خطاباتُ قائد الثورة في المولد النبوي.. دليلٌ إرشادي شاملٌ لصنع “واقع محمدي”
إطلالة موجزة على بعض ما تحدث به السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي في مناسبات المولد:
المسيرة | خاص
منذ أول فعالية جماهيرية أحيت المولدَ النبويَّ عام 1429هـ، شكّلت خطاباتُ قائد الثورة السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي السنويةُ في مثل هذا اليوم من كُـلّ عام، محطةً فكريةً وسياسيةً وثقافيةً بالغةَ الأهميّة، حتى باتت مميزةً عن بقية خطاباته، وباتت تُنتظَرُ كُـلَّ عام بشكل خاص؛ كونها تتضمَّنُ نظرةً شاملةً تربطُ الواقعَ بالتأريخ، وتصلُ كُـلّ المشاكل الرئيسية بالحل الوحيد، وتوضح الموقفَ المبدأي من كُـلّ القضايا على الساحة العربية والإسلامية والعالمية، الموقفَ الذي على ضوئه تتحدّدُ مساراتُ العمل في كُـلّ المجالات؛ كونه ينطلقُ من رسالة شاملة حدّدَ بها اللهُ طُرُقَ التعامل مع كُـلّ المتغيرات، وحذّر من تجاهلها والتعامل المنقوصِ معها.
المتابِعُ لهذه الخطابات يرى تأكيداً متكرّراً من قائد الثورة، على أن إحياءَ هذه المناسبة “ليس ترفاً أَو استعراضاً”، وهي نقطةٌ مهمةٌ ينطلقُ منها القائدُ ليوضحَ أن الأعداءَ يحسبون لهذا الاحتفال ألفَ حساب، وبالتالي فَإِنَّ الموضوع لم يكن يوماً بَعيداً عن جوهرِ الصراع مع قوى الاستكبار التي نرى بوضوح عداءَها لنا، بل تتعلقُ به بشكل مباشر، ولكن كيف؟
يطرحُ قائدُ الثورة نقطةً محوريةً في خطابات المولد النبويّ الأولى، وهي أن القوى الاستكبارية تشن هجمة شرسة لفصل المسلمين عن النبي، مستشهداً على ذلك بحملات التشويه والإساءة التي ظلت وسائلُ الإعلام الغربية والصهيونية تشنها بكثافة ضد شخصِ رسول الله صلواتُ الله عليه وآله، لكن قائدَ الثورة يرتقي بالنظرة إلى هذه الحملات إلى مستوىً أعلى بكثيرٍ من نظرة الكثيرين لها، ففيما يتعاملُ هؤلاء مع هذه الإساءات باعتبارِها “تصرفاتٍ فرديةً” لحظيةً يدُقُّ قائدُ الثورة جرسَ الإنذار، منبهاً إلى أن تلك الإساءات موجَّهةٌ من قبل الأنظمة الغربية بشكل مدروس من واقع أن استهدافَ الدين الإسلامي يمثّلُ في الحقيقة استهدافاً لمركَزِ القوة الوحيد الذي يمكن أن ينهضَ به المسلمون، ومن هنا يتضحُ أن مظاهرَ الارتباط والتمَسُّـك برسول الله، وعلى رأسها الاحتفال بالمولد النبويّ، يمثل رداً مهماً على الأعداء وضربة نوعية في ميدان الصراع.
بعبارة أُخرى: إذَا كانت أمريكا وإسرائيلُ ومن معهما قد استخدموا “الإساءةَ للنبي” كسلاحٍ استراتيجي لاستهداف الأُمَّـة، فهذا يعني أن التعبيرَ عن التمَسُّـكِ برسول الله، يعتبر ردًّا استراتيجياً.
وفقاً لهذا، توضح خطاباتُ قائد الثورة في مناسبة المولد النبويّ، أن الصراعَ السياسي والعسكري والثقافي مع قوى الاستكبار، يستهدفُ بشكلٍ رئيسيٍّ تعاليمَ وقِيَمَ “الرسالة المحمدية”، ليفتحَ بذلك أنظارَ الجماهير على أن التمَسُّـكَ بهذه الرسالة هو جوهرُ التمَسُّـكِ بالسيادة والاستقلال والحرية والحياة الكريمة والمستقبل المزدهر سياسياً وفكرياً وثقافياً واقتصادياً.
في هذا السياق، وفي إحدى خطاباته الأولى يوضح قائدُ الثورة أن سلطةَ نظام “صالح” قد منعت الناسَ من المشاركة في إحياءِ مناسبة المولد النبويّ، وهو ما يقدِّمُ دليلاً ملموساً على ما سبق، إذ يوضحُ أن الأعداءَ فعلاً يعتبرون أن مُجَـرّدَ التعبير عن التمَسُّـكِ بالرسالة المحمدية يُعيقُ مشاريعَهم ومصالحَهم وسياساتهم.
