السيد عبدالملك الحوثي في خطاب بذكرى المولد النبوي الشريف 1441هـ:
أدعو الشعبَ للاستمرار في مسيرة التحرر والاستقلال وأحذِّرُ النظامَ السعودي من مخاطر الاستمرار في عدوانه
سنضرب أهدافاً حسَّاسةً في الكيان الصهيوني إذا تورط بأية حماقة ضد شعبنا
قوى العدوان والخونة نهبوا 12 تريليون ريال تكفي لصرف المرتبات لـ12 سنة
خطاب التحذير من تمادي العدوان والوعيد لإسرائيل
حيّاكم اللهُ، وأهلاً وسهلاً بكم..
بارَكَ اللهُ فيكم وكتب أجرَكم.. نفسي لكم الفداء يا أحفادَ الأنصار، يا يمنَ الإيمان والحكمة..
أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ..
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: 1-2].
وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف: 1-3]، وأَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شريك له، ولا كفؤ له، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: من الآية11]، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّداً عبدُه ورَسُوْلُه وخاتمُ أنبيائه، أرسله بالحقِّ {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: 45-46]، فبلَّغ رسالاتِ الله، وأقام الحُجَّة، وأوضَحَ المَحَجَّة صابراً، محتسباً، مجاهداً، مستقيماً، حتى لحق بالرفيق الأعلى مرضياً عمله، ومشكوراً سعيُه، ومرفوعةً درجاته.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية56]، اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارْضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ من المهاجرين والأنصار وعن التابعين لهم بإحِسانٍ، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصالحين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَوَاتُ الحاضرون في كُـلّ ساحات الاحتفال بهذه الذكرى المباركة:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ..
وكتب الله أجرَكم، وبارك فيكم على هذا الحضور المشرِّف المعبِّر عن الفرح والابتهاج والسرور برحمة الله للعالمين، وفضله العظيم المتمثل بخاتم أنبيائه وسيِّد رسله، سيدنا وقائدنا وقدوتنا: رسول الله محمد بن عَبدالله بن عَبدالمطلب بن هاشم “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، في ذكرى مولده المبارك، وقدومه الميمون، ومباركٌ لكم ولكافة أبناء شعبنا المسلم العزيز، ولأمتنا الإسلامية قاطبة، بهذه المناسبة المجيدة والذكرى المباركة.
في هذا العام، كما في الأعوام الماضية، يتبوَّأُ شعبُنا اليمني المسلم العزيز الصدارةَ بين أبناءِ الأُمَّــة الإسلامية في احتفائه واحتفاله واهتمامه بهذه المناسبة المباركة، حيث جعل منها محطةً تعبويةً وتربويةً ومعرفيةً؛ لتعزيز الولاء والمحبة لرسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”؛ ولترسيخ المفاهيم والمبادئ والقيم الإسلامية التي أتى بها من عند الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وللحثِّ على الاقتداء والتَّأسي برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والتعرف على مسيرته المباركة في حركته بالرسالة الإلَهِيّة، وما حمله من قيم، وما جسَّده من أَخْــلَاق، وبلَّغه من التعاليم الإلَهِيّة.
إنَّ شعبَنا العزيز، وهو يمن الإيمان والحكمة، بحكمِ هذا الانتماء وهذه الهُـوِيَّة الإيمانية، أدرك أهميّةَ هذه المناسبة، وما تمثِّلُه من فرصةٍ كبيرةٍ في مرحلةٍ حسَّاسة تعاني فيها الأُمَّــةُ الإسلامية من مشاكلَ كبيرةٍ، وتواجه فيها تحدياتٍ خطيرة، وهي فيها بأمسِّ الحاجة إلى العودة إلى ينابيع الهداية والحكمة، وعناصر القوة، وأسباب الفلاح والنجاة والخلاص.
والحديثُ عن الرسول والقُــرْآن الكريم والرسالة الإلَهِيّة هو حديثٌ عمَّا نحن معنيون به؛ بحكم انتمائنا للإسلام، وحديثٌ عمَّا لا نجاة، ولا خلاص، ولا فلاح للبشرية إلَّا به، وحديثٌ عمَّا ثبت بالفعل نجاحه في إنقاذ البشرية في جاهليتها الأولى، فقد كان الناس يعيشون جاهليةً جهلاءَ، فقدوا فيها الرُّشْدَ الفكري في عقائدهم وأفكارهم وثقافاتهم، وفقدوا فيها الاستقامة والحكمة والصلاح في أعمالهم وتصرفاتهم وسلوكهم ومعاملاتهم، ونتاج ذلك هو الشقاء، والبؤس، والمشاكل بكل أنواعها، بدون أفقٍ للحل، وعظمت المعاناة، وتدهورت الأوضاع، وبات البشر في أسوء واقع، وفي أَمَسِّ الحاجة للتغيير وللخلاص.
