التعليمُ العالي والبحثُ العلمي.. بين التسييس والإبداع الخلّاق
المسيرة: محمد محسن زيد الحوثي
ينصرِفُ جُـــزءٌ كبيرٌ من إدارةِ المورد البشرية وتنميتها إلى التدريب بأيِّ أسلوب كان، منها عقدُ اللقاءات وحلقات النقاش والندوات وإقامة المؤتمرات؛ لهذا تشهدُ الدولُ خلال العام الواحد العديدَ من تلك الأساليب تصل إلى المئات بل تصلُ إلى الآلافِ على مستوى الدولة الواحدة وأنساقها المختلفة، لا يكادُ يخلو يومٌ واحدٌ إلا ونقرأ أَو نسمع عبر وسائل الإعلام عن عقد ندوة أَو حلقة نقاش أَو إقامة مؤتمر حول موضوع أَو إشكالية معينة، ولا تقتصر تلك الأساليب على تدريب الموارد البشرية وتنمية قدراتها فقط، بل تتصرف إلى أبعد من ذلك، وهو تلمس الإشكاليات والقضايا وأسبابها وآثارها وتشخيصها وعلاجها وتداعياتها.
اليمن إحدى الدول التي تتبنى مثل هذه السياساتِ والبرامج، وخلال عام 2004م، تم عقدُ العديد من الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش في جميع المجالات التي لم تقتصر على القضايا والأحداث الداخلية بل تعدى ذلك إلى البنية العربية والإسلامية والدولية، وتفاعلها معها، وخَاصَّةً أن هذا العام تقام معظم الأنشطة والفعاليات متزامنة مع “صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004م”.
ولاهتمامي المتواضع حضرت العديد من الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية وغيرها من الأنشطة والفعاليات، استفدت منها كَثيراً برغم التخبط بين هذا الكم منها.
وبقدر السعادة الغامرة والسرور العامر الذي شعرت بهما لم أسلم من بعض ما عكر صفوي وحزَّ في نفسي، وشغل فكري، أمر واحد فقط يشترك بين كُـلّ تلك الأساليب، يتمثل هذا العامل في (أن معظم الأوراق أَو الأبحاث التي قُدمت للمشاركة في المؤتمر أَو الندوة أَو الحلقة النقاشية.. تمت كتابتها على استعجال).
وكَثيراً ما سمعت المتحدثين يقولون تم الاتصال للمشاركة قبل انعقاد المؤتمر بأسبوع أَو ثلاثة أيام، وأَحْيَاناً تسمع من يقول اعذروني تم الاتصال بي الليل لأشارك اليوم، لاسيما المعقبين على الأوراق، والأبحاث.
تصوروا كيف يكون البحث أَو ورقة العمل؟ ربما يكون المشارك محترفاً فيقدم بحثاً من هذا الكتاب ومن هذا المرجع ومن هنا وهناك وانتهى الأمر، ولكن غالبا ما نجد تلك الأبحاث والأوراق عبارة عن انطباعات شخصية أَو سردية أشبه بالقصة أَو الرواية، التي ينقصها الترابط والصور البلاغية، وإن وجد الترابط فيما بين أجزائها فإنها تفتقد إلى المنهجية العلمية السليمة؛ لأَنَّ معظمَها ترفيهٌ ونستثني قليلاً من تلك الندوات أَو المؤتمرات التي يعد لها مبكراً فيلمس المتابع أَو القارئ الجهد العلمي والمنهجي، وإن وجد ثغرات أَو قصور فلا يكونُ بنفس القصور والضعف الذي يظهر في الأبحاث والأوراق التي أعدت بسرعة أَو في وقت غير كاف.
ولا نطالب بالكمال فالكمال لله وحدَه، إنما بتقليص الأخطاء وترشيد الأبحاث والأوراق.
وينبغي أن تتصفَ بالعلمية، وأن تكونَ العناصرُ التي تتناولها منهجية بما تعنيه الكلمة، وأن يكون معدُّ أَو مقدِّمُ البحث مدركاً لعناصر المنهجية التي استخدمها، ما لم فنسأل أنفسَنا. ماذا نعني بالعلمية؟ إذَا لم تتصف بالمنهجية.
كثيرة هي الرسائل والأطروحات والأبحاث التي تتصف بالعملية، غير أنه يصعُبُ التفريقُ بينها وبين الكتب العادية، ولا نقصد بالعادية التضعيف إطلاقاً إنما الالتزام بالمنهجية التي استخدمت.
