رغم الظروف وشحة الإمْكَانات وغياب الاهتمام الرسمي: قاع جهران ثاني أكبر بنك زراعي للحبوب في اليمن
قاع جهران.. لا يزال صامداً أمام زحف آفة القات «1»
تقرير| يحيى قاسم المدار
يُعتبَرُ موقعُ اليمن منحةً إلهيةً وهبها لليمنيين، حَيْــثُ تتنوَّعُ التضاريسُ ويتعدّد المناخ؛ بسَببِ جغرافيا الأرض من شواهق الجبال والمرتفعات وحتى الصحراء والبحر، وبفضل الله تعتبر أراضي اليمن زراعية بامتياز على عكس ما يسوِّقه البعض، فمنهم من اعتبر أن الأراضي الزراعية في اليمن لا تتجاوز المليون وستمِئة كيلو متر مربع وأن ما تتم زراعته بصورة مستمرّة لا يتجاوز المليون، بينما يترك البقية لأسباب عدة منها شُحة المياه وموجة الجفاف التي لحقت باليمن خلال السنوات العشرين الأخيرة وَأَيْـضاً قلة الأيدي العاملة والآلات الزراعية.
لكن ما يؤكّـده الواقع -بَعيداً عن التنظيرات والأفكار ومصالح المنظمات الخارجية في اليمن وكذا المتنفّـذين لإغراق السوق المحلية بالمنتجات الخارجية التي أضرت بالبلاد ولم يستفد منها أحد- أن عشرات الملايين من الكيلومترات قابلة للزراعة وإنتاج الفواكه والخضروات والحبوب بأنواعها، فقط ما نحتاجه في اليمن هو صدق النوايا والتوجّـه العام نحو الزراعة سعيا إلى الاكتفاء الذاتي أَو حتى الأمن الغذائي لليمنيين وضرورة إيقاف الاستيراد الذي كلف وما يزال يكلف اليمن فاتورة باهظة تقدر بملايين الدولارات لاستيراد الحبوب أَو الدقيق الأبيض والقمح، مع أن في اليمن -لو صدقت النوايا- ما يكفي من القمح الذي هو أكثرُ لذةً وفائدةً غذائية من القمح الخارجي المعالَج كيميائياً..
قاعُ جهران في محافظة ذمار من أكبر القيعان في اليمن ومن أَهَــمّ الأحواض الزراعية لِكُـلِّ المحاصيل، إذ يعتبر ثاني أكبر بنك زراعي للحبوب من القمح والشعير والذرة بعد تهامة، ويعتبر رافدا مهما للسوق المحلية من الخضروات وبعض الفواكه بعد انكفاء بعض المزارعين عن زراعة الحبوب وبيعها للسوق؛ بسَببِ دخول الحبوب الخارجية إلى البلاد بأقل الأسعار، وهو الأمر الذي أضر بالزراعة المحلية، فما يزرعه المزارعون في قاع جهران لا يبيعونه للسوق لتلك الأسباب، وإنما يدّخرونه في بيوتهم لتأمينِ الغذاء لهم ولأبنائهم كما يؤكّـد ذلك الحاج علي ناصر، حَيْــثُ يقوم هو وكل أفراد أسرته بحصاد مزرعتهم الكائنة في أول قاع جهران غرباً باتّجاه منطقة (ضاف)، ويقول: نحن هنا نقوم بزراعة أرضنا ونأكل من خيراتها هكذا كُـلّ عام ولم نحتج لشراء القمح من السوق أبدا، فقط ما ينقصنا هو عدم وجود حصَّادة لحصد ما نزرع، فهذا الحقل الصغير يكلفنا الكثير من الوقت والجهد نحن وكافة أفراد الأسرة نساءً ورجالاً، ولو وجدت الحراثة لما استغرقنا من الوقت أكثر من ثلاث ساعات بالإضَـافَـة إلى أنه حين ينزل المطر بعد الحصاد مباشرة يتسبب في إتلاف ما زرعناه خلال عام، ويواصل الحاج علي: نحن لا نريد أي دعم من أحد ما من الداخل ولا من الخارج ففي أرضنا ما يكفينا، وإلا كيف اكتفى أجدادنا الذين لم يحتاجوا لأحد، فقط ما نحتاجه هنا هو وجود حصَّادات زراعية توفرها الدولة بسعر رمزي ونحن مستعدون أن نزرع كُـلّ الأراضي لدينا؛ لأَنَّنا لم نزرع إلا جزءاً بسيطاً من الأرض التي نمتلكها، ولو وجد الدعم لزرعنا البقية، وبالنسبة للمنظمات الخارجية فهي أعطتنا بذوراً مسوسة زرعناها السنة الماضية وبعد أشهر طلعت لنا أشجار بدون ثمرة!!، ويقول –ضاحكاً-: ما احنا في حاجتهم؛ لأَنَّ اليهودي ما يريد الخير للمسلم، ويواصل حديثه قائلا: الحمد لله لدينا في البيت ما يكفينا من الحبوب وغيرها ولا نشتري شيئا من السوق باستثناء السكر والأرز فقط..