على هذا الأَسَاس، يمضي قائدُ الثورة في الحديث كُـلَّ عام عن مختلف المستجدات على الساحة من واقع هذا الصراع الذي يشكّل فيه “الإسلامُ” محورَ الارتكاز، فيتحدث عن “الانحراف” الحاصل في الأُمَّـة، ليوضحَ أنه ليس مُجَـرَّدَ تصرفاتٍ داخلية، بل جاء نتيجةَ عمل وخطط ممنهجة نفّـذها الأعداءُ على امتداد الزمن، في سبيل إبعاد الأُمَّـة عن الرسالة، ويتضمّنُ ذلك “الإسلام التكفيري” الذي طرأ على الساحة؛ بفعلِ توغُّلِ قوى الغرب في المنطقة سياسياً وثقافياً وعسكرياً، وهو الأمرُ الذي لا يستطيعُ الجميعُ إنكارَه، وهنا يستشهدُ بالقُــرْآنِ الذي امتلأ باستعراض قصص انحرافات الأمم السابقة وما جلبه عليها ذلك من مصيرٍ سيء، ليدُقَّ جرسَ الإنذار مرةً أُخرى بأن مُجَـرّدَ إبراز مظاهر التمَسُّـك بالرسالة المحمدية لا يكفي في الوقت الذي قد تمكّن الأعداءُ فيه من إحداثِ اختراقٍ من ِشأنه أن يستهدفَ هذه الرسالة من الداخل، وبالتالي فَإِنَّ نهضةَ الوعي بمقتضى وجوهر الصراع تستلزمُ تحصينَ الصَّفِّ الداخلي أولاً.
بالتالي، فَإِنَّه من الواضح أن الرسالةَ المحمديةَ يجبُ أن تؤخَذَ كاملةً؛ لأَنَّ الأخذَ ببعضٍ منها وتركَ البعض الآخر يتركُ للأعداء بواباتٍ كثيرةً لتحقيق هدفهم الرئيسي المتمثل في ضرب “الإسلام”، وهنا تأتي خطابات قائد الثورة لتؤكّـدَ على خطورة “الفهم المنقوص” للإسلام، وتوضحَ أنه بقدر الاهتمام بإظهارِ الانتماءِ للإسلام كسلاح استراتيجي في الصراع، يجبُ الاهتمامُ بما يفرضُه هذا الانتماءُ من التزامات، وبالذات في المجال القيمي والأخلاقي، الذي يوليه قائدُ الثورة اهتماماً خَاصًّا؛ كونه يمثلُ روحَ الإسلام، وبزواله يزولُ الانتماءُ للإسلام تماماً، بل تتفاقم خطورة هذا الأمر إلى تحويل المسلم أداة ينفّـذ مشروع العدوّ بشكل طوعي تحت اسم الدين الإسلامي.
كُلُّ هذه الأمور تناولتها خطاباتُ قائد الثورة في المولد النبويّ منذ البداية لتكونَ سلسلةً هامةً أعادت بلورةَ وعي جماهيري فريد يفهم أبعادَ التمَسُّـك بالإسلام والارتباط برسول الله، على مختلف المستويات، لكن خطاباتِ المولد خلال فترة العدوان بالذات، تميّزت بشكل خاص؛ كون المحتوى الفكري والسياسي والثقافي الذي قدمته جاء في فترة غنية بالبراهين الملموسة التي جسّدت توجّـهاتِ الأعداء لاستهداف الإسلام وتعاليمه، فقوى العدوان، وعلى رأسها السعودية، التي كانت تدّعي تمثيلَ الإسلام، كشفت وجهَها الحقيقيَّ كأداةٍ حقّقت أهدافَ دولِ الاستكبارِ في تشويه الرسالة المحمدية من الداخل، وصرّحت بموقفها العدائي تجاه الانتماء الحقيقي للإسلام، إذ بات الشعبُ اليمنيُّ يعرفُ جيِّدًا أن العدوانَ جاء في الحقيقة لمحاربة الموقف الجهادي المعادي لليهود والنصارى، وهو الموقفُ الذي يعتبر ركيزةً أَسَاسية للرسالة المحمدية.
هكذا، جاءت خطاباتُ قائد الثورة في فترة العدوان بالذات بالغة التأثير، وانعكس هذا التأثيرُ بشكل واضح على مدى التفاعل الجماهيري مع مناسبة المولد النبويّ، وهو التفاعُلُ الذي جعل اليمنَ اليومَ الدولةَ الأولى على مستوى العالم في الاحتفال بالمولد، لا سيما وأن خطاباتِ هذه المرحلة بالذات أوضحت للجميع خصوصيةَ “اليمن” في الرسالة المحمدية وارتباطَ اليمنيين التأريخي برسول الله، الأمر الذي جعل المشهدَ واضحاً أمام الشعب اليمني، ليدفعَه؛ للحفاظ على موقعه الريادي الأصيل في العالم الإسلامي، انطلاقاً من هُـوِيَّته التي تتعرّضُ للاستهداف؛ بسَببِ مدى ارتباطها بالمنهج النبويّ.
بالطبع، لا يتسعُ المجالُ لاستعراضِ كُـلّ ما حوته خطاباتُ قائد الثورة في مناسبات المولد النبويّ، وما مثّلته من محطة هامة صقلت هُـوِيَّةَ الشعب اليمني، وشكلت دليلاً إرشادياً تبلورت فيه مرحلةُ خروج اليمن من ظلمات القهر والاستبداد إلى نور الاستقلال والحرية والصمود والإنجاز والتفوق، وبالتالي يمكنُ القولُ ختاماً بأن هذه الخطابات تُعتبَرُ امتداداً حقيقياً للهدي النبويِّ الشامل الذي يستطيعُ إحداثَ تغييرٍ غيرِ مسبوق في الواقع، ويستطيعُ تفكيكَ المنهج الظلامي مهما كانت تراكماتُه كثيرةً وعميقةً، ويقدم حلولاً عمليةً مضمونةً لمختلف المشاكل، وهو ما يجعلُ من مراجعة هذه الخطابات والاطّلاع عليها أمراً مهمًّا للجميع، وبالذات في هذه المرحلة.