وفي السنوات الأخيرة، شاعت الفوضى جراء السيولة في النظام الدولي الذي انعكس على كُـلّ بناه ومؤسّساته ووحداته وأنساقه، ولم تسلم منه حتى المؤسّسات العلمية، حيث برَزت في البحث العلمي ظاهرةٌ خطيرة تتعلق بالمنهجية، تتمثل في استخدام تركيبة من المناهج تصل أَحْيَاناً إلى خمسة مناهج أَو مداخل في البحث أَو الرسالة الواحدة، كأن يشيرُ الباحثُ إلى استخدامه في أُطروحته (المنهجَ التاريخي، والمنهج الوصفي، والمنهج المسحي، ومنهج دراسة الحالة ومنهج تحليل المضمون… إلخ)، وحين نطالعُ هذه الرسالة أَو الأُطروحة لا نلمسُ إلا عناصرَ محدودةً لمنهج أَو منهجين، وهذه جنايةٌ على البحث العلمي وعلى العلم أعتقد أن مثل هذا لا يعد خطأ بل جريمة، هل يراد لنا أن نكون هكذا حتى في مطلع الألفية الثالثة؟ ربما يراد لنا ذلك!!
الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه ومتعلقٌ بالمنهجية، فمن خلال قراءتنا ومتابعاتنا المتواضعة للبحث العلمي ومناهجه واقتراباته ومراحله/ تعرفنا على مناهج ومداخل كثيرة يمكن أن نكون مدخلاً لدراسة أَو تناول ظاهرة معينة (اجتماعية، سياسية، اقتصادية،… إلخ).
وتشيرُ العديدُ من الدراسات العلمية حول المنهجية، أن المناهج والاقترابات والمداخل ليست تكاملية، لكنها بديلة، بمعنى أنه يمكن تناول الظاهرة أَو موضوع الدراسة وفقا لمنهج أَو مدخل واحد، ولا بأس إذَا تعداه بإضافة آخر عند استخدام التجريب في البحث، أما تعدد المناهج أَو المداخل في الدراسة أَو البحث الواحد، فيعني العبثَ العلمي؛ لأَنَّ جزءاً مهماً من البحث العلمي ينصرفُ إلى قدرة الباحث وتمكّنه من سَبْرِ أغوار إشكالية دراسته بمنهجية محدّدة، مثلاً استخدام المنهج التاريخي، إن له عناصرَه التي على ضوئها يتم تناول موضوع معين، منها جمع الوثائق (التقميس)، تم نقدها الخارجي والداخلي، تم استعادتها، وعملية التصنيف والتحليل ثم التفسير والصياغة النهائية وتتم على مرحلتين أَو ثلاث، كذلك المدخل أَو الاقتراب النظمي (النسقي)… إلخ.
مؤتمرٌ علميٌّ عقدته إحدى كليات الجامعة عام 2001م، 77% من الأبحاث استخدمت المنهج الوصفي، رغم تعدد وتنوع المواضيع، وكأننا نأخُــذُ بأسهل الطرق وأقربها، حتى الوصفي في حقيقته يتضمَّنُ الوصفَ والتحليلَ، ولكنه لا يرقى إلى التفسير.
صحيحٌ أن المداخلَ والاقترابات التي ظهرت مع أنصار المدرسة السلوكية وما بعدها معقدة وتتطلب الجد والاجتهاد والمثابرة للإلمام بها؛ لهذا يهرب ويتهرب الكثير منها –ونحن منهم- وينصرفون إلى الطرق التقليدية –السهلة– حسب رؤية البعض، ومثل هذا لا يضيفُ للمنهجية والعلم جديداً، العلمُ والمناهج لا تتطور ولا يتم تحديثها إلا بالكد والسهر والتضحية بالمال والوقت في متابعة الحديث والجديد، والتأمل في عناصر ما هو موجود وتفسير رموزها، صحيحٌ أن ذلك يحرم الباحث من مطالب الدنيا والتقليل من مكاسبها المادية، إلا أنه إذَا ما قورن بالقيمة العلمية تهون في عينية وتسقط من نفسه تلك المطالب –ولا أعني عدم السعي للجميع بين الاثنين– إلا أن هدف العلم نبيل وغايته سامية، ومعظم الحلول والمطالب تتحقّق عن طريق العلم والتعليم.