إنَّ كُـلَّ الكيانات الموجودة آنذاك من إمبراطوريات ودولٍ كبرى بقادتها، ومفكريها، وساستها، ومنظِّريها، وما تمتلكه من إمْكَاناتٍ، وما تعتمد عليه من أفكارٍ وثقافات، وتسيرُ عليه من توجّـهاتٍ، وإنَّ كُـلَّ النخب الموجودة آنذاك من الأحبار، والرهبان، وعلماء أهل الكتاب.. وغيرهم، وإنَّ الشخصياتِ المؤثرة في المجتمع من قادةٍ، وزعماء عشائر.. ومن مختلفِ الشرائح الاجتماعية، الجميع لم يقدِّم الحل، وكان جزءًا من المشكلة، وما يصرُّون عليه ويتشبثون به كان يزيد منها، ومن آثارها السيئة في واقع الحياة؛ لأَنَّ الإنسانَ عندما يبتعدُ عن رسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وعن هديه العظيم، وعن نوره المبارك، فلن يجد أبداً البديلَ الذي يرقى إلى مستوى الهدى، ولن يمتلكَ النورَ الذي يكشف له كُـلّ الظلمات، وهذا ما وقعت فيه البشرية آنذاك، بعد أن انحرفت عن رسالةِ الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وتعاليمه فيما جاء به أنبياء الله: إبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى “عليهم السلام”.. وغيرهم من الأنبياء السابقين، وانحرفت عمَّا كانوا عليه من مبادئ عظيمة، في مقدِّمتها مبدأ التوحيد، وعمَّا كانوا عليه من أَخْــلَاق، وعن التعاليم الإلَهِيّة القيمة التي تصلح بها حياة الناس.
ومن بعد نبي الله عيسى “عليه السلام” امتدت الفترةُ، وتعاظم الانحرافُ والتحريف، وكان الكثيرُ مما يُقدَّم للناس تحت عناوينَ مختلفةٍ باسم الدين، وباسم المصلحة.. وغير ذلك. إنما هو باطلٌ له أثرُه السيء على الإنسان في نفسه وفي حياته، والذين يقدمونه إنما ينطلقون لتحقيق مكاسبَ ومصالحَ شخصيةٍ أَو فئوية، مع فقدانٍ للتربية الروحية والأَخْــلَاق الصحيحة.
إن نتاجَ تلك الحال هو أن ازداد الضلالُ بكل أشكاله العقائدية والعملية، من شركٍ، وكُفرٍ، وإجرام، وظلمٍ، وفساد، وابتعدت البشريةُ عن الخير وعن الحق في حياتها، بقدر ما ابتعدت عن تعاليم الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وهديه ونوره، بكل ما في ذلك من خطورةٍ كبيرةٍ على الناس في حياتهم، وفي مستقبلهم في الدنيا والآخرة.
وكان من نتائج ذلك الضلال: أن تصبحَ الخُرافةُ عقيدةً، والأساطيرُ ثقافةً، وأن تنعدمَ التربيةُ الروحية والأَخْــلَاقية الصحيحة، التي تزكّي الإنسان، وتنمّي فيه مكارم الأَخْــلَاق، وتصلح سلوكَه وأعماله، وأن يختلَّ الانضباطَ والالتزامَ في مسألة الحلال والحرام، وأن يَعْظُمَ التحريفُ لكتب الله وتعاليمه وفقاً للأهواء والرغبات، حتى سيطرت المفاهيم الظلامية، والأفكار الباطلة، والعادات السيئة على مسيرة حياة المجتمع، فكان الواقع ظلامياً بكل ما تعنيه الكلمة، وكانت القوى المسيطرة والنافذة والمؤثِّرة من دولٍ وزعامات، تستفيدُ من ذلك في الاستعباد للناس، والاستغلال لهم، ولم يبقَ في ذلك الواقع ما يمكن أن يشكِّل خلاصاً منه، ولا حلاً لما تعانيه البشرية فيه، لا زعماؤه وحكَّامه، ولا نخبه من أحبارٍ، ورهبانٍ، وكهانٍ.. وغيرهم، ولا من رؤى، وأطروحاتٍ، وأفكارٍ، وثقافاتٍ، وتوجّـهاتٍ، فساء واقع الحياة، وامتلأت الأرضُ ظُلماً وجوراً، وبلغ الحال ومستوى الانحطاط والإفلاس الإنساني إلى أن يقتل الآباء أطفالهم: إمَّا قرابين للأصنام، وإمَّا خشيةَ الإملاق والفقر، وإمَّا وأداً للبنات في التراب، قال الله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}[الأنعام: من الآية137]، إضافةً إلى انتشار الفواحش، والمنكرات الفظيعة، وإلى أَنْ تكونَ الجريمةُ سلوكاً منتشراً وسائداً في جاهليةٍ جهلاء، ومرحلةٍ ظلماء، فكانت البشرية في أَمَسِّ الحاجة إلى الإنقاذ لها، ليس فقط لذلك الزمان فحسب. بل وللأجيال اللاحقة، التي لو استمر بها ذلك الحال، وتعاظم وكبر في واقعها ذلك الخلل جيلاً بعد جيل؛ لبلغ إلى مستوى فظيع من الضلال، والظلم، والوحشية، والإفلاس الإنساني والأَخْــلَاقي، والابتعاد عن الفطرة، بحيث يصعب تخيله! فمن هو المنقذ؟ وكيف تتم عملية الإنقاذ والخلاص؟.