وفي نفس المنطقة تنظر يمينا ويسارا على جانبي الخط العام فلا تجد إلا زراعة متنوعة أغلبها من الخضروات وبعض الفواكه، وتزين المنطقة الكثير من مزارع الحبوب منها القمح والحبوب والبقوليات، كما تجد أبناء هذه المنطقة يكافحون ويعملون في أغلب المزارع بجميع أفراد الأسرة كما شاهدنا أَثناءَ الحصاد واستخراج ما أنبتت الأرض، نراهم يعملون كخلية نحل، ومن خلال سؤالنا لبعضهم عن الخير هذا العام؟ كان الجواب ربما من الجميع أن الأمطار غزيرة والسيول وفيرة ويحمدون الله على ما من به عليهم، ما يعانونه فقط هو أسعار السوق المتدنية لجميع المزروعات وَأَيْـضاً استمرار العدوان والحصار الذي أضرهم كَثيراً بعد أن زادت معاناتهم أَثناءَ تسويق منتجاتهم إلى محافظات أُخرى منها الحديدة وتعز، حَيْــثُ قُطعت الطرق وقصف العدوان عددا من السيارات في الطريق العام ومنعت منتجاتهم من الدخول إلى عدد من المحافظات المحتلّة التي تسيطر عليها قوى العدوان من الغزاة والمرتزِقة، فقد كانت تلك المناطق سوقا خصبا لتسويق أغلب ما تجود به محافظة ذمار من الفواكه والخضروات وغيرها..
وبرغم كُـلّ تلك الصعوبات التي يواجهها المزارعون اليمنيون إلا أنهم صامدون في مزارعهم وعلى أراضيهم الزراعية يحرثون ويزرعون ويحصدون وينتجون، راضون بالقليل، مصممون على هزيمة العدوان مهما كانت إمْكَانياته ومهما أمعن في استهدافهم في حياتهم ومعيشتهم..
وكثير من أبناء محافظة ذمار لا يبيعون الحبوب لعدة أسباب كما وجدنا ذلك في سوق الحبوب في ذمار الذي لا تكاد ترى فيه إلا القليل من منتجات الحبوب المزروعة محلياً وأغلب تجار الحبوب قد غادروا السوق إلى تجارات أُخرى، وقد طغى المنتج الخارجي من الدقيق الأبيض والقمح الخارجي على السوق؛ نظراً لسعره البسيط ووفرته وذلك من الأسباب التي أَدَّت إلى عزوف المزارعين عن زراعة الحبوب التي تتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال كما يتحدث إلينا الجميع، وكذلك بعد موجة الجفاف التي مرت بها اليمن خلال العشرين السنة الفائتة واعتماد الناس على مزروعات أسهل وتتطلب مياهاً قليلة..
وفي بداية نزولك إلى قاع جهران آتياً من صنعاء تلاحظ شجرةَ القات التي غزت قاع جهران وبدأت تجتاح الكثيرَ من المساحات الصالحة للزراعة بعد أن كانت مزروعة لأعوام وسنين بكافة أنواع الفواكه والخضروات والحبوب، حَيْــثُ تناسى المزارعون أنَّ شجرةَ القات لن تشبع جائعاً في يوم الحصار وكذا أن محصول القات لن يغطي فاتورةَ الاستيراد من الأكل والشراب طوال العام لو كانوا يعقلون، لكنهم اتجهوا نحوَ الكسب السريع من وراء شجرة القات التي يبذلون لأجلها الجهدَ والمالَ والوقتَ، وَأَيْـضاً تتطلب المياه بكثرة وبدأ الكثير منهم زراعتها في محميات وإن بدت بسيطة نظراً لتلف شجرة القات تماماً في أَيَّـام البرد الشديد في المنطقة التي تصلُ فيها درجة الحرارة إلى أقل من الصفر، المهم أن شجرةَ القات أخذت في تزايد في تلك المساحات الكبيرة في قاع جهران وستتكاثر مع الوقت إن لم يتم تدارك الوضع الكارثي على المنطقة والبلاد وتقوم الدولة بواجبها في إيقاف ذلك العبث بالأرض وتشجيع المزارعين على زراعة الحبوب وتوفير بعض احتياجات المزارعين كالحراثات التي يطالبون دائماً بتوفيرها في تلك المناطق..