هناك إشكالية برزت على الساحة في الفترة الأخيرة، تتمثل في تراجع المكانة العلمية ثقافياً واجتماعياً، واستحقار من يظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد، وبذلك فتح مجال التقدم وتفعيل المكانة المادية البحتة القائمة على المنصب أَو المال أَو الجاه، حتى وإن تم بالغش والحيلة والوساطة والمجاملة واللف والدوران، وتم تسييسُ الدرجات العلمية، الأمر الذي أَدَّى إلى تدهور العلوم رغم تضاعُفِ الجامعات ومراكز البحوث والمدارس والإنفاق الباهظ على التعليم، وأصبح مقياسُ العلم بعددِ الأساتذة وعدد المؤسّسات العلمية، وإجمالي الإنفاق على التعليم، حتى الأبحاث العلمية أصبحت تُقيّمُ العلمَ بتلك المؤشرات الكمية، وإهمال الجوانب الكيفية بل تعمد إهمالها في كثير من الأحيان، مع العلم أن العديد من الأبحاث والدراسات أثبتت أن استخدام المؤشرات الكمية غير دقيقة بل وصفها البعض بأنها مضللة وغير صالحة للقياس، لا سيما في الجوانب القيمية.
سببٌ آخر يتمثلُ في تقليد الآخر تقليداً أعمى، حتى وصل الأمر إلى نقل الرسائل والأطروحات ومعظم الأبحاث بنفس التركيبة، وأَحْيَاناً بنفس الأرقام، ومن الصور الأُخرى نقل الهياكل للأبحاث والرسائل من الآخرين وبهذا تفتقد إلى الأمانة العلمية.
إضافة إلى ذلك هناك عوامل أُخرى أَدَّت إلى إضعاف الإبداع وعدم القدرة على الابتكار الخلاق، مع الإشارة إلى أنه لا يخلو مجتمع من إسهامات إبداعية خلّاقة.
ومنذ عقد تسعينيات القرن الماضي انتشرت الفوضى في الأوساط الاجتماعية بما فيها العلمي، الذي أصيب بالوباء، حيث وصل البعض إلى سلك هيئة التدريس ممن ليس لهم صلة لا بالعلم ولا بالأخلاق، وسيظلون عبئاً على أولادنا إلى أن يتولاهم الله في أوسع رحمته” حسب تعبير مدير عام إدارة التطوير الأكاديمي (سابقاً) حتى عام 2000م، وهو مصدرٌ موثوقٌ وله علاقةٌ بذلك ويتحمل جزءاً من المسئولية بحكم عمله، وليس بمستغرب أن تتناول الصحف ليس الحزبية والأهلية فقط، بل حتى الرسمية، جعلت من موضوع التعليم العالي وتوزيع الدرجات، وتفصيل معايير على أشخاص بعينهم، وحرمان واستبعاد آخرين من بلوغ مثل هذه الدرجات أَو المشاركة في هذا المجال، في ظل تقاسم وتبادل المنافع والمصالح (كما يتقاسمون اللحمة)، أضف إلى ذلك استنساخ في جامعات متشابهة، وكليات أشبه بمصانع الدبلومات والشهادات حتى الماجستير والدكتوراه، باسم فسح المجال للقطاع الخاص للمشاركة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل سمح لبعض الجامعات والكليات أن تفتح أقساماً تمس جوهر وظيفة الدولة، والتي المفترض أن تظلَّ ضمنَ الجامعات والكليات الحكومية، وإن كان أصحاب الجامعات الخَاصَّة ضمن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية –وهذا يزيد الطين بلة– خَاصَّة في مرحلة التحولات التي جعلت الجميع يلهث وراء المادة وتحقيق منافعه، وتولدت النزعات الفردية حتى بين الأقارب والأصحاب، ونتيجة لكل ذلك أصبح العلماء أشبه بنساك لا يصلي وراءهم أحد إلا الضال والمغفل.
التعليمُ بشكل عام والتعليم العالي والبحث العلمي خَاصَّةً يحظى برعاية استثنائية من رئيس الجمهورية، وتوليه الحكومة اهتماماً عالياً؛ باعتباره طوقَ النجاة للخروج من النفق المظلم محطة النور، أَو باعتبار التعليم قاطرةَ النجاة التي سوف تقودُنا إلى ارتفاع مستوى أداء الناس، وكفاءة المنظمات والنمو الاقتصادي والوعي السياسي والاستقرار الاجتماعي.
