هذا هو الإمامُ الهادي إلى الحَقّ -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-
نوال أحمد
الإمامُ الهادي يَحيَى بن الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- الذي أتى إلى اليمن من بلادِ الرَسِّ، ونشرَ الدينَ وأقامَ الدولةَ العادلة وملأ اليمنَ مساجدَ ومدارسَ للعلم والعلماء، وأوجد نهضةً علميةً وفكريةً استمدت جذورَها من مدرسة النبي محمد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله-، والتي تناقلها أهلُ بيته الأطهار الكرام.
الإمامُ الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- نشر مذهبَ العدل ودحَر الباطنيةَ وأدرك واقعَه وما الذي يُفترض أن يكون، استشعر مسؤوليتَه وآمن بوجوب فريضة الجهاد في سبيل الله، إمامٌ من أئمة أهلِ بيت رسول الله الذين أدركوا واقعَهم واستشعروا مسؤوليتَهم، الذين عرفوا أن لا نجاةَ لهم في الحياة ولا براءةَ لهم من غضب الله وسخطه إلا في قيامهم بفريضة الجهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وَمن أقوالِه -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-: “ندين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنَّ نُصرةَ المظلوم والأخذَ على يد الظالم فرضٌ لازمٌ وحَقٌّ واجبٌ؛ لأَنَّ في ترك المعروف للحَقّ إماتةً، وفي ترك النهي عن المنكر للباطل حياةً؛ ولذلك أوجبه اللهُ على عباده”، وَمن أقوالِه أَيْـضاً -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-: “كان ما افترض على الناس وجعله حُجَّةً مؤكّـدةً فيهم الجهادَ في سبيل الله”.
الإمامُ الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- هو الرجلُ الطاهر القرآني المجاهد الذي أحيا اللهُ على يده الدينَ وأزاح بجهاده ظُلمةَ الجاهلين، الإمامُ الذي هدى الناسَ للحَقّ وَأقام فيهم العدلَ، وأصلح ذات بينهم، الإمامُ الهادي الذي حمل المسؤولية وأحياها في روح الأُمَّـة؛ لتغلِبَ الظلمَ وتنتصرَ لهذا الدين المحمدي الأصيل.
إننا نتحدث عن شخصية تاريخية وإسلامية عظيمة، رمزٍ من رموز تلك المدرسة المحمدية الطاهرة النقية، علَمٍ من أعلام الهدى، وهادٍ من الهداة الصالحين، وقائدٍ من القادة القرآنيين، إمامٍ من الأئمة الطاهرين، حفيدٍ من أحفادِ رسول الله الأكرمين -صلاة الله عليهم أجمعين- المجاهدين في سبيل الله ونصرة عباد الله المستضعفين.
ونحن في حضرة هذا الإمام الطاهر الهادي إلى الحَقّ، يَحيَى بن الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- فإننا نُحْيي هذه الشخصيةَ العظيمةَ، الجديرة بأن تكتب عنها الأقلامُ وتسطرها الصحفُ؛ لنستذكرَ مآثرَ هذا الإمام العادل ونستلهم إيمانَه وصبرَه وجهادَه وتضحياتِه الجسيمةَ التي بذلَها -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- في سبيل الله وفي سبيل نشر دين الإسلام، فقد خرجَ مجاهداً داعياً إلى الله والعودة لكتاب الله.
وقدّم الإسلامَ في أطهر وأنقى صور الإسلام، تجسّد في مشروعه الذي كان يحملُ الأخلاقَ والقيمَ والمبادئَ والعدالةَ والسموَّ، والذي جسّدهُ -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- في واقعه قولاً وعملاً، حركةً ومنهجاً، سلوكاً وَصدقاً وعدلاً.
حمل مواصفاتِ جدّه المصطفى أخلاقاً وجهاداً وتضحيةً، وكان خروجُه -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- وَحركتُه امتداداً لحركة أهلِ البيت ونهجهم المرتبط بنهج جدّهم رسولِ الله -صلواتُ الله عليهم-، لقد أحيا الحَقَّ وأرسى دعائمَ العدلِ والقسطِ في كُـلِّ بقاع الأرض اليمنية، وقد كان يقول -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-: “واللهِ لإن أطعتموني لا فقدتم من رسول الله إلا شخصَه إن شاء الله”، فكان حَقّاً ما قاله -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-.