إنَّ اللهَ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- هو رَبُّ العالمين، وملكُ السموات والأرض، وهو أرحمُ الراحمين، والعليمُ الحكيم، وهو رَبُّ الناس وملكهم وإلههم، وهو ولي نعمتهم، وفي مقدِّمة النعم: نعمة الهداية، التي بدونها لا يستفيدُ الإنسان من كُـلّ النِّعَم المادية مهما بلغت إمْكَانياته منها، بل تتحول هي إلى وسيلةٍ للظلم والفساد والطغيان، كما قال الله تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ الْإنسان لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق: 6-7]، فصلاح حياة الإنسان وسموه الإنساني يتوقف على الهداية الإلَهِيّة.
واللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- هو نورُ السموات والأرض، والهادي إلى سواء السبيل، والعليم الحكيم، ولا يمكن للبشر أن يستغنوا عنه في نعمة الهداية، كما لا يمكنهم أن يستغنوا عنه في نعمه المادية، فهو واهب الحياة، ومنه كُـلّ الخير، وهو الخالق لهذا العالم بكل ما فيه من كائنات، قال تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إصلاحهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُـلّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: 54-57]، فاللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- كما يرعى عبادَه في حياتهم بما وهب لهم من نعمَه التي لا تحصى ولا تعد، والتي لا بدَّ لهم منها في وجودهم: كالماء، ونور الشمس، واختلاف الليل والنهار بانتظامٍ عجيب، وما خلق الله من الثمرات والغذاء المناسب للإنسان، وما هيَّأ به الأرض لتكون مكاناً مناسباً لحياة الإنسان، وما أكرم به الإنسان في خلقه، وصورته، ومداركه.. إلى غير ذلك. الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- الذي أنعم على هذا الإنسان بنعمه الواسعة، لم يهمل هذا الإنسان في جانب الهداية التي تنظِّم له مسيرة حياته، وتزكي نفسه، ويعي بها الهدف من وجوده، ويعرف بها مسؤولياته في هذه الحياة، وعواقب عمله في الخير والشر في الدنيا والآخرة، فالله “جلَّ شأنُـه” برحمته وهو أرحم الراحمين، هو أرحم من أن يترك البشر بدون هدايةٍ لصلاح حياتهم، ونظم أمرهم، وحلِّ مشاكلهم، سيما ووجودهم يرتبطُ به من الأَسَاس مسؤولياتٌ كبيرةٌ عليهم.
واللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وهو الملك الحق، فإنَّ جانباً أَسَاسياً من تدبيره لملكوته هو الهداية، والتعليمات التي يوجهها إلى عباده، فهو -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- الذي له الخلق والأمر، وهو سبحانَه لم يقطع صلتَه بعباده في الهداية منذ بداية الوجود البشري، حين خلق آدم أبا البشر وحواء “عليهما السلام”، فأرفق هذا الوجودَ بالهدى والتوجيهات والتعليمات ذات الصلة بمسؤولية الإنسان، وصلاح حياته، ومستقبله الأبدي في الآخرة، ومعها رعايته المرتبطة بها فيما وعد به عباده، وفيما حذَّرهم منه.
واستمرَّت هذه الصلةُ بالهداية عبر الرسل والأنبياء، وما أنزل عليهم من الهدى، وعبر الهداة من عباده عبر التاريخ الإنساني، كما قال تَعَالَى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: من الآية165]، وكانت مشكلةُ الناس هي في الابتعاد عن رسالة الله تَعَالَى وهديه العظيم: إمَّا بالكفر والجحود والرفض لها جملةً وتفصيلاً، كما فعله الكثير من البشر؛ اتِّباعاً للطغاة والمجرمين. وإمَّا عبر التحريف لها، وتفريغها من لبِّها ومن محتواها الأَسَاسي، كما فعله البعض الآخر، والنتيجةُ لكلا الأمرين: هي الضلالُ والباطل، هي الظلم والفساد، هي المفاهيم الظلامية، هي الاستعباد والاستغلال لصالح الطغاة والمجرمين، هي الفوضى في الأعمال التي يترتب عليها الكثير من المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، والأزمات الكبيرة، والمعاناة الرهيبة، وهذا ما حدث في مرحلة الجاهلية الأولى قبل مبعث خاتم الأنبياء رسول الله محمد “صلى الله وسلم عليه وعلى آله”.