صحيحٌ أن الرغبةَ في التغيير متوفرة وملحوظة من خلال أحاديث واهتمام ذوي الشأن ومن لهم علاقة، بمن فيهم المؤسّساتُ (المجلس الأعلى للجامعات اليمنية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مجالس الكليات والجامعات)، غير أن الكثير ممن يتحدثون عن التغيير ويثرثرون حوله هم أكثر الرافضين له، فيجب علينا أن نكون صادقين وأن نؤمن بأن التغيير يمكن أولاً بالتعليم؛ لأَنَّ التعليم تغييرٌ في المفاهيم والسلوكيات وبناء البشر بالمعنى الاعتباري.
ومؤسّساتُنا مهتمةٌ كثيراً؛ لهذا بدأ العام 2004م بمناقشة ومداولات اللجنة الخَاصَّة بالتعليم العالي والشباب بمجلس النواب وأصدرت تقريرها الذي صور التعليم العالي بالسوداوية، مع ذكر بعض الإيجابيات، الحقيقة أن التقرير أكسب كُـلّ الممارسات الخاطئة السابقة –رغم فداحتها– شرعية، وقطع الطريق على كُـلّ من يحب تناولها، وكان استباقاً تكتيكياً لتبرئة الفاسدين والمتسببين في تدهور التعليم العالي والبحث العلمي في السنوات الأخيرة، أسأل الله لهم ولي المغفرة.
عموماً تم الازديادُ الملحوظ بالتعليم العالي والبحث العلمي، ونوقشت العديدُ من القضايا والمشاكل والإنجازات عبر الصحافة والمقابلات، التي تعتبر مؤشراتٍ للمعرفة بوضع التعليم العالي والبحث العلمي ومساراته، وتحدّد اتّجاهاته، نقتطف جزءاً منها:
فحولَ أسلوب الجامعة في التدريس، أشار الأُستاذ الدكتور/ صالح باصرة –رئيس جامعة صنعاء [الأسبق]– أن “الجامعة ما زالت تؤدي وظيفةَ البحث العلمي بمستوى محدود في النوع والكم وأَحْيَاناً بشيء من التكرار”.
الدكتور مصطفى بهران -مستشار رئيس الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا رئيس مؤسّسة البحث العلمي[الأسبق]- يقول في إحدى اللقاءات الصحفية: ولكن على المستوى المؤسّسي الجامعات اليمنية ليست جامعات بحثية بأي شكل من الأشكال، ولا حتى جامعات تعليمية.
ومن جانب آخر، أشار الأُستاذ الدكتور/ عبدالوهاب راوح -وزير التعليم العالي والبحث العلمي[الأسبق]- إلى أن وظيفة الدولة في التعليم العالي وظيفة سياسية، أما البحثُ العلمي فهو عبارة عن حاجة من حاجاتها”، وَإذَا كان يلامس جزءاً من الحقيقة، نجد أن الفهمَ لوظيفة التعليم العالي يسير في اتّجاه غير ما تريد الدولة، نستشف ذلك في عدد من التصريحات لأساتذة لهم علاقة وظيفية بهذا الجانب، لا سيما في منح ومنع الدرجات العلمية حسب توجّـهاتهم بما فيها الحزبية، يقول الدكتور/ صالح باصرة لا أبيح سراً.. وإليكم الحقيقة.. وجامعة صنعاء تعلمُ السياسةَ ونقابة هيئة التدريس تسيس التعليم..، ووفقاً لدوافعَ واعتبارات متعددة تخضعُ للأهواء والتوجّـهات السياسية والحزبية لبعض الأساتذة ورؤساء الأقسام وعمداء الكليات يتم تعيين البعض والتعاقد مع البعض واستبعاد البعض.
في مقابلة مع الأُستاذ الدكتور/ أحمد الكبسي -نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية- أشار إلى عدد من السياسات والبرامج، وإلى الإنجازات، والإشكاليات، مُبدياً الرغبة في التغيير ومحدّدا بعض المحاور وما سيتم عمله، وأشَارَ إلى أن القصور في المناهج وعدم تطويرها، والاعتماد على التلقين لا الإبداع… كما أشار إلى أن (جزءاً من المشكلة الاعتماد الكلي على هيئة التدريس المساعدة… إلخ).
