“أيام محدودة جداً” أمام السعودية: بدء العد التنازلي لـ “مراحل الوجع الكبير”
بعد أيام من وعد قائد الثورة بـ “ضربات أشد فتكاً وأكبر تأثيراً”
الرئيس المشَّـاط يعطي الرياض “وقتاً إضافياً” لالتقاط المبادرة ولا مؤشرات إيجابية حتى الآن:
المسيرة | ضرار الطيب
“أيام محدودة جداً” تفصلنا عن التقييم النهائي لتعاطي السعودية مع مبادرة الرئيس المشَّـاط، بحسب ما أعلن هو نفسه في خطابه الأخير، مُشيراً إلى أن العدوان أبدى “تعنتاً واضحاً” أمام المبادرة بارتكابه عَدَداً من المجازر بحق المواطنين خلال الأسبوع الفائت، وهو الأمر الذي يرجح بدء تدشين “مراحل الوجع الكبير” التي أكّـد الرئيس الجهوزية لخوضها في حال استمرت السعودية بالتعنت.. مراحلُ كان قائدُ الثورة أَيْـضاً قد كشف عن ملامحِها مؤخّراً حين توعد بـ”ضربات أشد فتكاً” على عمق مناطق العدوان، ولا يبدو أنها ستكون مناطقَ سعوديةً فقط، إذ ما زالت التحذيرات الأخيرة والملفتة التي وجهتها القوات المسلحة للإمارات، تفرض نفسها كأحد ملامح المراحل العسكرية القادمة.
“وقف الهجمات على السعودية مقابل وقف هجمات العدوان على اليمن” هذه كانت بنود فرصة السلام العادلة التي منحها الرئيس المشَّـاط، عشية ذكرى ثورة 21 سبتمبر، للسعودية التي تعيش أحلك أوقاتها بعد عملية “توازن الردع الثانية”، لكن الرياض اختارت -كما هو متوقع- تجاهل التغير العسكري الجذري الذي أحدثه اليمنيون والذي لا زالت تعاني كثيراً من آثار آخر عملياته، وهكذا ردت على المبادرة بتصعيد مكثّـف لغاراتها ومجازرها موقعة العشرات من المواطنين بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله بسرعة على مسار المبادرة، ليعلن الرئيس في اليوم الخامس، خلال خطابه في ذكرى ثورة 26 سبتمبر، أن الفرصة أمام السعودية على وشك الانتهاء؛ بسَببِ “التعنت الواضح” موضحاً أن التعاطي السعودي مع المبادرة “لم يكن مشجعاً ولا مسؤولاً”.
عملياً، كانت تلك المجازر كافيةً لإثبات الرفض السعودي، لكن موقف القوة الذي انطلق منه الرئيسُ المشَّـاط في إعلان مبادرته، تجلّى مجدّداً في ترك وقت “بدل ضائع” للسعودية؛ “إكمالاً للحُجَّة” في المقام الأول وتأكيداً على “الجهوزية للسلام” أمام العالم، وهو الأمرُ الذي تعودناه من القيادة السياسية والثورية قبل الإقدام على مراحلَ تصعيديةٍ استراتيجية، عبّر عنها الرئيس هنا بـ”مراحل الوجع الكبير”.
“أيام محدودة جداً” كانت هي هذا الوقت الإضافي الذي تركه الرئيس، وفي ظل انعدام أي مؤشر على وجود نية سعودية لاستغلال هذه الفرصة الأخيرة، فإن الحديث الآن يدور بشكل رئيسي حول “الوجع الكبير” القادم والذي يقود تلقائياً إلى التذكيرِ بما جاء في بيانِ قائد الثورة السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي، في ذكرى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، حيثُ أعلن أنه “مع استمرار القصف والحصار والعدوان فإن الضربات الأكثر إيلاماً والأكبر تأثيراً ستصلُ إلى عمقِ مناطقِ العدوّ وإلى أَهَمِّ منشآته الاقتصادية والنفطية والحيوية ولا خطوطَ حمراءَ في هذا السياق”.
بهذا يتضحُ أن مرحلة “الوجع الكبير” باتت جاهزة بالفعل، ببنك أهدافها وبأسلحتها ومعلوماتها الاستخباراتية وكافة متطلباتها، وأن العد التنازلي قد بدأ لتدشينها، وبالتالي باتت لدى العالم إجابةٌ واضحة عن تساؤل “ماذا بعد بقيق؟” الذي ظل يتردّد منذ الرابع عشر من سبتمبر.. إجابةٌ تُضاعِفُ “الرعبَ” الذي تحمله لتحالف العدوان يوماً بعد يوم مع استمرار تداعيات عملية “توازن الردع الثانية” التي لا زال الاقتصاد السعودي يهوي على إثرها، وليس من المرجح أن يتعافى منها في وقت قريب.
وإذا كانت المقاربة الأبسط لتأثير مرحلة “الوجع الكبير” المقبلة هي مضاعفةَ تأثير عملية “بقيق” عدةَ أضعافٍ فإن ذلك يعني أن النظامَ السعودي على أبواب تدهور مدوٍّ لا مجالَ لأن يعودَ منه كما كان، ويكفي لتوضيح ذلك نظرةٌ بسيطةٌ على حجم الهزة التي أحدثتها العمليةُ في الاقتصاد السعودي والتي تمثلت في تخفيض إنتاج النفط السعودي إلى النصف، وإجبار السعودية على شراء النفط من الدول المجاورة لتغطية التزاماتها، ناهيك عن حقيقة أن الأضرار التي أصابت منشآت “بقيق” وَ”خريص” تحتاج عاماً كاملاً لإصلاحها، وهو ما يعني استحالةَ عودةِ الإنتاجِ كما كان قبلَ نهايةِ هذه المدة، وكُلُّ ذلك إلى جانب التدهور الذي أصاب شركة “أرامكو” نفسَها والذي تسبب في تأجيل طرحِها للاكتتاب.
مع ذلك، لا يمكنُ التنبؤ بالآثار الحقيقية للمرحلة المقبلة بهذه الطريقة، إذ لطالما امتلكت قوات الجيش واللجان “عنصرَ المفاجَأة” في أهداف عملياتها العسكرية، ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها، وهو ما يعني أن آثارَ “الوجع الكبير” قد تتجاوز كُـلَّ التوقعاتِ مهما كانت.
الحديثُ عن هذه المرحلة يقودنا بالضرورة أَيْـضاً إلى الإمارات التي يبدو أنها مرشحةٌ بشدةٍ لنيل قسطٍ من الضربات اليمنية القادمة، حيثُ لا يمكنُ تجاهُلُ التحذيراتِ الأخيرةِ التي تلقتها أبو ظبي، علنياً، من رئيس الوفد الوطني وناطق القوات المسلحة، والتي كانت لهجتُها قويةً على نحوٍ لافتٍ، حيثُ قال محمد عَبدالسلام: إن “الإمارات تستحق الاستهدافَ الآن أكثرَ من أي وقت مضى” فيما كشف العميدُ يحيى سريع أن لدى القوات المسلحة بنكَ أهداف داخل أبو ظبي ودبي، قد تتعرضُ للاستهداف في أيةِ لحظةٍ.
والواقعُ أن استهدافَ الإماراتِ في المرحلة المقبلة لا يختلفُ في حيثياته عن استهداف السعودية، إذ سبق وتلقت أبو ظبي فرصةً كافيةً لإثبات “صدقِها” في إعلان انسحابها من اليمن، لكنها اختارت المراوغةَ والمكابرةَ، بنفس الطريقة التي اختارت بها السعودية رفضَ مبادرة الرئيس المشَّـاط.