وأتت رحمةُ الله “جلَّ شأنُه”، وكان أكبرُ بشائرها وإرهاصاتها حين أهلك الله أصحاب الفيل، يومَ توجّـه أبرهةُ الحبشي بجيشه الجرار، وفي مقدِّمته الفيل الذي كان آنذاك كائناً مُخيفاً بالنسبة للعرب، كما يمثِّل وجودُه في جيش أبرهة، كان يمثِّل بالنسبة للروم رمزاً للقوة العسكرية في ذلك الزمن، وهدفت هذه الحملةُ العسكرية إلى السيطرة التامة على مكَّةَ المكرمة، ووأد مشروع الخلاص ووأد مشروع الخلاص، والقضاء على مستقبل الرسالة الإلَهِيّة، بعد أن عرف الطغاةُ أولئك مؤشراتِ وعلاماتِ اقتراب القدوم المبارك لخاتم الرسل والأنبياء، إضافةً إلى سعيهم لتدمير الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، برمزيته الدينية، وقدسيته المعروفة، فكان التدخُّلُ الإلَهِيُّ المباشرُ بتدمير ذلك الجيش بكله، وإفشال مساعيهم بشارةً عظيمة، وعبرةً مهمةً في أنَّ اللهَ غالبٌ على أمره.
في ذلك العام (عام الفيل) وُلِدَ رسولُ الله محمد بن عَبدالله بن عَبدالمطلب بن هاشم، يتصل نَسَبُه بنبي الله إسماعيل ابن نبي الله وخليله إبراهيمَ “عليهما السلام”، وُلد في مكة المكرمة، ونشأ يتيماً، حيث توفي والده مبِّكراً، ثم توفيت والدته وهو- كما يقال- في السنة السادسة من عمره، فآواه الله، وكفله جَدُّه عَبدالمطلب، ثم توفي جده عَبدالمطلب وهو -كما يقال- في السنة الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب بقية طفولته، ووقف معه في بقية المرحلة المكية، وناصره منذ بعثته بالرسالة إلى أن توفي أبو طالب قبل هجرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” إلى المدينة بزمنٍ يسير.
كانت نشأة النبي محمد “صلى الله عليه وعلى آله” نشأةً مباركةً، وأنبته الله نباتاً حسناً، وحَظِيَ بالإعداد والرعاية الإلَهِيّة التي تهيئه لمسؤوليته الكبيرة ودوره العظيم في حملِ الرسالة الإلَهِيّة والإنقاذ للبشرية، فلم يتأثرْ بالواقع الذي كان يعيشُ فيه، ولم يتدنَّسْ بدنس الجاهلية، بل نشأ نشأةً فريدةً ومتميزة، فنمت بنموِّه وكَبُرَت معه مكارمُ الأَخْــلَاق والرُّشد والحكمة.
وفي الأربعين من عمره بعثه اللهُ برسالته إلى الناس كافة رحمةً للعالمين، ليبدأ بحركته بها ضمن الخطة الإلَهِيّة الحكيمة من مكةَ، حيث يتهيّأ له كمركَزٍ ديني يقصده الناس للحج انتشار صدى الإسلام وخبر الرسالة إلى سائر البلدان، وسعى رسولُ الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله” إلى تكوينِ أُمَّــةٍ تحملُ هذه الرسالة إيماناً بها، والتزاماً بها، وثباتاً عليها، تتسعُ دائرتُها يوماً بعد يوم، فكان أول نواةٍ لهذه الأُمَّــة رسول الله محمد “صلى الله عليه وعلى آله”، وزوجته الصديقة الطاهرة خديجة بنت خويلد، والصديق الأكبر السابق إلى الإسلام علي بن أبي طالبٍ “عليه السلام”، ثم اتسعت هذه الدائرة.
إنَّ الدروسَ التي تستفيدُها الأُمَّــةُ اليومَ عن السيرة النبوية في حركة رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله” في تلك الظروف، وما حقّقه اللهُ على يديه من نتائجَ، هي في غاية الأهميّة، والنجاح الذي تحقّق، ومستوى التغيير الذي امتد في أنحاء المعمورة، والتطورات الكبيرة المتلاحقة التي سقطت بها امبراطوريات ودول كبرى آنذاك، كُـلّ ذلك يمثِّل درساً مهماً جِـدًّا وكبيراً يجب استيعابه والاستفادة منه.
