سرطانُ الدم يقضي على الطفلة “براءة” مستغلاً الحصارَ والدورَ الأممي المفضوح
الأممُ المتحدة شاركت بصمتها عن الحصار في قتل ابنتي
تمكّنت من جمع المال الكافي لنقلها للخارج وعلاجها لكن إغلاقَ المطار حال دون ذلك
قيامُ العدوان والحصار بقتل طفلتي أجبرني على الالتحاق بمتارس رجال الرجال للاقتصاص من قتَلة الأطفال
صحيفة المسيرة تلتقي والدَ طفلة فتك بها الحصار:
طفلتي قتلها السرطان بالتعاون مع الأمم المتحدة التي تجاهلت الحصار وإغلاق المطار
المسيرة: منصور البكالي:
مع استمرارِ العُــدْوَانِ الغاشِمِ على بلادنا، والتجاهل الأممي المفضوح لإغلاق مطار صنعاءَ وما ترتب عليه من معاناةٍ إنْسَانيةٍ كبيرةٍ، ما تزالُ آلةُ الحصار القاتلة تحصُدُ أرواحَ المرضى من الأطفال والنساء والكبار والصغار، لا سيما في ظل غياب الإمْكَانيات الصحية اللازمة؛ بفعل الحصار وآلة التدمير التي طالت هذا القطاع، لتضاف هنا روح طفلة في طليعة العقد الثاني من عمرها، إلى سجل الوفيات الذي دوّنته وحشيةُ أنظمة عميلة ومنظمات وُجدت لتحميَ هذا التحالف العُــدْوَان بغطائها الإنْسَاني الزائف.
الطفلةُ براءة بشير الحاشدي ليست الوحيدةَ التي قتلها السرطانُ والحصارُ وهي بعمر الزهور، بل إن مئاتِ الأطفالِ كانوا في عِدادِ موتى هذا السياج الوحشي الذي نصَبَه تحالفُ العُــدْوَان لقتل أبناء الشعب اليمنيّ جوعاً ومَرَضاً.
شهيدةُ الحصار “براءة” ذات الـ 13 عاماً وصلت في دراستها إلى الصف السادس الابتدائي، فلم تشفع لها ملايينُ الريالات أمام مطار صنعاء الدولي المغلَق لاستكمال علاجها بعد عودتها من دولة الأردن وتحسن حالتها، لتكمل مشوارها الدراسي، لتنضم إلى قائمة المرضى اليمنيّين، الذين حول الحصار رحلتَهم مع الحياة إلى رحلة مع قطار متهالك نحو محطة الموت.
لم تكمل براءة _كغيرها من أطفال اليمن_ دراستَها وهي في عمر 11 سنة كما أفاد والدها، حين أجبرها سرطانُ الدم على مغادَرَةِ الطاولة المدرسية دون توديعٍ لزميلاتها أَو طلب إجازة مؤقتة من مديرة مدرستها، بل ظلت في إجازة مفتوحة لعامين وهي تبحثُ عن طوق نجاة في مشافي اليمن والأردن، بل كان السرطانُ والعُــدْوَان والحصار وموتُ ضمير الإنْسَانية، ينتظرون اللحظةَ التي يتنزعون روحَها من جسدها، فيما إخوانها وأخواتها ووالدها ووالدتها وكل صديقاتها ينتظرون عودةَ الصحة إليها، والبسمة على وجهها.
تفوُّقُها وحصولُها على المرتبة الأولى في كُـلّ عام -حسب ما أورد والدها بشير الحاشدي- لم يشفع لها أمام المرض والحصار، لتكون دفاترُ واجباتها المليئة بعبارات الشكر والتقدير والتفوق من قبل مدرسيها وكثير من الذكريات العالقة في تفكير أسرتها، تراثاً يجدّد الحزن، ويزيد الخوفَ إن استمرت المأساة بحق آلاف المرضى من السرطان، فيما شهاداتُها وشهاداتُ التقدير التي حصلت عليها ستظل شاهدةً للأجيال المتعاقبة عبر التأريخ، بأن القاتل شدّ الحصار وسلّط الأمراض جنوداً لتفتك بحياة الأطفال والكبار والصغار في اليمن دون تمييز.
لم تدرك منظمة اليونسكو المسئولة عن تشجيع تعليم الفتاة في الوطن العربي أنها تتواطأ مع العُــدْوَان والحصار الذي منع براءة من حقها في الحياة وحقها في التعلم قبل أَن تأخذَ حقَّها في العلاج والسفر إلى أية دولة للحصول عليه، بعد أن تمكّن والدُها بشير من جمع أموال قد تكونُ كافيةً للسفر بها ومعالجتها.
