماع كبار مشايخها وتعرضها لتشويه صورتها وأصالتها ودورها.
- وعلى مدى أكثر من ستة أشهر متواصلة استطاعت أن تحققَ صموداً أسطورياً في مواجَهة العدوان الخارجي الغاشم والمدمَّر والحصار البري والجوي والبحري الشامل الذي يفرضُه العدوان لإخضاع إرادة الشعب الوطنية وإجباره على الاستسلام، ليس هذا فحسب، بل ونقل المعركة إلى داخل أراضي المعتدين وتحقيق انتصارات مذهلة عليه برغم الفارق الهائل في التسليح والعُدة والعتاد والثروات المالية الخرافية بيننا وبينه، وإفشال وتعرية وفضح المشاريع الطائفية والمذهبية والمناطقية المتحالفة معه في الداخل.
- إن ثورةً كثورة 21 سبتمبر 2014 هذا شأنها وهذه انتصاراتها وهذه عظمتها يتوحد بها وفيها وتحت رايتها شعب وجيش ولجان شعبية مجاهدة وقبائل أبية وأحزاب وقوى سياسية ووطنية صفاً واحداً افتراضياً صلباً لقادرةٌ على إعادة كتابة التأريخ وصُنع الحياة العزيزة الكريمة على أرضها وجذورها ضاربة في عُمق أعماق تربتها الوطنية، لا تستطيع أية قوة على الأرض أن تهزمَها، ولن تكون في الأخير إلا منتصرة ظافرة لمشروعها وأهدافها النبيلة بإذن الله تعالى وقوته.
* شيفلد- 23/9/2015