لقد كانت البدايةُ صعبةً، وواجه فيها رسولُ الله “صلى الله عليه وعلى آله” التحديات الكبيرة، بدءاً من مجتمع مكة، وقد انزعج الملء والمستكبرون من الإسلام، وعملوا بكل جهدهم للتصدي للرسالة الإلَهِيّة وبكل إمْكَاناتهم، فكانت الحرب الإعلامية والدعائية، والاضطهاد والصد والعداء الشديد في المرحلة المكية.
ثم بعد هجرة النبي “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” إلى المدينة وما شهدته تلك المرحلة من حروبٍ عسكرية واقتصادية، ومن تحالفاتٍ معاديةٍ للرسول والمسلمين، لقد اشترك في العداء والحرب على الإسلام ورسوله والمسلمين- آنذاك- العرب واليهود وإمبراطورية الروم، التي كانت -آنذاك- في مستوى نفوذها وقوتها أكبر دولةٍ في ذلك العصر، ولم يكن لدى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” الإمْكَانيات المادية الكبيرة التي يعتمد عليها في مواجهة تلك التحديات، بل كان التمويل يعتمد على إنفاق المؤمنين، وهم قلةٌ قليلة، وإمْكَانياتهم محدودة، وأكثرهم كانوا من الفقراء والمستضعفين، وبتلك القلة القليلة من المسلمين الذين كانوا بالعشرات، ثم بالمئات، ثم بالآلاف، ومن منطقةٍ صغيرة احتضنت هذا المشروع الإلَهِيّ، هي المدينة المنورة، بعد هجرة النبي إليها انتصر الإسلام، واتسعت رقعته، وأحدث تغييراً كبيراً وتحولاً هائلاً في الواقع، ولم يكن مجرد انتصار عسكري، وأحدث نقلةً كبيرةً في واقع المسلمين من أُمَّــةٍ مستضعفةٍ صغيرةٍ، إلى أُمَّــةٍ في المرتبة في الواقع البشري، بعد أن تهاوت أمامها الإمبراطوريات، وكبريات الدول والكيانات الأُخرى، وأصبحت الأُمَّــة الإسلامية يومئذٍ هي الأقوى حضوراً وتأثيراً وقوةً في الساحة العالمية، وكل هذا في غضون سنواتٍ معدودة، فلماذا؟ ما هو سِرُّ قوة هذه الرسالة، وسِرُّ نجاحها، وسِرُّ نجاح الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” في إحداث كُـلّ هذا التغيير والتحول؟
لأَنَّ رسالةَ الله تَعَالَى تمتلكُ من عناصر القوة والتأثير والنجاح ما لا مثيلَ له في أي مشروعٍ آخر، ونذكُرُ بعضاً منها باختصار:
أولاً: هي رسالةُ الله ودينُه الحقُّ، تحظى أيةُ أُمَّــةٍ تتمسك بها برعاية الله وتأييده ونصره، كما قال تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فاللهُ “جلَّ شأنُـه” هو الذي يدعم وينصُرُ هذه الرسالة، والأُمَّـة التي تؤمن بها، وتلتزم بها، وتتحَرّك على أَسَاسها، تحظى من الله بتأييده ومعونته ونصره.
ثانياً: هي دينُ الفطرة، تنسجمُ مع الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها، وعندما تصل بشكلٍ صحيحٍ وسليمٍ إلى الناس، ويرى الناس نماذج لها في واقع الحياة، يتقبلونها، وينسجمون معها، إلَّا من طبع الله على قلبه وخذله.
ثالثاً: كان لرسول الله “صلى الله عليه وعلى آله” دورٌ أَسَاسيٌّ بما منحه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- من مؤهلاتٍ عاليةٍ لحمل هذه الرسالة والتحَرّك بها، وفي إيمانه العظيم، وفي أَخْــلَاقه العالية التي بلغ بها أعلى مرتبةٍ يمكن أن يصل إليها بشر، كما قال الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- مقسماً: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: الآية4]، وفيما كان عليه من حرصٍ عجيب، واهتمامٍ كبيرٍ جِـدًّا في سعيه لهداية الناس، كما قال تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: الآية128]، وفي صبره العظيم، وتحمله، وثقته بالله تَعَالَى، وتوكّله عليه، فكان له دورٌ أَسَاسيٌّ في إحداث ذلك التغيير الكبير، ونجح في مهمته لتبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وإقامة الحجة، وتصحيح مسار البشرية، ومواجهة أصعب التحديات، نجاحاً لا مثيل له.