وما أحوج رجالات الأُمَّـة اليوم إلى الرجوعِ لمدرسةِ أهل البيت -سلامُ الله عليهم-؛ لأخذ الدروسِ والعِبَر والاستفادة من حركاتهم الإسلامية في مواجهة قوى الطاغوت والإجرام، والتزود من مواقفهم الإيمانية في مواجهة أعداء الأُمَّـة في هذا العصر، وخَاصَّةً في هذه المرحلة، فنحنُ نستلهم من الإمام الهادي ومن آبائه وأجداده الأطهار إيمانَهم وجهادَهم وصبرَهم وتضحياتِهم في سبيل الله؛ من أجل أن تبقى كلمةُ الله هي العليا وكلمةُ الذين كفروا هي السفلى؛ ومن أجلِ إحقاق الحَقّ وإزهاق الباطل.
نستذكر بطولاتِهم ونستلهم مواقفَهم التاريخية؛ لنتعلمَ منها اليوم ولنتزودَ من تلك المواقف الإيمانية في كيفية القدرة على الوقوف أمامَ هذه الأخطار والحروب القائمة التي تشنُّها قوى الشر والاستكبار العالمي، وما تمارسه من إجرام بحَقِّ هذه الأُمَّـة الإسلامية، وكيف نستطيع بقوة الله التصدي لمشروع الهيمنة والاستعمار الأمريكي الإسرائيلي الذي يستهدف هذه الأُمَّـةَ بأسرِها.
كان الإمامُ الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- يقول: “ألستم ترون إلى دينكم مقتولاً، وإلى الحَقّ الذي أنزله اللهُ مع نبيكم مخذولاً، وحكم الكتاب معطّلاً بينكم، وأن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر معدومٌ فيكم، يرتع أعداءُ الله من جني أموال المسلمين، قد أمنوا من تغييركم، ويئسوا من نكايتكم، وبسطوا أيديهم على المسلمين، وحكموا بحكمِ الشيطان فيهم، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم، حرموهم فيئَهم، واصطفوا مع ذلك أموالهم وأجاعوا بطونهم وأعروا ظهورهم وأضاعوا سبيلهم، وأخافوهم على أنفسهم يقتلون رجالهم، سفهاؤهم أمراؤهم وأشرارهم حكّامهم، وعظماؤهم أردياهم، الغدر شيمتهم، والفسق هِمَّتُهم، إن عاهدوا نقضوا، وإن أمّنوا غدروا، وإن قالوا كذبوا، وإن أقسموا حنثوا، قتلوا النساءَ والولدان، وقتلوا الكتاب والسنة، وأظهروا المنكرَ والبدعة، وخالفوا ما بعث الله به نبيه، وحكموا بغير الكتاب المنزل”، إلى أن قال -عَلَيْـهِ السَّـلامُ-: “لقد حكم اللهُ للحَقِّ والمحقين بالغلبة للباطل والمبطلين، أين هم المناهضون لأمره؟ المنتجزون لوعده، المتعرضون لنصره، فإن الله يقول: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وبلى وعسى (فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً) عسى أن يجعل فيكم يا أهلَ التوحيد خلَفاً من الأولين المجاهدين، الذين بذلوا أنفسَهم وأموالَهم لله ربِّ العالمين، فشمِّروا يرحمكم اللهُ، واجتهدوا واطلبوا النجاةَ من الله بجهادٍ تنجوا”.
هذه هي الروحيةُ العالية للإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلامُ- الذي أحيا اللهُ به الدين، وأفاقت الهدايةُ في بلاد اليمن، تحَرّكَ بهذه الروحية العالية في هذه الديار وأستطاع أنْ يوجدَ دولةَ الحَقِّ والمحقين، وأن يحقّقَ منهجَ الأنبياء والصالحين، فكانت دولتُه راشدةً، أمن فيها المستضعفون وخاف فيها الظالمون.
وها نحن اليوم نقول: الحمدُ لله الذي أوجد لنا في هذا العصر قيادةً قرآنيةً من آل محمد الأطهار، ممثلةً بالعلَم القائم السيد عبدالملك بدر الـدين الحوثي -يحفظه الله- الذي يقودنا تحتَ رايةِ الحَقِّ التي تولى حملَها بعد استشهاد أخيه الشهيد القائد السيد حسين -رضوانُ الله عليه- المؤسّسِ لهذا المشروع القرآني العظيم المناهض لقوى الظلم والاستكبار العالمي.
قائدٌ قرآنيٌ حكيمٌ أعادنا للقرآن وأحيانا بالجهاد في سبيل الله لمواجهة طغاة عصرنا، إنَّ علَم زماننا وقائدَ مسيرتنا سار بسيرة آبائه وأجداده -عليهم جميعاً الصلاةُ والسَّلامُ-، فالحمدُ لله ربِّ العالمين أن هدانا وجعلنا من رُكَّابِ سفينة النجاة أمامَ بحور الغفلة وأمواج الضلال، فأهلُ البيت لنا كسفينةِ نوحٍ التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، كما قال لنا الحبيبُ المصطفى -صلاةُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين-.