فيما والدها يتساءل: ألا يكفي براءة أني بذلتُ كُـلّ ما أملك في سبيل معالجتها؟ ولكن الحصارَ وعدم توفر العلاج في اليمن بدّد كُـلّ ذلك؟! وهل هي راضيةٌ عني بعد وافتها؟ وهل تعلم براءة أني لن أنساها ما حييتُ، بل ستكون الجبهةُ مترسي ومترسَ أخواتها؛ للانتقام لها أَو اللحاق بالشهادة في سبيل الله بعدها؟
أُمُّ براءة تتأزمُ نفسياً وتترك البيتَ هروباً من ذكريات براءة:
رحيلُ الطفلة براءة عن الحياة أخرج والدتَها من حالتها الطبيعية لتهجُرَ حياتَها السابقة وتقرّر الرحيلَ من منزل زوجها؛ للهروب من حالة الاضطراب النفسي الذي يصاحبها باستمرار كلما رأت أيَّ شيء يذكرها بفلذة كبدها براءة، وهو ما أفاد به زوجها بشير الحاشدي.
حيث أن أم براءة من شدة حبها لابنتها لم تصدق أنها تحوّلت قبل شهور إلى جثة هامدة في مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاءَ الذي يفتقر كغيره من مشافي اليمن لأبسط الإمْكَانيات والمستلزمات الطبية ليقدمَها للمرضى العاديين فما بالُكم بمرضى السرطان؟، ما تزالُ هذه الأم المكلومة منعزلةً مع الحزن والكمد في بيت أهلها إلى يومنا هذا، وهنا يؤكّـد زوجها ‘‘كل ما تزورُ قبرَ براءة تزداد حزناً إلى حزنها وتعيش حالة نفسية صعبة’’.
والد براءة: السرطان ليس القاتل الوحيد لطفلتي فالأمم المتحدة هي السرطان الآخر:
بهذه العبارة رفع والد الطفلة وعيناه تذرفان الدموع من شدة القهر والحزن والفراق لها، دعوته القضائية إلى الإنْسَانية ضد الأمم المتحدة والمنظمات الإنْسَانية والحقوقية والمبعوث الأممي إلى اليمنيّ “غريفيث” المتهمين بمساعدة السرطان على قتلها، قائلاً: “السرطان ليس القاتل الوحيد لطفلتي بل إن الأمم المتحدة هي الشريك الآخر والسرطان الإنْسَاني الذي ترك سرطان الدم من القضاء على براءة”.
وعندما سألته عن حالته المادية ومَن هي الجهات التي تعاونت معه في دفع تكاليف الرحلة العلاجية الأولى إلى الأردن قبل العُــدْوَان بشهر واحد قال: “بفضل الله كان لديّ أرضٌ وبعتها بعدد من الملايين وتساعد معي الأقارب ومن فاعلة خير في الأردن، ومؤسّسة السرطان، ولكن بعد الحصار لمطار صنعاء لم يعد للمال نفعاً أمام الحصار”.
حلمٌ كاد يتحقّق لولا الحصار والدور الأممي المخزي الذي جعله بعيد المنال:
يقولُ والد براءة: “كنتُ أحلُمُ بشفاء ابنتي بعد تحسن حالتها في الأردن، وبمُجَــرّد عودتنا إلى صنعاء في ظل استمرار الحصار البري والبحري والجوي المفروض على شعبنا اليمنيّ والكثير من الأدوية والمحاليل اللازمة لتقديم الخدمات العلاجية المتكاملة لمرضى السرطان غير متوفرة، صار ذلك الحلم بعيدَ المنال”.
فمرضى السرطان يستطيعون في كُـلّ الدول السفر والتنقل بسهولة للعلاج، إلّا في اليمن، حيثُ يموتُ الأحياء بقصف الطيران وسوء التغذية، ويموت المرضى؛ بسَببِ عدم توفر العلاج وإن وجد في الصيدليات فأسعارُه غاليةً جِـدًّا، ولن يعد يحصل عليها غيرُ القليل من الميسورين.
مماطلةُ المبعوث الأممي بتنفيذِ اتّفاق السويد تزيدُ من وفيات المرضى:
عندما سألتُ والدَ براءة عن مَن يحمل المسؤولية عن عدم تنفيذ اتّفاق السويد وفتح المطارات أمام المرضى قال: “يعلمُ المبعوثُ الأممي أن في أبناء شعبنا اليمنيّ مرضى بسرطان وغيره من الأمراض الفتاكة ويحتاجُون إلى علاج غير متوفر في ظل استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي والحصار الثلاثي، وهناك الكثيرُ ممن فقد حياتَه من مختلف شرائح وفئات المجتمع، وهناك تقارير تصل إليه بهذا الخصوص، وهو يشاهد اعتصاماتِ المرضى في صالة مطار صنعاء خلال أكثرَ من رحلة تحطُّه فيه، ولكنه يماطلُ في تنفيذ بنود اتّفاق السويد والذي من ضمنها رفعُ الحظر الجوي على المطار أمام الحالات المرضية، وهذا يزيدُ من نسبةِ الوفيات بمرض السرطان أَو غيره من الأمراض القاتلة؛ ولذلك نحمِّلُ المبعوثَ الدوليَّ إلى اليمن ودول العُــدْوَان والحصار الجزءَ الأكبرَ من هذه المسئولية، إضَافَةً إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنْسَانية التابعة له في توفير العلاجات والضغط على الأمم المتحدة لإصدار قرار برفع الحصار عن شعبنا اليمنيّ جوًّا وبرًّا وبحرًّا”.