رابعاً: تمتلكُ الرسالةُ الإلَهِيّةُ من الخصائص ما لا مثيلَ له في أي مشروعٍ آخر؛ لأَنَّها من الله، من حكمته، من رحمته وعلمه بما هو خيرٌ وصلاحٌ لعباده، وهي شاملةٌ تشمل كُـلّ الجوانب المهمة للإنسان في تصحيح فكره وثقافته ومفاهيمه، فهي نور الله الذي يخرجنا من الظلمات، وفي تزكيتها للنفس، وتطهيرها من الدنس، وتربيتها على مكارم الأَخْــلَاق، وفي تعزيز صلة الإنسان بالله في تعاليمه، وفي رعايته المصاحبة لها، وفي بنائها الصحيح لحياة الإنسان وترشيد سلوكه وتصرفاته، إنها رسالةٌ تُصلِحُ الإنسانَ، وتُصلِحُ حياته، وتقدِّم أعظم برنامجٍ يسير عليه في حياته، وهي بذلك الطريقة الوحيدة لإنقاذ البشرية مما تعانيه اليوم من أزماتٍ ومشاكلَ متنوعةٍ.
خامساً: حفظ الله هذه الرسالةَ بأعظم وأهَمِّ وثيقةٍ موجودةٍ في الأرض، وهي القُــرْآنُ الكريم كتابُ الله المبارك والمعجزة الخالدة، كما قال تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: الآية9]، وهو الكتابُ العجيب الذي أنزله الله “جلَّ شأنُـه” لهداية عباده، كما قال تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا القُــرْآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، واعتمد عليه رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” في مهمته الرسالية بشكلٍ كبير، وهو في سعة معارفه وعلومه الواسعة كما قال الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- بشأنه: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف: الآية109]، وهو الحق الخالص الذي لا يشوبه ولا مثقال ذرةٍ من الضلال والباطل، كما قال تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 41-42]، وهو النور والفرقان الذي تكسب به الأُمَّــة أعلى درجات الوعي ومستويات الفهم والمعرفة الصحيحة والحكمة، ولا نجاة، ولا رحمة، ولا خلاص، إلَّا بالتمَسُّـك به واتِّباعه، هذه بعضٌ من العناصر المهمة الكفيلة بالنجاح والفلاح لمن يتمسك بهذه الرسالة الإلَهِيّة.
وإذا تأمّلنا في واقع البشرية اليوم في ظل هيمنة قوى الاستكبار والضلال، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، نجدها تعتمد في توجّـهاتها وسياساتها وتسخِّر كُـلّ إمْكَاناتها في سبيل تعزيز سيطرتها على الشعوب، وعلى مقدراتها وإمْكَاناتها، تعتمد على التضليل والإفساد، والتقويض للقيم والأَخْــلَاق؛ لتهيئ المجتمعَ البشري للقبول بسيطرتها والخنوع لها، وقد تسببت سياساتها الهدَّامة إلى إلحاق الضرر الكبير بالكثير من الشعوب في مختلف أنحاء الأرض، في أمنها، واقتصادها، وواقعها الاجتماعي، ونشرت فيها الفوضى والأزمات، كما استغلت المشاكلَ وزادت من تعقيدها والاستثمار فيها.
في ظل هذه الظروف، وما تعانيه أمّتُنا الإسلامية وكافة المستضعفين والمظلومين في العالم، وما يعانيه شعبُنا العزيز؛ بسَببِ العدوان الأمريكي السعودي الهادف إلى مصادرة الحرية والاستقلال، والاحتلال للبلد، والسيطرة على الشعب، فإننا ومن نور هذه المناسبة المباركة نؤكّـد على التالي:
أولاً: ندعو أمتنا الإسلامية وشعبنا العزيز إلى السعي الحثيث لتعزيز التمَسُّـك بهذه الرسالة الإلَهِيّة، وتعزيز الاقتداء برسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”، والتمَسُّـك بالقُــرْآن الكريم، مع العناية الفائقة بالتثقف بثقافة القُــرْآن الكريم، وفكِّ كُـلّ أشكال التبعية لقوى الاستكبار والغرب الكافر، والاهتمام بتعزيز الاستقلال الحقيقي على المستوى الثقافي والفكري.. وفي كُـلّ مناحي الحياة: اقتصادياً، وسياسيّاً، وحضارياً.
كما أدعو الشبابَ إلى الحذرِ من حالة الفوضى في التلقي الثقافي والإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فجزءٌ كبيرٌ مما يتم نشرُه يستهدفُهم بالتضليل الثقافي والإفساد الأَخْــلَاقي، ومصدره أعداءُ الأُمَّــة وعملاؤهم.