أما الأُستاذ الدكتور/ حمود العودي -المدرس بقسم الاجتماع- فيقول عن انعدام روح البحث العلمي عند الأكاديميين في بلادنا: “هذه الظاهرة المتفشية للأسف الشديد أفسرها بما يشبه المعتقدات اللاهوتية عند بعض الدراويش والمشعوذين الذين يدعون أن لديهم معرفةً ولا يملكها غيرُهم.. فكم من حامل الدكتوراه ليس له من ذلك إلا الاسم، وكم من إنسان عادي ليس لديه دكتوراه ولا ماجستير ولا عرف الجامعة، ولديه ما يتجاوز عشرات المرات مثل هؤلاء أدعياء العلم والمعرفة”.
إن مثل هذا الاهتمام بالتعليم العالي والبحث العلمي يعتبر ظاهرةً صحية تعرفنا بمشاكلنا وتدلنا على موقعنا وما هو المطلوب منا؟ إلى غير ذلك من التساؤلات السلبية والإيجابية، ومن جانب آخر تثبت توفر الإرادة والرغبة في التطوير والتحديث ليس من قبل المؤسّسات المعنية بالأمر، بل حتى أولئك الذين استبعدوا وحُرموا حتى الآن من استيعابهم لأي سبب كان، بما فيه الجهل المتفشي في البنية الاجتماعية والثقافية بما فيها الوسط العلمي.
قبل اختتام هذه المقالة، أشير إلى أن الدافعَ وراء كتابتها الخبر الذي قرأته في إحدى الصحف ومفاده عزمُ اليمن على عقد مؤتمر علمي في شهر ديسمبر 2004م، ليعطيَ حافزاً لمقدمي الأوراق والأبحاث؛ لبذل جهود تلمس في أعمالهم علما ومعرفة –منهجية– تثبت قدرات باحثينا وأساتذتنا، وأن لا يكون ترفاً وكلفته كما عهدنا في كثير من الفعاليات والأنشطة.
ومقترحي الذي أسهم به يتكون من جزأين هما:
- ضرورةُ ربط العلم بالأخلاق؛ لينتج إبداعاً خلاقاً وتجديداً وإضافةً، فكما عرفنا أن أسلحةَ التعامل مع الألفية الثالثة ثلاثة: (العلم، الإدارة، الأخلاق)، لاحظ رغمَ أهميّة الإدارة إلا أنها تقع بين العلم والأخلاق، نحن بحاجةٍ إلى إدارة تفجر طاقات العقول حتى تثمِرَ علماً، وإدارة توظف العلم لتثمر تكنولوجيا، وإدارة توظف التكنولوجيا؛ لتثمر مالاً، وإدارة توظف المال لتستمر حركة الدوران والنمو والتطور، وأخلاق تكون هي ضابط الإيقاع للحركة بين كُـلّ الأطراف، ويكون لها بنية مؤسّسية مستقلة، وترتبط برئاسة الجمهورية مباشرة.
- في ظل الدعوات إلى تسليعِ العلم والمعرفة، بحيث تلبي سوق العمل، وفي ظل وجود وانتشار ظاهرة الجامعات الخَاصَّة ومراكز التدريب المتعددة والمعاهد… إلخ، فينبغي إنشاء هيئة أَو مجلس أمناء يضُمُّ في عضويته (ممثلين لجهات الإنتاج من وزارة الصناعة إضافة إلى ممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، غرفة التجارة والصناعة،… إلخ)، وبحيث يتم تحديد المتطلبات العامة للخريجين الذين يحتاجونهم في سوق العمل، يهدفُ ذلك إلى ضمان جودة مخرجات التعليم بما يضمن التحسن المستمر لأداء العملية التعليمية، وتوحيد المعايير القياسية بين المؤسّسات التعليمية للشهادات في المهنة الواحدة، وينبثق عن هذه الهيئة أَو المجلس لجان متخصصة مثل (لجنة الجودة والتحسين المستمر والمتنامي، لجنة التقييس المحلي- العالمي… إلخ).
وبذلك يكونُ هذا الهيكلُ بمثابة عيون الدولة وأجهزة الإنتاج لمراقبة جودة العملية التعليمية، وبالتالي مراقبة الجودة للمنتج من هذه المنظومة التعليمية، وسيكون لمثل هذا العمل دور في عملية الإصلاح الذي تتبناه الدولة، وأن تتبع هذه الهيئة مجلس الوزراء الذي بدوره سيتابعها ويدعمها.
والله الموفق..