إنَّنا -أَيُّهَا الأعزاء- أُمَّــةٌ يجبُ أن نتحلّى بالوعي، نحن أُمَّــة محمد، نحن أُمَّــة القُــرْآن، يجب أن نتحلّى بالوعي، وأن نعرفَ من نحن، وكيف يجبُ أَنْ نكونَ، ومن هو العدوّ، وما هي مؤامراته وأساليبه في حربه الشيطانية.
ثانياً: أدعو شعوبَ أمتنا كافة إلى أخذ الحيطة والحذر في تعاملها مع مشاكلها بما لا يفتحُ ثغرةً للأعداء، كما حصل مؤخّراً في العراق وفي لبنان، فالموقفُ الإسرائيلي المبتهجُ ببعض التطورات في العراق ولبنان، والارتياحُ الأمريكي يكشفُ بوضوح أهميّةَ الحكمة، والوعي، والتصرف الصحيح الذي يحقّق المطالبَ المشروعة دون تقديم خدمةٍ للأعداء، وضرورة التحلي بالمسؤولية في اعتماد الخيارات والوسائل العملية.
كما أدعو الحكوماتِ إلى تقوى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- تجاهَ شعوبها، وأن تؤدِّيَ دورُها في خدمتهم ومسؤولياتها تجاههم بأمانة، ونزاهةٍ، ومصداقيةٍ، وإخلاص، وأن تدركَ مخاطر أدائها الفاشل، وعواقب الفساد والخلل الذي يساهم أكثرَ وأكثرَ في تفاقم الأزمات.
ثالثاً: أنصحُ تحالُفَ العدوان الظالم بوقف العدوان والحصار على شعبنا العزيز، فشعبُنا لن يتراجعَ أبداً بإذن الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- في مسيرته التحرّرية، التي تحقّق له الاستقلالَ التام وحريةَ القرار وفقَ مبادئه وانتمائه وهُـوِيَّته الإيمانية، تجاه قضاياه في الداخل، وفي موقفه تجاه قضايا الأُمَّــة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية: إنساناً، وأرضاً، ومقدسات، والموقف الحاسم من إسرائيل كعدوٍ للأُمَّــة الإسلامية، والمناهضة للهيمنة الأمريكية، والنزعة الاستعمارية، والسياسات العدائية الأمريكية ضد أمتنا الإسلامية.
إنَّ تمسُّكَ شعبنا العزيز بحقه في الاستقلال، وتمسكه بموقفه تجاه هذه المسائل، وتمسكه بالأُخوّة الإسلامية مع أبناء أمته، هو موقفٌ مبدئيٌّ إيمانيٌّ دينيٌّ لا يمكن التخلي عنه، ولا المقايضة به في مزاد المساوات السياسيّة، ومن يسعى بالحروب، والحصار، والعدوان، والجرائم اليومية، إلى التحكم بنا كشعبٍ يمنيٍ مسلم، وإرغامنا على الخنوع والعبودية؛ فهو يسعى للمستحيل الذي لن يصلَ إلى تحقيقه، وعاقبةُ أمره الخُسران.
إننا نمدُّ أيديَ الإخاء والسلام إلى كُـلِّ أمتنا الإسلامية، ومَن يعادينا كشعبٍ يمنيٍّ ويعتدي علينا، يتحمل هو المسؤولية لخياره الخاطئ، وقراره الظالم، وإنَّ استمرارَ العدوان معناه أن نستمرَّ في تطوير قدراتنا العسكرية بمختلف أنواعها، وأن نوجِّهَ أقسى الضربات التي نتمكّنَ من توجيهها كعمليات ردع لوقف العدوان علينا، وهذا حقٌّ مشروع.
وهنا أوجِّهُ دعوةً للنظام السعودي بوقفٍ جادٍّ للعدوان والحصار، واحترام حَقِّ الجوار، وإلَّا فمخاطرُ الاستمرار في العدوان كبيرة، ونتائجُها عليكم وخيمةٌ، وينبغي أن تدركوا ذلك كحصيلةٍ لتجربة خمس سنوات.
رابعاً: تكرّرت تصريحاتُ مجرمي الحرب الصهاينة، وعلى رأسهم المجرمُ الصهيوني اليهودي نتنياهو، التي تتحدَّثُ عن اليمن كتهديدٍ لإسرائيل، وتسعى لربط ذلك بإيران، كما هي العادة الإسرائيلية.
إنَّنا في هذا المقام نؤكّـدُ على أنَّ موقفَنا في العداء لإسرائيل ككيانٍ غاصِبٍ ومُعادٍ لأمتنا الإسلامية، هو موقفٌ مبدئيٌّ إنسانيٌّ أَخْــلَاقي، والتزامٌ ديني، نلتقي فيه مع الأحرار والشرفاء من أمتنا الإسلامية، وَإذَا تورَّط العدوّ الإسرائيلي في أية حماقةٍ ضد شعبنا؛ فإنَّ شعبنا لن يتردّد في إعلان الجهاد في سبيل الله ضد هذا العدوّ، كما لن نتردّدَ في توجيه أقسى الضربات الممكنة لاستهداف الأهداف الحسَّاسة جِـدًّا على كيان العدوّ الإسرائيلي.
خامساً: أدعو الجهاتِ الرسميةَ في بلدنا إلى بذل كُـلّ الجُهد لرفع مستوى الأداء في خدمة الشعب بكل ما أمكن، بالرغم من شُحة الموارد وظروف الحرب والحصار، والعمل على تصحيح الوضع داخل مؤسّسات الدولة، ومكافحة الفساد بشكلٍ فعَّال، وتنفيذ الخطط التفصيلية للرؤية الوطنية، والسعي للمزيد والمزيد من تحقيق العدالة والأمن والاستقرار، وتصحيح الوضع في السجون، ومعالجة مشاكل السجناء.
كما أدعو شعبَنا العزيز بكل مكوناته وأطيافه إلى الاستمرار في مسيرة التحرّر والاستقلال، والحذر من الاختراق الخارجي، والحفاظ على وحدة الصف، وعلى السِّلم الاجتماعي، والعناية بالتكافل الاجتماعي، ورعاية الفقراء والمساكين، والعناية بأسر الشهداء والمرابطين، والعناية بإيتاء الزكاة كركنٍ مهمٍ من أركان الإسلام.
شعبَنا المسلم العزيز الصابر الصامد العظيم: إننا ندركُ حجمَ المعاناة التي تعاني منها، والتي جزءٌ كبيرٌ منها هو نتيجةٌ للعدوان والحصار، الذي سعى لتدمير كُـلّ مقومات الحياة، والتضييق على البلاد في كُـلّ الاحتياجات ومتطلبات الحياة، وسعى للوصول بالاقتصاد إلى الانهيار الكامل، وسعى مع الخونة من أبناء البلد إلى سرقة النفط والغاز، من خلال سيطرته على حقول النفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت، فالإنتاج من حقول النفط في تلك المحافظات يقدَّر خلال سنوات العدوان بأكثر من مِئة وعشرين مليونَ برميل من النفط، يعني: سرقة كبيرة، سرقة كبيرة جِـدًّا، والإيرادات التي كان شعبنا سيحصلُ عليها من مصادره من النفط والغاز.. وغيرها، وخسرها؛ بسَببِ العدوان وعملائه الخونة تقدَّر بأكثرَ من اثني عشر تريليوناً، كانت ستكفي لصرف المرتبات، اثنا عشر تريليوناً كانت ستكفي لصرف المرتبات لأكثرَ من اثني عشر عاماً، وهذا يكشفُ عن حجم الظلم الذي يعانيه شعبنا من عدوان تحالف العدوان وعملائه على المستوى الاقتصادي، وهذا يحتمُّ على شعبنا العزيز المزيدَ من الصمود والثبات في التصدي لهذا العدوان الجائر، السارق، الظلم، الغاشم، الناهب، المدمِّر، فشعبُنا في موقف الحق، ويمتلك القضية العادلة، وهو شعبٌ مظلوم، وعاقبة الصمود والثبات والتوكل على الله هي النصر الموعود الذي وعد الله به، وما صمود شعبنا وتماسكه كُـلّ هذه السنوات بالرغم من حجم العدوان ومستوى المعاناة، إلَّا نصرٌ من الله تَعَالَى، وبشارةٌ على حُسْنِ العاقبة، والعاقبةُ للمتقين.
إنَّ الخلاصةَ الجامعةَ لهذه المناسبة، وأهمَّ نتيجةٍ لها، هي ما قاله اللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- في الآية المباركة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21].
أَسْألُ اللهَ تعالى أن يباركَ فيكم، أن يَكتُبَ أجرَكم على هذا الحضور المبارك الكبير، وما سبقه من فعاليات تحضيرية، وأن يوفِّقَني وإياكم لنكونَ من المقتدين برسوله، والمتأسِّين به، والمتَّبعين له، وأن يحشُرَنا في زُمرته، وأن يجمعَنا به في مستقرِّ رحمته، وأن يرحمَ شهداءَنا الأبرار، وأن يشفيَ جرحانا، ويفرِّجَ عن أسرانا، وينصُرَنا بنصره.
أكرِّرُ المباركة لكم، ونفسي وروحي لكم الفداء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..